تابع بحث خاص عن الإنجيل معناه
1 – العهد القديم: [أولاً] الله المتكلم
(للعودة للجزء الأول: أضغط هنا. )
ولكن الكلمة الإلهية على مستوى العهد القديم لم تكن مجرد كلمة مكتوبة أو منطوقه، إنما هي تُعبِّر قبل كل شيء عن حادث شخصي اختباري في واقع الحياة المُعاشة: أن الله يُكلم – مباشرة – أشخاصاً مُختارين، وبواسطتهم يُكلم شعبه وسائر البشر والناس، ولكن لا يتكلم جزافاً بل مع الكلام يُعطي نبوات تتحقق وبعض الآيات والمعجزات التي تُرى في الواقع الإنساني والتاريخي. [ الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء ] (عبرانيين 1).
1– تعتبر الحركة النبوية إحدى الركائز الأساسية في العهد القديم لإظهار كلمة الله: ففي كل عصر من العصور، يُكلم الله أشخاصاً مُختارين موكلاً لهم مهمة تبليغ كلمته، وهؤلاء البشر الذي يختارهم ويُعينهم الله هم أنبياء، بالمعنى المتسع للكلمة (أنبياء)، وقد يُخاطبهم الله بطرق متنوعة كثيرة، فيُكلم البعض عن طريق:
+ رؤى وأحلام: [ في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً وقال الله أسأل ماذا أُعطيك ] (1ملوك 3: 5)
[ لكن الله يتكلم مرة وباثنتين لا يلاحظ الإنسان. في حلم في رؤيا الليل عند سقوط سبات على الناس في النعاس على المضجع. حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم. ليحول الإنسان عن عمله ويكتم الكبرياء عن الرجل. ليمنع نفسه عن الحفرة وحياته من الزوال بحربة الموت ] (أيوب 33: 14 – 18)
[ النبي الذي معه حلم فليقص حلماً والذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق ما للتبن مع الحنطة يقول الرب ] (أرميا 23: 28)
+ ويُكلم البعض الآخر خلال إلهام داخلي يصعُب وصفه: [ (أليشع يقول) والآن فأتوني بعوادٍ. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب ] (2ملوك 3: 15)
+ أو يكلم وجهاً لوجه كما كلم الرب موسى: [ فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما. فقال اسمعا كلامي أن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا اُستعلن له في الحلم أُكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يُعاين (نركز على أن موسى لم يرى الله في كمال جوهره أو بهاء مجده بل شبه فقط، غير باقي الأنبياء) فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى ] (عدد 12: 5 – 8).
+ بل وأحياناً نجد أن الكتاب المقدس لا يوضح طريقة تبليغ كلمة الله للناس: [ وقال الرب لإبرام: أذهب من أرضك وعشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك ] (تكوين 12: 1)
ولكن عموماً ليس هذا هو جوهر الأمر، أي طريقة الكلام نفسه، فجميع الأنبياء عندهم إدراك شخصي واعي واضح بيقين أن الله القدوس الحي هو الذي يُكلمهم بنفسه، وهذا نجده واضحاً أن تتبعنا الأمر منذ البداية بتدقيق، ونجد أن كلمته تغمرهم وتملك عليهم مُلكاً خاصاً على نحوٍ ما، إلى حد الشعور بقوة شديدة تملك عليهم وتقودهم ليتمموا مقاصد الله التي قصدها:
- [ فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي الرب: أذهب تنبأ لشعب إسرائيل ] (عاموس 7: 15)
- [ الأسد قد زمجر فمن لا يخاف. السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ ] (عاموس 3: 8)
- [ قد أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت. صرت للضحك كل النهار، كل واحد استهزأ بي لأني كلما تكلمت صرخت. ناديت: ظلم واغتصاب، لأن كلمة الرب صارت لي للعار وللسُخرة كل النهار، فقلتُ لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه. فكان في قلبي كنار مُحرقة محصورة في عظامي فمللتُ من الإمساك ولم أستطع ] (أرميا 20: 7 – 9)
فبالنسبة للأنبياء تُعتبر كلمة الله الحادث الأول الذي يرسم لهم معنى حياتهم الشخصية ووسط المجتمع أيضاً، فتتدفق كلمة الله من خلالهم بطريقة عجيبة ذات سلطان، تجعلهم يعزون مصدرها إلى عمل روح الله، ولا يستطيعوا إمساكها أو عدم النطق بها أو الهروب منها مهما ما كانت المشقات والآلام التي يحتملونها، لأن عادة كلمة الله يقاومها الأشرار بشدة قد تصل للعنف وقتل الأنبياء أنفسهم لكي لا يسمعوا صوت الرب…
ويوجد بالطبع حالات أخرى لتوصيل كلمة الله للأنبياء والقديسين ورجال الله عموماً، بواسطة طرق لا تلفت النظر، أقرب في ظاهرها إلى الوسائل العادية التي يستخدمها البشر في علاقتهم المتبادلة، وهي الطريقة التي تستعين بها الحكمة الإلهية لمخاطبة قلوب البشرّ:
- [ ألعل الحكمة لا تُنادي والفهم ألا يُعطي صوته. عند رؤوس الشواهق عند الطريق بين المسالك تقف. بجانب الأبواب عند ثغر المدينة عند مدخل الأبواب تصرح. لكم أيها الناس أُنادي وصوتي إلى بني ادم. أيها الحمقى تعلموا ذكاء ويا جُهال تعلموا فهماً. اسمعوا فإني أتكلم بأمور شريفة وافتتاح شفتي استقامة. لأن حنكي يلهج بالصدق ومكرهة شفتي الكذب. كل كلمات فمي بالحق ليس فيها عوج ولا التواء. كلها واضحة لدى الفهيم ومستقيمة لدى الذين يجدون المعرفة…. فالآن أيها البنون اسمعوا لي فطوبى للذين يحفظون طرقي. اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه. طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي حافظاً قوائم أبوابي. لأنه من يجدني يجد الحياة و ينال رضى من الرب. ومن يُخطئ عني يضر نفسه، كل مبغضي يحبون الموت ] (أمثال: 8: 1 – 9؛ 31 – 36)
- [ وقد وهبني الله أن أبدي عما في نفسي وأن أجري في خاطري ما يليق بمواهبه فأنه هو المرشد إلى الحكمة ومثقف الحكماء ] (حكمة 7: 15)
وكلمة الله هي الحكمة التي تعمل في القلوب بقصد الإرشاد في تدبير شئونهم أو في كشف الأسرار الإلهية: [ (الملكة الوثنية تتحدث إلى الملك) يوجد في مملكتك رجُل فيه روح الآلهة القدوسين وفي أيام أبيك وُجدت فيه غيرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة، والملك نبوخذ نصر أبوك جعلهُ كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين… من حيث أن روحاً فاضلة ومعرفة فطنة وتعبير الأحلام وتبين ألغاز وحلَّ عُقد وُجِدَت في دانيال هذا الذي سماه الملك بلطشاصَّر. فليُدعَ الآن دانيال فيُبين التفسير ] (دانيال 5: 11 – 12)
[ فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجُلاً فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك ] (تكوين 41: 38 – 39)
عموماً وعلى كل حال لسنا هُنا أمام كلمة بشر عُرضة للتقلب أو الخطأ، فالأنبياء وكتبة الحكمة على اتصال مباشر مع الله الحي بطريقة ما يُكلمهم بها الله ويلهمهم حسب مقاصده ورأيه .
2 – كلمة الله، أي الكلمة الإلهية، لم تُلقى على بعض الناس المختارين من الله بصفتها تعليم سري، يتحتم عليهم أن يخفوه عن عامة الناس، بل هي رسالة يجب تبليغها في ميعادها الذي حدده الله، وتُقدم لا إلى دائرة صغيرة من الناس، وإنما إلى الشعب الإسرائيلي بأجمعه بلا استثناء، لأن الله يُريد أن تصل كلمته إلى شعبه بواسطة حاملي رسالته أي كلمته.
وعليه، فأن اختبار كلمة الله ليست وقفاً على عدد صغير من الناس أو المتصوفين، أو حتى القديسين عابدي الله بالأمانة، بل أن شعب إسرائيل كله مدعو إلى أن يعترف بأن الله يُخاطبه بواسطة من يرسلهم إليه. حتى وأن صادفت كلمة الله – في البداية – اعتراضاً أو احتقاراً من الناس [ أنظر أرميا 36 للضرورة ]، إلا أنها ستتجلى أخيراً بكل جلالها بفضل علامات لا تقبل الجدل تُظهر أنها من الله لتُحقق مقاصده وتعلن رأيه وكما هو مكتوب بإعلان إلهي كلنا تحققنا منه يقيناً:
- [ أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب وكمطرقة تُحطم الصخر ] (أرميا 23: 29)
- [ هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إليَّ فارغة، بل تعمل ما سُررت به وتنجح فيما أرسلتها له ] (أشعياء 55: 11)
العنوان القادم
تابع العهد القديم: [ثانياً] اعتبارات مختلفة للكلمة