458- كيف يقول الله لإبراهيم “وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا” (تك 17: 8) ويُكرّر الله الوعد لإسحق “لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد وافي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك” (تك 26: 3) وكذلك ليعقوب “الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك” (تك 28: 13) ويتمسك موسى النبي بنفس الوعد “أذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذي حلفت لهم بنفسك وقلت لهم أكثر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد” (خر 32: 13) مع أن إبراهيم عاش غريبًا في أرض كنعان ولم يمتلك منها إلاَّ مقبرة له ولعائلته اشتراها من بني حث، وقال استفانوس “ولم يعطهِ فيها ميراثًا ولا وطأة قدمٍ ولكن وعد أن يعطيها ملكًا له ولنسله من بعده ولم يكن له بعد ولد” (أع 7: 5)؟
وبما أن وعد الله حق، إذًا لا بد أن كتبة التوراة هم الذين فصَّلوا النبوءات التي تحقق غرضهم(1).
ج:
1- قال الله لإبراهيم ” أما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام وتُدفن بشيبة صالحة. وفي الجيل الرابع يرجعون إلى هنا ليرثوا الأرض” (تك 15: 15) أي أن الأرض صارت لإبراهيم بالوعد وحصل عليها نسله بالإرث، أي صارت الأرض لإبراهيم بالاسم وتسلمها نسله بالوضع، ولو لم تعطَ الأرض لإبراهيم بالوعد لما حصل عليها نسله بالإرث، فالله لم يعطِ الأرض لإبراهيم شخصيًا، بل أعطاها له باعتباره مؤسس الأمة الإسرائيلية ونائبها. وقد جاء في القرآن ” يا أيها النبي إتقِ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين” (الأحزاب 1) وقال المفسرون أن الخطاب للنبي والمراد والمقصود أمته.
2- قال الكتاب عن أرض الموعد ” كل أرض كنعان ملكًا أبديًا” (تك 17: 8) فما معنى المُلك الأبدي؟
على وجه العموم صفة ” الأبدي ” في الكتاب المقدَّس لها معنيان:
أ – الزمن اللانهائي: وهذا ينطبق على الأمور الخاصة بالحياة الأبدية.
ب- زمن محدود ولكنه طويل نسبيًا: فمثلًا قال الكتاب عن العبد الذي يفضل الالتصاق بسيده عن نواله الحرية ” فيخدمه إلى الأبد” (خر 21: 6) وواضح أن ” إلى الأبد ” هنا تشير لحياة العبد على الأرض، وقالت حنة عن ابنها صموئيل ” متى فُطِم الصبي آتي به ليتراءى أمام الرب ويقيم هناك إلى الأبد” (1صم 1: 22) وواضح أن المقصود بـ”إلى الأبد” هنا أي طول مدة حياة صموئيل على الأرض.
3- صار إبراهيم غنيًا جدًا، له عبيد وإماء، كما امتلك منطقة كبيرة في حبرون، حتى دُعيت تلك المدينة باسمه حتى عصرنا الحاضر. ثم نرى تحقق وعد الله لإبراهيم في سفر يشوع بن نون، واكتمال الوعد في أسفار صموئيل والملوك.
4- لماذا لم يستمر هذا الوعد للآن؟
لأن الوعد مشروط بالتزام الشعب الإسرائيلي بطاعته لله وحفظ وصاياه، ولهذا حذر الله شعبه حتى لا يسلكوا في الشر كما سلكت الأمم الذين كانوا قبلهم فلفظتهم الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فليس لدى الله محاباة، وهو القدوس الطاهر الذي لا يقبل الشر بتاتًا مهما كان مرتكب هذا الشر، حتى ولو كان ملاكًا، أو الإنسان الأول على وجه الأرض. وما أكثر التحذيرات الإلهية لأبناء إبراهيم:
” بكل هذا لا تتنجَّسوا لأنه بكل هذه قد تنجَّس الشعوب الذي أنا طاردهم من أمامكم. فتنجَّست الأرض. فاجتزئ ذنبها منها فتقذف الأرض سكانها.. فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفتُ الشعوب التي قبلكم” (لا 18: 24 – 28).
” فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي، وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آتٍ بكم إليها لتسكنوا فيها” (لا 20: 22).
ولذلك لما أخلوا بواجباتهم وطاعتهم وتمردوا على الله تركهم لأعدائهم، فسلبوا أرضهم وأذلوهم، بل أجلوهم عن هذه الأرض من خلال سبي مملكة إسرائيل على يد ملك آشور سنة 722 ق.م.، وسبي مملكة يهوذا على يد ملك بابل على ثلاث دفعات سنة 605، 597، 586 قبل الميلاد.
وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل(2).
وقد صرح القرآن باختيار بني إسرائيل وتفضيلهم على العالمين، ثم صرح بأن المذلة والمسكنة ضُربت عليهم.. فلماذا تغير حكم الله إلاَّ لفسادهم وشرهم؟
5- كانت أرض كنعان مجرد رمز لأورشليم السمائية، ولهذا اشتاق إبراهيم لسكنى تلك المدينة الخالدة ” بالإيمان تغرَّب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكنًا في خيامٍ مع إسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الوعد عينه. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله” (عب 11: 9، 10) وهكذا كل أبناء إبراهيم الذين لهم إيمان إبراهيم فإن عيونهم ترنو نحو أورشليم حيث السماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ 21: 1).
_____
(1) البهريز جـ 1 س116، س285، س289، س313.
(2) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 2 إجابة السؤال 109.