من فمك أدينك أيها العبد الشرير – لوقا 19: 22 – الرد على سوء الاستخدام – مينا كيرلس
من فمك أدينك أيها العبد الشرير – لوقا 19: 22 – الرد على سوء الاستخدام – مينا كيرلس
البعض يستخدم النص المشهور في إنجيل معلمنا لوقا بطريقة عدوانية ضدنا نحن المسيحيين عندما يناقشوننا في الأمور المختصة بالكتاب المقدس ولإقامة الحجة علينا يستشهدون بالنص الذي استخدمه الرب يسوع بنفسه في (مَثَلٍ) ليعلم تلاميذه الأمور الروحية والخاصة بملكوت الله.
يقول القديس كيرلس الكبير:
لأنه إن كان كلام الله في أفواهنا دائما فإن هذا سيكون له – كما أعتقد – نفع كثير لحياتنا الروحية، كما أتصور أن كلام الله هذا لا يناسب الجميع بل فقط أولئك الذين لهم الاهتمام أن يعيشوا حسب مشيئة الله.[1]
يمكن ل “أي شخص” أن يقرأ الكتاب المقدس لكن لا يستطيع كل شخص أن يستفيد منه ويعيش به، فقط هؤلاء الذين لهم الاهتمام أن يعيشوا حسب مشيئة الله هم الذين يحصلون على النفع في حياتهم الروحية.
السيد المسيح يذكر في المثل “رجل شريف الجنس” ويبدو أن هذا الشخص هو الشخصية الرئيسية في هذا المثل، لهذا السبب علينا أن نعرف إلى من ترمز هذه الشخصية.
يقول القديس كيرلس الكبير:
لذلك فإن مجال المثال يبين باختصار المغزى الكامل للتدبير الذي كان من نحونا، ويمثل سر المسيح من البداية إلى النهاية. لأن الكلمة الذي هو الله صار إنسانا، ومع أنه صار في شبه جسد الخطية (رومية ٨:٣)، ولأجل هذا أيضا دعي عبدا (فيلبي ٢:٧)، إلا أنه كان ولا يزال ” حر المولد ” (لوقا ١٩:١٢)، لكونه مولود من الآب بطريقة تفوق الوصف، نعم! هو أيضا إله يفوق الكل في الطبيعة وفي المجد، ويفوق كل أمور وضعنا (البشري)، بل أيضا يفوق كل الخليقة بملئه الذي لا يقارن.
لذلك وإن كان قد صار إنسانا إلا أنه حر المولد بسبب كونه ابن الله، ولكنه ليس مثلما دعينا نحن إلى هذه التسمية بسبب صلاحه ومحبته للبشر، إن شرف جنسه (حرية مولده) تخصه بالطبيعة لأنه من الأب بالولادة، وأيضا بسبب أنه يسمو على كل ما هو مخلوق. لذلك، فعندما صار الكلمة، الذي هو صورة الآب والمساوي له، مثلنا، فإنه أطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (فيلبى ٢: ٨-١١).[2]
يشرح القديس كيرلس الكبير المثال الذي استخدمه السيد المسيح في تعليم تلاميذه وقد أوضح القديس كيرلس التشابه الكبير بين الشخصية الرئيسية والسيد المسيح حيث أن كلاهما أحرارا وكلاهما ذهبا لاقتناء مُلكِ ويرى القديس كيرلس أن في المثل إشارة لتجسد السيد المسيح والتدبير في اقتناء الطبيعة البشرية وتنقيتها وإيصالها مره أخرى إلى الله.
وبعد ان شرحنا إلى من يرمز إليه الشخص الشريف الجنس بواسطة أحد مفسرين الكتاب المقدس في العصر القديم، نتجه لنَفحَص التعليقات الحديثة.
يقول چويل ب. جرين:
فإن النبيل الذي أصبح مَلِكاً بمثابة تشبيه ليسوع في المقام الأول بطريقة محاكاة للسخرية أو ساخرة. من الصحيح طبعاً أن يسوع شريف المولد. إنه من نسل داود، وحُبل به بتدخل الروح القدس، فهو ابن الله (1:27، 32-35؛ 2: 4). تكمن المحاكاة الساخرة في التعريف السردي ليسوع ونبيل هذا المثل في مكان آخر، في بناء مُلك يسوع وملكوته في إنجيل لوقا.[3]
يؤكد چويل إن هناك محاكاه فالرجل النبيل هنا هو محاكاه للسيد المسيح القادم لاقتناء مُلكِ له، ولأن اليهود رفضوا أن يملُك المسيح عليهم في مملكتهم الأرضية فأصبح من اختار المسيح أن يملُك عليه تابع للمسيح في ملكوته السماوي.
ويقول أيضا:
تُركز نهاية المثل في المقام الأول على دينونة أولئك الذين يثبتون أنهم غير مخلصين للرجل الشريف أو يرفضون مملكته تمامًا. إن مشهد الخيانة أمر بارز لأنه ينطوي على علاقة السيد / الخادم. مثل الآخرين، أشار هذا العبد الثالث إلى النبيل على أنه “سيد”، مما يدل على طبيعة ولاءه والتزامه تجاهه، وهو ما يتعارض معه بشكل قاطع بسبب عدم امتثاله.[4]
في نهاية المثل تكون هناك دينونة بالنسبة لأولئك الذين رفضوا إن يمتثلوا للسيد الذي يملُك عليهم، فالعبد يجب أن يطيع سيده لكن في حاله عدم خضوعه تصبح هذه جريمة تستحق العقاب.
ويقول N. T. Wright:
لذلك تقول القصة ثلاثة أشياء لسامعي يسوع.
أولاً، بالنسبة للأشخاص الذين افترضوا أن ملكوت الله سيأتي قريباً، يعلن أنه قادم بالفعل، لكنه سيأتي بالدينونة والرحمة على حد سواء.
ثانيًا، يشير إلى أنه مع وصول يسوع إلى أورشليم، المدينة التي ترفض بالفعل رسالته، يتم إعداد دينونة الله. إذا لم يتلقوا إعلان ملكوته، فلا يوجد المزيد مما يمكن القيام به.
ثالثًا، تجمع القصة بشكل درامي رحلة يسوع وعودة الله نفسه، وبالتالي يكشف السر الخفي داخل الكثير من قصة الإنجيل.
لا يتحدث يسوع فقط عن الله، ملكوت الله، وعودة الله إلى صهيون. يسوع يجسدها. مخبأة في رسالته الملكية، المسيانية، هي المهمة النهائية والأكثر مصيرية: إله إسرائيل نفسه، في شكل بشري، يعود أخيرًا إلى المدينة والمعبد المكرس لإكرامه، ليضع الحقوق، على كل المستويات، الذي حدث بشكل خاطئ.
نحن الذين ما زلنا ننتظر اليوم الأخير من دينونة الله، “المجيء” الأخير ليسوع إلى عالمنا، نحسن صنعاً أن نفكر في هذا “المجيء” إلى القدس كعلامة لها ودلاله مُنذرة.[5]
من الواضح إن الملكوت الذي كان يُبشر به السيد المسيح قادم بلا شك، فالعقاب ينتظر أولئك الذين لم يقدموا الطاعة للسيد، والرحمة بجانب المُكافئة لأولئك الذين قد أعلنوا ولائهم للسيد.
وأيضًا ان يسوع يجسد هذا المثل فهو الله في جسد بشري ونحن الذين ننتظر مجيئه ثانيه ليملُك علينا إلى الأبد.
وغيرهم من العلماء ذو الرأي النقدي يدعمون بشكل كبير إن المثل يشير إلى المسيح. والان نسأل إخوتنا الأحباء غير المؤمنين الذين يستشهدون بالنص (لوقا ١٩:٢٢) ويدينوننا كأننا عبيدهم.
هل إخوتنا الأحباء هم أسيادنا؟ (قائل النص هو شخص يملك السيادة والسلطان والعبيد بما فيهم هذا العبد الذي لم يكن مطيعاً له)
فهل لديهم السلطان علينا؟ أم أننا في نفس الدرجة لان الله يملُكنا كلنا وليس لأحد سلطان على الأخر؟ (إلا إذا كان هناك شخص لديه وظيفة ليحكم بين الناس كالقاضي مثلا، فهو موكل من الدولة ليحكم حسب القانون بالعدل).
[1] كتاب حوار حول الثالوث، الحوار الثالث صـ94.
[2] تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الكبير، العظة ١٢٨ صـ613.
[3] Joel B. Green, The gospel of Luke (The new international commentary on the New Testament) p.687.
[4] المرجع السابق صـ690.
[5] N. T. Wright, Luke for everyone, p. 227.