المحبة في القرن الأول الميلادي – مينا كيرلس
المحبة في القرن الأول الميلادي – مينا كيرلس
المحبة في القرن الأول الميلادي – مينا كيرلس
يذكر لنا التلمود البابلي (كتاب يهودي يحتوي على التقليد الشفاهي والمتعارف عليه بين المعلمين اليهود وقد كُتب التلمود البابلي وقت السبي البابلي ثم تم الإضافة عليه والانتهاء من كتابته بين 450م و55م) سبب تدمير الهيكل للمرة الأولى وكانت الأسباب كالاتي[1]:
- عباده الأوثان.
- علاقات جنسية مُحرمة.
- إراقة الدماء.
أما أسباب تدمير الهيكل للمرة الثانية فكانت لسبب واحد وحيد وهي الكراهية، كما انه مذكور:
يأتي هذا ليعلمك أن خطيئة الكراهية الطائشة تعادل التجاوزات الثلاثة الجسيمة[2].
وهنا نجد بُعد آخر لارتكاب الخطيئة، فأصبحت الخطيئة من مجرد فعل سيء اتجاه الله والآخرين الى مشاعر سلبيه اتجاه الآخرين، وهذا ما حدثنا المسيح عنه كمعلم يهودي في القرن الأول الميلادي ليُعالج هذه الآفة الخطيرة ويرتقي بطبيعتنا البشرية الى مستوى القداسة.
يخبرنا القديس كيرلس الكبير أن المسيح يضع ناموس المحبة كأساس وحجر زاوية لكل ما هو صالح، فكما هو مكتوب:
5 فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. سفر التثنية 6: 6
18بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. سفر اللاويين18:19
وقال أيضا يوحنا الحكيم:
21 وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا. رسالة يوحنا الأولى 4: 21
بهذا يشير الى الجدة الموجودة في وصيته، والدرجة التي يمتد إليها الحب الذي يوصى به، ولهذا أضاف:
34 كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. إنجيل يوحنا 13: 34
ولذلك يجب أن نسأل كيف احبنا المسيح؟ لكي نفهم المعنى الكامل لهذه الكلمات.
فنحن نعرف أن المسيح 6 الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. 7 لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8 وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. الرسالة إلى فيلبي 6: 2 – 8
وأيضا:
9 أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، الرسالة الثانية إلى كورنثوس 8: 9
ألا ترى جدة محبته من نحونا؟
وهذا هو ما فعله بالضبط تلاميذ مخلصنا المغبوطين، وكذلك أيضا أولئك الذين جاءوا بعدهم؛ حاسبين خلاص الآخرين اهم من حياتهم الشخصية[3].
محبة المسيح لم تكن مجرد كلمات صادره من سيد الى عبد بل من شخص قدير أتم الوصية أولا بنفسه ثم أوصانا أن نخطو على نفس طريقه، فتصل بنا محبه المسيح أن نبذل أنفسنا من اجل خلاص الاخرين.
نجد المحبة أيضا تتضمن حتى أعدائنا:
44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، إنجيل متى 5: 44
وعلى الرغم من أن ربما الأشخاص المعاصرون ليسوع اعتقدوا اقل في أن الكتاب المقدس يدعوا الى الكراهية “تجاه عدو شخصي” عن “مواجهه خطر مشترك لإسرائيل أو تهديد أخلاقيات المجتمع مثل “الغرباء” لإسرائيل.
في حين تضمنت الوصية الكتابية محبة الجيران (لا ١٩:١٨) وكذلك الغرباء في الأرض (ارض إسرائيل) (لا ١٩: ٣٣-٣٤) وأيضاً القيام بما هو صحيح حتى اتجاه العدو الشخصي (خر ٢٣: ٤-٥)، هناك بعض النصوص الأخرى تبجل ولاء عميق تجاه قضية الله والتي ولدت كراهية معارضيها.
التقوى الشعبية المتمثلة في قسم مجتمع قمران “أكره أبناء الظلام” وقد توسعت هذه الأيديولوجية الكتابية في أيام يسوع، لم يكن مجتمع قمران وحده بالطبع بل أيضا نوبات حب الأصدقاء وكره الأعداء التي تتناسب مع مصلحه الإنسان الذاتية.[4]
تظل كلمات المسيح ووصاياه المذكورة والغير مذكورة قائمه على المحبة، محبة الله، محبة الاخرين، وحتى محبة الأعداء، السيد المسيح بصفته معلم يهودي في القرن الأول كان يُعلم تعاليم كدواء يقضي على آفة أصابت المجتمع اليهودي، فكان مصير هؤلاء الذين تقبلوا الدواء انهم تخلصوا من تلك الأفة وكان مصير أولئك الذين لم يتقبلوا الدواء بأن خسروا الكثير ومن ثم قضت عليهم الأفة.
فيجب ألا ننسى الدرس وان نظل متمسكين بتعاليم السيد المسيح.
[1] The Babylonian Talmud, (The William Davidson edition) Yoma, 9b.3
[2] The Babylonian Talmud, (The William Davidson edition) Yoma, 9b.8
[3] شرح إنجيل يوحنا لكيرلس عامود الدين، الكتاب التاسع (بحسب تقسيم القديس كيرلس) ص١٢٧-١٢٨
[4] A commentary on the gospel of Matthew, Craig S. Keener, p.257