قرأنا لك كتاب الاحتكام للاباء للدكتور جورج فرج – بيشوي طلعت
قرأنا لك كتاب الاحتكام للاباء للدكتور جورج فرج – بيشوي طلعت
في الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية كتب الآباء لا تقل أهمية عن النصوص الكتابية لأنها تحوي هي أيضا تقليد رسولي ولكن هناك مشكلة صغيرة ولكنها تؤثر بشكل كبير وهي كيف نتعامل مع تلك الكتابات الآبائية وكيف لاب من أباء الكنيسة المشهورين أن يقول راي مخالف أو حتى يهرطق وفوق كل هذا لماذا نأخذ بأقوال الآباء أصلا!!
قدم الدكتور جورج فرج كتاب في 7 فصول كان تحت عنوان الاحتكام للآباء واخترت هذا الكتاب لأنه بسيط في أسلوب سرده وقوي في طرحه وهذا ما يحتاجه أي شخص يدرس كتابات الآباء كبداية وهو بساطة السرد وقوة الطرح وبالطبع لن اخذ كل السبع فصول بل سآخذ مقتطفات للرد على الأسئلة التي تثار حين ندرس الآباء.
السؤال الأول المطروح، أهمية كتابات الآباء؟
يرد الدكتور في الصفحة رقم 11 من الكتاب ويقول: ترجع أهمية كتابات الآباء في أنها تقدم تراثًا أصيلاً وأمينا للإيمان المسلم مرة للقديسين، ولذلك فهي المرجعية التي نحتكم إليها، فمن انه عند حدوث اختصام بين شخصين أو جماعتين يكون الاحتكام لطرف ثالث هو الحكم فيما بينهم.
إذا فكتب الآباء في حد ذاتها هي حكم للحل بين المتخاصمين في مسألة عقائدية مهمة وهذا يذكرني بقول القديس أثناسيوس الرسولي:
إن جميع الذين اخترعوا الهرطقات الخبيثة، كانوا يستشهدون بالكتاب المقدس! لكنهم لم يتمسكوا بالآراء التي سلمها القديسون، بل اعتبروها مجرد تقاليد الناس” (رسالة فصحية 6:2)
فحتى إذا اختلف شخصين في تفسير نص كتابي يكون الاحتكام للتسليم الآبائي هو الحل لفض هذا الخلاف.
السؤال المهم هنا لمن نرجع؟ للآباء أم الإنجيل؟؟
وربما هذا السؤال هو سبب الكثير من الخلافات هل نأخذ بقول الناس أم بقول الإنجيل؟ من هو الأصح؟
يرد الدكتور في الصفحة رقم 12 من الكتاب ويقول:
هذا يحدث الخطأ عند عقد مقارنة بين شيئين ليسا من نفس التوعية، فالآباء لم يقدموا إنجيلاً مغايرا لإنجيل المسيح حتى نضطر للمفاضلة بينهما فيمن تتبع، بل أن الآباء هم الذين أناروا لنا البشارة في ضوء تفسيرهم للإنجيل.
ويقول في الصفحة رقم 13:
والمفهوم الخاطئ للوحي الإلهي جعل البعض يتخيل أن الكنيسة هي صنيعة الكتاب المقدس وهذا خطأ، فالكتاب المقدس هو وليد الكنيسة الذي قامت بإنتاجه وليس العكس، فالكنيسة ممثلة في رجالاتها القديسين من أنبياء ورسل وإنجيليين هم الذين قدموا لنا الكتاب المقدس الذي تكون في حضن الكنيسة، فالآباء هم الذين حددوا أسفار الكتاب ووضعوا قانونه وبينوا لنا أسماء كُتّابه، وقاموا بشرحه.
ويقتبس الدكتور في نفس الصفحة من القديس أثناسيوس اقتباس هام في هذه النقطة يقول:
دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها الذي هو من البداية والذي أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الأبناء وعلى هذا الأساس تأسست الكنيسة، ومن يسقط منه أي من تقليد الكنيسة فلن يكون مسيحيا ولا ينبغي أن يدعى كذلك فيما بعد (الروح القدس – القديس أثناسيوس – الرسالة الأولى – فقرة 28)
إذا فالمنظور لدينا هو أننا نقرأ الكتاب المقدس بالشروحات الآبائية التي اعتمدت على التقليد المسلم من الأقدمين فالآباء لم يقدموا إنجيلًا مختلف بل شرحوا الإنجيل باستنارة الروح القدس.
ويقول الدكتور في الصفحة رقم 14: كتبوا باستنارة من نفس الروح القدس حتى يوضحوا لنا كلمة الوحي المقدس، ومن ثم فإن إيمان الكنيسة بالفعل الدائم للروح القدس في الكنيسة يتحقق من خلال أباء الجوري فريد الكنيسة وما قدموه من كتابات باستنارة الروح القدس.
هل كتابات الآباء معصومة؟
هذا سؤال هام أيضا ولكن في الحقيقة الآراء الفردية ليست معصومة.
يقول الدكتور في الصفحة رقم 14: فنحن غير ملتزمون بتعاليم خاصة لأب معين من الآباء مهما علا شأنه، فللآباء أخطاء بلا شك إنما تتبع إيمان الكنيسة الذي صاغه إجماع الآباء.
وتعاليم الآباء تحتكم الي شرطين يقول الدكتور في الصفحة رقم 15:
نحن ملتزمون بإجماع الآباء فيما يخص إيمان الكنيسة وعقيدتها ومن هذا نستنتج شرطين وهما:
- الإجماع وليس الرأي الفردي لأي أب
- أن يكون الأمر متعلق بعقيدة الكنيسة وإيمانها وليس أي أمر تحدث فيه الآباء
فأباء الكنيسة قد تطرقوا الموضوعات تخص زمنهم وعصرهم، وأراءهم في تلك الأمور ليست معصومة ولا ملزمة لنا
السؤال الرابع هل احتكم أباء الكنيسة الأولى للآباء الذين هم أقدم منهم؟
نعم قد احتكم الآباء لمن هم أقدم منهم ويقول الدكتور في الصفحة رقم 20:
فيقول عن القديس أثناسيوس في دفاعه عن قانون مجمع نيقية يلجا للآباء السابقين ويقدم اقتباسات من ٦ أسماء شهيرة لأباء ومعلمين سابقين هم ثيؤغنسطس ديونيسيوس السكندري، ديونيسيوس الروماني، أوريجانوس، ليؤكد أن صياغة مجمع نيقية لتعبير هموؤسیوس ليست من ابتكار المجمع.
وليس هذا فقط بل في الصفحتين 20-21 يقتبس من القديس أثناسيوس والقديس كيرلس عمود الدين التأكيد على أهمية الرجوع للآباء.
يقول أثناسيوس الرسولي:
ها نحن نثبت أن هذا الفكر قد سلم من أب إلى آب أما أنتم فيها اليهود الجديد وتلاميذ قيافا كم عدد الآباء الذين يمكن أن تنسبوهم لتعبيراتكم؟ ليس حتى واحد ذو فهم وحكمة، لأن الجميع بمفتونكم إلا الشيطان وحده
ويقول كيرلس الكبير:
ونحن لا نسمح بأي صورة من الصور لأي شخص أن يهز الإيمان المحدد، أي قانون الإيمان المحدد بواسطة الآباء القديسين الذين اجتمعوا في نيقية في الأزمنة الحرجة. وبكل تأكيد أيضا أننا لا نسمح سواء لأنفسنا أو لآخرين أن تتغير كلمة فيه أو أن يحذف منه مقطع واحد، متذكرين الذي قال: “لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك.
فنجد أن الأساس في الكنيسة الأولى كان الاحتكام للإجماع والتسليم الآبائي.
حين نتعامل مع كتابات الآباء يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية:
في الصفحة 25 يضع الدكتور ثلاث مشكلات يجب أن نقف عندها حين نتعامل مع كتابات الآباء:
- مشكلة اللغة: فالآباء الشرقيون قد كتبوا باللغة اليونانية وبها قد كتب معظم تراثهم بخلاف بعض اللغات الشرقية الأخرى مثل السريانية والقبطية والأرمينية وغيرها من اللغات أما في الغرب فكتب الآباء باللغة اللاتينية
- مشكلة الحضارة والثقافة: فعند قرأت كتابات الآباء يصطدم القارئ بثقافة مغايرة تمامًا فتجد الآباء مثلا يتحدثون عن نظم العبودية المختلفة ويستوحي بعض أمثلتهم وتشبيهاتها من واقع الألعاب الأولمبية وحلبات المصارعة الخ.
- مشكلة نوعية الأدب التي قدموا فيها كتابتهم شعر حوار، سؤال وجواب سيرة قديس أقوال نسكية مأثورة الخ. ولكن في كل حال تلك النقاط يكون لها حل.
كيف نعتبر أن هذا الشخص هو أب نأخذ منه تعاليم؟
قدم الدكتور من الصفحة 27 الي الصفحة 31 أكثر من شرط تتبعه الكنائس وتتمثل الشروط في (أرثوذكسية العقيدة، قداسة السيرة، القبول الكنسي، الأقدمية)
ويتم تقسيم الآباء حسب الموقع الجغرافي ويذكر الدكتور في الصفحة رقم 32 من الكتاب
نلاحظ أن قائمة الآباء المذكورة في تحليل الخدام هي كلها لآباء شرقيين وهم من كتبوا باللغة اليونانية ولا يوجد أي واحد منهم من الآباء الغربيين الذين كتبوا باللاتينية، وبالطبع فهذا أمر طبيعي حيث تهتم كل كنيسة بآبائها، ويأتي في المرتبة التالية الآباء في الكنائس الأخرى الذين كتبوا بنفس اللغة المتداولة عندهم.
أسلوب التفسير لدى الآباء
ينقسم أسلوب التفسير الي ثلاث (مدرسة الإسكندرية، مدرسة انطاكية، المدرسة اللاتينية)
أسلوب تفسير مدرسة الإسكندرية في الصفحة رقم 48 يقول الدكتور:
المنبع الفكري الأساسي لهذه المدرسة هو الثقافة والفلسفة اليونانية لأفلاطون، التي تأدب بها رواد هذه المدرسة، ومن ثم حاول شراحها التقريب بين الفلسفة اليونانية والإيمان المسيحي، وقد تبنوا التفسير الرمزي للكتاب المقدس كمحاولة لتوفيق بين الاثنين
يذكر الدكتور في الصفحة رقم 51 أسلوب تفسير مدرسة انطاكية:
وقد تأثر رواد هذه المدرسة بالتفسير الرابوني وذلك لأنهم تناقلوه من الجماعة اليهودية التي كانت في انطاكية، وذلك على عكس مدرسة الإسكندرية التي أخذت من يهود الشتات المتأثرين بالحضارة الهللينية وفلسفة أفلاطون بينما مدرسة انطاكية تأثرت بالأكثر بفلسفة أرسطو وقد هاجم مفسري انطاكية مثل تيودور الموبسوستي التفسير الرمزي لمدرسة الإسكندرية، واستمسك مفسري انطاكية بالتفسير الحرفي التاريخي.
وفي نفس الصفحة يقول عن التفسير الغربي:
وهم الآباء الذين كاتبوا باللغة اللاتينية في كنيسة روما، وهذه المدرسة قد أخذت من كلا من مدرستي الشرق الإسكندرية وأنطاكية ونوعت ما بين التفسير الرمزي الإسكندري والتفسير الحرفي العلماء أن هذه المدرسة لم تستنبط نمط التاريخي لأنطاكية.
ويري تفسير جديد بالمزج بين مدرستي انطاكية والإسكندرية بل أنها تأرجحت ما بين المدرستين فأحيانًا يقدم المفسر التفسير الرمزي وأحيانًا أخري يعرض التفسير الأخر الحرفي. غير أن هذه المدرسة أعطت اهتمام خاص لمسألة السلطان الكنسي في التفسير ومن أبرز رجال هذه المدرسة: القديس جيروم والقديس أغسطينوس.
وهذه كانت مقتطفات مهمة من الكتاب. بالطبع الكتاب يقع في 129 صفحة ولكننا لم نأخذ كل فصوله بل أخذنا فقط ما يساعد الشخص الجديد في علم الآباء على فهم طبيعة الآباء وهناك أكثر قادم.
وللرب المجد الدائم أمين