سبت الفرح – سبت الراحة المجيد
لقد أبطل قوة المُعاند الذي أسرنا وجعلنا تحت سلطانه يعبث في قلوبنا وافكارنا كما يشاء، مبدداً كل قوانا، حتى أننا صرنا مشلولين بالتمام لا نستطيع أن نعرف الطريق ولا الحق والحياة، فأتانا الحق بذاته متجسداً ليعرفنا شخصه، ويقرن حياته بحياتنا إذ ارتدى بشريتنا المسكينة ليصير هو رداءنا الجديد، فقد مزق الرداء العتيق إذ مات بالجسد المسكين ليخلقه جديداً ويعطينا مجده الخاص، إذ بذبيحة جسده وضع حداً لحكم الموت، وإذ مكث في القبر ليؤكد موته بالجسد لكي يقوم ويمجدنا بمجده الخاص ويضع لنا مبدأ الحياة برجاء القيامة من الأموات.
فافرحوا يا إخوتي اليوم لأننا تأكدنا أن مسيح الحياة القدوس الحي مات بالجسد موتاً حقيقياً وليس معنوياً ولا مجازياً، إذ مكث في القبر وأكد بقيامته أنه قهر الموت، وبعد أن كنا أمواتاً في الخطايا وغلف جسدنا أحيانا معه مسامحاً لنا بجميع الخطايا.
إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب. إذ جرد الرئاسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافرا بهم فيه (كولوسي 2: 13 – 15)، فقد أعتق كل الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية (عبرانيين 2: 15)، فلم نعد تحت عبودية الموت الآن لأننا أُعتقنا أخيراً بربنا يسوع المسيح الذي ارتفع ممجداً كإنسان، لأن الكلمة صار جسدا وحل فينا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقاً، ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة (يوحنا 1: 14و 15)
فالكلمة لم يكن ضعيفاً حتى يغلبه الموت أو يحده القبر لأنه اتخذ جسداً وصار مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، ورغم من أن وضع عليه أثمنا، وأحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبجُرحه شُفينا (إشعياء 53)، فقد تألم وقبر في هوان وقام بمجد عظيم، لأن الكلمة لم يكن قليل الشأن عندما قَبِلَ هذا المجد لنفسه، لأن قبوله المجد في قيامته من الآب [ والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ] (يوحنا 17: 5)
لم يكن يبحث لنفسه عن مجد، لأنه ممجد طبيعياً، لأنه مساوي للآب في الجوهر ومعه واحد في المجد، بل قد اقتبل المجد من جهة انه متحد بنا نحن، فالمجد كان لنا وليس له هو، لذلك يقول في نفس ذات الإصحاح مكملاً الكلام علنا نفهم قصده لنأخذ ما يُريد أن يُعطينا: [ وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما إننا نحن واحد… أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مُكمَّلين إلى واحد ] (يوحنا 17: 22و 23)
- أحداث ليلة الجمعة والسبت باختصار وإيجاز
نحن نعلم أنه جرت العادة عند الرومان في تلك العصور، أن يتركوا جثث المصلوبين على صُلبانهم حتى تأكلها الجوارح أو حيوانات البرية، أو تتلاشى من جراء تحللها طبيعياً، لكن عادة اليهود – حسب الناموس – أنه لا ينبغي مُطلقاً وتحت أي سبب أو حجة أن تبيت جُثة المعلق على الصليب لليوم التالي، بل تنزل وتدفن في نفس ذات اليوم الذي صُلب فيه قبل غروب شمس هذا اليوم..
وكان أيام الأمم قبل إسرائيل عبارة عن وادي خارج أورشليم، وكانت تُقدم فيه محرقات بشرية إكراماً لمولك التمثال الذي كان يعتبروه إله عظيم عند الأمم [ كان آحاز ابن عشرين سنة حين ملك، وملك ست عشرة سنة في أورشليم ولم يفعل المستقيم في عيني الرب كداود أبيه… وهو أوقد في وادي ابن هنوم وأحرق بنيه بالنار حسب رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل، وعبر بنيه في النار في وادي ابن هنوم وعاف وتفاءل وسحر واستخدم جانا وتابعة، وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته ] ( 2أخبار الأيام 28: 1 و 3؛ 33: 6)
وتمثال مولك الذي كان موجوداً قديماً في هذا الوادي، والذي كان يُسمى (إله الجحيم) وهو عبارة عن تمثال نُحاسي مجوف يُجري إيقاد النار بداخله حتى يحمى لدرجة الاحمرار، ثم يقدم الآباء أبناءهم تقدمة للإله مولك، فيضع الكهنة الوثنيون الأطفال الصغار عُراه على يدي التمثال المحمية بالنار (وقد اشتد حموها حتى احمرت جداً بفعل النار) مع عمل أصوات طبول وأصوات صراخ الكهنة بأناشيد عبادتهم الوثنية للتغطية على صوت صراخ الأطفال الذين تشويهم نار ذراعي الإله مولك بصورة بشعة غير آدمية تقشعر لها الأبدان.
وهكذا نرى صورة من عبودية الإنسان للشيطان، وماذا يفعل حينما يفقد إنسانيته. ولذلك أمر الملك يوشيا بهدم المكان وتشويهه تماماً وطمس ملامحه [ لكي لا يُعَبَّر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك] (أنظر ملوك الثاني 23)، وقد أصبح المكان بعد ذلك، المكان العام المرفوض من المدينة وفيه تُصرف مجاري المدينة وتصب فيها كل المخلفات وكانت تُلقى أجساد المجرمين بعد إعدامهم، وجثث الحيوانات، وجميع أنواع القاذورات التي يرعى فيها الدود وتشتعل فيها النار.
ويلزمنا أن نفهم عادة اليهود بالنسبة لحساب اليوم، لأن المبدأ في كتاب التلمود عند اليهود، هو أن إضافة ساعة واحدة إلى اليوم، تُحسب يوماً آخر، وإضافة يوم إلى سنة، تُحسب سنة أخرى، ولازالت هذه العادة مرعية حتى اليوم عندهم، فلو مثلاً وُلِدَ طفل آخر يوم في السنة، فهي تُحسب السنة كلها، ولا يحسب انه اتولد في آخر يوم في السنة وينضم عمره للسنة الجديدة، بل السنة الجديدة تضاف على القديمة.. (أنظر استير 4: 15و 16)
طبعاً هذا اليوم يوم شديد الكثافة في غزارة الصلوات الكنسية والقراءات المملوءة سراً، لأن السبت يعبر عن الراحة، والرب يسوع فيه تمم راحته في الخلاص وأعطى الإنسان راحته الخاصة، لأنه نزل للجحيم سبى سبياً وأعطى الناس عطايا، وأراحهم الراحة الحقيقية، لأن وأن كان الله استراح في اليوم السابع وقدسه لأنه فرح بعمل يديه في خلق البشرية، فقد جعله هو نفسه – بحسب التدبير – يوم راحة البشرية في المسيح الذي سلمنا راحته وادخلنا إليها بعد لما كنا ندخل في ظلمة الموت في عدم راحة منتظرين ساعة الراحة الجديدة لتمجيد اسمه القدوس والعظيم لإعلان خلاصه للذين في القبور من ماتوا على رجاء قيامته المجيدة [ لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضاً من أعماله كما الله من أعماله ] (عبرانيين 4: 10)
فاليوم هي دعوة راحة لنا جميعاً، ولكنها راحة في المسيح يسوع ربنا، مملوءة فرح خاص يملأ القلب أن كنا نؤمن بقيامته حقاً وأن فيه تم كل شيء…
باعتذر بشدة لعدم استكمالي الموضوع لأن الدخول في طقس صلوات الكنيسة والقراءات سوف تحتاج بحث ضخم جداً ووقت طويل للغاية، لأنه بالفعل يوم مملوء كنوز كنت أود أن أدخل فيها لنتعزى سوياً لكني لن أستطيع الآن لضيق الوقت، ولكوني لن استطيع أن أدخل في هذا الكم الهائل من الكتابة والشروحات التي لن تنتهي ولو حتى باختصار شديد لذلك فضلت أن يكون الموضوع بهذا الشكل المركز جداً.. كونوا في ملء فرح قيامة يسوع وبهجه خلاصه العظيم آمين