البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس
البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م - د. أنطون جرجس
البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م – د. أنطون جرجس
البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني ٤٣١م
يتحدث البروفيسور نورمان بويل ويليامز هو أستاذ بجامعة دورهام بانجلترا وصاحب أهم كتاب عن السقوط والخطية الأصلية عن موقف مجمع أفسس المسكوني ٤٣١م برئاسة البابا كيرلس عمود الدين من البيلاجية، ويجيب بأنه لا يوجد دليل على مناقشة عقائد البيلاجية في المجمع المسكوني وبالخصوص موضوع وراثة الخطية الأصلية، حيث يقول التالي:
“غطى النزاع الشديد بين كيرلس ونسطوريوس على الجدال حول السقوط والخطية الأصلية، الذي نشأ بسبب القسيس المساعد للأخير (أي نسطوريوس) المدعو أنسطاسيوس على لقب ثيؤطوكوس (والدة الإله). حيث بدا بين ضجيج وإثارة هذا الصراع الواسع كأن الموضوع الذي أثاره بيلاجيوس صار طي النسيان*، خاصةً بعد موت أوغسطينوس في عام ٤٣٠م.
ولكن أعاده مجمع أفسس الكيرلسي (في عام ٤٣١م) بشكل مؤقت إلى أذهان الناس. حيث أعلن هذا المجمع في قانونه الأول والرابع [Hardouin, 1. 1621, 1623; W. Bright, Canons of the First Four General Councils (1821), pp27- 28] حرمانًا كنسيًا على أولئك الذين ينادون بآراء نسطوريوس وكالستوس، وأبلغ (المجمع) في رسالته المجمعية البابا كلستينوس – يؤكد عدم ذكر بيلاجيوس فرضية أنه مات آنذاك – بأنه جدد الحرومات على البيلاجية التي أقرها أسلافه [relatio and Caele stinum, ad fin [Hardouin, 1, 1509.
على الرغم من ذلك، يشير دوتشيسن Duchesne إلى عدم احتواء أعمال المجمع على أي دليل بأنه قد تم عمل ذلك بالفعل*”.
- P. Williams, The ideas of the fall and of original sin: A Historical & Critical study, (London, New York, Toronto: Longsman Green & Co., 1929), p 353, 354.
ويؤكد على نفس كلامه البروفيسور ويليام شيد أستاذ بمعهد الاتحاد اللاهوتي بالولايات المتحدة، فيقول التالي:
“تم حرمان البيلاجية كهرطقة في مجمعي ميليفي Mileve وقرطاجنة في عام ٤١٦م، وصادق على هذا القرار الأسقف الروماني المتردد زوسيموس Zosimus في عام ٤١٨م، وبالتالي أقرته الكنيسة اللاتينية. وحرمت البيلاجية أيضًا الكنيسة الشرقية ممثلةً في مجمع أفسس ٤٣١م. ولكن على الرغم من إقدام الكنيسة الشرقية على هذا القرار، إلا أن معارضتها للبيلاجية لم تكن جادة وذكية مثل معارضة الغرب، وبالتحديد مثل معارضة كنيسة شمال أفريقيا*.
ولقد كان هناك سببين لذلك. أولاً، الأنثروبولوجي (أي التعليم المسيحي عن الإنسان) اليوناني الذي تبنه الأساقفة الشرقيون*. ذاك الذي، كما رأينا، حافظ على موقفه بعدم كون الخطية الأصلية خطية إرادية، بل فساد طبيعي، علاوة على الرؤية التآزرية (السينرجية) للتجديد. وبالتالي صار الأنثروبولوجي اليوناني في خلاف مع نظرية أوغسطينوس حول هذه النقاط*.
ثانيًا، لقد كانت عقيدتا الاختيار المطلق وسبق التعيين – النابعتان هكذا بالطبيعة من وجهة نظر أوغسطينوس بخصوص العجز الكامل للطبيعة البشرية- مرفوضتين من الذهن الشرقي*. لذلك نجد عند انتقال الجدل بين الأوغسطينية والبيلاجية من الغرب إلى الشرق، والفحص الذي أجرته المجامع الشرقية له، كان هناك أساقفة إما أكدوا على عدم أهمية الأمور محل الخلاف*، أو انحاز الآخرون إلى جانب البيلاجية*، في حالة ضرورة الاختيار بين بيلاجيوس وأوغسطينوس*.
وهكذا وقفت المدرسة الأنطاكية ممثلةً في ثيؤدور الموبسويستي وإيسيذوروس الفرمي على الحياد بين الفريقين*، وفي الأخير، يبدو أن حرم البيلاجية الذي أقره مجمع أفسس كان يرجع إلى العلاقة المتصورة بين آراء بيلاجيوس وآراء نسطوريوس* أكثر من القناعة الواعية والواضحة بمخالفة نسقه (أي نسق بيلاجيوس) للكتاب المقدس والخبرة المسيحية”.
William G. T. Shedd, A History of Christian Doctrine Vol ii, (New York: Charles Scribner’s Sons, 1868), 3rd edition, pp 99-101.
ونستنتج من هنا أن حرمان مجمع أفسس للبيلاجية لم يكن بسبب إنكارها لوراثة الخطية الأصلية بحسب المفهوم اﻷوغسطيني كما يتصور البعض خطاءً وعن جهل، ويطلق الحرومات والاتهامات بالهرطقة على الآخرين دون أي دليل أو وعي بالحقائق والوقائع التي حدثت في المجمع المسكوني الثالث ٤٣١م.
ولقد قلنا مرارًا وتكرارًا أن مجمع أفسس ٤٣١م لم يتطرق إلى موضوع وراثة الخطية الأصلية لا من قريب ولا من بعيد، ولا يوجد دليل واحد على هذا الأمر، بل كلها مجرد افتراضات وتكهنات من وحي قائليها، بل السبب الحقيقي وراء حرمان البيلاجية في مجمع أفسس المسكوني ٤٣١ هو دعمها للنسطورية وتصور البيلاجيين على أنهم نساطرة مثل أتباع نسطوريوس آنذاك.
ولقد اعترف البروفيسور شيد اعتراف خطير إن التعليم المسيحي الأنثروبولوجي اليوناني يتعارض تمامًا مع تعليم أوغسطينوس الأنثروبولوجي، ولو تم تخيير الأساقفة الشرقيين آنذاك بين أفكار أوغسطينوس وأفكار بيلاجيوس لكانوا سيختارون أفكار بيلاجيوس لأنها كانت الأقرب إلى أفكارهم آنذاك، بينما أفكار أوغسطينوس عن الخطية الأصلية والسقوط والإرادة المقيدة بالشر والعجز الكامل للطبيعة البشرية كانت مرفوضة بالنسبة للآباء الشرقيين آنذاك.