خضوع الابن للآب – القديس كيرلس الكبير – بيشوي طلعت
خضوع الابن للآب – القديس كيرلس الكبير – بيشوي طلعت
سلام ملك السلام عزيزي واهلا بك في مقال جديد وهذا مقال هو تفريغ لشرح القديس كيرلس الكبير لنص خضوع الابن الذي يستخدمه الهراطقة لتشكيك في مساواة الابن بالأب في الجوهر الإلهي يقدم القديس كيرلس شرح ورد على المهاجمين المعترضين على لاهوت الابن وكذلك ازلية الابن بشرح للنص بأسلوب سليم وحتى لا تطيل المقدمة لندخل في الرد مباشرة.
الرد (للقديس كيرلس):
إن محاربي المسيح لا يدركون أنهم بهذه الأقوال يحاربون أيضاً تجديفهم. فلو قبلت فعلاً؟ أن يكون الابن أدنى من الآب، فلماذا تستعجل في تدعيم هذا الرأي قبل أن يخضع لأن بولس يقول: “حينئذ سيخضع”، فهو إذن يحدد الزمن الذي يحدث فيه هذا الأمر، أي في المستقبل، وبالتالي لا يظهر أنه خاضع الآن بالفعل.
ثم كيف تظنونه ليس تجديفاً ما تقولونه من أن الابن لا يخضع الآن للآب، وإنه بطريقة ما يقف ضد ذاك الذي ولده؟ لأن من لا يخضع، إنما يفعل مشيئته هو. فإذا كان الأمر على هذا النحو، فما رأيكم فيما قاله المسيح: “لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني” (يو 6: ٣٨)؟
ليتهم يقولون لنا – إذا كانوا قادرين على إدراك الكتب المقدسة – ما إذا كان تتميم مشيئة الآب لا يعني الخضوع؟ إذن. كيف يقال عمن يخضع الآن، إنه سوف يخضع حينذاك؟ ليتهم يسمعون إذن – عن حق “تضلون إذ لا تعرفون الكتب” (مت ۲۲: ۲۹) [1]
إذا كنتم تقبلون أن يكون الابن مخلوقاً ومصنوعاً، وبالتالي يخضع لهذه الأمور التي صارت، أخبرني إذن يا صاحب – وفق عدم تبصرك – إذا كان يمتلك جوهر العبد، فكيف لا يخضع الآن إلى آب الجميع، إذا كان المرنم يقول عن المخلوقات: “الكل عبيدك” (مز ۱۱۹: ۱۹)؟
نحن أمام أحد خيارين: إما أن نقول إن الآب لا يستطيع أن يخضع الابن له، دون أن يريد الابن ذلك، الأمر الذي يعني أن يكون الابن أسمى من الآب في حين أنه وفقاً لرأيكم هو الأدنى. وإما أن نقول إن الخضوع شيء حسن، لكن الابن لا يخضع الآن، طالما يقال عنه إنه سوف يخضع في المستقبل، وهو ما يمكنكم معه أن تحسبوه عليه خطية.
فإذا كان ما قيل عنه من أبيه حقيقياً بأنه هو: “الذي لم يفعل خطية” (راجع 1 بط ۲: ٢٢، أش ٥٣: 9)، فليكن إذن هذا الحديث بعيداً عن أي سخف وعبث [2]
وكيف لا يكون واضحاً للجميع (وأنا هنا استخدم نفس كلامكم) أن المساوي يخضع في مرات كثيرة – من أجل التدبير – للمساوي له؟ ألا تصدقون أن الأنبياء روح واحدة؟ فكيف يقول بولس إن: “أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء” (1 کو 14: ۳۲)، بالرغم من أن لديهم نفس الجوهر ويشتركون في نفس الطبيعة؟ فلا الذين يخضعون، لهم طبيعة أدني، ولا أولئك الذين يخضع لهم لديهم طبيعة أسمى، أو أكبر).
لأنه بالرغم من وحدة الجوهر التي تجمع كل البشر، إلا أن خضوعهم لبعضهم البعض ينتج آلافاً من الأمور الحسنة. وطالما أن هذا الأمر الحسن قد عين أيضاً لنا، وبطريقة ما، لا يخرجنا خارجاً عن حدود الطبيعة، فلماذا لا تتجنبوا هذا التجديف السخيف محافظين على مساواة الكلمة بالله (الآب)؟ [3]
الآب يفعل كل شيء بواسطة الابن، وهذا شكل من أشكال الخضوع، أي أنه يظهره على أنه يخضع لمشيئة الآب. فعندما قال الآب: “نعمل الإنسان” (تك 1: ٢٦)، أخذ الكلمة من الأرض طيناً وصنع هذا الذي تقرر. لأنه يقول: “كل شيء به كان” (يو 3:1). وحسناً يعلمنا بولس الرسول بأنه في الأزمنة الآتية سوف يصنع الله كل أيضاً بواسطة الابن، إذ يقول بكل حكمة: “ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل” (1كو ١٥: ٢٨).
أي كأنه يقول: لا يظن أحد أننا سنكون نحن شركاء الآب في الحياة الآتية بطريقة مختلفة، لكن أيضاً بواسطة الابن. وتعبير “بواسطة الابن”، يعني الخضوع، دون أن يقلل ذلك أبداً مما يخص جوهر الابن، بل يعلن مقدماً بطريقة فائقة للعقل ولا نظير لها، وحدة الثالوث القدوس.
لأنه لن يتمرد وقتذاك على ذاته، ولن يسبب بتغييرات فوضوية – إزعاجاً لهذا الذي هو غير متغير، بل في ذاك الوقت أيضاً، سيكون الآب بواسطة الابن الكل في الكل، حياة وعدم موت وفرحاً وقداسة وقوة، وكل ما أعطي كوعد للقديسين [4]
والذي هو خاضع الآن للآب، كيف يقال عنه إنه سوف يخضع بعد أزمنة، أو بالحري في الدهر الآتي؟ ألا يخضع الآن متمماً مشيئة الآب، مخليًا ذاته كما هو مكتوب (أنظر فيلبي ٢: ٧) آخذاً شكل وهيئة عبد؛ لكي وهيئة عبد؛ لكي يتمم عمله، كما يقول هو ذاته (أنظر يو 17: 4)؟
أعتقد أن هذا واضح وضوحاً كاملاً للجميع، ويظهر حقاً بفحص الأمور. إذن كيف يقول لنا بولس العظيم إن الذي هو بالفعل خاضع الآن، سوف يخضع في المستقبل؟ ليتنا نفحص الشاهد بدقة: “ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل” (1 کو 15: ۲۸).
فماذا يريد أن يقول؟ المسيح أيضاً الآن خاضع للآب، لكن ليس في الكل، لكن فقط في هؤلاء الذين يؤمنون به (أنظر کو ١: ٢٢)، ولأجل هؤلاء قدم ذاته ذبيحة للآب كحمل بلا عيب، محتقراً الصليب والعار هكذا، ولأنه حررهم من كل خطية، قادهم أطهاراً وبلا دنس إلى الخالق. حسنا.
عندما أبعد كل ضلال، وعرف ساكني المسكونة الإله الحقيقي، واعترفوا بالمسيح ملكاً وربا، خاضعين لوصاياه المخلصة، عندئذ، يكون الكل قد خضعوا، وسيخضع أيضاً هو لأجلنا، إلها ورباً ورئيس كهنة للكل، ومعطياً بواسطة ذاته للكل إمكانية أن يصيروا شركاء الآب الذي هو فيه. لأنه هكذا يصير الله الكل في الكل، بأن يكون في الكل بواسطة الابن كوسيط، ساكناً في كل واحد من أولئك الذين قد دعوا لكي يخلصهم [5]
لم يقل إن الابن سيخضع للآب، لكي يصير أدنى منه، بل لكي يصير الله الكل في الكل. هل رأيت أنه يقدم الكلمة كوسيط بين الآب وبيننا؟ لأنه حينئذ سوف يكون أيضاً مع مانحاً ذاته لكل واحد حسب قياس النعمة، لكي نصير بواسطته شركاء الآب. طريقة الخضوع، بمعني أنه يخدم البركة التي يعطيها الآب ناقلا إياها بطريقة طبيعية بذاته لأولئك الذين قد دعوا للحياة الأبدية.
هذا بالتأكيد لا يضع الابن خارج مكانته الطبيعة بتنازله لنا، لكنه حقاً يكون موجوداً على ما هو عليه، وسوف يخدم أيضاً حينذاك الآب مانحاً إيانا معرفة الله، بقدر ما نستطيع أن نتعلمه، ثم بعد ذلك يجب أن نفكر بكل هذا وبالآتي: عندما أخضعنا الآب للابن، لم يجعلنا شيئاً آخر من جهة الجوهر، ولا صرنا من جهة طبيعتنا مختلفين عن هذا الذي نحن عليه من البداية، بسبب الخضوع.
لكنه جعل الخضوع يتم عن طريق تغيير الرأي وطرق المعرفة، هكذا الابن أيضاً، فبدون أن يخرج خارجاً عن حدود طبيعته (لأن الله لا يعرف التغير)، يعرف التغير)، خضع للآب، لكن وقتذاك سوف تكون هناك طريقة ما تظهر الابن بشكل عملي خاضعاً فقط بإرادته. ولكن خضوعه – على أية حال – لن يصير بتغيير في جوهره [6]
إن كان الابن قد صار أدنى من الآب، وأصبح مختلفاً عنه من جهة الطبيعة، وحدث أن خضع له في الوقت الذي حدده، طبقاً لما قاله بولس، دون أن يكون الآن، ألا يكون الابن مساوياً له الآن؟ وكيف لهذا الذي هو الآن مساو لذاك الذي ولده بحسب الطبيعة، يصير وقتذاك أدنى منه؟
لأنه إما أن يحدث فيه تغير ما ونقصان، عندئذ تسقط الألوهية من الآن فصاعداً، ولأن هذا الكلام محض تجديف وهذيان، فإننا نقول: دعهم يشرحون لنا كيف يحدث هذا النقص. ولأن الابن لا يقل أبداً عن الآب من جهة الجوهر، فلا يمكن أن يقلل من ذلك خضوع الابن له [7]. هنا يكون انتهى كلام القديس كيرلس ولكن اريد ان اضيف شيء صغير.
قال القديس كيرلس (إن: “أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء” (1 کو 14: ۳۲)، بالرغم من أن لديهم نفس الجوهر ويشتركون في نفس الطبيعة؟ فلا الذين يخضعون، لهم طبيعة أدني، ولا أولئك الذين يخضع لهم لديهم طبيعة أسمى، أو أكبر). لأنه بالرغم من وحدة الجوهر التي تجمع كل البشر، إلا أن خضوعهم لبعضهم البعض ينتج آلافاً من الأمور الحسنة)
اذ قولنا ان الابن خضع للاب فهذه لا تشكل مشكلة لأنه حسب نص انجيل يوحنا 1 والعدد 18 ان الابن من نفس طبيعة الاب.
ألله لم يره أحد قط؛ الإله، الابن الوحيد، الذي هو في حضن الآب (يو1 : 18 الترجمة البوليسية) والنص اليوناني استخدم ( μονογενὴς ) [8] والتي تعني المولود الوحيد [9]
فبتالي الابن يظل من نفس طبيعة الاب لأنه مولود منه يقول القديس كيرلس أيضا : ولد منه بحسب الطبيعة، وهو في نفس الوقت أيضاً أزلي مثل الحرارة من النار، أو الرائحة من الورد [10]
فاذ خضع الابن لأبيه لا يجعل الابن درجة اقل من طبيعة ابية البشرية لان الخضوع لا يعني بالضرورة ان يجعل الابن الذي له نفس طبيعة ابيه المولود منه اقل.
ويؤكد القديس كيرلس أيضا ان خضوع الابن كان في تجسده لأنه كما قال الكتاب اخذ الابن صورة عبد صائر في شبه الناس مع انه كان هو ذاته معادلا للاب [11] ولكن هذا التجسد لم يفصل طبيعة الابن عن الاب او يجعلها اقل منه.
يقول القديس كيرلس أيضا: أجاب المسيح لفيلبس حين تحدث الآب؟: «ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في» (يو ١٤: ١٠). بالتالي، يستحيل إطلاقاً أن يوجد الواحد من الاثنين بدون الآخر. بل حيث ندرك أن الآب كائن (وأيضاً بالطبع في كل مكان) هناك أيضاً لا محالة يكون الابن، وهناك حيث الابن كائن، يوجد هناك أيضاً الآب.
فإن كان الابن حقاً شعاع الآب، والكلمة، وحكمة، وقوة، فكيف يمكن أن نعتقد -على الإطلاق- أن الآب بدون كلمة وقوة وحكمة؟ وكيف يمكن أيضاً أن ندرك حكمة الله وكلمته وقوته بدون الآب؟ [12]
في الأخير … الذين يهاجمون الايمان المسيحي هم فقط لا يعرفون الكتاب كما أكد القديس كيرلس الكبير باستشهاده بالنص المقدس فهم فقط يبحثوا عما يؤكد كلامهم فقط حتى لو كان بالقص والتجديف على الله.
واكتفي بهذا القدر
وللرب المجد الدائم امين
[1] الكنوز- ترجمة الدكتور جورج عوض – المقال 29 – الفقرة 2
[2] المصدر السابق – فقرة 3
[3] المصدر السابق – فقرة 5
[4] المصدر السابق – فقرة 7
[5] المصدر السابق – الفقرة 8
تعليق صغير من المترجم: الكلمة تجسد وصار خادماً للأقداس الحقيقية، وهذا ما أكد علية القديس كيرلس في موضع آخر، قائلاً: “لقد عين عمانوئيل حقاً كمشرع، ورئيس كهنة لأجلنا بواسطة الله الآب مقدماً ذاته ذبيحة لأجلنا (انظر عب 9: ١٤)؛ لأن الناموس، كما يقول بولس الطوباوي: “يقيم أناساً بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكملاً إلى الأبد” (عب 7: ٢٨).
إذن، فقد نزل الكلمة من السماء وصار مشابهاً لنا، خادماً للأقداس والخيمة الحقيقية التي أقامها الرب، وليس أي إنسان”. السجود والعبادة بالروح والحق، المرجع السابق، الجزء السادس، المقالة العاشرة ص 34.
[6] المصدر السابق – فقرة 9
[7] المصدر السابق – فقرة 10
[8] Nestle Greek New Testament 1904 Θεὸν οὐδεὶς ἑώρακεν πώποτε· μονογενὴς Θεὸς ὁ ὢν εἰς τὸν κόλπον τοῦ Πατρὸς, ἐκεῖνος ἐξηγήσατο
[9] Strong’s 3439
[10] الكنوز – الفصل ٥ – الفقرة ٢٥
[11] “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ.” (في 2: 6). “لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.” (في 2: 7)
[12] ضد الذين يتصورون ان لله هيئة بشرية – الفصل 18