Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

ذبيحة الحمل – المسيح فصحنا الجديد – القديس كيرلس الأسكندرى – جيلافيرا (مختارات) على سفر الخروج

ذبيحة الحمل – المسيح فصحنا الجديد – القديس كيرلس الأسكندرى – جيلافيرا (مختارات) على سفر الخروج

ذبيحة الحمل – المسيح فصحنا الجديد – القديس كيرلس الأسكندرى – جيلافيرا (مختارات) على سفر الخروج

ذبيحة الحمل – المسيح فصحنا الجديد – القديس كيرلس الأسكندرى – جيلافيرا (مختارات) على سفر الخروج

ذبيحة الحمل

ليس بأحد غيره الخلاص

يستطيع المرء أنْ يعرف ـ بطرقٍ كثيرةٍ ـ أننا ننجو من قوة الموت بواسطة المسيح فقط، وهذا ما يؤكده لنا التلميذ الحكيم بقوله: “ ليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأن ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس ينبغي به أن نخلُص” (أع4: 12). كما أن هناك آلاف من الصور المتألقة ـ في الكتاب المقدس ـ تقدم لنا هذا السر بكل وضوح.

أطلق شعبي

إذن فلنمضي لنجمع هذه الشواهد التي تخدم هدفنا، حتى نُظهر هذا السر شارحين إياها في حديثنا هذا.

يقول الكتاب: ” دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليعيِّدوا لي في البرية. فقال فرعون مَنْ هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل. لا أعرف الرب وإسرائيل لا أُطلقه. فقالا: إله العبرانيين قد التقانا. فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا لئلا يصيبنا بالوباء أو بالسيف. فقال لهما ملك مصر لماذا يا موسى وهرون تبطِّلان الشعب من أعماله. اذهبا إلى أثقالكما” (خر5: 1ـ4).

إله العبرانيين يؤيد الشعب بالمعجزات

يقول فرعون المغتاظ، وهو مليء بالغباء الشيطاني إنه لا يعرف مَنْ هو إله العبرانيين. لكن عندما بدأت الضربات على مصر بجروحٍ مستمرةٍ ومخيفةٍ، وأصابها التدمير تدريجيًا، مرةً بتحول المياه إلى دم، ومرةً أخرى بغمر الأرض بالجراد والبَرَد، وبظهور البعوض والضفادع، وأيضًا بحلول الظلام ثلاثة أيامٍ؛ كانت النتيجة أن فرعون أعطى وعدًا مباشرًا ـ بخلاف إرادته ـ بترك العبرانيين أحرارًا، وبرغم ذلك فإن قلب فرعون قد تقسى وأصبح أكثر صلادة وتجبُّر ورهبة بل ورفض تحرير الإسرائيليين من العبودية الطويلة.

ثم بعد ذلك أراد الله أن يرسل الملاك المُهلِك إلى أبكار المصريين. ولكن لأنه لا ينبغي أن يهلك المختارون مع الغرباء الدنسين، فإن الله قد وضع شريعة البصخة ـ محبةً للآباء ـ وأمر أن يُحتفَل بالفصح الذي يشير إلى سر المسيح قبل إعلان غضبه على أبكار المصريين. ومن هذا الأمر نستطيع أن نفهم أنه من المستحيل أن يُبطَل الموت بواسطة موسى والناموس. بل أن دم المسيح الكريم وحده هو الذي يُبعد المهلك ويحرر المُقدَّسين من فساد الموت. لأن المسيح هو الحياة من الحياة، وهو إله الكل، إذ أنه إلهٌ من إلهٍ.

خروف الفصح

 حسنًا يقول الكتاب المقدس:

” وكلَّم الرب موسى وهرون في أرض مصر قائلاً. هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أول شهور السنة. كَلِّما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحدٍ شاةً بحسب بيوت الآباء. شاةً للبيت. وإن كان البيت صغيرًا عن أن يكون كفوًا لشاةٍ، يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس. كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة” (خر12: 1ـ4).

 وبعدما أمرهم أن يأخذوا شاةً، يضيف ـ محددًا ـ نوع الذبيح، ومتى وأين يذبحونه؟ إذ يقول: ” ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويًا بالنار مع فطير. على أعشابٍ مرةٍ يأكلونه. لا تأكلوا منه نيئًا أو طبيخًا مطبوخًا بالماء بل مشويًا بالنار مع أكارعه وجوفه. ولا تُبقوا منه إلى الصباح. والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار” (خر12: 6ـ10).

 كما يضيف المُشرِّع مخبرًا إياهم عما ينبغي أن يكون عليه ملبسهم، وما هي الطريقة التي يأكلون بها الفصح في تلك العشية المقدسة؛ لأنه يقول لهم: “ تأكلونه وأحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم، وعُصيكم في أيديكم. وتأكلونه بعَجَلةٍ. هو فصحٌ للرب” (خر12: 11).

في الفائدة المحققة نتيجة ذبح الخروف هي أكيدة، والمُشرِّع يعلنها قائلاً: ” فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وأصنع أحكامًا بكل آلهة المصريين. أنا الرب. ويكون لكم الدم علامةً على البيوت التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربةً للهلاك حين أضرب أرض مصر” (خر12:12ـ13). وبعد ذلك يقول: ” سبعةُ أيامٍ تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم” (خر12: 15).

كما أنه يفرض عقابًا على مَنْ لا يشترك، إذ يقول: ” ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس، وفي اليوم السابع محفل مقدس. لا يُعمل فيها عمل ما إلاَّ ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمَل” (خر 12: 16).

التفسير الروحي لذبيحة الفصح

هذا إذن ما يقوله الكتاب المقدس، ونحن إذ نفحص هذه الأقوال، نضيف إليها شرحًا وافيًا يوضح ـ بأكثر من طريقة ـ أهمية كل قول على حدة، في الإشارة لسر المسيح.

المسيح قدّس الكل من البداية

لقد تحدد وقت عمل التقديس في أثناء الشهر الأول من بداية العام؛ لأن بداية الكل هو المسيح (راجع كو1: 18)؛ لأن المسيحَ لم يكن حديث العهد، بل هو نفسه المولود قبل الأزمنة من الآب، وقد قدَّس كل الأزمنة التي صارت من البداية وحتى النهاية. لكن الاحتفال حُدِّد في شهرٍ من العصر الجديد (ملء الأزمنة)؛ لأن: “ الأشياء العتيقة ـ وفقًا لكلام بولس الطوباوي ـ قد مضت. هوذا الكلُ قد صار جديدًا” (2كو5: 17، إش43: 19)، وأُزهرت طبيعة الإنسان ـ ثانيةً ـ بالمسيح والكل صار جديدًا.

المسيح هو المُحرِّر

لقد أمر الله بكل هذا، في حين كان الإسرائيليون مازالوا عبيدًا يرزحون تحت سلطة المصريين، معبِّرًا بذلك ـ بطريقةٍ رمزيةٍ ـ عن أن نفس الإنسان لا يمكنها أن تنطلق تجاه التحرر من الخطية، أو الهرب من شهوة إبليس، والانفصال عن العالم، وصولاً إلى المدينة السماوية، إلاَّ بمحبة المسيح فقط للبشر.

وهذا هو ما قاله المسيح نفسه لليهود الحمقى: “ الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن كل مَنْ يعمل الخطية هو عبدٌ للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. أمَّا الابن فيبقى إلى الأبد. فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو8: 34ـ36)، كما قال أيضًا: ” الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم” (يو6: 53)، ولا شك أن الصورة الرمزية لهذا الأمر يمكن أن نجدها في أرض الميعاد، تلك التي كان الإسرائيليون يسيرون إليها.

المسيح أتى في الأزمنة الأخيرة

ونلاحظ أنَّ الخروف يوضع تحت الحفظ من اليوم العاشر للشهر حتى اليوم الرابع عشر منه لكي يُذبَح في المساء. وإذا تساءلنا عن سبب ذلك، وجدنا أن هناك دلالةً هامة لتلك الأمور. ما المشكلة لو أُخِذَ الخروف في اليوم الأول من الشهر؟ وما هو الهدف الذي شَرَّع الله لأجله أن يُحفظ الخروف لمدة خمسة أيام، ومن ثم يُذبَحُ في المساء؟ ولماذا بدأنا العدُّ من اليوم العاشر حتى الرابع عشر، حتى يكون الناتج خمسة أيام؟

فبالنسبة إلى أنَّه لا يجب أن يُؤخذ الخروف للحفظ من اليوم الأول للشهر، فهذا يدُل ـ رمزيًا ـ على أنَّ زمننا هذا، قد أتى مباشرة بعد أن كانت قد مرَّت قبلنا أزمنةٌ كثيرة وأجيالٌ طويلة، لم تخلو أبدًا من وجود الله. لأن فترة الخمسة أيام التي سبق أن أُشير إليها قُسِّمت بعد ذلك إلى خمس فترات زمنية.

وهذا هو الأمر الذي اتضح من المثل الذي قاله المخلِّص: ” فإن ملكوت الله يشبه رجلاً ربَ بيتٍ خرج مع الصبح ليستأجر فعلةً لكرمه. فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قيامًا في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم. فمضوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين.

فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحدٌ. قال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم” (مت20: 1ـ7).

هل وضح لك من هذه الأقوال أن زمننا هذا قد قُسِّم إلى خمس فترات؟ الفترة الأولى هي التي عاش فيها آدم، الأب الأول في الفردوس. والفترة الثانية كمثل “الساعة الثالثة”، ويقصد بها الزمن الذي عاش فيه نوح والذين كانوا معه. والفترة الثالثة هي مثل “الساعة السادسة” في المثَل وهي تُشير إلى الفترة الزمنية التي تبدأ بدعوة ابرآم لكي يعرف الإله الحقيقي. كذلك الفترة الرابعة هي أيضًا مثل “الساعة التاسعة”، ويُقصد بها الفترة التي عاش فيها موسى والأنبياء.

أمَّا الفترة الخامسة أي “نحو الساعة الحادية عشر”، أي التي فيها ينتهي اليوم، ويصل الزمن الحاضر إلى نهايته، في هذا الزمن استأجر السيد المسيح الأمم الذين لم يكونوا قد دُعوا بعد من أي أحد آخر أثناء الفترات السابقة. لذلك أجاب هؤلاء الآخرون قائلين: “ لم يستأجرنا أحد“.

هكذا يؤخذ الخروف للحفظ في اليوم الأول من تلك الخمسة أيام، أي اليوم العاشر الذي يشير إلى بداية الزمن، ويُحفظ لآخِر الوقت، أي اليوم الرابع عشر ويُذبح في المساء، وهذا يجعلك تدرك أيضًا أن سر المسيح ليس أمرًا مستحدثًا، لكنه حُفِظَ بعلم الآب السابق من بداية خلق العالم (راجع أف3: 9)، غير أنه مات لأجلنا في الأزمنة الأخيرة.

المسيح هو نور العالم

 ولَمَا كان النور العقلي والإلهي لم يكن قد أشرق بعد؛ لأن الأرض كانت ما تزال غارقةٌ في ظلام الجهل، وقد لوَّث رؤساء هذا الظلام قلوب الجميع. لذلك عندما أتى المخلِّص قال: ” أنا هو نور العالم” (يو8: 12، 9: 5)، وبما أن القديسون يُعتَبرون بمثابة مصابيح العالم التي تشع بكلمة الحياة، لذا كانوا جديرين أن يسمعوا قول المخلِّص: ” أنتم نور العالم” (مت5: 14)، حتى يمكنهم أن ينيروا الذين في الظلمة.

ولسوف تندهش أيضًا عندما يتبين لك أن هذه الأقوال إنما تُشير إلى عملٍ سريٍ آخر. لأنه في اليوم الرابع عشر من الشهر يُذبَحُ الخروف، هذا اليوم يكون فيه القمر مُكتَملُ البهاء، وينير كل المسكونة بنورٍ خافت يأخذ في الأُفول تدريجيًا، إذ أن هناك تلاشيًا اضطراريًا لكل مجد أرضى. يمكننا أن نفهم هذه الأمور رمزيًا من كون الشيطان ـ باعتباره رئيس الليل (المساء)، والمُمجَّد في كل المسكونة (بالمجد العالمي) ـ على مثال القمر (لأن القمر خُلِقَ ليسود على الظلام) (تك1: 16).

وهكذا يضع الشيطان حكمته الزائفة كمثل نورٍ كاذبٍ في قلوب المُضَلَّلين، جاعلاً لمعان ذاته أكثر اكتمالاً، أما المسيح الذي مات لأجلنا ولأجل خلاصنا، فهو الحَمَل الحقيقي الذي رفع خطايا العالم (يو1: 29)، وأبطل مجد الشيطان الزائف. هذا المجد (الشيطاني) لابد وأن يتلاشى رويدًا رويدًا إذ تسير جموع الأمم صاعدةً نحو محبة الله وسلامه بإيمانهم بهذا العمل (السري) الخلاصي.

وقد تغنَّى سفر المزامير بهذا الأمر عندما قال عن المسيح: “ يُشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر” (مز72: 7). فبتجسد المسيح أشرق البر ـ حقًا ـ بواسطة الإيمان والسلام الوافر بالرجوع إلى الله. ثم أُبطِلَ رئيس الليل، أي الشيطان. لكن عليك أن تلاحظ أنه لم يقُل ـ ببساطةٍ ـ إنه سيُبطِل القمر، لكنه سيُبطَلُ بدلاً من آخر؛ لأن الواضح أن الشيطان كان قد أبطل الإنسان.

المسيح واحد ولا يقبل الانقسام

مكتوبٌ أيضًا: ” يأخذون لهم كل واحدٍ شاةً بحسب بيوت الآباء” (خر12: 3)؛ لأن المسيح هو كامل، حسب إيمان كل واحد منا، عندما تكون له شركة الروح القدس، ولا يُقسَّم كما يقول الرسول بولس (راجع 1كو12: 4). وإن كان هناك بيتٌ عدد أفراده قليلون، ولا يستطيعون أن يأكلوا خروفًا، فليأخذ كل واحدٍ معه جاره الموجود بالقرب منه. أي أن أولئك الذين لا يمكنهم بمفردهم إدراك سر المسيح تمامًا، أو لا يستطيعون استيعاب سر المسيح لضعف عقولهم، عليهم أن يأخذوا جيرانهم كمعاونين ومساعدين لهم في الإيمان.

لأن ما يتجاوز قدراتنا الذهنية، يمكننا أحيانًا أن نفهمه بواسطة إرشاد الآخرين. وذلك مثلما فعل الخصي الحكيم الذي سأل فيلبس ليرشده عن النبوة التي كانت تشير إلى المسيح فقال: ” أطلب إليك عن من يقول النبي هذا. عن نفسه أم عن واحد آخر” (أع 8: 34). أرأيت كيف أنه أخذ رأي جاره ـ لأن كلاً منا جارٌ للآخر، إذ أن كلمة الإيمان مشتركة، ونحن جميعًا نؤمن بالواحد ـ وعندما طلب الخصى هذا، صار مشاركًا للحَمَل العقلي، إذ طلب أن يعتمد مباشرةً وقد اعتمد فعلاً.

ويقول الكتاب عن “الشاةِ” أنها: ” تكون صحيحة“. حيث إنه ـ في المسيح ـ توجد كل الملامح (الخصائص) التي تتناسب مع الله. كما أعلن المُشرِّع أن تكون الشاةُ ذكرًا؛ لأنه هو الزارع الذي يزرع بذور معرفة الله داخلنا وكأنها أرضُ يفلِّحُها، مثل كلام الأنبياء الذي مهَّد البشريةَ لقبول الآب بعظات الإنجيل. وبالإضافة لكل هذه التعليمات، لابد وأن يكون عمر الخروف عامًا لا أقل حتى لا يكون ناقصًا، ومن جهة أخرى فإنهم سوف يتممون الاحتفال بالفصح اللائق بالله كل عام، عندئذٍ يجنون ثمار خيرات الآلام.

المسيح هو الذبيحة التي بلا عيب:

مكتوبٌ أيضًا يأخذون الشاة من الخراف أو الماعز. والشاة بسبب أنه طاهرٌ وبرئٌ يعتبر ذبيحةً بحسب الناموس، بينما يُقدَّم الماعز على المذبح لأجل خطايانا. وهذا هو ما سوف تجده بالتأكيد في المسيح، فهو نفسه كان ذبيحةً بلا عيب إذ قدَّم ذاته لله أبيه كرائحةٍ ذكيةٍ، وكشاةٍ، ذُبِحَ بسبب خطايانا.

فاعلية دم المسيح

كما أمر المُشرِّع أن يدهنوا القائمتين والعتبة العليا للمنازل بدم الحمل، قاصدًا بذلك الإشارة إلى أنه بدم المسيح المقدس والكريم نؤمِّن مسكننا الأرضي، أي الجسد، طاردين منه الموت الذي هو نتيجة العصيان، بالحياة التي نتشارك فيها. وفي نفس الوقت نُسبب الاضطراب للشيطان المهلك، إذ بمسحة الدم نطرد بعيدًا الشيطان الذي يريد بنا شرًا مُبعدين بعيدًا الشهوات والأهواء الجسدية.

أمَّا “أبواب” بيوتنا، فهي حواسنا التي من خلالها نراقب نوعية الأمور التي تدخل قلوبنا، إذ يتسلل داخلنا ـ من خلالها ـ حشدٌ غير محصى من الرغبات. ولقد دعى النبي يوئيل الحواسَ أبوابًا قائلاً: ” يتراكضون في المدينة، يجرون على السور، يصعدون إلى البيوت، يدخلون من الكُوى كاللص” (يؤ2: 9)؛ في نبوة عن تلك التي لم تُدهن بدم المسيح.

التناول من جسد المسيح ودمه والتبشير بموت المسيح وقيامته

كما أمر الكتاب أن تؤكل اللحوم في ذات الليلة، أي هنا في الحياة الحاضرة. لأن بولس وصفها هكذا قائلاً: “ قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور” (رو13: 12)، داعيًا بوضوح لهذه الحياة التي ينيرها المسيح نفسه.

هكذا يوصي أن نأكل اللحوم أثناء فترة حياتنا في هذا الدهر؛ لأنه بقدر ما نصير مشاركين المسيح بطريقةٍ روحيةٍ ومحسوسةٍ ـ أثناء وجودنا في هذا العالم ـ بتناول الجسد المقدَّس والدم الثمين، بقدر ما نصل إلى يوم قوته كما هو مكتوب (مز110: 3)، وبقدر ما نصعد إلى بهاء القديسين، نتقدس أيضًا بطريقةٍ يعرفها معطي ومانح الخيرات العتيدة.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن التناول من جسده المقدَّس، ومن دمه الكريم، يعني الاعتراف بالآم المسيح وموته الذي صار لأجلنا بالتدبير. لأنه هو نفسه قال لعارفيه حين حدَّد نواميس السر: “ فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء” (1كو11: 26).

وباشتراكنا في الأمور التي أشرت إليها توًا ـ أثناء هذه الحياة الحاضرة ـ فإننا بالفعل نكرز بموت الرب، لكن عندما يأتي بمجد الآب، عندئذٍ لا نقدم له اعترافنا بموته، بل سوف نعرف الله بكل وضوح ” وجهًا لوجه” كما يقول الرسول بولس (راجع 1كو13: 12). إذ يقول: “ عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا. لا يسود عليه الموت بعد” (رو6: 9)، كما يقول أيضًا: ” إذًا نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد. وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد” (2كو5: 16).

لأننا عند ذاك سوف نعرفه بأكثر وضوح، ليس من جهة أنه أخلى ذاته عندما صار إنسانًا، لكن كإلهٍ حقيقيٍ أنهى تدبير الله الخلاصي. عند ذلك تبطل الأقوال عن التجسُّد، وتأتي المعرفة الأسمى، ويشرق علينا بمعرفة الخلاص الإلهية من جانبه، تلك التي يعبِّر عنها بواسطة مجده اللائق.

ضرورة أن نكون حارين بالروح وأنقياء في التصرف

نقرأ أيضًا أن الخروف يؤكل مشويًا بالنار؛ لأن أولئك الذين يشرعون في فهم سر المسيح، يجب أن يكونوا حارين روحيًا، ولذلك ينصحنا الرسول أن نكون هكذا (راجع رو12: 11).

كما يأمرهم أيضًا أن يأكلوا فطيرًا (خبز بلا خمير) على أعشابٍ مُرةٍ معلنًا بطريقةٍ رمزيةٍ أن الذين صاروا مشاركين للمسيح، عليهم أن يتغذوا على اشتياقات نقية لا خمير بها، وأن يعتادوا على التصرف النقي والخالي من الشر، غير هاربين من التجارب المؤلمة وفق المكتوب: “ يا بنيَّ، إن أقبلت لخدمة الرب فاعدد نفسك للمحنة. أرشد قلبك وأصبر ولا تكن قلقًا في وقت الشدة” (حكمة يشوع بن سيراخ2: 1ـ2).

الإيمان المستقيم بالمسيح

ويقول أيضًا: ” لا تأكلوا منه نيئًا” (خر12: 9). ماذا يعني بقوله هذا؟ الأكل النيئ لا يمضغ ولا يهضم، وهو يشير إلى الذين لا يفحصون الكلمة بتدقيق ليجدوا المسيح. أمَّا أولئك الذين يبحثون بتدقيق، فإنهم “يطهون” الكلمة ويتذوقونها وفق ما قاله داوود النبي: “ عند لهجي بكلامك اشتعلت النار” (مز39: 3).

كذلك منعهم من أن يأكلوا اللحم مطهيًا في الماء، معلنا بذلك أن الفكر الكاذب والمنحل عن المسيح لا يعتبر غذاءً مناسبًا لعقول المؤمنين. وما الاعتقاد الكاذب عن المسيح، إلاَّ عدم الإيمان بأنه هو الله بطبيعته، أو أن يضعوا المسيح ضمن المخلوقات، وهو الأمر الذي لم يتردد البعض في إتيانه نتيجة جهلهم. وبينما يجمعون ويحرّفون تفسير الشواهد التي قيلت ـ بحسب التدبير ـ عن تأنُّسه، يجعلونها غذاءً لكفرهم الذي يسكن في داخلهم.

ومعنى قوله: ” لا تأكلوا منه نيئًا أو طبيخًا مطبوخًا بالماء، بل مشويًا بالنار” (خر12: 9)، هو أن الكلام عن إلوهيته كلامٌ حارٌ، وليس فيه شيء باردًا أو كاذبًا وفق قول المزمور: “ كلمتك ممُحصة جدًا وعبدك أحبها” (مز 119: 14).

الاستنارة بمعرفة المسيح الكاملة

كما أمر أيضًا أنْ يؤكَل رأسه مع أكارعه وجوفه، مريدًا لهم أن يحتووا داخلهم المعرفة الكاملة لسره.

 لأنه ينبغي ـ قبل كل شيء ـ أن يعرفوا أن الكلمة كان في الآب ومع الآب منذ البدء إذ أنه هو الله بالفعل، أي كان هو بداية كل سر كالرأس. وثانيًا، وبما أنه الله، فإنه سوف يأتي ثانيةً كديّان لكي يتمّم خطة خلاصه لأجلنا، وهذا هو ما تشير إليه الأرجل التي هي حقًا نهاية الجسد.

أمَّا الجوف، فيشير إلى الكلمة المتأنِّس المختفي فينا (داخلنا). إذن هذه الأقوال تُصِّور الإيمان كله، وبهذه المعرفة يتصوَّر المسيح فينا كاملاً، عندئذٍ يمكنني أن أؤمن بما يقوله يوحنا: “ الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء” (رؤ1: 8).

الحث على عدم التباطؤ عن الاستنارة بالروح القدس

ومن ثمَّ، يأمر المُشرِّع قائلاً: “ ولا تبقوا منه حتى الصباح” (خر12: 10)، معيقًا بهذا كما يبدو ـ بطريقة رمزيةٍ ـ محاولات التأجيل غير الصالحة التي تُسهم في عدم فهم السر كما يجب من جانب البعض. لأنه يقول لا تؤجِّل المعرفة الحقيقية والتامة عن المسيح، ولا يجب أن يتباطأ البعض في المشاركة التامة في فرح نهاية الأزمنة، فطالما آمنوا فليكملوا شركتهم.

وهذا هو ما كان يفعله أولئك الذين كانوا قد قبلوا كلمة الوعظ وتعليم المسيح، لكنهم كانوا يتكاسلون من جهة نوال الروح القدس ونعمة المعمودية مؤجلين ذلك حتى يكبروا في السن. إن هذا التأجيل يمكن أن يجلب عليهم ضررًا كبيرًا غير متوقع، خاصةً لو نجح المرء منهم في تحقيق هذه الرغبة (أي تأجيل المعمودية حتى الأيام الأخيرة لحياته)، فرجاؤه ليس آمنًا. إذن، فمن يأكل حتى النهاية يتقدَّس بالتأكيد، وينال أيضًا غفرانًا لخطاياه، ويقدِّم لسيده الوزنة التي أُعطيت له دون أية تحفظات عليها.

عقائد ثابتة مثل عظام لم تُكسر:

 ويقول: “ والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار. ولا يُكسرُ له عظم” (خر12: 10س)؛ لأن العظم لا يؤكل بأسناننا، وشيءٌ مثل هذا يذكِّر أذهان البشر بالكلمة الأزلي. إنه الابن، وهو الابنُ بالطبيعة، وقد وُلِدَ من الله الآب، ونحن نؤمن به، دون أن نفتش أو نبحث عنه وذلك وفقًا لكلام النبي القديس؛ ” لأن من يعرف طريقة ولادته؟ من يصف مولده؟” هكذا صرخ النبي (إش53: 8 س).

إذن، عن عدم كسر العِظام، يُشير إلى ثبات العقائد التي تفوق العقل. فهذه العقائد (العِظام) يحرِّم المُشرِّع سحقها، لكن الهراطقة، أولئك الذين يحرِّفون الحق قد سحقوها تمامًا في ذواتهم؛ لأنهم ـ إذ يعانون من طيش التفكير وعدم البصيرة ـ مصممون على الانشغال بطريقة الولادة الإلهية غير الموصوفة، ولا يقبلون عقليًا ما كُتِبَ: “ من الذي يحصي رمل البحر وقطرات المطر وأيام الأبد؟” (حكمة سيراخ1: 2).

هذا ما نتجنبه نحن ـ بحكمة ـ رافضين كسر عِظام الخروف، بل نقبل بالإيمان، تلك التعاليم التي هي أسمى وأعظم من قدراتنا. ومن الأهمية بما كان أن نتذكَّر أن هذا المكتوب قد طُبِّق حرفيًا على مخلصنا، حيث إن جنود بيلاطس لم يكسروا هيكله العظمي وفق ما كتبه يوحنا (راجع يو19: 33ـ36).

استنارة الدهر الآتي

 ويقول: ” والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار“، فالصباح يشير إلى استنارة الدهر الآتي، وقتذاك سنرى وجهًا لوجه ملكنا وإلهنا، ليس مثل الآن في “الحياة الحاضرة” من خلال الرمز والظلال والمرآة كما يقول بولس (راجع 1كو13: 12). إذن، فحرق ما تبقى من الخروف إلى الصباح، يشير إلى تواري وانزواء الطريقة الرمزية والتصويرية بسبب سطوع المعرفة الأكثر لمعانًا.

كذلك أمرهم قائلاً لتكن: ” أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم، وعُصيكم في أيديكم. وتأكلونه بعجلةٍ. هو فصحٌ للرب” (خر12: 11)، وكونهم يلبسون حزامًا على وسطهم، يرمز إلى سرعة التصرف والحيوية، وذلك مثل ما قاله الله لأيوب البار: ” أشدّد الآن حقويك كرجلٍ” (أيوب 38: 3)، وكما قال لنبي آخر: ” ويكون البر حزام حقويه والأمانة حزام خصره” (إش11: 5 س)، أي ليكون سريعًا وشجاعًا تجاه البر.

الاستعداد والصبر والرجاء

 ويرمز الحذاء إلى استعداد الإرادة للسير بدون إبطاء تجاه ما يريده الله. لأن بولس بنفس الروح قال: ” وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام” (أف6: 15). كذلك يقول الله: ” فالآن يا إسرائيل ماذا يطلب منك الرب إلهك إلاَّ أن تتقي الرب إلهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك” (تث10: 12).

والعُصي في الأيدي ترمز إلى الرجاء الذي يعضدنا، وتعطينا الصبر طبقًا لما نجده عند الأنبياء: ” فليتكل على اسم الرب ويستند إلى إلهه” (إش5: 10).

ويأمر المُشرِّع أيضًا أن يؤكل اللحم بعجلة، وهذه إشارة واضحة إلى أن الذي يتبع المسيح لا يجب أن يكون كسلانًا، أو عنده لا مبالاة من جهة الأعمال الصالحة، لكن عليه أن يكون قويًا وحارًا من جهة استعداده للأعمال المفيدة والصالحة. تأمَّل ـ من فضلك ـ ما يقوله بولس الطوباوي: ” ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا. وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أمَّا أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأمَّا نحن فإكليلاً لا يفنى” (1كو6: 24 – 25).

لا بد أن انتهز هذه الفرصة لأقول إن الإنسان الذي تقدَّس بواسطة المسيح، يجب أن يكون نشيطًا لا خاملاً أو غير مبالٍ، بل عليه أن يلبس ملابس الرحالة، وبذلك يشير إلى أمرين: الأول، هو أن هذه الملابس تشير إلى أن الذي يتبع المسيح عليه أن يُسرع تجاه الحق. والثاني، هو الإشارة إلى أنه يجب عليه أن يُسرع إلى عمل الخير والصلاح وممارسة الفضيلة تاركًا ملذات العالم الشريرة.

الفصح هو عبور من الحياة الحاضرة إلى حياة الدهر الآتي

 ويسمي المُشرِّع كل ما قاله بشأن ذبيحة الحمل: ” إنه فصحٌ للرب” (خر12: 11)، أي العبور من الحياة الحاضرة إلى المدينة التي يُسرُّ بها الله. ويُظهِر لهم الفائدة العظيمة التي سوف ينالونها عند إتمام هذه الذبيحة وهي الوعد بأن يحميهم من الهلاك، بينما يُهلك كل بكر من المصريين. وفي الوقت الذي يأكلون فيه الحمل، يكون دمه علامةً يحتموا فيه من الضربات التي ستحل في بلاد مصر.

لأن الله يعاقب العنيد والعاصي وغير المشارك للقداسة التي يمنحها المسيح، بينما يجعل الممسوحين بدم الحمل الحقيقي مستحقين للعناية الصالحة من جانبه، لذا هو لا يترك المؤمنين المقدسين ليهلكوا مع غير المؤمنين، بل يمنحهم محبةً فائقةً.

حياة النقاوة

أخيرًا يأمر أولئك الذين أكلوا الحمل المقدس، أن يغتذوا لمدة سبعة أيام بفطير، (أي خبزًا غير مختمِرٍ)، مشيرًا بذلك ـ كما يبدو ـ إلى أن الذين تقدَّسوا بواسطة المسيح سوف يتغذون على رغبات طاهرة ويبتعدون عن أي شرٍ.

ويقول: ” ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس وفي اليوم السابع محفل مقدس” (خر 12: 21)، لأن زمن الخلق في البداية مقدَّسٌ هو؛ لأن آدم الأب الأول لم يكن قد ابتعد بعد عن الفردوس بسبب عصيانه، لكنه كان يعيش الفردوس في داخله، وقد طبَّق الوصية التي أُعطيت له. وزمن الأيام الأخيرة هو زمن التقديس؛ لأن المسيح يُبرّر ـ في هذا الزمن ـ أولئك الذين يأتون إليه بالإيمان، ويحضرهم مرةً ثانيةً هناك حيث كنا في بداية الخليقة.

إذن لقد أشارت كل هذه الأقوال مسبقًا لسر مخلصنا يسوع المسيح. لذلك قال المسيح نفسه لليهود: “ لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني” (يو5: 46).

ذبيحة الحمل – المسيح فصحنا الجديد – القديس كيرلس الأسكندرى – جيلافيرا (مختارات) على سفر الخروج

المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

Exit mobile version