الشركة في الحياة المسيحية
البداية هي بطن العذراء , وقد تعدد القول هنا , هل المسيح اراد ان يشاركنا ام يشابهنا ؟ بمعنى اخر هل هو اخذ الجسد من مريم العذراء ام انه لم يأخذ الجسد من العذراء ولكنه خلق جسده في الاحشاء وبذلك تكون العذراء امه باحتوائه الجسد
الفكر الارثوذكسي يميل الي الرأي الاول , ولكن ليس لان صلاة الاعتراف تقول اؤمن ان هذا هو جسده المحيي الذي اخذه من سيدتنا مريم , يجعله راجحا , لان الموضوع له ابعاد اعمق من هذا الاعتراف
اما من يتبع نظرية انسلم في الترضية فسيميل الي الرأي الثاني , فنظرية الترضية تقول ان الخطية غير محدودة وعليه فلابد ان يكون الفدية هو انسان قيمته غير محدودة , هذه النظرية التي نعرفيها جميعا وندلل بها على ايماننا , فهذه النظرية لا تضع في الاعتبار مشاركة المسيح الحقيقية في الجسد , بل اعتبارها الوحيد كونه انسان بديل عن انسان , ليس شرط لهذا البديل ان يكون من نفس اصل الانسان , ولكنه سيحل محله ويدفع قيمة الخطية ويرضي عدل الله , هذه النظرية بالرغم انها تمثل حجة قوية لكنها قاصرة على توضيح المفهوم الارثوذكسي
المفهوم الارثوذكسي عن المسيح ان المسيح شاركنا الطبيعة البشرية لكي يحملنا كلنا فيها , فلابد ان يكون مشاركا حقيقيا لنا , فهو لا ينوب عنا كبديل , ولكن ينوب عنا وهو يحملنا فيه , فكلنا قد صلبنا مع المسيح وكلنا قد قمنا معه , لهذا وجب ان يكون جسد المسيح مأخوذ من اصل بشري حقيقي ,لكي لا يكون مجرد مشابه لنا ولكن يكون مشارك حقيقي لنا
ومن هنا المسيح قد شاركنا اللحم والدم فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا (عب14:2) ولكن المفهوم الارثوذكسي للخلاص لم يتوقف الي هذا الحد , أي لم يتوقف الخلاص اننا قد صلبنا وقمنا مع المسيح وبهذا انتهت مشكلة الخطية ! مشكلة الخطية لازالت قائمة لاننا لم نتجدد بعد , فان كان المسيح قد حملنا في جسده, فقد نلنا ما قد ناله هذا الجسد من مجد , ومن بر , ومن قداسة , وهذا ما تفق عليه اباء الكنيسة بتسميته بلفظ “التأليه” فهي لا تعني ان نكون آلهة مساوية للاله الخالق ولكن تعني ان وجودنا في المسيح من خلال جسده فاننا سننال ما قد ناله هذا الجسد من مجد وكرامه نتيجه اتحادة باللاهوت
فيقول القديس اثناسيوس في مقاله الاول ضد الاريوسيين(38-39) “هو رب المجد وهو العلي، نزل من السماء وهو معبود على الدوام .. لذلك فهو لم يكن إنساناً ثم صار بعد ذلك الهاً، بل كان الهاً وصار انساناً بالأحرى كي يؤلهنا”
ويقول ايضا في رسالته الثانيه لاسقف سيرابيون (4) ان كان البعض قد دعيَ آلهة فذلك ليس حسب الطبيعة بل حسب اشتراكها مع الابن
ويقول القديس غريغوريوس النزيزي في العظة الاولى عن القيامة (5)” فلنصر مثل المسيح لان المسيح صار مثلنا , لنصر آلهة من اجله , لانه هو ايضا من اجلنا صار إنسان “
ولكن كيف اتحدنا بهذا الجسد , هل هي وحده اعتبارية , أي ليست حقيقية ؟
للاجابة على هذا السؤال علينا ان نرى الخلاص من منظور ثالوثي أي من عمل الثالوث , الخلاص قدمه الاب من خلال الابن , انتهى عمل الابن عند القيامة , اين الروح القدس؟
الروح القدس هو روح الابن (غل6:4) والمسيح ارسل روحه ليحل فينا , ويسكن , ونكون هيكل للروح القدس , وبهذا يكون الابن نفسه فينا , أي ان الروح القدس هو من يوحدنا بالمسيح لنكون مشاركين عمله الخلاصي , وهذه هي المعمودية , بل ايضا من خلال الروح القدس نشارك المسيح في بنوته للاب فالمسيح هو الابن الوحيد قد حملنا كلنا فيه أي جسده وان كنا ابناء فنحن وارثون ايضا مع المسيح (رو17:8)
ويقول القديس اثناسيوس في مقاله الثاني ضد الاريوسيين (59) “فهذه هي محبة البشر بالنسبة لاولئك الذين صنعهم فقد صار لهم أبا ايضا بعد ذلك بحسب النعمة وقد صار لهم ابا –كما قال الرسول- عندما حصل الناس المخلوقون على روح ابنه في قلوبهم صارخا ايها ابانا ايها الاب (غل6:4) فهؤلاء هم الذين قبلوا الكلمة ونالوا منه سلطانا ان يصيروا اولاد الله لانه لم يكن في امكانهم –حيث انهم مخلوقات بالطبيعة- ان يصيروا ابناء بايه طريقة اخرى الا بان يتقبلوا روح الابن الحق بالطبيعة لذا فلكي يحدث هذا فقد صار الكلمة جسدا لكي يجعل الانسان قادرا على تقبل الالوهية”
ويقول ايضا في رسالته الاولي لسيرابيون (27) ان وجودنا في الاب ليس منا بل من الروح القدس
ومن هنا قال المسيح انا فيهم وانت فيَ لنكون مكملين الي واحد(يو23:17) فوجودنا في المسيح بعمل الروح القدس يجعلنا في الاب وهذا هو الخلاص ان نكون واحدا مع الاب بالابن في الروح , فكيف ننجوا نحن ان اهملنا خلاص هذا مقداره ؟ (عب3:2)
واخيرا اختم كلامي بقول القديس كيرلس الكبير في شرح انجيل (يوحنا 14:1) :” ان تاكيده بأن “الكلمة ” حل فينا ذو منفعة عظمى لانه بذلك يكشف لنا سرا من اعمق ما يمكن , فاننا جميعا كنا في المسيح , والشخصية البشرية العامة تستعيد فيه الحياة (البشرجميعا) ولذلك فانه يدعى آدم الاخير ,…. تمتد هذه الكرامة الي البشرية كلها وبسبب الواحد (المسيح) يدركنا القول :انا قلت انكم آلهة وبنو العلي كلكم افلا يظهر بجلاء انه نزل الي مستوى العبد ليس لكي يربح من ذلك شيء لنفسه بل لكي ينعم علينا بشخصه فنغتني بافتقاره (2كو9:8) ونرتقي بمشابهتنا له الي صلاحه الخاص الفائق ونكون آالهة وابناء لله بالايمان ؟ لقد حل الكلمة في الجميع بحلوله في هيكل جسده الواحد المأخوذ منا ولاجلنا حتى يقتني الجميع في نفسه “
وهنا ان كنا قد صرنا متحدين بالمسيح فقد صرنا واحدا في المسيح , هذه هي الكنيسة , كلنا قد صرنا واحدا في المسيح , وحده حقيقية وشركة حقيقية بعمل الروح القدس , هذا السر عظيم (اف32:5) من هذا المفهوم نفسر كل ما هو خاص بالكنيسة في وحدة الروح