482- كيف يطرد إبراهيم ابنه البكر إسماعيل (تك 21: 14)؟ وأين حقوق الابن البكر في الميراث؟
يقول ” ليوتاكسل“.. ” إذًا طرد إبراهيم ابنه البكر وأمه هاجر مزودًا إياهما بكسرة خبز وقربة ماء، وأقل ما يمكن أن يُصف به هذا الإجراء هو، إنه سلوك وحشي لا إنساني خسيس ويتسم بالنذالة ويثير الاشمئزاز، خاصة وأنه صدر من سيد جبار هزم جيوش أربع ممالك قوية”(1).
ج:
1- كان إسماعيل يمزح مع إسحق، وكان مزاحه نوعًا من السخرية والاضطهاد، وهذا ما أوضحه بولس الرسول عندما قال ” ولكن كما كان حينئذ الذي وُلِد حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضًا” (غل 4: 29).
2- لم تكن رغبة إبراهيم طرد ابنه إسماعيل، فعندما قالت سارة له ” أطرد هذه الجارية وابنها. لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق. فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم بسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة لأنه نسلك” (تك 21: 10 – 13) لاحظ قول الكتاب ” فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم “ أي لقد استاء إبراهيم استياءًا كبيرًا من طلب سارة.
3- يقول ” هيربرت وولف“.. ” عندما شعر إبراهيم بأنه لن يكون له وريث من صلبه وسيصبح ليعازر وريثًا له، عاشر هاجر آمة سارة وأتى منها بإسماعيل، وهكذا صارت هاجر أمًا بديلًا لسارة طبقًا للعادات التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.. وطبقًا لشريعة حمورابي كان الطفل المولود ينتمي شرعًا إلى الأم الزوجة وليس إلى الآمة التي حملت به وأنجبته، وكان لا يمكن الفصل بين الطفل والأم التي أنجبته، وهذا يفسر لنا مدى المعاناة التي عاناها إبراهيم عندما أضطر إلى تنفيذ أمر الله بإبعاد هاجر وإسماعيل”(2)(3).
4- لم يكن إسماعيل ابنًا لإبراهيم فقط، بل كان يعتبر ابنًا لسارة أيضًا، فيقول الخوري بولس الفغالي ” وكانت العادة أن يعطي الأب ابنته خادمة تكون معها، وتستطيع أن تقدمها إلى زوجها إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولقد كانت شرائع حمورابي تمنع الرجل من أن يتزوج امرأة ثانية إذا أعطته الخادمة ابنًا، وابن الجارية يكون ابن المرأة التي تستقبل الولد على ركبيتها علامة تبنيها له. وهكذا كان لسارة ولد من هاجر، كما اعتبرت راحيل أن الله سمع لصوتها ورزقها ابنًا عندما حملت بلهة خادمتها وولدت لها ابنًا سمته ” دان”..”(4).
ويقول زينون كوسيدوفسكي ” في قانون حمورابي.. حدد بوضوح تام مكان الآمة التي تطارح سيدها الفراش في الأسرة، فعلى مثل تلك الآمة أن تضع مولودها على ركبتي زوجة سيدها العاقر، وتمثل واقعة الولادة في هذه الحالة وعلى تلك الشاكلة اعترافًا شكليًا بشرعية المولود وأحقيته في أن يكون الولد البكر والوريث الشرعي.. وأُكتشف في عدة مخطوطات أُخرجت من بين أنقاض بيت أحد الأغنياء في ” نوز”، وعقد زواج لعائلة تيحابتيلي حوالي 1500 ق.م. ويتضمن هذا العقد المقطع الآتي: {لا يحق للرجل الزواج من امرأة ثانية إذا ما أنجبت له زوجته الأولى أولادًا، أما إذا كانت زوجته عاقر فإن عليها أن تختار له آمة، وأن تربي أولادها الناتجين من زواج الزوج للآمة، وكما لو كانوا أولادها الحقيقيين”(5).
5- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس “رغم أن الأمر كان قاسيًا على الطبيعة البشرية إلاَّ أن إبراهيم رجل الإيمان والطاعة نفذ أمر الله وصرف هاجر وابنها موقنًا أن الله سيعتني بهما حسب وعده الصالح، وقد صرفهما في الصباح مبكرًا حتى يستطيعا أن يصلا إلى مأوى قبل حر الظهيرة، والمقصود (بالخبز) أنواع من الطعام، وإن كان من عادة بعض الشعوب البدوية القديمة أن يصرف الأب ابنه أحيانًا وهو في سن إسماعيل بعد أن يزوده بالطعام الذي يكفيه أيامًا قليلة حتى يواجه الحياة بنفسه ويعتمد على ذاته، إلاَّ أن إبراهيم فعل هذا بناء على أمر الله لحكمته الإلهية”(6).
6- أما عن عدم توريث إسماعيل فيقول ” هيربرت وولف”.. ” ومن الناحية الاجتماعية يمكن أن يثار هنا سؤال هام وهو بما أن إسماعيل كان الابن الأكبر لإبراهيم، فماذا كانت حقوقه في الإرث؟ وهنا يبدو أن الابن المولود من جارية لم يكن يحق له المشاركة في الإرث مع أبناء الزوجة أو الزوجات الشرعيات.. لقد كان إسحق هو الابن الوحيد لإبراهيم من سارة وعلى هذا كان يعتبر الوريث الوحيد لأبيه إبراهيم” (تك 25: 5)(7)(8).
7- يرى القديس أغسطينوس أن سبب طرد إسماعيل وعدم توريثه، ليس لأنه ابن الجارية، ولكن بسبب كبريائه، فيقول ” إبراهيم لم يُعطَ ابنًا من الجارية إلاَّ بناءً على مشورة سارة. فالطفل كان من نسل إبراهيم وإن كان ليس من أحشاء زوجته وإنما بمسرتها وحدها. فهل كان ميلاده من جارية هو السبب في عدم توريثه..؟ ولكن أولاد يعقوب (من الجواري) سُمح لهم بأن يرثوا، أمَّا إسماعيل فقد حُرم منه ليس لأنه ابن الجارية، ولكن لأنه كان فخورًا بأمه (هاجر) متكبرًا على ابن أمه (إسحق) فأمه كانت سارة أيضًا.. أكثر من هاجر.. لذلك كان إسماعيل ابن سارة بالأولي. ولكن لأنه كان متكبرًا على أخيه، ومتكبرًا في لعبه معه، وفي استهزائه به، فماذا قالت سارة؟ ” أطرد الجارية مع ابنها لأنه ابن الجارية لا يرث مع ابني إسحق “ فلم تكن إذًا أحشاء الجارية هي سبب الرفض”..”(9).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 111.
(2) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEUCH P.116 – 117.
(3) ترجمة خاصة بتصرف قام بها الأستاذ بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بأكليريكية طنطا.
(4) المجموعة الكتابية – تفسير سفر التكوين ص 230.
(5) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 60، 61.
(6) تفسير سفر التكوين ص 186، 187.
(7) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEDUCH, P 117.
(8) ترجمة خاصة بتصرف قام بها الأستاذ بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بإكليريكية طنطا.
(9) تفسير سفر التكوين – دير القديس أنبا مقار ص 274.