الخطية الجدية عند القديس ثيؤفيلوس الأنطاكي – د. أنطون جرجس
الخطية الجدية عند القديس ثيؤفيلوس الأنطاكي - د. أنطون جرجس
الخطية الجدية عند القديس ثيؤفيلوس الأنطاكي – د. أنطون جرجس
الخطية الجدية عند القديس ثيؤفيلوس الأنطاكي
يُعتبر ق. ثيؤفيلوس أسقف أنطاكية في القرن الثاني أحد الآباء المدافعين عن الإيمان المسيحي آنذاك. كتب ق. ثيؤفيلوس ثلاث كتب للدفاع عن الإيمان المسيحي إلى أتوليكوس.
سوف نفحص هذه الكتب الثلاث للوصول إلى أفضل تصور للقديس ثيؤفيلوس الأنطاكي عن الخطية الجدية، وهل كان التعليم بوراثة الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج تعليم رسولى كنسي مستلم منذ القدم؟ وهل يتفق تعليم ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي عن الخطية الجدية مع التعليم الأوغسطيني بوراثة الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج؟
يتحدث ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي عن أن الإنسان هو تاج الخليقة وبسقوطه في الشر والخطية، جعل الخليقة كلها شريرة، وهكذا بتعديه تعدت الخليقة أيضًا، وعندما يعود الإنسان مرةً أخرى إلى حالته الطبيعية، ستعود الخليقة كلها إلى حالتها الأصلية، حيث يقول التالي:
“الحيوانات البرية دُعيت هكذا لأنه يتم اصطيادها. لم تُخلق في البدء شريرةً أو سامةً، لأن الله لم يخلق أي شيء من البداية شريرًا. بل كل شيء كان حسنًا وحسنًا جدًا (تك١: ٣١). لكن خطية الإنسان جعلتها شريرةً، لأنه عندما تعدى الإنسان تعدوا هم أيضًا معه. إذا سلك رب البيت حسنًا فبالضرورة يعيش خدامه بشكل لائق، وإذا أخطأ رب البيت فإن عبيده يخطئون معه. هكذا اتضح أن الإنسان، السيد أخطأ، وأخطأ عبيده معه. وحينما يعود الإنسان ثانيةً إلى حالته الطبيعية، ولا يعود يفعل الشر، فإنهم سيعودون أيضًا إلى ترويضهم الأصلي (راجع إش ١١: ٦-٩)”.
(الرد على أتوليكوس ٢: ١٧)
ثم يتحدث ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي عن خلقة الإنسان في حالة متوسطة ما بين الفناء والخلود، فالإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ البدء، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كهبة وعطية من الله له بثباته وسلوكه بحسب الوصية، فيقول التالي:
“عندما أقام الله الإنسان، كما سبق وقلنا، في الجنة ليعملها ويحرسها، أمره أن يأكل من كل الثمار، بما في ذلك كما هو واضح من ثمار شجرة الحياة. وأمره ألا يذق من شجرة المعرفة فقط. لقد أخرجه الله من الأرض التي صنع منها الجنة معطيًا إياه فرصة للتقدم، بحيث بالنمو والنضوج، وكذلك بعد أن دُعي إلهيًا عساه أن يصعد إلى السماء (لأن الإنسان خُلق في حالة متوسطة، ليس فانيًا تمامًا، وليس خالدًا تمامًا، وإنما قادر على كلتا الحالتين، هكذا بالمثل مكانه الجنة من حيث الجمال، خُلق متوسطًا بين العالم والسماء) ليملك الخلود. تعبير ‘ليعملها’ لا يتضمن أية مهمة أخرى سوى حفظ وصية الله*، خشية أن يدمر نفسه بالعصيان*، كما فعل من خلال الخطية”.
(الرد على أتوليكوس ٢: ٢٤)
وهكذا يؤكد ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي أن شجرة المعرفة ثمارها جيدة ولم تكن تحمل الموت، بل جاء الموت نتيجة العصيان، حيث يقول التالي:
“كانت شجرة المعرفة جيدة وثمارها جيدة، لأن الشجرة لم تحتو على الموت*، كما يفترض البعض، بل هذا نتيجة العصيان*. لأنه لم يوجد شيء في الثمرة سوى المعرفة، والمعرفة شيء صالح إذا استُخدمت بشكل صحيح”.
(الرد على أتوليكوس٢: ٢٥)
ثم يتحدث ق. ثيؤفيلوس عن أمر رأيناه عند ق. إيرينيؤس وهو أن الإنسان آدم في بداية خلقته كان في عمر طفل رضيع، وإنه كان في مرحلة نمو وتقدم نحو الكمال، وبالتالي عندما حذره الله بعدم الآكل من شجرة المعرفة لم يكن عن غيرة وحسد في الله حاشا! بل كان مجرد اختبار لبساطته وحفاظه على براءته لأطول وقت. حيث يقول التالي:
“كان آدم في عمر رضيع في عمره الفعلي، ومن ثم لم يكن قادرًا بعد على اكتساب المعرفة بشكل صحيح. لأنه في وقتنا الحالي عندما يُولد طفل لا يستطيع أن يأكل الخبز مباشرةً، وإنما يتغذى أولاً على اللبن، ثم مع زيادة عمره، يتقدم إلى الأطعمة الصلبة. هكذا كان يُفترض أن يحدث: لذلك لم يكن الله يشعر بالغيرة*، كما يفترض البعض في أمره لآدم بعدم الآكل من شجرة المعرفة. كذلك أراد الله أن يختبره ليرى هل سيظل بسيطًا ومخلصًا لوقت أطول محافظًا على طفولته”.
(الرد على أتوليكوس ٢: ٢٥)
ويكمل ق. ثيؤفيلوس في نفس السياق بأن الوصية أو الشريعة ليست هي التي تنتج العقوبة، بل العصيان والتعدي. وأن الألم، والمعاناة، والحزن، والموت كانت هي نتائج التعدي والعصيان، كما يؤكد على أن العقوبة للإنسان كانت تأديبية من أجل الإصلاح والتقويم مثلما يعاقب الأب ابنه كالتالي:
“مرة أخرى، عندما تأمر الشريعة بالامتناع عن شيء ولا يطيع أحدهم، فإن الشريعة ليست هي التي تنتج العقوبة، بل العصيان والتعدي*. لأن الأب يأمر ابنه بالامتناع عن بعض الأمور، وعندما لا يطيع الطفل الوصية الأبوية، فإنه يُضرب ويحصل على التأديب بسبب عصيانه. هكذا الأمر مع الإنسان الذي جُبل أولاً، فإن عصيانه أدى إلى طرده من الجنة. ليس لأن شجرة المعرفة احتوت على أي شر، لكن لأنه بسبب العصيان حصل الإنسان على الألم، والمعاناة، والحزن، وفي النهاية وقع ضحية الموت”.
(الرد على أتوليكوس ٢: ٢٥)
ثم يؤكد ق. ثيؤفيلوس على أن عقوبة الله للإنسان لم تكن عقوبة جزائية ولا قانونية، بل عقوبة شفائية تأديبية من أجل الإصلاح والتقويم، وليس الانتقام والترهيب، كما كانت العقوبة لمنع تأبيد حالة الخطية واستمرارها إلى الأبد كالتالي:
“عندما حدث ذلك (أي العصيان)، وهب الله نفعًا عظيمًا للإنسان*. لم يدعه يبقى إلى الأبد في حالة الخطية*، لكن إن جاز التعبير، بنوع من العقوبة* طرده خارج الجنة، حتى من خلال هذه العقوبة يكفر عن خطيته في فترة من الزمن، وبعد التأديب* يمكن أن يعود لاحقًا”.
(الرد على أتوليكوس٢: ٢٦)
ويكرر ق. ثيؤفيلوس مرة أخرى تأكيده على الحالة الوسطية التي خُلق عليها الإنسان، فهو لم يكن فانيًا بالطبيعة ولا خالدًا بالطبيعة، بل خلوده كان متوقف على حفظه للوصية الإلهية وهكذا يربح الخلود كمكافأة ويصير إلهًا بالنعمة، وهذه هي عقيدة التأله نجدها عند ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي، مما يؤكد على أن غاية خلق الإنسان كانت هي تأليهه، ولكن الإنسان بعصيانه جلب على نفسه الموت وهو المسئول عن موته، حيث يقول التالي:
“ولكن قد يقول أحدهم لنا: هل خُلق الإنسان فانيًا بالطبيعة؟ لا، على الإطلاق. هل خُلق إذًا خالدًا؟ ولا نقول هذا أيضًا. ولكن سيقول أحدهم: هل خُلق إذًا كلا الشيئين على الإطلاق؟ نحن لا نقول هذا.
في واقع الأمر، لم يكن الإنسان فانيًا أو خالدًا بالطبيعة*. لأنه لو خلقه الله خالدًا من البداية لكان جعله إلهًا*. مرة أخرى، لو خلقه فانيًا كان سيبدو أن الله مسئولاً عن موته. لذلك لم يخلقه الله خالدًا أو فانيًا، بل كما قلنا في السابق، قادرًا على كليهما*. فإنْ توجه إلى حياة الخلود بحفظه وصايا الله (راجع مت ١٩: ١٧) ربح الخلود كمكافأة منه وصار إلهًا*. ولكن إنْ توجه إلى أعمال الموت عاصيًا الله*، صار مسئولاً عن موته”.
(الرد على أتوليكوس٢ : ٢٧)
ثم يتحدث ق. ثيؤفيلوس عن أن مشكلة الإنسان كانت هي الموت الناتج عن عصيان الإنسان، فيقول التالي:
“فما حصل عليه الإنسان لنفسه من خلال تغافله وعصيانه، يمنحه الله الآن له مجانًا بفضل محبته ورحمته، عندما يطيعه الإنسان. لأنه كما بالعصيان جنى الإنسان الموت لنفسه*، هكذا بالطاعة لمشيئة الله (رو٥: ١٨- ١٩) يستطيع كل مَن أراد أن يحصل على الحياة الأبدية لنفسه*. لأن الله أعطانا شريعة ووصايا مقدسة. وكل مَن يؤديها يستطيع أن يخلص (راجع مت١٩: ٢٥)، وعندما يبلغ القيامة (راجع عب١١: ٣٥)، يرث عدم الفساد* (١كو١٥: ٥)”.
(الرد على أتوليكوس ٢: ٢٧)
ويشير ق. ثيؤفيلوس في نفس السياق أن الموت ظهر مع قتل قايين لأخيه هابيل، وهكذا يصل الموت إلى الجنس البشري كله، ولم يتحدث عن أي خطية موروثة أو شر موروث في الإنسان كالتالي:
“عندما رأى إبليس أن آدم وزوجته ليسا فقط أحياء، بل أنجبا ذريةً أيضًا، غُلب من الحسد، لأنه لم يكن بالقوة الكافية ليميتهم. ولأنه رأى أن هابيل يرضي الله، فعمل على أخيه المسمى قايين، وجعله يقتل أخاه. ومن ثم ظهرت بداية الموت في هذا العالم*، ليصل إلى الجنس البشري كله إلى هذا اليوم”.
(الرد على أتوليكوس٢: ٢٩)
وهكذا نستنتج أن ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي لم يعلم بتعليم وراثة الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج كما هو في المفهوم اﻷوغسطيني، وبالتالي لم يكن التعليم بوراثة الخطية الأصلية هو تعليم رسولي أرثوذكسي مسلم من الآباء الرسل إلى الكنيسة في زمن ق. ثيؤفيلوس أسقف أنطاكية في القرن الثاني وأحد أشهر الآباء المدافعين عن الإيمان المسيحي آنذاك.