نظرية العلل البذرية – مفارقات بين ق. كيرلس السكندري وأوغسطينوس – د. أنطون جرجس
نظرية العلل البذرية - مفارقات بين ق. كيرلس السكندري وأوغسطينوس - د. أنطون جرجس
نظرية العلل البذرية – مفارقات بين ق. كيرلس السكندري وأوغسطينوس – د. أنطون جرجس
في حين يستخدم أوغسطينوس نظرية رواقية في الأصل هي نظرية “العلل البذرية” لإثبات انتقال الخطية الأصلية عن طريق الجسد بسبب أن بذرة الجسد التي تتكون منها أجساد البشر هي بذرة آدم المشوهة بالخطية، لذا تنتقل الخطية الأصلية عن طريق بذرة جسد المعصية الأول الذي لآدم إلى أجساد ذريته، وعن طريقها تنتقل خطيته الأصلية إلى ذريته وتتوارثها بالتناسل عن طريق هذه العلل البذرية أو الجسدية، حيث يؤكد على وجود العلل البذرية في أجساد البشر كالتالي:
“هنالك علل جسدية* أو بذرية*، سواء أكان ذلك بمساهمة الملائكة، أو البشر، أو أي كائن حي آخر، أم بمجامعة الجنسين التي تؤدي إلى الإنجاب النوعي، أيًا كانت القوة التي تمارسها حركات الأمهات ورغباتها على ثمرة الحشا للتعديل في الملامح أو اللون، فإن تلك الطبائع ذاتها مهما طغى على كيانها من تأثيرات متنوعة، تظل عمل الله السامي دون سواه”.
(مدينة الله ١٢: ٢٥)
ثم يستخدم أوغسطينوس نظرية العلل الجسدية أو البذرية في تفسير انتقال الخطية الأصلية بالوراثة من آدم إلى نسله كالتالي:
“ولكن الإنسان قد أخطأ بحريته، فعوقب بعدلٍ، وانتقل إلى ذريته فساده والعقاب، لأننا جميعنا كنا فيه عندما كان وحده يمثلنا جميعًا. لقد سقط في الخطيئة بواسطة المرأة، التي استُلت من جنبه قبل الخطيئة. لم يكن آنذاك الشكل الخاص لكل وجود مخلوقًا، وما كان أحد منا مالكًا لحياته الخاصة، بيد أن البذرة* التي كان علينا أن نخرج منها* قد شوهتها الخطيئة*، وحملت أثقال الموت بحكمٍ عادلٍ، وجعلت الإنسان مولود الإنسان في الحالة عينها*”.
(مدينة الله ١٣: ١٤)
وهذا ما يقرره أوغسطينوس في موضع آخر، حيث يؤكد على أن طبيعتنا البشرية المريضة والخاطئة نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول الذي لا يستطيع من تلقاء نفسه إتمام الناموس وتكميل البر، حيث يقول التالي:
“إن طبيعتنا البشرية أصبحت مريضة وخاطئة* لأنها نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول* الذي لا يقدر من تلقاء نفسه أن يتمم ناموس الله، ولا يستطيع أن يكمل البر”.
(الطبيعة والنعمة ١: ٢)
ويؤكد أوغسطينوس على العكس من آباء الشرق عامةً، والقديس كيرلس السكندري خاصةً، أننا نولد خطأة ومذنبين ومدانين ومعاقبين من آدم، حيث يقول التالي:
“كل هؤلاء هم بالعدل تحت دينونة الله، لأنهم ليسوا أبرياء من الخطيئة سواء تلك الخطيئة التي وُلدوا بها*، أو الخطايا التي أضافوها بسوء سلوكهم، ‘لأن الجميع قد أخطأوا – سواء من آدم* أو من أنفسهم – وأعوزهم مجد الله’ (رو٣: ٢٣)، طالما أن جميع الناس بلا استثناء قد أخطأوا في آدم*، إذًا، فهم مذنبون* وتحت الدينونة والمعاقبة”.
(الطبيعة والنعمة ١: ٤، ٥)
ولا أجد قولاً عند ق. كيرلس السكندري يشير إلى انتقال الخطية الأصلية، كما يدّعي أوغسطينوس، عن طريق العلل الجسدية أو البذرية من جسد آدم أو جسد المعصية الأول. فلم يستخدم ق. كيرلس السكندري مثل هذه النظرية الرواقية الشهيرة في إثبات انتقال الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج من آدم عن طريق الجسد إلى أجساد ذريته.
فكيف بعد ذلك نقول إن القديس كيرلس السكندري وأوغسطينوس متقاربين ومتشابهين في تعليمهما حول الخطية الجدية، يبدو مما سبق، وجود اختلاف جذري في المفاهيم بين ق. كيرلس السكندري وأوغسطينوس فيما يتعلق بالخطية الجدية، ولا يمكننا الإدعاء بأن تعاليم ق. كيرلس السكندري مثل تعاليم أوغسطينوس في هذا الصدد، لأنه سيكون من الظلم إدعاء ذلك على ق. كيرلس السكندري وتعليمه الأرثوذكسي السليم عن وراثة نتائج الخطية الجدية أي الفساد والموت، وليس وراثة ذنب أو خطية أو معصية آدم بأية طريقة، سواء نفسًا عن طريق النفس المولودة، أو جسدًا عن طريق العلل البذرية أو الجسدية.