ركب على كروب – تصوير جنسي؟!!! – مينا كيرلس
(لأنى أعتقد أننا يجب أن نُقلد الكلاب في حاسة الشم القوية، وذلك حينما نريد أن نبحث عن الحقيقة)
– القديس كيرلس عامود الدين [١]
يحتاج الشيخ ديدات إلى ٣ اساليب ليَخلِق أكذوبة ويوهم القارئ أو السامع بأنها حقيقة.
١- عدم المُبالاة بأسلوب كتابة سفر محدد من أسفار الكتاب المقدس.
٢- تحديد نص محدد واقتطاعه.
٣- إضافة بعض الإيحاءات الجنسية فيفقد النص صفة مقدس ويُفهم بمنظور جنسي.
يذكر ديدات نص في سفر صموئيل الثاني فصل ٢٢ فقره رقم ١١
رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ وَرُئِيَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. سفر صموئيل الثاني 11:22
النص يتحدث عن الله لكننا لن نرتكب الأخطاء التي وقع فيها الشيخ ديدات بكامل إرادته وربما بكامل معرفته.
ذُكر هذا النص أيضاً في سفر المزامير وخصوصا المزمور ال ١٨
– سمات سفر المزامير
هو كتاب شعري غنائي من الطراز الأول لا وزن له خاص ولا قوافي خاصة به بل كان يأتي على أشكال مختلفة متنوعة وبمقاطع متباينة فيها اهتمام خاص بالمعاني والأفكار ويمكننا أن نعتبر هذا إنه كمال فن الشعر الغنائي.
وكان يستعمل في الهيكل والمجمع على السواء بالطريقة ذاتها التي نستعمل فيها كتب الترتيل اليوم في كنائسنا. وإن يكن في القديم أقل ترتيباً وانتظاماً في استعمالها من قبل الشعب بل يكاد استعمالها يكون محصوراً في أجواق المرنمين المختصين في الهيكل. [٢]
– المحسنات البديعية في الكتاب المقدس
الصور البلاغية تختزن بداخلها معان كثيرة، حتى وإن كانت في جمل قصيرة.
الصور البلاغية تدلنا على ما يريد الله التركيز عليه. نحن كبشر نستطيع التأكيد على أهمية ما نقول بطرق مختلفة. يمكننا أن نعلي من نبرة صوتنا أو نخفضها حتى نلفت انتباه الآخرين لما نقوله. ونستطيع أن نعمل “وقفات صمت ذات دلالة معينة”.
أما عندما نكتب، نستطيع أن نكتب بلون مختلف أو بتظليل غامق أو بحروف مائلة، أو نضع خطا أسفل الكلمة أو العبارة التي نريد التأكيد عليها. لكن المخطوطات القديمة لا تحتوي على شيء من هذا.
لكن النص الكتابي نفسه كان يحتوي على المحسنات البديعية الخاصة باللغات الأصلية التي كُتب بها الكتاب المقدس. بعض الناس يقرأون الكتاب المقدس ويأخذون منه ما هو مهم من وجهة نظرهم، ولكن ما هو المهم من وجهة نظر الله؟ الإجابة: لقد استخدم الله الصور البلاغية ليؤكد على ما يريد أن يوصله لنا.
من ناحية أُخرى، هناك تفسيرات خاطئة مبنية على عدم فهم لطبيعة النص، فكثيراً ما يقرأ البعض النص الرمزي على انه حرفي، أو العكس. وهناك نصوص بها صيغة “مبالغة” ولا يمكن فهمها حرفياً. [٣]
– أهمية سفر المزامير
يذكر القديس أثناسيوس:
في كل سفر من الكتاب المقدس تعلن الأمور نفسها بمختلف التعبيرات. فهذا التوافق سائد فيها كلها لأنها موحى بها بالروح القدس. وكما أننا نستطيع فعلا أن نكتشف في المزامير أموراً قد وردت في الأسفار الأخرى. فموسى يكتب ترنيمة، وإشعياء يترنم. وحبقوق يصلي بالترانيم …. وفوق ذلك ففي كل كتاب من الأسفار المقدسة يمكن أن يجد القارئ نبوات وتشريعات وحكايات. [٤]
ففي كل المزامير – كما يقول ذهبي الفم – كان داود يحثنا على معرفة الله وسلوك الحياة المقدسة. إنه يتولى دور المعلم كما يتولى دور النبي كذلك، حيث يمزج المشورة بالصلاة أحياناً، وأحياناً يمزج التشجيع بها. [٥]
وهنا نطرح سؤالاً مهماً:
كيف يمكن استخدام فقرات مستخدمة في الصلاة اليهودية والمسيحية والتي تؤدى إلى معرفة الله والتعمق في الحياة الروحية… في تصوير جنسي؟
والسؤال الأهم:
أي شخص عاقل سوي سليم يمكن أن يتخيل تصوير جنسي عن الله مع أحد الملائكة؟
لنفحص النص في سياقة حتى نتأكد هل العيب في النص أم في عقل الشيخ ديدات….كعادته دومًا.
– شرح النص في سياقه
في بداية الفصل
1 وَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ بِكَلاَمِ هذَا النَّشِيدِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْقَذَهُ فِيهِ الرَّبُّ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ، سفر صموئيل الثاني 1:22
ومن الواضح ان الفصل يتحدث هنا عن “نشيد” والموضوع لا يحتاج إلى ذكاء خارق لنكتشف ان هذا النشيد موجود أيضا في سفر المزامير (المزمور ١٨)
إن هذا النشيد هو نفس المزمور الثامن عشر تقريباً، كتبه داود في اليوم الذي أنقذه فيه الرب من أيدي كل أعدائه لا سيما شاول.
…… ارتجت الأرض: وصف بهذا الفصل نوءاً عظيماً مخيفاً ذكر فيه الرعود والبروق والرياح والغمام. انظر خبر نزول الحرب على جبل سيناء (خروج ١٩: ١٦ – ١٨) وليس من الضرورة أن يكون الرب قد خلص داود بواسطة نوء حقيقي لأن الكلام هنا مجاز يصف قدرة الله وجلاله بألفاظ وتشبيهات شعرية تصورية.
أسس السماوات الجبال. لأن السموات قائمة عليها حسب الظاهر. قال أيوب أعمدة السموات (أيوب ٢٦: ۱۱ )
صعد دخان من أنفه وصف بألفاظ بشرية وتشبيهات مفهومة غضب الله على أعدائه (أيوب ٤١: ٢٠)، والنار رمز إلى غضب الله (تثنية ٣٢: ۲۲ مزمور ٩٧: ٣ عبرانيين ١٢: ٢٩)
طأطأ السماوات (ع 10) السحاب مركبته (مزمور 104: 3) فطأطأ السموات حينما نزل لينقذ عبده. كما نزل على جبل سيناء (الخروج ١٩: ١٦) ينزل الله ليظهر قوته في العالم (تكوين ۱۱: ۷ و۱۸: ٢١ إشعياء ٦٤: ١) والضباب يشير إلى طرقه التي لا نقدر أن نفهمها غير أنها كلها مستقيمة (مزمور ٩٧: ٢).
كَروبِ (ع 11) وجمع كروب بالعبرانية كروبيم. وكان كروبان على غطاء التابوت في خدمة الاجتماع في قدس الأقداس. وتكلم الله مع موسى من على الغطاء من بين الكروبين. وكانت الكروبين ترمز إلى الملائكة الذين يخدمون الله. جلس الله على الكروبيم في خيمة الاجتماع مسكنه (٢صموئیل ٦: ٢) وركب على كروب عندما أتى لينقذ عبده. وَرُئِيَ على أجنحة الريح في (مزمور ١٨: ١٠) وهف الخ أي أسرع في سيره. وهفت الريح إذا سُمع صوت هبوبها.
مظلات (ع ١٢) هي اللفظة والغمام الكثيرة المياه أي مياه حاشكة فلا يُرى الرب من ورائها كما لا يُرى من الخارج الساكن في مظلة.
من الشعاع قدامه (ع 13) إشارة إلى البروق التي تخرج من السحابة.
والعلي أعطى صوته تسمى الله العلي لكونه إله كل الأرض وفوق الكل (تكوين ١٤: ١٨ – ٢٢) والرعود صوت الله.
فشتتهم (اع 15) شتت أعداءه وأعداء داود وخلصه منهم. كما أزعج المصريين (خروج ١٤: ٢٤) وملوك الأمورين (يشوع ١٠: ١٠) وسيسرا (قضاة ٤: ١٥) والفلسطينيين على عهد صموئيل (١ صموئیل ۷: ۱۰).
ظهرت أعماق البحر (اع 16) اعترف البحر بربه وأطاع كلامه. كالبحر الأحمر علما عبره بنو إسرائيل وبحر الجليل حينما انتهره يسوع (متى ٨: ٢٦). [٦]
ويرى القس ديريك كدنر ما هو أبعد من ذلك..
كل شيء في هذا الوصف يتكلم عن الدينونة لكن بما أن هذه موجهة ضد قوى الشر فهي تعني الخلاص لمن تهاجمهم تلك القوى….
(دخان) كما في إشعياء ٦: ٤ يصور رد فعل القداسة تجاه الخطية و(الأنف) في العبرية هي أداة الغضب.. والنار الآكلة مرادفة لما جاء فى تثنية ٤: ٢٤ عندما يتحدث عن (غيرة الرب) او (حساسيته المفرطة) تجاهها.. (جمر) … لقد تناثر الجمر من مركبة عرش الله على المدينة المحكوم عليها في حزقيال ١٠: ٢ … وهكذا تستمر القائمة … وإذ تقترب العاصفة، ويزداد الظلام، تنفجر أخيراً.
تعبير (طأطأ السماوات) أي (انحنت السماوات تحته) تعبير مناسب، كمقدمة لنزوله العظيم في مركبته.
(الكروب … الظلمة… الغمام … الشعاع …) عاصفة رعدية و كائنات فوق طبيعية تتداخل بنفس هذه الطريقة فى (حزقيال ١: ٤ و ما بعده) حيث ينكشف السحاب عن كائنات حية أى الكروبيم فى محضر الله .. وهذه الكائنات موجودة فى القرائن التي تؤكد قداسة الله التي لا يدنى منها كحراس لشجرة الحياة (تك ٣: ٢٤) و لقدس الأقداس (خروج ٢٦: ٣١ و ٣٣) و لكرسي الرحمة (خروج ٢٥: ١٨ – ٢٢) و كحاملي مركبة عرش الله التي يركبها للدينونة (حزقيال ١: ٢٢ و ما بعده، ١٠: ١ و ما بعده). [٧]
بينما يرى القديس أوغسطينوس الكنيسة المنتصرة بيسوع المسيح…
«اعتلى الكروبين و طار»: ارتفع فوق ملء العلم، لئلا يبلغ إليه أحد إلا بالمحبة. لأن المحبة كمال الناموس (رومية ١٣: ١٠). وللحال بدا مُغلقاً على الذين أحبوه، لئلا يظنوا أن بوسعهم أن يفهموه من خلال الصور الزمنية.
«و كان طيرانه أسرع من الرياح»: أي أن السرعة التي بدا فيها مغلقا على الفهم، تتجاوز الفضائل التي هي، للروح، بمثابة الأجنحة التي ترتفع بها عن مخاوف الأرض فى بقاع الحرية.
«اختار الظلمات حجاباً له»: اختار عتمة الأسرار المقدسة، الرجاء اللا منظور في قلوب المؤمنين، ليحتجب فيها، لكن من غير ان يتخلى عنهم. يحتجب أيضا في الظلمات التي ما زلنا نسلكها بالإيمان لا العيان (٢كورنثوس ٥: ٧) ما دمنا نرجو ما لم نره بعد، وننتظر بالصبر.
«و مظلته حوله»: أي أن الذين يتوبون و يؤمنون به يُحيطونه من كل جانب؛ هو في وسطهم، لأنه يفيض عليهم نعماً متساوية، و يسكن فيهم في هذه الحياة، كمن يسكن في مظلة. [٨]
يبدو ان شرح الشيخ ديدات هو الوحيد الذي يمدنا بتصوير جنسي عن الله والكاروبيم …. الغريب انه يصور الكَروبِ بأنه فتاه تبلغ من العمر ١٢ – ١٤ عاماً كما هي مرسومة في بعض اللوحات في اوروبا… هل هذا وصف دقيق للكروبيم في الكتاب المقدس؟
هل الكروب فتاه تبلغ من العمر ١٢ – ١٤ عاما في الكتاب المقدس؟
الكروبيم: خلائق مجنحة تذكر كثيرا في الكتاب المقدس…وهم كائنات سماوية مثلهم مثل السرافيم وسائر الملائكة… يمثل الكروب عادة في الفن الأكادي، بكائن نصفه اسد، ونصفه الأخر نسر، أو بكائن بشري مجنح، ولكن الدلائل الكتابية لا تؤيد هذا الرأي.
وقد قال الرب لموسى إنه سيجتمع به ويتكلم معه من بين الكروبين الذين على غطاء تابوت الشهادة (خروج ٢٥: ٢٢). ومن هنا جاء القول: “رب الجنود الجالس على الكروبيم” (١ صم ٤:٤، ٢ صم ٦:٢). وفي رؤيا حزقيال (حز ١: ٢٦، ١٠: ١)، كان الله يجلس فوق العرش الذي كان على المقبب الذي كان على رؤوس الكروبيم محمولاً على أجنحتهما. [٩]
وبذلك يتضح كذب الشيخ ديدات وضلال كل من يتبع حُجتهٍ وأن التصوير الجنسي موجود فقط في عقله وعقل كل من يكرر كلامه.
“كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ.” (تي 1: 15).
[١] حوار حول الثالوث، الحوار الثاني ص٩٠
[٢] السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: تفسير سفر المزامير للقس وليم مارش، مقدمة سفر المزامير، ص ٥
[٣] جماليات النص الكتابي، إعداد د. عادل زكري، مقدمة ص ١٠- ١١
[٤] رسالة القديس أثناسيوس الرسولي في معنى المزامير، ترجمة إيريس حبيب المصري، ص ١٧
[٥] الصلاة في مزامير داود النبي كما شرحها القديس يوحنا ذهبي الفم، إعداد دار مجلة مرقس، ملاحظات ختامية ص ٣٢
[٦] السنن القويم في تفسير اسفار العهد القديم، شرح سفر صموئيل الثاني، القس وليم مارش، ص ٥٨ – ٥٩
[٧] التفسير الحديث للكتاب المقدس (العهد القديم): سفر المزامير – الجزء الاول، تأليف القس ديريك كدنر، ص ١١٧
[٨] عظات في المزامير للقديس اوغسطينوس الجزء الأول، ص ١٥٩ – ١٦٠
[٩] دائرة المعارف الكتابية، المجلد السادس حرف (ف – ك)، ص ٣٣٢ – ٣٣٣