مجادلة أبي قرة مع المتكلمين المسلمين في مجلس الخليفة المأمون – أغناطيوس ديك – PDF
مجادلة أبي قرة مع المتكلمين المسلمين في مجلس الخليفة المأمون – أغناطيوس ديك – PDF
مجادلة أبي قرة مع المتكلمين المسلمين في مجلس الخليفة المأمون – أغناطيوس ديك – PDF
من هو ثاودورس أبو قُرّة؟
“ان ميزة من ميزات الحياة الثقافية والحركة الفكرية في القرون الاولى للدولة العربية، كان اللقاء الحر بين الاديان المختلفة، لا سيما لقاء الفكر الاسلامي مع الفكر المسيحي في دمشق (في القرن السابع) وفي بغداد (في القرن الثامن). واستفاد كلاهما من هذا اللقاء في المجالات المختلفة من الفكر الديني فائدة قصوى.
وكان هنالك شخصيتان بارزتان تمثلان الفكر اللاهوتي المسيحي في هذا الحوار، وهما يوحنا الدمشقي، وثاودورس ابو قرة. وبينما كان يوحنا الدمشقي مفكرا مسيحيا يكتب باللغة الاغريقية (اليونانية)، نلقى في شخصية ثاوردوس ابي قرة اول مفكر مسيحي عربي يتناول القضايا اللاهوتية باللغة العربية. غير ان اهميته لا تنحصر في ذلك وانما هو من رواد ترجمة مؤلفات ارسطو الى اللغة العربية.
فمكنته أُلفته لفكر ارسطو من الاستعانة بمناهج جديدة في معالجة القضايا اللاهوتية لم يسبقه الى استعمالها غيره من المفكرين العرب. ولما كان هو من ذلك الجيل الذي بلغ اللغة العربية ذروة ازدهارها وقمة ازدهانها، فقد كانت دراسة مؤلفاته بالغة الاهمية للغة العربية اللاهوتية في الوقت الحاضر…
ولد ثاودورس أبو ُقرّة في الرُها. وكان أكثر سكان الرُها من السريان، الا أن الملكيين كانوا منتشرين فيها ولهم كاتدرائية، على ما جاء في تاريخ البطريرك ميخائيل الكبير.
يسمى كاتبنا ثاودورس. ومن الجدير بالذكر انه كان يسمى ثاوذوريكس وثاوذوريطوس وثاوضوسيوس، الا ان كل هذه الصيغ تفيد المعنى نفسه التي تدل عليه كلمة ثاودورس، أي عطالله.
اما ابو قُرة فهو لقب جاءه من الاوساط العربية الاسلامية. وقد اعتقد بعض المستشرقين القدامى ان هذا اللقب هو اشارة الى مدينته الاسقفية، وان لقب ابو قرة يعني الاب او الاسقف لمدينة قرة. وإن تكنى اسقفنا بأبي قرة دلالة على اندماجه في المحيط الحاراني وعلى شعبيته بين العرب والمسلمين.
وتشير المخطوطات الى كاتبنا دوما الى انه اسقف حران الا ما ندر. وتنعته بالمعلم اللاهوتي او بالمعلم الفيلسوف واحيانا بالقديس. وتقول انه: “المعلم العامل والفيلسوف الكامل والاب الفاضل ثاوذورس اسقف حران”، وانه من فئة الخلقيدونيين المعروفين ايضا بالملكيين، ومن كبار ائمتهم، ويضعونه في مستوى القديسين مكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي. وهو يقبل بتحاديد المجامع المسكونية الستة الاولى.
1- نشأته وترهّبه في دير مار سابا
أما تاريخ ميلاده، فهو مجهول. وقال جورج جراف (GRAF) ان أبا قُرة ولد نحو سنة 740م. وقال الأب إغناطيوس ديك إنه وُلد نحو سنة 750م. ونرى أن سنة 755م أنسب لأسباب، أذ إن نشاطه الرعوي وتجواله بدأ سنة 813 مما يصعب على شيخ، كما أنه حضر مجلس المأمون سنة 829 وجادل من كان حاضرا، وهذا يصعب على من كان صاحب 79 سنة.
ودرس الطب والمنطق والفلسفة، على جاري العادة بين النصارى،كما يتضح ذلك من مؤلفاته. وأتقن اللغات الثلاثة، اليونانية والسريانية والعبرية، فترك لنا مؤلفاتٍ عديدة في تلك اللغات.
ثم ترهب في دير مار سابا، ومن المسلم به ان ثاودورس اعتنق الحياة الرهبانية في فترة كان الدير لا يزال في اوج ازدهاره. وكان يشكل المركز الاهم في الحياة النسكية والفكرية في البطريركية الاورشليمية، وحتى في البطريركية الانطاكية. ففي هذا الدير توفي في اواسط القرن الثامن يوحنا الدمشقي الشهير. وكان ذكره لا يزال حيا بين الرهبان، عندما أمّ الدير الشاب ثاودورس. وان ابا قرة وأن لم يعرف شخصيا يوحنا الدمشقي الا انه اتبع خطاه وتبنى مشاغله. وكان قد عزم على ان ينشر في العالم العربي افكار ذلك المعلم.
وفي الدير تعمق في علم الكتاب المقدس والأباء القديسين لا سيما لاونديوس البيزنطي ويوحنا الدمشقي. وهناك ابتدأ كتابة مقالاته الاولى. وكان يتردد الى القدس أحيانا للتعبد والقيام بالشعائر الدينية. وهو يشير الى ذلك في مطلع رسالته “الى صديق كان يعقوبيا فصار أرثوذكسيا”، إذ قال: “انك ألفيتنا، يا أخانا ذا الفضل داود، في مدينة القدس.
لأنا واياك فيها اجتمعنا بتوفيق الله، لنقضي الصلاة في المواضع المقدسة التي فيها ربنا يسوع المسيح قضى متجسدا التدبير الذي كان أعده قبل الدهور من اجل خلاصنا”. وقد يكون قد ابتداء يمارس الوعظ في كنائس القدس على مثال يوحنا الدمشقي. وقد حفظت لنا المخطوطات عدة عظات منسوبة اليه. وهذا ما لفت اليه الانظار عند شغور كرسي حران الاسقفي.
2- تعيينه أسقفا على حران
وعند شغور كرسي حران الأسقفي، اختاره بطريرك القدس أسقفا عليها. ومن المراجع أن يكون ذلك نحو سنة 795. وكانت حران مركزا فكريا ودينيا هاما. فالثقافة اليونانية، لا سيما علم الفلك والرياضيات، فضلاً عن الطب والفلسفة، كانت منتعشة فيها. وكانت فيها جماعة وثنية ما زالت تعبد الاجرام السماوية، قد تمكنت من البقاء مستترة، وادعت انها من الصابئة في عهد المأمون (813-833) فحافظت على حريتها.
وكانت الجماعة المسيحية في حران مقسومة الى مذهبين: مذهب انصار الطبيعة الواحدة او اليعاقبة، ومذهب الخلقيدونيين او الملكيين. ويقول لنا المؤرخون في هذا السياق ان ابا قرة حاول رأب الصدع ما بين الفئتين المسيحيتين المتنازعتين. ولم يكن يكتف بالتوجه الى ابناء ملته بل كان يعنى بشؤون جميع الناس، من مسيحيين ومسلمين ويهود.
ولا نعلم شيئاً عن نشاط أبي قرة الرعويّ. أما في المجال الفكريّ، فقد وضع كتابة في “السجود للصور” بعد سنة800، اذ يذكر فيه قصة روح القرشي الذي تنصر “من عجب رآه في صورة كانت لامر ثاذروس الشهيد”. وقد استشهد روح (الذي سمي أنطونيوس في المعمودية) في دمشق يوم 25/12/799.
ويقول ميخائيل السرياني ان أبا قرة “بقي فترةً قصيرةً أسقفاً على حران، ثم عزله البطريرك ثاودوريطس (795-811) بسبب شكاوي رفعت ضده”. وربما كان أبو قرة استقال لأسباب شخصيّة، كما فعل غيره من الأساقفة.
3- عودته الى دير مار سابا، ونشاطه مع الأرمن
عندئذ عاد أبو قرة الى دير مار سابا، الذي كان بعض قبائل البدو قد دمروه عام 796. وأخذ يؤلف كتباً ومقالات.
ونحو عام 812 طلب توما بطريرك القدس (811-820) من أبي قرة أن يضع رسالة موجهة الى ملك أرمينية يدعوه فيها الى اعتناق مذهب الملكيين. وكان توما أحد رهبان دير مار سابا. وأوفد هذه الرسالة مع ميخائيل القيم، كاتبه ومعاونه (وهو أيضاً من رهبان دير مار سابا). ولما وصل الى القسطنطينية، أيام الامبراطور ميخائيل رانغابي (811-813)، طلب منه الامبراطور ترجمة رسالة أبي قرة على اليونانية، ففعل. وقد فُقد اليوم الأصل العربي، ولم تصل الينا إلا الترجمة اليونانية، المطبوعة في سلسلة الآباء اليونانيين.
ويحدد ميخائيل الكبير سنة 813 بدء نشاط جديد لأبي قرة. فأخذ يجول في البلاد، “ويبلبل ضمائر العديد من اللاخلقيدونيين وغير الأرثوذكسيين”. وبلغ الاسكندرية، ولاقى فيها اعجاب الناس البسطاء، لفصاحته ومنطقه في الحوار مع المسلمين. ولكنه لم يهد الى آرائه كثيراً من الأقباط. وقد أشار أبو قرة الى زيارته الى مصر في ميمره “في وجود الخالق والدين القويم”، في رقم 1/28، حيث قال: “بمنزلة أني مررت على شط النيل يوما، ورأيت خشبا كثيراً قد قُطع من غيضته، ونقل، وصير على شطًه…”
فتوجه ابو قرة الى أرمينيا، حيث وصل نحو سنة 815. وكان البطريق أبو العباس آشوط يحكم أرمينيا باسم الخليفة هارون الرشيد. فلقي فيها نجاحاً سريعاً لدى البطريق. “ومنذ اللقاء الأول أغراه واستماله اليه”. الا أن البطريق كان متردداً، فكتب الى الفيلسوف السريانيّ أبي رائطة حبيب بن حذيقة التكريتيّ مرتين.
واعتذر أبو رائطة لانشغاله، وكتب رسالة رداً على أبي قرة أرسلها مع الشماس نونا Nonnus))، قال فيها: “وقد أمرته أن يقرأ كتابي عليك، وعلى من حضرك من الاحرار وسائر المؤمنين، مراراً ثلاث تكرارًا، قبل محاورة أبي قرة العالم”. وقرأ الشماس نونا رسالة أبي رائطة، في جلستين، بحضور أبي قرة والبطريق والاعيان. وغُلب أبو قرة على أمره من أول جلسة، وتبين أنه لم يقرأ الكتاب المقدس، ولم يتعلم حكمة القديسين، ولكن آراء السفسطيين فقط”.
هذا رأي السريان. أما أبو قرة فأنه يشكو، في رسالته الى صديقه داود السرياني (الذي أصبح بفضله ملكيا)، “أن معارضي المجمع الخلقيدونيّ يوردون نصوصاً للآباء معزولة عن اطارها الفكري”.
ثم بقي نونا في بلاط البطريق أبي العباس فترة، فسّر فيها انجيل يوحنا بالعربية. وقد ترجم التفسير الى اللغة الأرمنية سنة 856، وفُقد الأصل العربي.
4- السنين الأخيرة
وبعد ذلك، يبدو أن أبا قرة توجه الى بغداد والتقى فيها كبار المعتزلة. وقد يكون ناظر فيها أبا الهديل العلاف (752-840) والنّظّام (توفي نحو 840-845)، كما ناظر أبا رائطة التكريتيّ وعبديشوع النسطوريّ. وذلك كله من باب الاحتمالات.
وفي سنة 816-817 عاشر بحران قائد المأمون ذي اليمينين طاهر بن الحسين، وكان قد استقرّ بالقرب من حرّان حيث “عكف على القراءة والتفسير ومعاشرة الفلاسفة”، فترجم له كتاباً منسوباً الى أرسطو ” في فضائل النفس”.
وفي سنة 825، وضع مؤلف مجهول كتاباً ضخماً سماه “جامع وجوه الايمان” يحتوي على25 باباً. قد يكون هذا الكتاب من مؤلفات أبي قرة، ولكن أغلب الظن أنه من أحد تلاميذه أو ممن تأثر بفكره.
سنة 829، على ما رواه المؤرخ الرهاويّ المجهول (ت نحو 1235م)، “وصل المأمون الى حران. وان ثاودورس أسقف حران، المكنى أبا قرة، تفاوض مع المأمون. وجرت بينهما مجادلة طويلة حول ايمان النصارى. ومن أراد أن يقرأ هذه المجادلة، فهي مدونة في كتاب خاص”.
وتوفي أبو قرة بعد ذلك بقليل، أي نحو سنة 830 م.
5- الخاتمة: ابو قرة المتكلم المُناظر
كان أبو قرة مدافعا عن الايمان المسيحي، وعن عقيدة مجمع خلقيدونية تجاه الارمن والسريان والمشارقة، وعن المجمَعَين الخامس والسادس تجاه الموارنة. واشتهر عند السريان والاقباط، كما رأينا، واشتهر جدا عند اصحابه الملكيين وإن لم توجد مخطوطات عديدة له عندهم.
أما عند مسلمي العصور الوسطى، فهو ايضا مشهور. ذَكَرَه الجاحظ وابن النديم، كما بيّن ذلك إغناطيوس كراتشكوفسكي في مقال له بالروسية.
وذكر ابن النديم “أبا موسى عيسى بن صبيح المُردار، من كبار المعتزلة، من المُقَدَّمين، اخذ عن بشر بن المُعتمر (وهو الذي أظهر الاعتزال ببغداد، وعنه انتشر وفشا)” (المتوفى سنة 226هـ/840م). ثم قال: “وله من الكتب … كتاب الرّدّ على النصارى، و (كتاب على أب قرة النصراني).
وبين مادلنجي Madelung تأثير أبي قُرة على القاسم بن براهيم الرسي، المتكلم المُعتزلي الزيدي (ت 246 هـ/ 860م).
وبيّن أبل Abel تأثيره على المُعتزلي أبي عيسى محمد بن هارون الوراق (ت 861م)، كان “من المتكلمين النظارين… ولخص من الكتب… كتاب الرد على النصارى الكبير، وكتاب الرد على النصارى الاوسط، وكتاب الرد على النصارى الاصغر”.
كل هذه الاشارات تدل على مكانته في علم الكلام، وعلى ان آراءه ودفاعاته كانت مقروءة في البيئة الاسلامية، لاسيما لدى المعتزلة.
كان ابو قرة يعرف جيدا عقيدة الاسلام، لذلك نراه لا يخشى محاورة أئمة المسلمين. وهو لا يتصدى مباشرة للاسلام كعقيدة، بل ان كتاباته هي ايضاح دفاعي للايمان المسيحي موجه بشكل اساسي الى المثقفين المسلمين. وابو قرة يجيب في محاوراته على اعتراضات يثيرها بعض المسلمين امامه على احدى نقاط العقيدة المسيحية، ويتطرق اكثر من مرة الى النقاط المشتركة بين المسيحية والاسلام.
ركز ابو قرة كثيرا على اهمية العقل في مساندة الايمان، لذلك نجده يُسهب في عرض براهين في وجود الخالق وفي صحة الديانة المسيحية، ولكنه لا يدّعي ان اسرار الكنيسة المسيحية تُدرك بالعقل، ذلك ان الايمان الفعلي انما هو عمل الروح القدس. لم يكن ابو قرة عقلانيا محضا، بل كان مؤمنا صادقا يعي دور النعمة في البلوغ الى الكمال.
وبقي السؤال: ما قيمة هذه الدفاعات اليوم؟ وإلى أي مدى تُساعدنا مؤلفاته على فهم العقيدة المسيحية، وعلى التحاور مع اخوتنا المسلمين؟ وهل، يا تُرى، ما زالت هذه الكتابات الوسيطة ذات قيمة للمفكر المعاصر؟ هذه كلها اسئلة لا يمكن الاجابة عليها إلا بعد نشر مؤلفاته نشرا يُناسب معاييرنا المُعاصرة.
6- مؤلفات أبي قرة بالعربية
ليس هناك اجماع على اللغة التي صنّف فيها ابو قرة تآليفه، أهي اليونانية ام العربية. “كان ابو قرة يجيد لغات العلم الثلاث في عصره: السريانية واليونانية والعربية، كلها. والرأي الارجح انه كتب فيها كلها. في السريانية وضع ثلاثين ميمرا (أي مقالا) مدحا لرأي الارثوذكسية، كما يخبر هو بنفسه، لكنها لا تزال حتى الان مفقودة.
وفي اليونانية نُشر له 44 مقالة بعضها وجيز جدا في اقل من صفحة واحدة وبعضها بحجم كُتيب صغير؛ كتبها بالعربية ثم نقلت الى اليونانية قياسا على ما جاء في مقدمة رسالته الرابعة حيث يقال انه ملاها بالعربية وترجمها الى اليونانية الكاهن ميخائيل قيّم كنيسة اورشليم.
لكن شهرة ثاوردوس ابي قرة ومكانته قامتا على مصنفاته العربية التي تفوق اليونانية حجما واهمية، وان كانت دونها عددا، اذ لا يتعدى مجموع ما عُرف منها حتى الان الثلاثين بين ميمر ورسالة وعظة وما شاكلها. ويعود الفضل الاكبر في اكتشاف ابي قرة العربي ونشره وتعريفه الى الخوري قسطنطين الباشا المخلصي، وان كان القس يوحنا ارندزن قد سبقه الى نشر المقال “في اكرام الايقونات” (في بون سنة 1897)، ثم لحق بهما الاب لويس شيخو اليسوعي، فاكتشف المقال “في وجود الخالق والدين القويم” ونشره في مجلة “المشرق” على دفعتين (سنة 1912 المجلد 15).
واهتم المستشرقون بأبي قرة العربي اهتماما بالغا وقد نقل معظم آثاره الى الالمانية الاب العلامة جورج غراف شيخ الباحثين في التراث المسيحي العربي. ومما يجدر ذكره ان كثيرا من اثار ابي قرة قد نقل قديما الى اللغة الجورجية، بل ان بعضها لم يصل الى الباحثين الا بهذه اللغة.
وابو قرة علاوة على كل ما تقدم يُعد من نقلة الفلسفة اليونانية الى العربية ومن الرعيل الاول منهم. يذكر له ابن النديم في الفهرست تعريب احد كتب ارسطو المنطقية: التحليلات الاولى. وتنسب اليه المخطوطات نقل مؤلفين اخرين منسوبين الى ارسطو. ويعد الجاحظ في كتاب الحيوان ابا قرة في جملة النقلة المجيدين.
اطلع ابو قرة على الفكر الفلسفي اليوناني بشقيه الارسطاطاليسي والافلاطوني الحديث. وقد افاد منه في ايضاح العقائد المسيحية والدفاع عنها، فعاب عليه ذلك بعض خصومه ووصموه بالفيلسوف ازدراء. ويلمس تأثره بمذهب ارسطو بالذات في ثقته العظيمة بالعقل، فهو يعتقد فيه القدرة على ادراك حقيقة الموجودات في نظرية واقعية للمعرفة، واستطاعة معرفة الله في طريق المماثلة.
الا ان المصدر الاساسي لفكر اسقف حران يظل الكتاب المقدس الذي يعرفه حق المعرفة، ويكثر من اعتماده. فبعد ان يتحقق العقل ان الكتب المقدسة القديمة والجديدة هي من الله يصير لزاما عليه “ان يؤمن بما قالت هذه الكتب… بلغته معرفته ام لم تبلغه.. فنحن نقبل ما قالت هذه الكتب بالايمان ولو كانت عقولنا لا تجد سبيلا الى تحقيق قولها”.
وقد قرأ ابو قرة آباء الكنيسة والف كتاباتهم وهو يجلهم اجلالا كبيرا وله فيهم هذا القول: “درجتهم في الكنيسة فوق مراتبها كلها بعد مرتبة السليحيين (أي الرسل) والانبياء.. ومَن من النصارى يردّ شيئا من تعليمهم الا كان نفيا من النصرانية مقصى من خير الكنيسة”.
لابي قرة فضل الريادة في مجالات عديدة، من الجيل الاول من النقلة كما سلف، وهو ايضا من اوائل اللاهوتيين الذين صنفوا بالعربية بلغة فصيحة على الرغم من بعض الهنات. وميامره ان لم تكن اقدم تأليف عربي نصراني، كما وصفها ناشرها، فهي من اقدم ما وصل الينا من هذا القبيل. وفيها منهج جديد في الفكر عند العرب عموما والمسيحيين منهم خصوصا، جدته في اللجوء الى الفلسفة والمنطق في البحوث الدينية واللاهوتية وفي نزعته العقلانية البارزة.
ذلك ان ابا قرة لا يرضى بايمان لا ينظر العقل في مسوغاته، بل العقائد الايمانية ذاتها لا بد من ان تكون موضوع نظر العقل قبل ان تصير موضوع اعتقاده. فعلى المرء ان “يدبر ايمانه بالعقل”. وهذا التعبير اثير لديه يكثر من ترداده.
هذا التشديد على الشأن العظيم للعقل في مجال الدين والايمان يبرز مدى اندماج ابي قرة في بيئته. وكل من درس فكره لاحظ الصلات المتينة العرى بينه وبين المعتزلة، والواقع ان الصفة الغالبة على فكر ابي قرة هي الحوار والتوجه الى الاخر لاطلاعه او لاقناعه. ومعظم اثاره تنطق بهذا حتى في صيغة عناوينها: “محاورة”، و “جواب سؤال”، و “رد اعتراض”، و “مجادلة” و “رسالة”… وتبرز هذه الصفة حتى في اسلوبه الانشائي، فانه يكثر من كاف المخاطب وادوات النداء وافعال الامر، كما يكثر من الامثال والتشابيه التي تضفي على حديثه طلاوة وتوضح مقاصده لغير المتفقهين، وبعضها بديع بليغ في حسن دلالته ووفائه بالغرض.
لهذه الاسباب مجتمعة يُعدّ ابو قرة من كبار اللاهوتيين الملكيين، بل لقد وضعه بعض خصومه في مصف القديسين، مكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي: وهو احد ابرز اللاهوتيين المسيحيين العرب وقد عبّر بالعربية ابلغ تعبير عن عقائد ايمانهم وجسّد في حياته وآثاره عظيم اهتماماتهم”.
مؤلفات ابي قرة المطبوعة بالعربية
1- ميمرّ في وجود الخالق والدين القويم
2- دستور إيمان أبي قرة
3- ميامر (في) السجود للصور
4- ميمرّ يحقّق للإنسان حرية ثابتة من الله في خليقته، وأن حرية الإنسان لا يدخل عليها القهر من وجه من الوجوه بتة.
5- مقالّ في التوحيد والتثليث
6- مقال في تحقيق الانجيل، وأن كل ما لا يحققه الإنجيل فهو باطل
7- مقال في أن الدين الحق عند الله هو المسيحية
8- ميمرّ على سبيل معرفة الله وتحقيق الابن الأزلي
9- ميمرّ في أنه لا يغفر لأحد خطيئة إلا بأوجاع المسيح التي حلّت بهفي شأن الناس، وأن من لا يؤمن بهذه الأوجاع ويقربها للآب عن ذنوبه، فلا مغفرة لذنوبه أبدًا
10- ميمر في الرد على من ينكر لله التجسد والحلول
11- ميمر يحقق أن الله ابنا هو عدله في الجوهر ولم يزل معه
12- قولّ في أن المسيح مات باختياره
13- ميمر في موت المسيح
14- رسالة الى صديق له يدعى داود، كان يعقوبيًا فأصبح ملكيًا، وهي في الاتحاد
15- ميمر في تحقيق ناموس موسى، والأنبياء الذين تنبأوا على المسيح، والإنجيل الطاهر
16- ميمر في تحقيق الأرثوذكسيّة التي ينسبها الناس الى الخلقيدونية، وابطال كلّ ملّة تنتحل النصرانّية سوى هذه الملّة
17-رد على الأرمن في شوؤن طقسيّة
18- مجادلة مع المتكلّمين المسلمين في مجلس الخليفة المأمون
19- ترجمة كتاب أرسطو في فضائل النفس
مؤلفات أبي قرة العربيّة غير المطبوعة أو المنحولة
20- ثماني مسائل وأجوبة طعن على البرانيين
21- ردّ على الذين يقولون: ان النصارى يؤمنون باله ضعيف، اذ يقولون انّ المسيح الهّ، وأنه لطم وضرب وصلب ومات وقام
22- رد على الذين يقولون: إن كلمة الله مخلوقة
23- مجموعّ من نبؤات الأنبياء لتوكيد وتحقيق تجسد المسيح وصلبه ودفنه وقيامته وصعوده
24- في نبوات الأنبياء والإشارات والرسوم في مجيء المسيح وتجسده، وآلامه وصلبه، وقيامته وصعوده إلى السماء. وفي أبطال مذهب اليهود ونفيهم، لكفرهم بالمسيح، ودخول الأمم في موضعهم، لإيمانهم بالمسيح وطاعتهم له
25- ميامر لآحاد الصوم: ميمرّ للأحد الأول من الصوم
26- ميمر للأحد الرابع من الصوم، في العشار وصاحبه
27- ميمر للأحد الخامس من الصوم
28- ميمر للأحد السادس من الصوم
29- ترجمة كتاب أرسطو ” أنالوطيقا الأولى”
30- مديح للخليفة المأمون
31- جامع وجوه الإيمان، بتثليت وحدانيّة الله، وتأنس الله الكلمة من الطاهرة العذراء مريم