477- كيف يضاجع لوط ابنتيه؟ وهل يُعقل أنه لم يوجد رجال ليتزوجوا من ابنتي لوط (تك 19: 31 – 36)؟ وهل مرَّر لوط الحادثة بسهولة ولم يمت كمدًا؟ ألم يتساءل كيف حبلت ابنتاه بدون زواج؟(1)
ويقول الأستاذ محمد قاسم محمد ” ومن الأمثلة على التضليل في الأحداث القول بأن لوط زنى بابنتيه لأنه لا يوجد رجال في الأرض. بينما نجد في مواضع أخرى أن مدينة صوغر بل والجبل الذي أدعوا أن لوطًا قد اختبأ به هو مكان مسكون بقبائل الرفائيين، كما أن هناك مدنًا كثيرة مجاورة بها أناس يسكنونها، خاصة وأنها خصبة كما قال لوط بنفسه {كجنة الرب كأرض مصر حينما تجئ إلى صوغر}“(2).
ويقول أحمد ديدات ” أن نسبة هذه الوقائع إلى سيدنا لوط عليه السلام يتناقض مع المعنى البديهي للنبوءة دون شك، ولا يُجدي بأي حالة الاعتذار والتبرير بأن سيدنا لوط عليه السلام ” لم يعلم باضطجاعهما ولا بقيامهما ” فهو غير معقول بطبيعة الحال. إنهم إذ يحاولون تبرئة سيدنا لوط من المسئولية الأخلاقية عما حدث وألصقوه به.. دفعوه بتهمة السكر الشديد من جراء كثرة تعاطي الخمر.
ماذا تكون النتيجة لو لاحظ شرطي بدولة مسيحية رجلًا مخمورًا بالشارع أو مخمورًا يقود سيارة؟ ألا يشكل ذلك جريمة يعاقب عليها القانون؟ هل يليق بنبي أن يشرب الخمر ويسكر حتى يفقد الوعي هكذا. سقوه خمرًا بخيالهم المريض إلى حد أن غيَّبوه عن الوعي! إنني على ثقة تامة أن سيدنا لوط لم يفقد الوعي من جراء شرب الخمر كما يزعمون.. السكر إلى حد فقدان الوعي غير مسموح بالنسبة للإنسان العادي فهل يليق أن ينسبه أحد إلى نبي من أنبياء الله؟!”(3).
ج:
1- من هول المأساة التي تعرضت لها ابنتيّ لوط، وفقدان الأم والأخوات والأقرباء، ظنت الفتاتان في بساطتهما وبراءاتهما أن الجنس البشري كله قد هلك، كما حدث من قبل في الطوفان، فأرادتا إيجاد نسل لهما، ولأنهما لم يلتقيا برجل منذ خروجهم من سدوم وحتى سكنوا في الجبل، ولذلك فعلا ما فعلاه، ليس على سبيل الشهوة، وإلاَّ كرَّرا هذه الخطية مرارًا وتكرارًا، ولكنهما فعلاها مرة واحدة بهدف إيجاد نسل، وحِفْظ اسم أبيهما، وحفظ الجنس البشري.
2- هدف الكتابة من هذه القصة إظهار بشاعة ما حدث بسبب الخمر، فعندما سكر نوح تعرى، وعندما سكر لوط ضاجع ابنتيه دون أن يدري. كما أن لوط لم يكن نبيًا، ولو كان نبيًا فأين هي نبوءته أو عمله النبوي..؟! لقد سكر لوط حتى غاب عن وعيه، ولولا هذا ما كان فعل هذا الأمر المشين، ولا عجب فالإنسان السكران قد يرتكب جريمة القتل دون أن يقصد.
3- يقول الخوري بولس الفغالي ” نقرأ ثانيًا عن أهمية النسل في شعب الله.. عرفنا حيلة سارة لما قدَّمت هاجر لزوجها رغم ما حصل من نتائج مؤلمة. ومثلها ستفعل ليئة وراحيل ليكون لهما أولاد كثيرين (تك 30: 1) أما ثامار كنَّة يهوذا فستجبر حماها يهوذا على إعطائها نسلًا بعد أن مات ابنه الذي تزوجته (تك 38: 1 – 26) وكذلك ستفعل راعوث (را 3: 1- 18) ولهذا اهتم الشرع بهذا الأمر فأوجب على الرجل أن يتزوج أرملة أخيه ليجعل للأخ بها نسلًا (تث 25: 5)”(4).
4- مهما كان المبرر لابنتي لوط فإنه لا يعفيهما من حقيقة ارتكاب خطية عظيمة لا تليق، ولا يعفي أباهما من المسئولية رغم أنه ارتكب الخطأ دون أن يدري، ويقول القديس جيروم ” بالحقيقة لم يكن لوط يعرف ماذا كان يفعل، ولا كانت خطيته بإرادته، ومع هذا فخطأه عظيم إذ جعله أبًا لموآب وعمون عدوي إسرائيل”(5).
5- يقول القس ميصائيل صادق ” إن كان هذا هو الذي حدث فلماذا الاستغراب؟! إن الاستغراب الحقيقي هو لو أن الكتاب استنكر أن يقص ما حدث “(6).
6- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” أما عن عدم وجود رجال ليتزوجوا من ابنتي لوط، فهذا صحيح لأنهما كانا في الجبل الذي ليس فيه أحد، وربما تصوَّرتا أن المدن أيضًا هلكت. أما عن حبلهما فواضح أن أباهما سيصدق إنه منه، لأنهما في الجبل، حيث لا يوجد رجل غيره. أما أنه لم يمت كمدًا فهذا افتراض بمقياسنا الحالي، ولكن يبدو أن هذا الفكر لم يكن لديه، فها هو قد عرض على أهل سدوم أن يفعلا بابنتيه ما يريدون في سبيل حماية الرجلان (أي الملاكان) اللذين دخلا بيته (تك 19: 6 – 8)”(7).
7- تقول الدكتورة نبيلة توما ” غاية الكتاب من ذكر هذه الحادثة أن ينفرنا من الخطية المشينة ومسبباتها، ولاسيما خطية السُكر.. أما إن كان لوط مرَّر الحادثة بسهولة أو عنَّف بناته، فهذا ما لم يذكره الكتاب، فقد اكتفى الكتاب بأن أوضح أن لوط فقد أملاكه في أرض الخطيئة مع بناته وأصهاره، وصارت امرأته عمود ملح، وفقد ابنتيه اللتين أخطأتا معه -روحيًا- فقد اختار لنفسه، وسعى وراء الزرع والعشب متغاضيًا عن العيش وسط الأشرار فكان ما كان، وما يزرعه الإنسان إياه يحصد”(8).
_____
(1) د. مصطفى محمود – التوراة ص 14، وليوتاكسل – التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 102 – 104.
(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 120.
(3) ترجمة على الجوهري – عتاد الجهاد ص 30.
(4) المجموعة الكتابية – تفسير سفر التكوين ص 258.
(5) أورده القمص تادرس يعقوب – تفسير سفر التكوين ص 201.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.