ماذا عن شرائع العهد القديم القاسية؟ – بول كوبان (تلخيص: بيشوي طلعت)
ماذا عن شرائع العهد القديم القاسية؟ – بول كوبان (تلخيص: بيشوي طلعت)
ماذا عن شرائع العهد القديم القاسية؟ – بول كوبان (تلخيص: بيشوي طلعت)
من ضمن الاسئلة الصعبة التي يتم طرحها في العهد القديم هي مسألة الشرائع القاسية في العهد القديم وقد قدم عالِم الفلسفة التحليلية واللاهوت بول كوبان في كتابه هل إله العهد القديم إله شرير؟ فصل يناقش فيه هذه المسألة.
السؤال: ماذا عن شرائع العهد القديم القاسية؟
الرد
المنظور الصحيح للعقوبات والوقائع القاسية الأخرى
من نواح كثيرة، كان الشرق الأدنى القديم يشبه إلى حد كبير “حالة الطبيعة (state of nature) (أي البشر قبل زمن المجتمعات المنظمة) التي يصفها الفيلسوف «توماس هوبز» (1588- 1679) في كتابه الشهير “التنين” أو “اللوياثان” بأنها: حالة “مقرفة، ومتوحشة، وقصيرة”. فلم تكن مرحلة سهلة أبدا، وكثير من الشرائع التي ظهرت في الشرق الأدنى القديم عكست هذه الحالة الوحشية والبدائية الأخلاقية [1]
لقد تكبدنا جهدا جهيدا لنبين أن شرائع العهد القديم لم تعط في الفراغ. وبالرغم أنها كانت تمثل ارتقاء أخلاقيا كبيرا، فإنها عكست السياق المجتمعي للشرق الأدنى القديم. تكشف العقوبات في الناموس الموسوي جوانب هذا السياق [2]
إذا النقطة الأولى معانا هي فهم سياق هذه النصوص في ضوءها التاريخي لأنه بالمقارنة مع شرائع الشرق الأدنى القديم اتبع العهد القديم نفس القانون المتبع ولكن مع فارق كبير يتمثل في الارتقاء والاخلاقيات التي كانت تختلف عن القانونين في تلك الفترة.
شرائع الشرق الأدنى القديم وشريعة موسى
كررنا فكرة أن شريعة موسى أعطيت لإسرائيل في السياق الأخلاقي المتدني لمنطقة الشرق الأدنى القديم، في نفس الفترة وجدت شرائع أخرى قديمة في نفس المنطقة في الألفية الثانية قبل الميلاد وقد عرفت بالشريعة «المسمارية». كلمة «مسمارية» تشير إلى حروف أو أرقام على شكل وتد، وتكون منقوشة على ألواح حجرية عادة بقلم من البوص.
في هذه القائمة توجد شرائع اورنامو (Ur-Nammu) (حوالي 2100 ق. م. خلال حكم الأسرة الثالثة لـ أور)، وشرائع لبت عشتار (Lipit- Ishtar) (1925 ق. م.) الذي حكم مدينة سومرية تسمي آيسن، والشرائع الأكادية لإشنونا (Eshnunna) (حوالي 1800 ق. م.)، وهي مدينة على بعد مئة ميل شمال بابل، والشرائع البابلية لحمورابي (1750 ق. م.) وشرائع الحثيين (1650- 1200 ق. م.) في آسيا الصغرى (تركيا الآن) [3]
لا ينبغي أن نندهش من وجود توازيات وتقاطعات بين شرائع الشرق الأدنى القديم وشريعة موسى. الأكثر من ذلك هناك أقوال متنوعة وحكم من سفر الأمثال تبدو إلى حد بعيد كأنها اقتباسات من «تعاليم أمينيموبي» (Instruction of Amenemope) وهو أحد الأعمال الأدبية المصرية القديمة، كان يجوز لكتبة أسفار الكتاب المقدس أن يقتبسوا من أحد المؤلفات الشعرية – مثل سفر ياشر (يش 10: 13، 2صم 1: 18) – أو أن يرجعوا إلى وثائق رسمية، مثلما فعل كاتب سفر الأخبار.
بالإضافة إلى هذا يمكننا أن نتخيل موسى وهو يعمل كمحرر للتوراة إذ يوفق بين التقاليد الشفهية والكتابات المتعلقة بالخلق وتاريخ عصر الآباء الأولين لإسرائيل. فيما بعد في العهد الجديد يكشف لوقا 1: 1- 4 عن مشروع بحثي منظم يستقصي التقاليد الخاصة بيسوع والتي جمعها لوقا ليكتب سيرة ذاتية موثقة عن يسوع.
هذه المساعي البشرية، والأسلوب الأدبي للكتابة، والشخصيات تمثل جزءا من عملية التدوين الملهم بالروح القدس. البعض شبه «تجميع» الأسفار المقدسة بعقيدة التجسد. في شخص يسوع الناصري اجتمع العنصر الإلهي بالعنصر البشري. بالمثل ليس معنى أن هناك دورا لشخصية الكاتب أو أسلوبه أو أدواره المختلفة، أو أن محتوى «خارجيا» قد اقتبس، أن هذا معناه أن روح الله الملهم لم يكن مساهما في. عملية الوصول بالأسفار المقدسة إلى صورتها الحالية [4]
كاسر السبت والمجدف
في أحيان كثيرة، عندما تُرتكب الانتهاكات لأول مرة في وسط أمة ناشئة، يصاحب ذلك عقوبة قاسية. تأمل ناداب وأبيهو، اللذين ينطبق عليهما المثل القائل “هذا الشبل من ذاك الأسد” إذ قلدا وثنية هارون في حادثة العجل الذهبي (خر 32)، وقدما «نارا غريبة» -وهو يعني طقسا وثنيا لعبادات غربية سامية كانت ترتبط بتعيين المرء في الكهنوت- وقد سقطا ميتين (لا 10).
كذلك رجال من بني إسرائيل، تم إغواؤهم بالزنا والوثنية بواسطة نساء من مدیان، هؤلاء قد سقطوا أيضا أمواتا بسبب احتقارهم لعهد الله (عد 25). وخلال حقبة مملكة داود، حاول غزا أن يثبت تابوت العهد المترنح أثناء نقله (2صم 6: 1-7).
كيف نال «شكرا» على مجهوداته؟ أسقطه الله مانتا! حتى أن داود استشاط غضبا بسبب عمل الله هذا. ما على جميع فكر فقط في حنانيا وسفيرة في العهد الجديد (أع 5)، اللذين سقطا ميتين بسبب كذبهما بشأن مقدار سخائهما. وكانت الرسالة واضحة جدا للكنيسة الأولى: «فصار خوف عظيم الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك» (أع 5: 11).
تبدو يد الله ثقيلة بالأخص في حالات القدوة أو في البدايات. لا يمكن الاستخفاف بالله. وهو يأخذ الخطية مأخذ الجد، وفي أحيان كثيرة يضع معيارا للتجاوزات الأولى. بالنسبة لشعب الله كان مقصودا لهذه العقوبات أن تكون أدوات تذكير قوية لما يتوقعه الله منهم [5]
التوابع والسحرة والانبياء الكذبة [6]
كانت عبادة الموتى شائعة في الشرق الأدنى القديم، بما في ذلك كنعان. كانت شعوب ه الشرق الأدنى القديم تحاول استشارة الموتى أو الاتصال بهم حتى يتدخلوا أو يساعدوا الأحياء. هذه الأديان القديمة في الشرق الأدنى القديم كانت تدافع عن طقوس الحزن على المتوفي مثل تقطيع المرء لجسده من أجل الأموات وعمل علامات كالوشم على الجسد (لا ۱۹: ۲۸).
أما قص الرجال لشعرهم من الجانبين أو أطراف لحيتهم (لا 19: 27) فكانت ممارسة كنعانية يقدم فيها المتعبد شعره كتقدمة إلى أرواح منتقلة لاسترضائهم (قارن تث ١٤: ١)
لم يكن مسموحا بشيء كهذا في إسرائيل! كان على شعب الله أن يكون مختلفا. ا عن الأمم المحيطة به. وكان عليهم أن يركزوا على الحياة وإله الحياة، وليس الأموات والآلهة الباطلة. لم يكن مسموحا لأحد بأن يستشير أو يسأل «الموتى لأجل الأحياء» (إش 8: 19؛ قارن 2: 5 و6).
ولم يكن حتى مسموحا للكهنة في إسرائيل بحضور الجنازات، إلا إذا كانوا من أقارب المتوفي (لا 21: 1-5). وكان عليهم أن يكونوا «مقدسين… لإلههم» (لا 21: 6). ومن ثم كان يجب تطبيق عقوبة الإعدام على التوابع والمنجمين وأمثالهم هؤلاء الذين يعملون في تجارة الموت
لهم بمغادرة إسرائيل ليعيشوا في أمة أخرى. كان هذا هو البديل الواضح والمفضل. وكان هذا صحيا أكثر من الناحية الروحية لإسرائيل وأكثر أمانا لمناهضي الدولة الثيوقراطية. وكان على المتبقين في الأرض أن يحترموا العهد والشرائع المصاحبة له
لكل شعب تقاليده
ذلك، كانت عقوبات إسرائيل لينة بالمقارنة بالشرائع القانونية الأكثر وحشية والتي لا تظهر ثقافات أخرى في الشرق الأدنى القديم. كانت شريعة حمورابي تصر في بعض الجرائم على قطع اللسان أو الثدي أو اليد أو الأذن. وإحدى العقوبات تضمنت سحل المتهم حول أحد الحقول مجرورا بواسطة الماشية.
وفي التشريع المصري القديم تضمنت العقوبات قطع الأنف أو الأذن. وكانت شريعة حمورابي تصر على موت اللص، بينما العهد القديم يطالب فقط بتعويض الضعف عن الخسارة (خر 22: 4).
هذه المقارنة- من بين أمور أخرى كثيرة- تذكرنا بأن الأشخاص كانوا مهمين في التشريع الإسرائيلي أكثر من ثقافات أخرى في الشرق الأدنى القديم. وعند معاقبة المجرمين (سواء حالة الحنث باليمين أو التشهير بالآخرين) كان القانون المصري القديم يقر بمائة إلى مئتين ضربة.
وكانت الضربات المائة العقوبة الأقل. أما بالنسبة لعقوبات السرقة في العهد القديم، كما يلاحظ «ديفيد بيكر»، فكانت “أكثر إنسانية من معظم شرائع (الشرق الأدنى القديم)، ولم تتضمن أبدا التشويه، أو الضرب، أو الموت [7]
عين بعين وسن بسن
ليس لدينا هنا عين أو سن بالمعنى الحرفي، وإنما تعويض عن الضرر الجسماني. يذكر بعض الدارسين من أمثال «رايموند ويستبروك» أن قانون القصاص بالمثل (Lex Talionis) كمبدأ تعويضي لم يؤخذ حرفيا [8]
الأكثر من ذلك، تنفيذ العقوبات التي تتناسب مع الجريمة كانت تحمي الطبقات الأكثر ضعفا مثل الفقراء والضعفاء والمنبوذين. لم يكن بمقدور الأثرياء وأصحاب النفوذ أن يحددوا شروط العقوبة. في الواقع كانت النخبة في المجتمع يتعرضون لهذه العقوبات المتناسبة مثل أي أحد آخر [9]
بالإضافة إلى ذلك، عمل هذا المبدأ الخاص بالقصاص بالمثل كحماية ضد عداء الدم والثأر غير المتناسب (فكر بطريقة المافيا هنا). عندما نقارن عقوبات إسرائيل مع تشريعات أخرى في الشرق الأدنى القديم، نجد أن شريعة موسى تقدم ارتقاء أخلاقيا بارزا. وكما يشرح الدارس الكتابي «بريفارد تشايلدز»، كان مبدأ القصاص بالمثل “علامة على ارتقاء هام، وأكثر من كونه أحد آثار عصر بدائي. [10]
علق المؤرخ الشهير «باول چونسون» على شريعة حمورابي، بالرغم من أن هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن الشرائع الأخرى للشرق الأدنى القديم، بقوله: “إن الشرائع المفزعة تتميز بقسوة عقوباتها البدنية، في مقابل ضبط النفس في شريعة موسى وتشريعات سفري التثنية واللاويين.” [11]
يشير «والتر كايزر» إلى الملاحظة العامة لدارسي العهد القديم: وجدت ست عشرة جريمة كانت تتطلب عقوبة الموت في العهد القديم، ولكن فقط في حالة القتل العمد يقول النص إن المسؤولين في إسرائيل غير مسموح لهم بأخذ «فدية» أو «تعويض».
وكان التفسير المقبول على نطاق واسع لهذا أنه في الحالات الخمسة عشرة الأخرى بإمكان القضاة استبدال عقوبة الموت بتحديد “فدية” أو “تعويض”، لأنه في حالة القتل العمد تعمل عقوبة الموت كمؤشر على خطورة الجريمة. يمكننا ذكر أسماء دارسين مثل «رايموند ويستبروك»، «جاكوب فنكيلشتين»، و«جوزيف سبرنكل»، الذين يتفقون بالفعل مع هذا الرأي.” [12]
ماذا عن تقديم الرضع كذبائح في إسرائيل؟
من ناحية، تدين شريعة موسى بوضوح تقديم الأطفال كذبائح كشيء كريه وبغيض أخلاقيا (لا 18: 21؛ 20: 2-5؛ تث 12: 31؛ 18: 10). كما تشير «سوزان نيديتش» في كتاب “الحرب في الكتاب المقدس العبري” (War in the Hebrew Bible)، إلى أن النبرة السائدة في العهد القديم “تدين تقديم الأطفال كذبائح”؛ لأن ذلك يتعارض مع مقاصد الله ويزعزع المجتمع الإسرائيلي.” [13]
الخلاصة
في كثير من الأحيان يلجأ الملحدون الجدد إلى رسم صور كاريكاتيرية وافتراءات عن شرائع العهد القديم. وبرغم أن شرائع موسى لا تعكس دائما ما هو مثالي (وهو ما يقره العهد القديم نفسه)، فإن هذه الشرائع، والعقلية التي تظهرها، تكشف النقاب عن ارتقاء أخلاقي وحساسية أخلاقية أكبر من نظائرها من شرائع الشرق الأدنى القديم [14].
[1] هل إله العهد القديم إله شرير؟ أفضل لأخلاقيات العهد القديم – بول كوبان – ص 109
[2] المصدر السابق.
[3] ص 111
[4] المصدر السابق.
[5] ص 112
[6] ص 114
[7] ص 115 – 116
[8] ص 117
[9] المصدر السابق
[10] المصدر السابق
[11] المرجع السابق
[12] ص 119
[13] ص 119
[14] ص 124
انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان