تابع بحث خاص عن الإنجيل معناه
تابع المقدمة، تابع 2- العهد الجديد: [ثانياً] كلمة الله في الكنيسة
للرجوع للجزء الثامن أضغط هنا.
- ثانياً: كلمة الله في الكنيسة
تُظهر لنا أعمال الرسل والرسائل الرسولية كلمة الله وهي تواصل – في هذا العالم – عمل الخلاص الذي أنشأه يسوع بذبيحة نفسه، وينبغي علينا أن نُدرك أن كلمة الله هُنا لا تعني سلسلة من كلام المُعلِّم، جمعها وأوردها التلاميذ في مجموعة من الكتابات أسميناها الكتابات الرسولية، ولا نُضفي عليها صفة أنها إعجاز علمي أو حتى إعجاز فلسفي راقي وعظيم، نتحدى به العالم ونتصدى للعلماء والفلاسفة على أساس أنهم لن يقدروا أن يأتوا بمثله، لأن الكلمة هُنا تُشير لا إلى هذا كله، بل إلى مضمون الإنجيل نفسه، هذا الذي تُعلنه الكرازة المسيحية (كما رأينا في المقدمة العامة للموضوع)، ويقوم العمل الرسولي أساساً في هذه الكلمة:
- [ والآن يا رب أُنظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة، بمد يدك للشفاء ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع. ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة ] (أعمال 4: 29 – 31)
- [ فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا لا يرضي ان نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد. فانتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم مشهوداً لهم و مملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة ] (أعمال 6: 1 – 3)
وهذه الكلمة ينبغي التبشير بها تحت إرشاد الروح القدس لكي تتأصل في العالم كله ككلمة الحياة وبشارة الخلاص:
- [ فالذين تشتتوا جالوا مُبشرين بالكلمة… (بطرس ويحنا) ثم أنهما بعد ما شهدا وتكلما بكلمة الرب رَجَعا إلى أورشليم وبشروا قُرى كثيرة للسامريين ] (أعمال 8: 4و 25)
- [ (برنابا وشاول) فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية ومن هناك سافرا في البحر إلى قبرص. ولما صارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود وكان معهما يوحنا خادماً ] (أعمال 13: 5)
- [ فقال الرب لبولس برؤيا في الليل لا تخف بل تكلم ولا تسكت. لأني أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك لأن لي شعباً كثيراً في هذه المدينة. فأقام سنة وستة أشهر يُعلِّم بينهم بكلمة الله ] (أعمال 18: 9 – 11)
ونلاحظ أن خدمة الكلمة تظهر في الكنيسة خدمة أمينة لا تزور رسالة الله ولا تغشها بل كما هي تنقلها في ملء قوتها بإلهام الروح تحت قيادته الخاصة، وتظهر كخدمة تُعلن بجرأة وبوقة أمام الجميع:
- [ لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله، لكن كما من إخلاص بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح ] (2كورنثوس 2: 17)
- [ قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر ولا غاشين كلمة الله بل بإظهار الحق مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسان قُدام الله، ولكن ان كان إنجيلنا مكتوماً، فإنما هو مكتوم في الهالكين، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس 4: 2 – 4)
- [ كانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة ] (أعمال 4: 31)
- [ وأكثر الإخوة وهم واثقون في الرب بوثقي يجترئون أكثر على التكلم بالكلمة بلا خوف ] (فيلبي 1: 14)
وهذه الكلمة التي تتكلم بها الكنيسة هي بذاتها [ قوة للخلاص ]، فتنمو الكلمة في الكنيسة بمقدار نمو الكنيسة نفسها ودلالتها واضحة فيها:
- [ وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جداً في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان ] (أعمال 6: 7)
- [ وأما كلمة الله فكانت تنمو وتزيد… هكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة ] (أعمال 12: 24؛ 19: 20)
ولا يستطيع شيء أن يُقيد كلمة الله في الكنيسة الحية بروح الله، ولا حتى الاضطهادات والسلاسل والقيود التي عليها من المجتمع أو من أي إنسان على وجه الأرض كلها:
- [ فلهذا السبب أذكرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يدي. لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح. فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي أنا أسيره، بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله. الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية. وإنما أُظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل. الذي جُعلت أنا له كارزا ورسولاً ومُعلما للأمم. لهذا السبب احتمل هذه الأمور أيضاً، لكنني لست أخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم ] (2تيموثاوس 2: 6 – 12)
والكلمة في الكنيسة هي “كلمة الخلاص” [ أيها الرجال الإخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتقون الله إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص ] (أعمال 13: 26)
هي “كلمة الحياة” [ متمسكين بكلمة الحياة لافتخاري في يوم المسيح باني لم أسع باطلاً ولا تعبت باطلاً ] (فيلبي 2: 16)
هي “الكلمة الصادقة” [ صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا ] (1تيموثاوس 1: 15)؛ [ صادقة هي الكلمة أنه أن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه ] (2تيموثاوس 2: 11)؛ [ حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الابدية. صادقة هي الكلمة… ] (تيطس 3: 8)
هي “الكلمة الحية والفعالة” [ لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومُميزة أفكار القلب ونياته ] (عبرانيين 4: 12).
عموماً تؤكد كل هذه التعبيرات (التي ذكرناها بخصوص كلمة الله) عملها في قلوب المؤمنين، فكلمة الله كلمة ذات قوة قادرة على الولادة الجديد، أثناء قبول المعمودية المقدسة:
- [ مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد ] (1بطرس 1: 23)
- [ شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه ] (يعقوب 1: 18)
- [ … أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأَسلم (سلَّمَ) نفسه (للموت) لأجلها، لكي يُقدسها مُطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب ] (أفسس 5: 26)
عموماً يا إخوتي، نجد في عمل الخلاص الذي قدمه لنا الله الآب بالمسيح يسوع ربنا، أن للكلمة التي ملكت الرسل والكنيسة الأولى وامتدت عبر الأجيال كلها، لها نفس فاعلية كلمة الله النبوية وكل كلمة تخرج من فمه في العهد القديم في إطار عمل الخلق ومجرى التاريخ، والتي أظهرها العهد الجديد أنها كلمة يسوع المسيح ربنا، بنفس قوتها وفاعليتها.
لذلك فأن في الواقع الاختباري، فأن هذه الكلمة عينها هي التي يُبشر بها الرسل، أي كلمة يسوع الخاصة، كلمة الخلاص والخلق الجديد، لأنها كلمة الرب الذي رُفع في المجد بجسم بشريتنا، كرب وإله حقيقي من إله حقيقي، نور من نور، وله ذات مجد الآب عينه، ومنذ صعوده وحلول روحه القدوس في الكنيسة وهو يتكلم بواسطة رسله ويؤيد كلامهم بالآيات والأعاجيب الكثيرة: [ واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب معهم ويُثَبِّت الكلام بالآيات التابعة ] (مرقس 16: 20)
ولنا أن نعرف الآن سرّ قوة الكنيسة الأولى، فأن قوتها كانت تنبع من قبولهم كلمات الرب المسيح بإيمان عظيم كما هي، باعتبارها حياة حقيقية يعيشون بها بثقة وبساطة قلب، فمثلاً قبولهم الولادة الجديدة بالمعمودية، لم تكن قط على مستوى الفهم اللاهوتي النظري والأبحاث المطولة الكثيفة (لا يُلغى أهميتها في التعليم بالطبع)، أو بعد دراسة تاريخية وفلسفية معقدة، ولكن كانت ممارستهم لها مجرد طاعة لأمر الله مع إيمان حي، وأن في هذه الطاعة يتم كل وعد الله، وكان يتم كل عمل في الكنيسة بل وكل قول على أساس الثقة الشديدة في كلمة الرب ويقين تحقيق وعده حسب ما نطق به وقاله.
فبساطة المسيح الوديع والمتواضع القلب، كان يتداولها كل المؤمنين كترياق ودواء حقيقي من فم الله بالسرّ في التقوى، يُشفي ويُقيم من الموت بثقة وأمانة ويقين شديد، فكانت تُشفي فعلاً وتُقيم من الموت. فالرسل وكل تلاميذ الرب يسوع المسيح في الكنيسة، كان سرّ قوتهم الوحيد الذي يحملونه في قلوبهم اينما ساروا واينما وجدوا، هو كلمة الرب واسمه العظيم القدوس، وكانوا يُباشرون سلطانهم الذي من الله بالروح القدس بصفتهم [ مُعاينين وخُداماً للكلمة ] (لوقا 1: 2)
فالكنيسة الحية والحقيقية (وليست مجرد شكل أو مظهر) تعتبر نفسها منذ العصر الرسولي، وبوجه عام، أنها هي الشاهدة لقوة كلمة الله وفاعليتها حسب كل وعد الله التي تحفظه بكل كيانها ومشاعرها وفكرها وقلبها، بل وكان التلاميذ يحسبون أنفسهم ضامنين للحق الذي في الكلمة وشهوداً لسلطانها الإلهي بصفتهم مُعاينين لمجد المسيح الرب وشهادة الآب له من المجد الأسنى، وشهوداً لقيامته من الأموات، وهم الذين يخبرون عنه حسب شهادة الروح ليدخلوا الجميع في نفس ذات الشركة في الكنيسة الواحدة الوحيدة التي لا انفصال فيها قط على مر العصور كلها:
- [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً ] (1يوحنا 1: 1 – 4)
طبعاً كل هذا الكنز العظيم الذي لكلمة الله في الكنيسة، صار لنا بكامله الآن، وفي ملء قوته حياً بروح الكنيسة كتراث حي وتقليد مُحيي، ولا ينبغي أن ننشغل عنه بالجدل الديني واللاهوتي تاركين الباب الحقيقي المؤدي إلى الحياة، داخلين في قوة يمين الشركة مع القديسين في النور، ولا ينبغي عل الكنيسة أبداً، أن تنشغل عن هذا كله وترتبك بسياسة الأوطان، بل تصلي فقط من أجلهم وتنتبه لكرازتها وعملها في العالم…
فيا إخوتي اجتهدوا أن تنالوا القوة العُليا التي من فوق، كلمة الله الحية التي تأتي بروح الإلهام التي كُتبت به، وبسلطانه الإلهي الفائق، لأنها تُحيي النفس وتُنمي المؤمن في التقوى، لأن كلام الرب يُنير العينين، ويمنع الحوَّل الذي يُصيب عين الذهن فتهرب من الحياة الأبدية وتحيا في جدل عقيم لا يُشبع القلب بل يُجيع النفس إلى الموت، ويُنشف الفم إلى القبر، لأن كلمة الله غذاء وماء حي للنفس، فأن أردتم أن تحيوا في المجد الإلهي الفائق أنظروا للكنيسة الأولى وكما كانت فيها كلمة الله فعالة وعيشوا على هذه الصورة المجيدة لتحيوا وتكزوا بإنجيل الخلاص، إنجيل الحياة الجديدة في المسيح يسوع الرب إلهنا.
العنوان القادم
تابع العهد الجديد: تابع [ثالثاً] كلمة الله في الكنيسة
2 – موقف البشر أمام كلمة الله في الكنيسة