Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تعليم الخطية الجدية عند الآباء السكندريين – د. أنطون جرجس

تعليم الخطية الجدية عند الآباء السكندريين – د. أنطون جرجس

الخطية الجدية عند الآباء السكندريين

تعليم الخطية الجدية عند الآباء السكندريين

يتهافت البعض عن دون دراية لإثبات تعليم وراثة الخطية الأصلية بمفهومه الأوغسطيني باقتباس نصوص آبائية من عند العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير تتحدث عن وراثة الخطية الجدية، ولكنهم عن دون وعي ودراسة يعتقدون أن تعليم كل من أوريجينوس وديديموس بوراثة الخطية الجدية يتشابه مع التعليم الأوغسطيني عن وراثة الخطية الأصلية، وهكذا للأسف لا يفرقون بين مفاهيم كل من أوريجينوس وديديموس ومفهوم أوغسطينوس عن وراثة الخطية الأصلية.

يتحدث العلامة السكندري أوريجينوس بالفعل عن وراثة الدنس الفطري في الإنسان من آدم في سياق تعليمه عن الخطية الجدية، ولكن مفهوم أوريجينوس مختلف تمامًا ونهائيًا عن المفهوم اﻷوغسطيني عن الخطية الأصلية. حيث يرى أوريجينوس الخطية الجدية وآثارها على البشر بسبب فتور أرواح البشر في العالم الطوباوي السابق على وجودها في أجسادها عن محبة الله والشركة معه، وبالتالي سقوطها من العالم الطوباوي المسبق وانحباسها في أجسادها كعقوبة على ذنوبها السابقة في العالم السابق. حيث يتحدث أوريجينوس عن هذا الأمر كالتالي:

“بحسب الكتاب يجدر السؤال عن لفظ النفس، ألعله لا يُشتق مجازًا من هذه البرودة، ابتداءً من حالة إلهية فضلى*، أعني أن النفس لعلها لم تفتر من حرارتها الطبيعية والإلهية*، حتى تسلمت حالتها الراهنة وتسميتها* […] ولكننا نرى أن الكتاب قد أقرن الإجرام بالنفس، وأعرض عما يجدر مدحه.

أما الآن فحري بنا أن ننظر هل النفس، كما أسلفنا القول في معنى هذه اللفظة، قد نالت اسمها لأنها فترت* فاقدةً تقوى الصديقين والشركة بالنار الإلهية*، دون التخلي مع ذلك عن قدرتها عن الانصراف ثانيةً إلى حالة الورع هذه التي وُجِدت فيها منذ البداية […] إذا صدق هذا، يخيل إليَّ أنه لا يحسن الاعتقاد بأن سقطة الإدراك هذه* وهذا الانحطاط* لديه سواء لدى الجميع، بل ينطوي هذا التبدل عن تفاوت، كما يُبقي بعض المدارك على بضع عنفوانه الأول*، فيما لا يحتفظ غيره بشيء أو قلما. ولهذا نجد مَن ذو استيعاب أحد، منذ نعومة أظفاره*، ومَن استيعابه أبطأ، وآخرين يأتون الدنيا وهم خبلون تمام الخبل*، عاصون كل العصيان على تربيتهم*.

إن ما قلناه في موضع انقلاب الإدراك نفسه، وما يمت بصلة إليه، فليناقشه القارئ باعتناء وليدرسه في قرارة نفسه، إننا لا نفوه به كأنه العقائد، بل نطرقه على سبيل الدراسة والبحث*”.

أوريجانوس، في المبادئ، ترجمة: الأب جورج خوام البولسي، (لبنان: المكتبة البولسية، ٢٠٠٢)، ٢: ٨: ٣، ٤، ص٢١٧، ٢١٨.

 

أما بخصوص تعليم الخطية الجدية عند العلامة ديديموس الضرير، يمكن تتبع تعليمه من اقتباسات وتقارير العلامة الآبائي جوهانس كواستن، حيث يتحدث كواستن عن أن تعليم أوريجينوس عن الوجود السابق لأرواح البشر وسقوطها وانحباسها في أجسادها بسبب الخطية الجدية هو نفس تعليم تلميذه العلامة ديديموس. لذا يقول كواستن عن التعليم الأنثروبولوجي (التعليم عن الإنسان) عند العلامة ديديموس التالي:

“يمكننا أن نرى تأثير أوريجينوس في التعليم عن النفس الإنسانية عند ديديموس […] فهو يتبع أيضًا العلامة أوريجينوس في أفكاره عن أصل الروح. وهو مقتنع أن الروح قد خُلقت، ولكنه يشارك خطأ سابقيه في أن الروح قد وُجِدت قبل الجسد* الذي فيه سُجِنت كعقوبة على الخطايا التي اقترفتها (Ennarr. In Epist. Petr. 1, 1; De trin. 3, 1)، ويمثل نفس المعتقد بالوجود السابق للروح أساس المقالة التي أرسلها إلى روفينوس عن الموت المبكر للأطفال”.

جوهانس كواستن، علم الآبائيات (باترولوجي) مج٣، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي ود. نادر مدحت، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، ٢٠٢١)، ص ١٣٧.

 

ويستطرد كواستن في موضع آخر ناقلاً رواية ق. جيروم عن تعليم الوجود السابق للروح عند العلامة ديديموس الضرير، حيث يقول التالي:

“ويسجل جيروم أن العلامة ديديموس قد أعطى تفسيرًا أرثوذكسيًا لتعليم العلامة أوريجينوس عن الثالوث، ولكنه قَبِل بدون تردد أخطاءه الأخرى بخصوص خطيئة الملائكة*، والوجود السابق للنفس*، والخلاص الشامل للكل*… إلخ (Ad Rufin. 1, 6; 2, 16).

ويخبرنا نفس الراوي (أي جيروم) عن مقالة أخرى ذات ميول أوريجانية قد كُتِبت بناءً على اقتراح روفينوس، الذي قضى الأعوام من ٣٧١م إلى ٣٧٧م في مصر، وتجيب هذه الرسالة على السؤال لماذا يموت الأطفال بسبب الأخطاء الجسدية؟ وكان شرح العلامة ديديموس: ‘هم لم يخطئوا كثيرًا، ولذلك فإنه يكفيهم فقط أن تتلامس سجون أجسادهم بالعقاب*’ (جيروم، ضد روفينوس٣: ٢٨)”.

المرجع السابق، ص ١٢٠، ١٢١.

 

ويكرر العلامة الآبائي جوهانس كواستن حديثه عن تعليم ديديموس بالوجود السابق للأرواح، ويقرر حقيقة حرمان مجمع القسطنطينية الثاني عام ٥٥٣م للعلامة ديديموس لاتباعه هذا التعليم وتعاليم أخرى، حيث يقول التالي:

“ولسوء الحظ، فإن عددًا قليلاً جدًا متبقي من هذا الانتاج الأدبي الكبير، وذلك بسبب سحابة الشك التي علقت باسم العلامة ديديموس وسمعته أثناء الجدالات الأوريجانية. فبعد كل ذلك، تجاسر في الدفاع عن السكندري العظيم وكتابه ‘المبادئ’ بكونه كله أرثوذكسيًا. فلا عجب إذًا أن يُدان في القرن السادس الميلادي والقرون اللاحقة بكونه مؤمنًا بالوجود السابق للنفس وبالخلاص الشامل للكل. وقد قام الأساقفة المجتمعون في المجمع المسكوني الخامس بالقسطنطينية عام ٥٥٣م بحرم كل من العلامة أوريجينوس، والعلامة ديديموس، والشماس إيفاجروس البنطي بسبب هذه التعاليم، وبناءً على ذلك، فُقِدت تقريبًا كل أعمال العلامة ديديموس”.

المرجع السابق، ص١١٧.

 

وهكذا بعدما عرضنا تعاليم كل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير بخصوص الوجود السابق للنفس في سياق شرحهم للسقوط والخطية الجدية، يتضح إنه تعليمهما لا يتفق من قريب أو من بعيد مع تعليم وراثة الخطية الأصلية عند أوغسطينوس، بل ولا يتفق مع تعاليم الآباء السكندريين اللاحقين كالقديسين أثناسيوس وكيرلس عمود الدين اللذين رفضا التعليم بالوجود السابق للأرواح وانحباسها في أجسادها بسبب السقوط من عالم الغبطة، وفي نفس الوقت رفضا وراثة الخطية والذنب من آدم أو ارتكاب خطايا وذنوب قديمة سابقة في حياة سابقة للنفس قبل انحباسها في أجسادها كعقوبة على خطاياها السابقة.

وسوف نستعرض معًا رأي ق. كيرلس السكندري الذي أفرد جزءًا من تفسيره على إنجيل يوحنا، يمكن الرجوع إليه، لدحض تعليم الوجود السابق للأرواح وتعليم وراثة ذنب وخطية آدم بسبب التعليم السالف الذكر لكل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير. حيث يقول التالي:

“ولكنني أفترض أنه من الحماقة الإدعاء أن النفوس وُجدت قبل الأجساد، وإنها بسبب ذنوب قديمة* أُرسِلت لكي تُحبس في أجساد ترابية*. وسوف أبرهن على قدر استطاعتي بعدة براهين من الأسفار الإلهية، لأنني أعرف ما هو مكتوب: ‘أعط حكيمًا فيكون أوفر حكمةً. علَّم صديقًا فيزداد علمًا (أم٩: ٩)”.

كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ١: ٩، ص١١٦.

 

ويدحض ق. كيرلس السكندري هذا التعليم بالوجود السابق للأرواح مؤكدًا على أننا نرث نتائج عصيان آدم ألا وهي الفساد والموت، ولا نرث خطية آدم نفسها، لأن وراثة خطية آدم كانت أحد البراهين التي كان يستند عليها القائلون بالوجود السابق للأرواح وسقوطها بسبب وراثة خطية آدم من عالم الغبطة وانحباسها في أجسادها. حيث يقول التالي:

“يقول بولس موضحًا أن الفساد* قد انتشر وامتد إلى كل جنس آدم بسبب عصيان آدم*: ‘لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ’ (رومية14:5). فكيف يقول إن الموت ملك حتى على الذين لم يخطئوا، إذا كان الجسد الميت قد أُعطي لنا بسبب خطايا سابقة؟ وأين هؤلاء الذين لم يخطئوا إن كان الوجود في الجسد هو عقاب على خطايا سابقة، وكأن وجودنا في الجسد في هذه الحياة هو اتهام مسبق قائم ضدنا؟ إن قول المخالفين ينم عن عدم دراية بالأسفار المقدسة”.

المرجع السابق، ص ١٢١.

 

ويدحض ق. كيرلس السكندري أيضًا التعليم بوراثة الخطية الأصلية وتعليم الوجود السابق للأرواح وانحباسها في الأجساد المترتب عليه، حيث يقول التالي:

“ولكن بعبارة واحدة قصيرة فإن المسيح أبطل حماقات هذين الفريقين، وأكد تمامًا أن لا المولود أعمى ولا أبواه أخطأ، وهو يدحض تعاليم اليهود بقوله إن الرجل لم يُولد أعمى بسبب أية خطية سواء منه أو من أجداده*، ولا حتى من أبيه أو أمه، وهو يطرح بعيدًا حماقة الآخرين السخيفة الذين يقولون إن النفوس تخطئ قبل وجودها في الجسد”.

المرجع السابق، ص ٦٥٥.

 

ونستنتج من هنا أن تعاليم ق. كيرلس السكندري بخصوص الخطية الجدية ونتائجها وآثارها على الجنس البشري لا يمكن أن تتفق وتعاليم أوغسطينوس عن وراثة الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج، حيث يعد هذا في نظره ارتدادًا ورجوعًا للتعاليم الأوريجانية عن الوجود السابق للأرواح، وسقوطها بسبب وراثة خطية آدم من الشركة مع الله، وانحباسها في أجسادها الترابية كعقوبة لها على ذنوب سابقة لها بسبب وراثة خطية آدم.

تعليم الخطية الجدية عند الآباء السكندريين – د. أنطون جرجس

Exit mobile version