كيف يتخلى إبراهيم عن زوجته سارة مرتين؟ الأولى لفرعون مصر (تك 12: 15) والثانية لأبيمالك ملك جرار (تك 20: 2)؟
كيف يتخلى إبراهيم عن زوجته سارة مرتين؟ الأولى لفرعون مصر (تك 12: 15) والثانية لأبيمالك ملك جرار (تك 20: 2)؟
كيف يتخلى إبراهيم عن زوجته سارة مرتين؟ الأولى لفرعون مصر (تك 12: 15) والثانية لأبيمالك ملك جرار (تك 20: 2)؟
447- كيف يتخلى إبراهيم عن زوجته سارة مرتين، الأولى لفرعون مصر (تك 12: 15) والثانية لأبيمالك ملك جرار (تك 20: 2)؟ وما أكثر النُقاد الذين تعرضوا لإبراهيم أب الآباء بالنقد الجارح، وبعضهم اتهم الكتاب المقدَّس بتلفيق هذه القصة، لأن الأنبياء معصومين من الخطأ.
ج:
1- سبق مناقشة خطايا الأنبياء بشئ من التفصيل، مؤكدين على أن العصمة لله وحده ” لأنه أي إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ” (جا 7: 20) وأن كلا من اليهودية والمسيحية لا تعترف بأن الأنبياء معصومين من الخطأ إلاَّ في حالة تسجيلهم للأسفار المقدَّسة فقط. أما الأنبياء فهم من نفس الطبيعة البشرية لهم ضعفاتهم وسقطاتهم، ولكنهم أحبوا الله من كل قلوبهم، وتابوا توبة قوية عن كل خطأ ارتكبوه، وقطعوا شوطًا طويلًا في طريق الفضيلة وأطاعوا الوحي في تسجيل الأحداث كما وقعت بحلوها ومرها، دون أدنى مجاملة لأحد، فيرجى الرجوع إلى إجابة السؤال رقم (434).
2- لماذا كل هذه الأسئلة وكل هذه الضجة؟! ألسنا جميعًا نوقن أن إبراهيم إنسانًا وليس إلهًا، وأن أي إنسان معرض للخطأ..
وتقول الدكتورة نبيلة توما ” لم يقدم لنا الكتاب المقدَّس رجال الله وأنبيائه كأناس معصومين من الخطأ، لأن جميع البشر معرضين للخطأ، والله جابلنا يعرف ضعفاتنا.. نعم خاف أبونا إبراهيم من المجاعة، وتشكَّك في قدرة الله على أن يعوله ويرعاه، فلجأ للذراع البشرية لإعانته، وخاف من الموت فأنكر أن سارة زوجته، وهكذا خطية تقود إلى أخرى، وبهذا الأسلوب صار عثرة لفرعون وأبيمالك، وعرَّضهما للغضب الإلهي، واستحق إبراهيم توبيخ فرعون وأبيمالك على تصرفه. أما الله فقد تدخل وحافظ على سارة لأنه منقذ المسكين، ولكيما يحافظ على من ستحقق الوعد وتلد إسحق ابن الموعد“(1).
3- نسب القرآن لإبراهيم الكذب والشك وعبادة الأصنام، فإبراهيم ” لما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي فلما أطل قال لئن يهديني ربي لأكونن من القوم الضالين” (سورة الأنعام 77). و” لما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر..” (الأنعام 78).. ألم يكن هذا شركًا ولو لساعات؟! وصرح القرآن أن الله لا يغفر الشرك ” إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا” (النساء 48) كما جاء في القرآن أن إبراهيم شك في قدرة الله..
” قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي” (سورة البقرة 260) أي أنه شك في قدرة الله، والشك في قدرة الله يعد كفرًا، وكذب إبراهيم حيث تظاهر بالمرض وهو غير مريض ” فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ” وقال ابن العباس ” كان قومه يتعاطون علم النجوم.. وكان لهم في الغد عيد ومجمع، فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم، وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا في عيدهم أكلوه، فقالوا لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا، فنظر إلى النجوم، فقال إني سقيم أي مطعون، وكانوا يفرون من المطعون فرارًا عظيمًا“(2).
وجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة ” قال رسول الله صلعم لم يكذب إبراهيم إلاَّ ثلاث كذبات اثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله إني سقيم وقوله بل فعلها كبيرهم هذا. وقال بينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له أنه ههنا رجلًا مع امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه فقال أختي، فأتى سارة، قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيرك وغيري، وأن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني“(3).
وقد طرح النُقَّاد الكثير والكثير من التساؤلات، وألقوا بالكثير من الاتهامات تارة على إبراهيم وأخرى على سفر التكوين(4) وفيما يلي نذكر بعض هذه التساؤلات المهذبة البعيدة عن السفاهة وكلام القباحة، مع تعليق على كل تساؤل:
س أ: هل من ظهر الله له وباركه يلجأ للكذب، ويخشى الناس، ولا يلجأ لحماية الله؟ وهل شك إبراهيم في دعوة الله الذي وعده بالذرية، ورغم أنه لم يكن قد أنجب بعد فإنه خشى القتل؟
س ب: هل كان المصريون يقتلون الرجال الغرباء لسرقة زوجاتهم الجميلات؟ وهل كل امرأة جميلة تدخل إلى مصر يتزوجها فرعون؟
س ج: هل اشتهى فرعون سارة ولها من العمر 65 عامًا، واشتهاها أبيمالك ولها من العمر تسعون عامًا؟س د: هل خشى إبراهيم الموت، وهو لا يهتم أن تكون زوجته في أحضان رجل آخر؟ وكيف غار على لوط، حتى خاطر بحياته لكيما ينقذه، بينما لم يغر على امرأته؟
س هـ: هل يُعقل أن تستسلم زوجة أبي الأنبياء لرجل غريب، وترضى بما هي مقبلة عليه؟ وهل عندما باتت سارة في بيت أبيمالك لم يمسسها؟
س و: كيف ظهر الله فلم حلم لملك وثني؟ وهل صدق أبيمالك إلهًا لا يؤمن به؟
س ز: هل باع إبراهيم شرفه، طمعًا في المواشي والأغنام ” قولي أنك أختي لكي يكون لي خير بسببك” (تك 12: 13) وهل إبراهيم الذي رفض أن يغتني من الأسلاب التي ردها لملك سدوم (تك 14: 23) وافق أن يغتني عن طريق التخلي عن زوجته تارة لفرعون وأخرى لأبيمالك؟
س ح: إن كان الله عصم أبيمالك من أن يخطئ إلى سارة؟ فلماذا ضربه بالعقم هو وامرأته وجواريه؟ وكيف عرفت نساء القصر أنهنَّ صرنَّ عاقرات رغم أن سارة لم تقضي في القصر إلاَّ فترة قليلة؟
س ط: ما هو الهدف التربوي من ذكر هذه الرواية لتربي جيلًا وتنشأه على الفضيلة؟ وأليست هذه القصة توضح مدى تحريف اليهود لكتابهم؟
س أ: هل من ظهر الله له وباركه يلجأ للكذب، ويخشى الناس، ولا يلجأ لحماية الله؟ وهل شك إبراهيم في دعوة الله الذي وعده بالذرية، ورغم أنه لم يكن قد أنجب بعد فإنه خشى القتل؟
ج: عندما قال إبراهيم عن سارة أنها أخته، لم يكذب في هذا، لأن سارة فعلًا أخته من أبيه كما قال لأبيمالك ” وبالحقيقة أيضًا هي أختي ابنة أبي. غير أنها ليست ابنة أمي. فصارت لي زوجة” (تك 20: 11) فهنا أبينا إبراهيم عندما قال عن سارة أنها أخته لم يكذب، ولكنه ذكر نصف الحقيقة، وأخفى النصف الآخر، وهو أن سارة هي زوجته أيضًا مما يمنع اقترانها برجل آخر. وسبق أن قلنا أن هذه كبوة لرجل الإيمان، فهو إنسان غير معصوم من الخطأ.
ويلقي الخوري بولس الفغالي بعض الضوء على الحياة الاجتماعية في وقت إبراهيم، فيقول أنه كانت ” الأفكار الاجتماعية بدائية أيضًا. شرف المرأة أقل قيمة من حياة الرجل الذي يتصرَّف بامرأته كما يشاء ويدفعها إلى عمل الزنى. في (تك 19: 8) سنرى كيف قدم لوط إبنتيه إلى رجال سدوم حتى ينجو ضيفاه، وفي (قض 19: 25) نقرأ قصة ذاك اللاوي الذي قدم جاريته للزنا”(5).
كما يلقي الخوري بولس الفغالي الضوء أيضًا على عمل الله في هذه الحادثة فيقول ” إن الخطر المحدق بسارة يجعل كل ما وعد الله به إبراهيم وكأنه لم يكن. كيف يكون لإبراهيم ابن من سارة بعد أن صارت امرأة لفرعون ولكن الله لا يترك مخططه يفشل رغم كل التصرفات البشرية الضعيفة. وهكذا نفهم أن الأساس في هذا الخبر هو عمل الله الذي يسترعي انتباهنا أكثر من قضية أخلاقية هي خطيئة إبراهيم. يوم ترك إبراهيم كنعان إلى مصر دلَّ على قلة إيمانه..
لا يتوقف الكاتب على حالة سارة، وهي مؤثرة، ولا يلوم إبراهيم على تصرفه، وهو تصرف لا يليق برجل الله، بل يهتم فقط بتدخل الله. أما كيف تدخل الله؟ فهذا ما لا نفهمه، والكاتب المُلهم يكف عن الكلام عندما يصل إلى حدود سر الله الذي لا يفهمه هو أيضًا”(6).
س ب: هل كان المصريون يقتلون الرجال الغرباء لسرقة زوجاتهم الجميلات؟ وهل كل امرأة جميلة تدخل إلى مصر يتزوجها فرعون؟
ج: 1- لقد انتشر في البلاد الوثنية عادة أخذ النساء الجميلات للملك، وقتل أزواجهنَّ، وهذا ما عبر عنه أبينا إبراهيم عندما قال لأبيمالك “إني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة فيقتلوني لأجل امرأتي” (تك 20: 11)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
ويقول الأسقف إيسيذورس كان متفشيًا أيضًا في مصر هذه العادة ” وهذا أيضًا دلت عليه بعض الآثار المصرية، فإن الكتابة التي كشفها دي أوريبيبي المحفوظة في معرض التحف بلندن قيل فيها تحت عنوان قصة الأخوين {إن ملكًا مصريًا أرسل عسكره ليمسكوا امرأة جميلة ويهلكوا بعلها} وذكرت كتب مصرية أخرى محفوظة في برلين {إن غريبًا ضبطت امرأته وأولاده بحسب جاري العادة وأُدخلوا إلى فرعون من الدولة الحادية عشرة} فإن لم تكن الحادثة الأخيرة في زمن إبراهيم وكانت قبله، فإنها تدل على عوائد الملوك المصريين وتحقق رواية الكتاب عن خطف سارة واستبقاء حياة زوجها بدعوى أنها أخته“(7).
2- يقول أبونا تيموثاوس السرياني ” من كلمات أبونا إبراهيم نلاحظ عدة أمور:
أولًا: كانت أكثر شعوب الشرق حينذاك تدين بالوثنية، وليس فيها خوف الله.
ثانيا: انتشرت عادة خطف النساء بين الشعوب القديمة، دون مبالاة بذويهم.
ثالثا: ارتبطت جريمة خطف النساء بجريمة أخرى أبشع منها، ألاَّ وهي قتل أزواجهم.
فأمام هذه المجتمعات البدائية، رأى إبراهيم أن يلتزم الحكمة، وعدم المغامرة والتهور، فقد كان معرضًا لشرين، هما قتله واختطاف امرأته، ولكي ينجو من أحد الشرين وهو التعرض للقتل قال عن سارة أنها أخته، فاختار أحد الشرين عن اضطرار متوجهًا إلى عناية الله لحفظ طهارة سارة..
فموقف أبونا إبراهيم أمام فرعون مصر موقف الضعيف المقهور الذي لا يستطيع أن يفتح فمه، فامرأته ستُؤخذ مهما فعل، ولاسيما بسبب جمالها الفائق، ستؤخذ منه برضاه أو بغير رضاه، فماذا في يده أن يفعله سوى الصراخ للإله الذي أخرجه من أرض آبائه، فهو القادر أن ينجيه من هذه الورطة.. إن أبونا إبراهيم أخطأ خطية عارضة وسط حياة فسيحة مليئة بالبر والأعمال الصالحة “(8).
س ج: هل اشتهى فرعون سارة ولها من العمر 65 عامًا، واشتهاها أبيمالك ولها من العمر تسعون عامًا؟
ج: في زمن إبراهيم كانت الأعمار ممتدة، فعاش تارح 205 سنة، وعاش إبراهيم 175 سنة، إذًا سن سارة من 65-90 كان يقابل منتصف العمر، مثل سن 35-40 اليوم وقد وجد في مخطوطات قمران كتابة أرامية تعليقًا على سفر التكوين، وفيها وصف شعري لجمال سارة(9).
وجاء في دائرة المعارف ” ولسارة مكانة عظيمة عند اليهود إذ يعتبرونها مثالًا للأمومة وللتقوى، كما كانت تشتهر بجمالها الفائق الذي تتغنى به – بصورة أسطورية – كتابات يهودية ترجع إلى ما بين العهدين. كما جاء في وصف شعري لها في مخطوطة أرامية من مخطوطات البحر الميت، فكانت في سن الخامسة والستين تحتفظ بجمالها الباهر (تك 12: 14)”(10).
ويقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” كانت سارة امرأة حسنة المنظر كما في (تك 12: 11) وكانت حسنة جدًا (تك 12: 14) ورؤساء فرعون مدحوها لدى فرعون (تك 12: 15) فالله الذي أعطاها نسلًا ضد الطبيعة، وأعطاها قوة للولادة، وأن ترضع ابنها وهي في هذه السن، ألاَّ يقدر أن يعطيها حيوية وجمالًا وهو القائل يجدد مثل النسر شبابك“(11).
وتقول الدكتور نبيلة توما ” كانت سارة متقدمة في السن ولكنها كانت جميلة جدًا، وكبر السن هنا نسبي لأن متوسط عمر الإنسان أيام إبراهيم كان أكبر من متوسط العمر في أيامنا هذه، حيث التلوث البيئي قد ازداد جدًا، فكان الآباء في زمن إبراهيم يعيشون في صحة أفضل ونضارة أحسن، فكانت سارة كامرأة نضرة وجميلة كمثل امرأة رائعة الجمال في الأربعين من عمرها اليوم، حتى طمع فيها الملوك غير مكتفين بما لديهم من زوجات، وليس كل امرأة جميلة كان يتخذها فرعون زوجة له، إنما كان هذا من اختصاص الحاشية التي حوله“(12).
ويقول الدكتور ملاك شوقي اسكاروس ” إن سارة كانت على درجة عالية من الجمال، فتكاد تكون أجمل امرأة شهدها العالم بعد حواء، فحتى بعد رحلة شاقة إلى مصر مرورًا بالصحراء المتربة والشمس المحرقة، فإن جمالها لم ينقص، بل ربما ازداد (تك 12: 11، 14)..
وأيضًا كان لدى المرأة الغنية مثل سارة في ذاك الوقت العديد من أدوات الزينة التي تبرز محاسنها مثل الضفائر، والأهلة، والعمائم، وخزائم الأنف، والأساور، والخواتم، والسلاسل، والمناطق والثياب المزخرفة، فظهر جمال سارة الأخاذ، فكان مثار دهشة وإعجاب الملوك“(13).
س د: هل خشى إبراهيم الموت، وهو لا يهتم أن تكون زوجته في أحضان رجل آخر؟ وكيف غار على لوط، حتى خاطر بحياته لكيما ينقذه، بينما لم يغر على امرأته؟
ج: رأى إبراهيم أن زوجته سوف تؤخذ منه، فكان أمامه طريقان، أولهما: أن يفصح عن زواجه بسارة، وهذا يعني قتله وأخذ سارة منه، وثانيهما: أن لا يفصح عن زواجه من سارة فتحيا نفسه وتؤخذ سارة منه، وإذ ضعف إيمانه بالله القادر أن يحفظه ويحفظ زوجته، فضل الطريق الثاني عن الأول، وبلا شك أن سارة عندما أُخذت منه صار يصرخ للقادر أن يحفظها ويردها له.. ومع هذا فإن أبينا إبراهيم لم تنقصه الشجاعة في معظم حياته، فقد حارب أربعة ملوك وهزمهم، وهو معه 318 عبدًا لا غير، ورفع السكين ليذبح ابنه طاعة لله.
ويقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” إن الكتاب المقدَّس يحكي لنا هذه القصة ليوضح لنا أنه رغم الضعف البشري الذي سقط فيه إبراهيم، إلاَّ أن الله قبله، ورأى فيه أب جميع المؤمنين، فمن يتجرأ ويتفوه عليه..؟! وواضح تمامًا أن إبراهيم لم يقصد على الإطلاق أن يدفع زوجته لرجل آخر حتى يغتني من وراء هذا، ولكنه أراد أن يجعل الكارثتين كارثة واحدة، لكن على كل حال، فهي سقطة جبار في ضعف بشري، وسجل لنا الوحي الإلهي أخطاء الآباء الكبار حتى نعلم أنهم بشر تحت الآلام مثلنا، أما الكمال فلله وحده..
ومن جهة شجاعة إبراهيم نقول أن لكل شجاع كبوة، لأنه بشر مثل سائر البشر، وما توقعه إبراهيم أن يحدث قد حدث بالفعل، وليس لدى المعترض خبرة بأحوال تلك الأزمنة أكثر من الذين عاشوها واعتركوها، فربما يجهل المعترض الحوادث التي كانت تحدث بهدف سبي النساء، بل كان هذا الأمر أحيانًا هدفًا للحروب ومكافأة لها أيضًا، وكان الجواري من الهدايا الثمينة التي تُقدم للملوك والقادة، والتاريخ مملوء بأمثلة عديدة لا تُخفى على أي باحث أو قارئ، عندما يختفي خوف الله من القلوب“(14).
س هـ: هل يُعقل أن تستسلم زوجة أبي الأنبياء لرجل غريب، وترضى بما هي مقبلة عليه؟ وهل عندما باتت سارة في بيت أبيمالك لم يمسسها ؟
ج: يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” فما حدث من أبونا إبراهيم هو ضعف إيمان.. أما سارة فكانت طائعة لزوجها من أجل محبتها له، لم ترد أن يحدث له شرًا بسببها، وأعتقد أنه كان لديها الإيمان بأن الرب سوف يخلصها من كل شر، كما كان عند إبراهيم بأن الرب سوف يخلص إسحق من الموت“(15).
ولم يمس لا فرعون ولا أبيمالك سارة، لأن الرب حفظها ومن أجلها ” ضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة ابرآم. فدعا فرعون ابرام وقال ما هذا الذي صنعت بي. لماذا لم تخبرني أنها امرأتك.. والآن هوذا امرأتك خذها واذهب” (تك 12: 17 – 19) ولم يذكر الكتاب أن فرعون مس سارة.
كما قال الرب لأبيمالك ” وأنا أيضًا أمسكتك عن أن تخطئ إليَّ. لذلك لم أدعك تمسها” (تك 20: 6).. ولتنظر يا صديقي إلى معاملات الله ومعاملات البشر تجاه إبراهيم، فقد تراءف الله على إبراهيم في محنته وأنقذ زوجته مرتين. أما النُقَّاد فما زالوا يرجمون إبراهيم بالأحجار، متغافلين قول السيد المسيح ” من كان منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر” (يو 8: 7).
ويقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” كانت سارة جميلة جدًا (تك 12: 11، 14) حتى أن المصريين رغبوا في تقديمها لفرعون، وكذلك اشتهاها أبيمالك، فهي لم تسلم نفسها أبدًا، أما الإدعاء بأن إبراهيم لم يغر على امرأته أو باع شرفه من أجل المواشي فهذا كلام الجهال، لأن إبراهيم كان غنيًا جدًا، بدليل أنه كان عنده كثير من الغلمان، فقد قاد 318 رجلًا منهم ليخرج لحرب كدر لعومر، وترك عددًا كبيرًا لحراسة أملاكه“(16).
س و: كيف ظهر الله فلم حلم لملك وثني؟ وهل صدق أبيمالك إلهًا لا يؤمن به؟
ج: وهل يعجز الله عن التعامل مع خليقته..؟! وهل يعجز أن يكلم كل إنسان بلغته..؟! أليس الكل خليقته وعمل يديه..؟! أليس قلب الملك في يد الله ” قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله” (أم 21: 1)..؟! ألم يتعامل الله مع فرعون ونبوخذ نصر عن طريق الأحلام (تك 41: 1 – 8، دا 2: 1) وكلاهما ملك وثني..؟! ألم يتعامل الله مع كورش ملك فارس الوثني ” نبَّه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته وبالكتابة أيضًا قائلًا هكذا قال كورش ملك فارس. جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم..” (2 أخ 36: 22، 23، عز 1: 1، 2).
ويقول الخوري بولس الفغالي ” في هذا الشهد نرى الله يتدخل في حياة الناس حفاظًا على الأخلاق العامة، رغم ضعف إبراهيم وتخاذله تجاه امرأته، ورغم تعلق ملك جرار بسارة، لم يسمح الرب أن تُمس من ستلد ابن العهد. لم يقل إبراهيم كل الحقيقة، ومع ذلك لم يخطئ ملك جرار بحق سارة ولم يعامل إبراهيم بقسوة، بل سمح لإبراهيم أن يقيم بأرضه. الله يحافظ على الذين اختارهم مهما كان تصرفهم لأنهم يحملون رسالة..
أبيمالك لم يكن مؤمنًا بيهوه، إلاَّ أن مخافة يهوه في قلبه. وكذا نقول عن رجاله الذين خافوا عندما أخبرهم بما حدث له. أما إبراهيم الذي نسى مخافة الله أمام هذا الوثني فهو سيعود إليها يوم يطلب منه الرب أن يضحي بابنه. قال له الرب آنذاك {عرفت أنك تخاف الله فلم تمنع عني ابنك وحيدك} (تك 22: 12)”(17).
س ز: هل باع إبراهيم شرفه، طمعًا في المواشي والأغنام ” قولي أنك أختي لكي يكون لي خير بسببك” (تك 12: 13) وهل إبراهيم الذي رفض أن يغتني من الأسلاب التي ردها لملك سدوم (تك 14: 23) وافق أن يغتني عن طريق التخلي عن زوجته تارة لفرعون وأخرى لأبيمالك؟
ج: لم يطمع إبراهيم في أملاك العالم الزائل، ولم يبع شرفه طمعًا في المواشي والأغنام، والآية التي أوردها الناقد لم يوردها كاملة لحاجة في نفس يعقوب، فالآية تقول أن إبراهيم قال لسارة -قولي أنك أختي- كي يكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك (تك 12: 13) فكل ما كان يرنو إليه إبراهيم هو أن ينجو بنفسه من الموت، فالخير الذي قصده إبراهيم هو أن يحيا ولا يقتلونه بسبب زوجته، والدليل على ذلك أن إبراهيم رفض أن يغتني من الأسلاب التي ردها لملك سدوم قائلًا ” لا آخذنَ لا خيطًا ولا شراك نقل ولا من كل ما هو لك. فلا تقول إني أغنيت ابرام” (تك 14: 23).
س ح: إن كان الله عصم أبيمالك من أن يخطئ إلى سارة؟ فلماذا ضربه بالعقم هو وامرأته وجواريه؟ وكيف عرفت نساء القصر أنهنَّ صرنَّ عاقرات رغم أن سارة لم تقضي في القصر إلاَّ فترة قليلة؟
ج: لقد ضرب الرب أبيمالك وامرأته وجواريه بالعقم لأنه شرع في ارتكاب حماقة وإن لم يكن يدري، فالجهل لا يعفي الإنسان من العقوبة، ومع هذا فلأن أبيمالك كانت نيته حسنة، ولم يكن يعرف أن سارة متزوجة بإبراهيم، لذلك عفى الله عنه “فصلى إبراهيم إلى الله. فشفى الله أبيمالك وامرأته وجواريه فولدنَ” (تك 20: 17).. لقد عادت الحيوية لنساء القصر اللواتي سبق الله وأغلق أرحامهن. ومع أن سارة أمضيت فترة ليست طويلة بالقصر، إلاَّ أن نساء القصر علمن أنهن صرنَّ عاقرات، عندما انقطعت عنهن عادة النساء الشهرية.. فعلام الاعتراض؟!
س ط: ما هو الهدف التربوي من ذكر هذه الرواية لتربي جيلًا وتنشأة على الفضيلة؟ وأليست هذه القصة توضح مدى تحريف اليهود لكتابهم؟
ج: لقد ذكر الوحي الإلهي هذه القصة بهدف هام، وهو أن نتخذ العبرة مما حدث، وأن ننتبه، ليس هناك إنسان ولا نبي كبير على الخطية ” لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء” (أم 7: 26) فعندما ذكر الكتاب هذه القصة لم يمتدح إطلاقًا إبراهيم على ما فعله، ولم يشجع لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة هذا السلوك، وفي هذه القصة نرى مدى محبة الله للإنسان، وكيف سند إبراهيم في ضعفاته، وأعاد له زوجته العفيفة سارة.
وهذه القصة لا يمكن أن تعد دليلًا على تحريف اليهود للتوراة، لأنه لو فكر اليهود الذين يفتخرون بأنهم أبناء إبراهيم في تحريف التوراة.. تُرى أيهما أقرب للعقل أن تحدث هذه الحادثة المؤسفة المشينة مرتين فيأتي أبناء إبراهيم ويحذفونها، أم أنهما لم يحدثا على الإطلاق ويأتي أبناء إبراهيم ويخترعونهما ليشينوا بهما سيرة أبيهم..؟!! لا أدري كيف يفكر هؤلاء النُقَّاد.
ويقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ” هل ذِكْر الكتاب لأخطاء الأنبياء يعد تحريفًا من قِبل اليهود لكتابهم المقدَّس؟ لو كان اليهود هم الذين كتبوا كتابهم المقدَّس لما ذكروا لأنبيائهم أخطاءهم، لأنه ليس معقولًا أن شعبًا كاليهود يشاءون أن يسجلوا على أنفسهم في كتاب يقرأه جميع الناس، وفي كل زمان، أمورًا لا تشرفهم، وأخطاء أخلاقية يتخذها أعداؤهم أسلحة يشهرونها ضدهم..
إن ذكر أخطاء الأنبياء دليل -على العكس- على أن من أوحى بالكتاب المقدَّس أراد أن يبين للناس أن الأنبياء بشر عاديون مثلهم، ولهم أخطاؤهم الشخصية وضعفاتهم، شأنهم في ذلك شأن جميع الناس، فهم ليسوا معصومين من الخطأ، لأن العصمة هي لله وحده. وأما عصمة الأنبياء فليست في كمال سيرتهم من جميع الوجوه، لأن الكمال لله وحده، لكن الله هو الذي عصمهم فيما كتبوا، فلم يكذبوا، ولا ذكروا في نبوءاتهم غير الواقع. وقد علَّموا الناس ما ألهمهم الله به من غير زيادة أو نقصان..
والفرق بين النبي وغير النبي هو أن النبي من أفاضل الناس، لكن الفضل هنا هو فضل نسبي وليس مطلقًا، لأن المطلق من صفات الله وحده. فإن كان نوح قد سكر وتعرى، فالسكر ليس من صفات النبوة، ولا من متطلباتها، لكنه فعل ناقص من إنسان خبرته قليلة بما يؤدي إليه شرب الخمر من نتائج، ومع ذلك لم يذكر الكتاب المقدَّس أن نوحًا قد وقع في هذا الخطأ مرة أخرى، ولعله قد أفاد في هذا الموقف درسًا.. والكتاب المقدَّس لا يُعلّم بعصمة الأنبياء في تصرفاتهم وأعمالهم، وإنما يعلمنا أن عصمة الأنبياء هي فقط فيما يكتبون بإلهام الله وتنزيل منه تعالى“(18).
_____
(1) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(2) راجع الهداية جـ 1 ص 20.
(3) صحيح البخاري جـ 2 ص 155.
(4) البهريز جـ 1 س20، س256، س257، س274، س478، عاطف عبد الغني – أساطير التوراة ص 52، 53، وليوتاكسل – التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 80، 81، 107، 108، ومحمد قاسم محمد – التناقض في تواريخ وأحداث التوراة من آدم حتى سبيل بابل ص 38.
(5) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 205.
(6) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 206، 207.
(7) المطالب النظرية في المواضيع الإلهية ص 500.
(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(9) راجع زينون كوسيدوفكسي – ترجمة د. محمد مخلوف – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 60.
(10) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 301.
(11) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(12) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(13) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(14) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(15) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(16) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(17) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 264.
(18) مقالات في الكتاب المقدَّس ص 100، 101.