هل كان لوط فاسقًا، ولذلك اختار سدوم ليعيش فيها، وأراد دفع ابنتيه للزنا، أم أنها أمثولة لحسن الضيافة لم تحدث على أرض الواقع؟
469
469- هل كان لوط فاسقًا، ولذلك اختار سدوم ليعيش فيها، وأراد دفع ابنتيه للزنا، أم أنها أمثولة لحسن الضيافة لم تحدث على أرض الواقع؟(1)
ويقول جوناثان كيرتش ” وتعتقد فرق أخرى أن لوطًا ليس أفضل كثيرًا من زملائه السدوميين، وقد وُصف لوط في موضع آخر من الأدب التوراتي بـ”فاسق” ويُفترض أنه اختار الإقامة في سدوم بالتحديد لأنه انجذب إلى البذاءة السائدة”(2).
كما يقول جوناثان كيرتش أيضًا ” قال أحد المفسرين {إن مشهد الأب وهو يقدم ابنتيه العذراويتين لتحقيق رغبة ومسرة الغوغاء التي كانت تسعى جهدها لنهب منزله، لم تبدو صادمة للمشاعر القديمة لآداب المجتمع كما تبدو الآن.. وعندما تصل الأمور إلى سلوك لوط الأكثر غرابة، والأكثر إثارة للاشمئزاز -أي رغبته في إلقاء ابنتيه إلى الغوغاء- يقدم علماء الدين عذرين واهيين، في الأول قيل أن القوانين القديمة كانت تفرض على لوط واجبًا مقدَّسًا يتمثل في حماية ضيوفه حتى لو تعرضت حياة أسرته وحياته للخطر..
وثانيًا طُلب منا أن نصدق أن الأطفال اعتبروا وكأنهم كانوا أدنى قيمة في الزمن التوراتي مما هم عليه حاليًا، أي أنهم اعتبروا كأملاك منقولة أكثر منهم أعزاء على قلوب والديهم. لذا فقد كان الأب حرًا بأن يفعل بأطفاله (وبناته خصوصًا) ما يشاء.. وحسب ما كتب أحد المعلقين فإنه من المفترض فينا أن لا نعتبر لوطًا جبانًا خائر القلب، بل أن نعده كـ{بطل شجاع في حلبة التزامات كرم الوفادة في موقف في منتهى الإحراج} “(3).
ويقول زينون كوسيدوفسكي ” ونقول ببساطة أن حادثة لوط ليست سوى أمثولة أو أقصوصة ذات مغزى تناقلتها الأجيال، فالناس على ما يبدو أرادوا من تلك القصة المبالغ فيها بيان أهمية حسن الضيافة عند لوط”(4).
ج:
1- شهد الكتاب المقدَّس للوط البار الذي كان يتألم من أجل فجور أهل سدوم وعمورة، وقال بطرس الرسول ” إذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يُعذّب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة” (2بط 2: 8) فإن كان الوحي الإلهي يشهد للوط البار، فهل يأتي أحد ويقول أنه لا يستحق النجاة؟ ولماذا..؟ أيضًا تميز لوط بالشهامة والكرم وإضافة الغرباء، فعندما رأى الملاكين في شكل رجلين ” قال يا سيديَّ ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما.. فألحَّ عليهما جدًا. فمالا إليه ودخلا بيته. فصنع لهما ضيافة وخبزًا فطيرًا فأكلا” (تك 19: 2، 3) ولم يكتفي لوط بدعوة هذين الرجلين إنما ألحَّ في دعوتهما حتى لبيا الدعوة.
2- ليعلم الأخوة النُقَّاد غير المسيحيين الذين ينتقدون هذا الأمر أو يرددون أقوال أرباب النقد الغربيين أن قصة محاولة أهل سدوم التعدي على ضيفيّ إبراهيم ومحاولة لوط إنقاذهم من الفضيحة، حتى لو قدم ابنتيه لهؤلاء الأشرار، وضرب أهل المدينة بالعمى جاء ذكرها في القرآن ” وجاء أهل المدينة يستبشرون. قال أن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون. واتقوا الله ولا تُخزون. قالوا أو لم ننهاك عن العالمين. قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيلٍ” (سورة الحجر 67 – 74).
3- هذا تصرف شخصي للوط، فسواء كان تصرفًا صحيحًا في نظر البعض الذي نظروا لمشاعر لوط الفياضة تجاه حماية ضيفيه، أو تصرفًا خاطئًا ويثير الاشمئزاز في نظر الآخرين، لأنه تهاون في حماية ابنتيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن نُحمّل التوراة نتيجة هذا التصرف، فكل ما فعلته التوراة تسجيل الحدث كما حدث بالفعل، فليس معنى خطأ التصرف أن ينسب هذا الخطأ للتوراة، وهل التوراة أوصت لوط أن يتصرف هكذا..؟ كلاَّ، وهل الله أوصى لوط بهذا التصرف؟ كلاَّ.. فلماذا ينسبون خطأ لوط للكتاب المقدَّس ولإله لوط؟!!
4- إن تساءل أحد: لماذا لم تستنكر التوراة خطأ لوط بالتهاون في حماية ابنتيه؟ ولماذا لم تستنكر زنا ابنتي لوط مع أبيهما؟ ولماذا لم تستنكر زنا راوبين مع بلهة سرية أبيه؟ فالإجابة سهلة، فذلك لأن هذه أخطاء واضحة محكوم عليها من الجميع، فلا تحتاج لحكم التوراة، وهل يحتاج إنسان عاقل صحيح الحواس لإنسان آخر ليقول له أن هذه شمس وتلك ظلمة..؟! من المفروض يا جوناثان أن التوراة تخاطب أناس عقلاء.
5- يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ” لذلك فاسمعوا هذا الجد الكبير (يقول): “يا إخوتي ” هكذا قال لهؤلاء القوم الفاسقين، لعله يمس قلوبهم وينبه مشاعرهم لكي يحوَّلهم عن اعتداء ساخط ” أرجوكم يا إخوتي أن لا تفعلوا شرًا”.. فإذا كان لا بُد من غذاء لإشباع هياجكم، فها أنا أُقدم لكم الوسيلة الأقل إجرامًا هوذا ابنتاي البكرتان اللتان لم يعرفهما رجل بعد!.. ما أعجب فضيلة هذا البار! وما أعظم الحماس الذي دافع به عن الحقوق المقدَّسة لإضافة الغرباء”(5).
6- يقول بولس الفغالي ” طلب أهل سدوم إلى لوط أن يقدم إليهم ضيفيه. رفض لأن الضيف لا يُمس، وعلى المُضيف أن يدافع عنه مهما كلفه ذلك الدفاع. سيضحي لوط بشرف ابنتيه، لا لأن شرف المرأة لم يكن بذي بال (سي 7: 26) بل لأن واجب الضيافة أسمى الواجبات. يشدَّد الكاتب على واجب الضيافة ليقابل فضيلة لوط بفساد أهل سدوم. أما قضية ابنتي لوط فلا نحكم عليها انطلاقًا من تعليم الإنجيل ومبادئ الأخلاق كما نعرفها اليوم، بل بحسب عادات ذلك الزمان”(6).
_____
(1) ليوتاكسل – هل التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير؟ ص 96، 97.
(2) ترجمة نذير جزماتي – حكايات محرمة في التوراة ص 46.
(3) ترجمة نذير جزماتي – حكايات محرمة في التوراة ص 48، 49.
(4) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 59.
(5) تفسير سفر التكوين – دير القديس أنبا مقار ص 257، 258.
(6) المجموعة الكتابية – تفسير سفر التكوين ص 256.