Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

التعاليم عن الثالوث في القرون الأولى المسيحية – دكتور ميشيل بديع

عقيدة الثالوث القدوس – دكتور نصحى عبدالشهيد

الثالوث عند القديس أثناسيوس – دكتور: وهيب قزمان

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

الثالوث عند القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس – دكتور موريس تاوضروس

الثالوث القدوس في حياتنا – دياكون مجدي وهبه

مقدمة:

عقيدة الثالوث الأقدس بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية هي الأساس الراسخ لكل فكر ديني وتقوى ولكل الحياة والخبرة الروحية. فالنفس المسيحية في بحثها عن الله هي في الواقع تبحث وتفتش عن الثالوث **.

ولقد أدرك آباء الكنيسة تلك الحقيقة وعاشوها لهذا نجد أن القديس غريغوريوس يصف عقيدة الثالوث بأنها ” رأس الإيمان “.. فكل أرثوذكسي يعرف أن الإله الذي يؤمن به هو ” إله واحد مثلث الأقانيم ” ويبدأ كل صلواته باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. وفى تلك العقيدة موجز للإيمان المسيحي الذي به يتميز المسيحيون عن غيرهم من المؤمنين بالله.

لقد استعلن لنا الثالوث الأقدس عبر تدبير الخلاص الذي بلغ كماله في شخص يسوع، فعقيدة الثالوث ليست حصيلة تفكير بشرى أو فلسفة نظرية عن الله، ولا نتيجة تطور ديني بدأ في ديانات الشرق القديم، بل هي إعلان الله عن نفسه، الله الذي ظهر لنا ظهورًا خلاصيًا في شخص يسوع المسيح. فالسيد المسيح قد أتى إلينا باسم الله حاملاً إلينا خلاص الله وبعد قيامته وصعوده أرسل إلينا روح الله، هكذا اُستعلن لنا الله آبًا يرسل ابنه المخلص إلى العالم وروحه القدوس.

وعند دراستنا لموضوع الثالوث نجد أنه بينما ركّز ” اللاهوت النظري ” الذي عبر فيه مدافعو القرن الثاني على وحدانية الله، نجد أن لاهوت “الكنيسة الليتورجي ” والمعبر عنه في قوانين الإيمان في طقس المعمودية ثم بعد ذلك في طقس الإفخارستيا وفى كل ما تمارسه الكنيسة في ليتورجياتها، يشهد شهادة قوية عن عقيدة الثالوث بما يتمشى مع روح الإعلان الإلهي (1) وذلك لأن الكنيسة تؤمن إيمانًا راسخًا بعدم إمكانية فصل “قانون الإيمان” عن “قانون العبادة” فهما ينصهران معًا في بوتقة واحدة بشكل تأتى فيه “عقيدتنا مطابقة للإفخارستيا والإفخارستيا مثبتة لعقيدتنا“(2).

وهكذا تأتى الإفخارستيا لتكون هي الينبوع الحي والمحيي للمعرفة التي للكنيسة عن الثالوث القدوس. وهذه المعرفة ليست معرفة مجردة تتجسد من خلال العقائد، بل هي تعرّف مستمر وثابت، هي لقاء وخبرة وبالتالي اتحاد بالحياة الأبدية (3).

فهدف الإفخارستيا هو الاعتراف بالثالوث القدوس وبجوهره الفائق الطبيعة وأن تثبّت وتشهد وتصادق على أن معرفة الله هي جوهر الحياة الأبدية (أنظريو3:17) وان المصالحة معه والشركة معه والوحدة فيه كلها معطاة لنا اليوم وإلى الأبد خلاصًا للإنسان (3).

 

+ عقيدتنا مطابقة للإفخارستيا والإفخارستيا مثبتة لعقيدتنا:

الكنيسة الأرثوذكسية تعتبر الإنسان مخلوقًا ليتورجيًا قبل كل شيء، يتحقق وجوده عندما يمجد الله ويجد كماله وارتياحه في العبادة، لهذا وضعت الكنيسة كل خبرتها الروحية في الليتورجيا التي تعبر عن إيمانها أوضح تعبير، والمسيحية ديانة ليتورجية والكنيسة قبل كل شيء جماعة مصلية والإنسان الأرثوذكسي يدخل إلى الحياة الروحية من خلال الليتورجية والعقيدة تفهم من خلال العبادة.

ومصطلح “أرثوذكسي” يعنى الإيمان القويم والعبادة الحقة في نفس الوقت لأن كلا الأمرين لا يفترقان كما سبق القول.

فليست العقائد مجرد نظام فكرى يدركه الإكليروس ويشرحه للشعب بل هي مجال فيه تُرى جميع أمور حياتنا على الأرض بالنسبة لعلاقتها بالله وذلك بنوع خاص من خلال خدم الليتورجيا.

وبناء عليه فإن الطقوس التي تمارس والنصوص التي يُصلى بها أثناء الليتورجيات سواء كانت في سر الإفخارستيا أو في باقي أسرار الكنيسة هي التعبير الواضح والقويم عن عقيدة الجماعة المسيحية، فهي تعكس إيمانها بالنسبة لله الواحد المثلث الأقانيم وعمله الدائم من أجلها ومن أجل خلاصها منذ خلق الإنسان الأول وفى كل مراحل التدبير الإلهي وإلى مجيئ الرب الثاني.

فنجد أن هذه الطقوس وتلك النصوص تضع أمامنا العقائد الآتية في إشارات وحركات وعبادات دقيقة وعميقة المعنى:

  1. الثالوث.
  2. الخلق.
  3. السقوط.
  4. التجسد.
  5. الروح القدس.
  6. طبيعة المسيح.
  7. ماهية الكنيسة.  

فعلى سبيل المثال تطرح نصوص الليتورجيات (القداسات) الثلاثة التي نستخدمها الآن (الباسيلي، الغريغوري، الكيرلسي)، أمامنا ما علّم به ثلاثة من كبار آباء ومعلمي العقيدة في الكنيسة الأولى وعلى وجه الإطلاق.

وكان طبيعيًا أن تعكس هذه النصوص إيمان الكنيسة في عصور ظهرت فيها الهرطقات والبدع التي تنكر عقيدة الثالوث في كل صورها سواء بإنكار ألوهية الابن (كالأريوسية) أو بإنكار ألوهية الروح القدس (محاربي الروح القدس) أو بتقسيم المسيح الواحد إلى أثنين (كالنسطورية)، الأمر الذي يقود تباعًا إلى هدم الأساس الخلاصي لسر العبادة الإفخارستي فكما قلنا سابقًا أن العبادة الحقة لا تفترق عن الإيمان بعقيدة قويمة.

وما كان دفاع هؤلاء الآباء بل وكل آباء الكنيسة عن العقيدة إلاّ لأن الهرطقة كانت ستضّيع الجانب الخلاصي، وهو الأهم، في كل عمل التدبير الإلهي الذي كشف لنا عقيدة الثالوث القدوس. بل تأكيدًا لهذا المفهوم أصبح قانون الإيمان (نيقية / القسطنطينية) هو جزء أساسي ومهم في كل عبادة ليتورجية (4) وبالأخص أثناء تقديمنا لسر الشكر (الإفخارستيا).

فبترديدنا قانون الإيمان هذا نؤمن ونعترف بعقيدة الثالوث التي أقرتها الكنيسة الواحدة في مجامعها المسكونية وتضمنها النص الذي عبرت فيه الكنيسة عن عمل التدبير الإلهي من أجلنا ومن أجل خلاصنا ذلك العمل الذي كشف وأعلن لنا الله الواحد المثلث الأقانيم.

كذلك كان من جراء اعتماد دستور الإيمان قانونًا يتلى في قداس الإفخارستيا أن تم التأكيد على الربط العضوي والثابت والأكيد أصلاً، الذي كان من صلب خبرة الكنيسة الأولى وحياتها بين وحدة الإيمان من جهة والكنيسة وتحقيقها ذاتها في الإفخارستيا من جهة أخرى(أنظر الإفخارستيا سر الملكوت ص209).

فقديمًا كان الشماس ينادى بعد قراءة الإنجيل وخروج الموعوظين بعد انتهاء قداس الموعوظين ” الأبواب الأبواب ” (5) يبقى المؤمنون الذين تعمدوا على اسم الثالوث ولهم الإيمان الأرثوذكسي بعقيدة الثالوث القدوس والمعبر عنه في قانون الإيمان والذين في إيمانهم الواحد هذا يجتمعون حول المسيح ” الذي جمع فيه المتفرقون إلى واحد” ليحققوا ذاتهم ككنيسة في هذه الإفخارستيا مقدمين ذبيحة شكرٍ وليثبتوا في هذا الإيمان الثالوثي إلى النفس الأخير*.

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

حقائق في عقيدة الثالوث:

+ تؤمن الكنيسة بعقيدة الثالوث لأنه حقيقة، فالحق الإلهي هو اهتمام الكنيسة الأوحد، فالمسيح جاء لا لكي يفعل شيئًا سهلاً بل ليفعل شئيًا حقيقيًا، هو جاء ليحضر لنا الحق والحياة، فالحقيقة التي جاء المسيح ليعلنها هي عن ماهية الله، والحياة التي جاء ليهبها للبشرية ما هي إلاّ حياة الثالوث فـ ” الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر ” (يو18:1) والسبب الذي لأجله طلب اليهود المسيح ليقتلوه هو أنه قال عن نفسه ” أنا والآب واحد ” (يو13:10).

+ يوجد إله واحد لأنه يوجد آب واحد الذي هو مصدر وأساس الألوهة.

فالآب يلد ابنه ويبثق روحه، والابن هو ابن الله، وكذلك الروح هو روح الله.

فالله واحد وتعدد الأقانيم لا يقسم الجوهر الإلهي بأي شكل من الأشكال ولا يوجد ثلاثة آلهة.

يوجد جوهر إلهي واحد في ثلاثة أقانيم تشترك معًا في الأزلية، والمساواة. والوحدة المطلقة لله لا تقلل بأي حال من الأحوال حقيقة التمايز بين هذه الأقانيم، وبعبارات أخرى فالآب والابن والروح القدس أقانيم حقيقية وليست مجرد أدوار يقوم بها الله في أوقات مختلفة. ففي ولادته للابن وبثقه للروح القدس فإن الآب يعطى لهما نفس الطبيعة الإلهية أو الجوهر الإلهي. ولكي تصف الكنيسة هذه الحقيقة فإنها تستخدم عبارة ” من الجوهر نفسه ” أو omoousioV.

فكل من الأقانيم الثلاثة له كمال الطبيعة الإلهية، فالله لا ينقسم لثلاثة أجزاء وذلك لأن الطبيعة الإلهية (أو الجوهر الإلهي) هي طبيعة واحدة غير منقسمة وغير مركبة في نفس الوقت، فالتركيب بداية التقسيم.

وبسبب أن الابن والروح القدس لهما ملء الطبيعة الإلهية فهما ليسا بأقل من الله الآب في الألوهة بالرغم من أنهما يستمدان كينونتهما منه، فكل أقنوم إذن ـ من الأقانيم الثلاثة ـ هو تام وكامل في الألوهة لئلا نعتقد بأنهم طبيعة واحدة كاملة مركبة من ثلاثة غير كاملين.

كيف تعبر الليتورجيا (6) عن هذه الحقائق:

تضع الليتورجيات هذه الحقائق الإيمانية في تعبيرات دقيقة وعميقة تصلى بها الكنيسة لتربط بين “قانون الإيمان” و”قانون العبادة” كما سبق القول.

1 ـ الآب: اسم علاقة.

في بداية صلاة رفع البخور حيث يقف الكاهن أمام الهيكل يقول “ارحمنا يا الله الآب ضابط الكل “، أيها الثالوث المقدس ارحمنا ” (7).

فبدأً ذي بدء تعلن الكنيسة إيمانها الثالوثي السليم معترفة، في عبارة مختصرة، بأن الآب هو علة ومصدر الثالوث، فالكنيسة لا تؤمن بالله فقط، بل تؤمن ” بالله الآب ضابط الكل ” وبابنه يسوع المسيح وروحه القدوس. لهذا تصلى الكنيسة مباشرة ” أيها الثالوث القدوس ارحمنا “. وتجد هذه العبارة صدى كبيرًا عند القديس غريغوريوس اللاهوتى والمشهور بأنه ” المادح للثالوث القدوس ” (8)، فيقول إن ” لفظ الآب ليس اسم جوهر ولا اسم فعل،… أنه اسم علاقة اسم يدل على ما هو الآب بالنظر إلى الابن، أو ما هو الابن بالنظر إلى الآب”(9).

ولأهمية هذه الحقيقة الإيمانية فإننا نجدها تتقرر خلال الليتورجيا في عبارات مترادفة، فعلى سبيل المثال نقول في صلاة الشكر ” فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ” (ص4،6).

وفى بداية كل أوشية (طلبة) يقول الكاهن ” فلنسأل الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح… “” (ص25 ،32، 63،74، 117).

ثم يأتي قانون نيقية / القسطنطينية ليضع لنا دستور إيماننا في صياغة أقرتها الكنيسة معبرة عن الفهم السليم لعقيدة الثالوث لهذا نقول ” نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل..” (ص193).

فعندما نتكلم عن “ثالوث الآب ” نكون قد فهمنا الثالوث فهمًا دقيقًا صحيحًا، فنحن لا نتحدث عن الآب والابن والروح القدس كمنفصلين ثم نكون منهم وحدانية ولكن بالأحرى ننظر إلى الابن مرتبطًا بالآب وكذلك للروح القدس مرتبطًا بالآب وفى نفس الوقت يكون لكلٍ أقنومه الخاص(10).

 

أـ الابن مرتبط بالآب: (مولود من الآب)

+ فنقول في القداس ” بالنعمة والرأفات التي لأبنك الوحيد ” (ص23،122). وفى أوشية الإنجيل يقول الكاهن ” افتح حواسنا… بأوامرك المقدسة كمسرة الله أبيك الصالح ” (ص56،81،138).

وبعد قراءة الإنجيل يقول الكاهن ” وأنت الذي ينبغي لك التمجيد بصوت واحد من كل أحد والمجد والإكرام والعظمة والسجود مع أبيك الصالح ” (ص62،78). وفى صلاة القسمة يقول ” أيها السيد الرب إلهنا العظيم البدى… الذي أعطانا الخلاص من خطايانا بابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا حياة كل أحد ” (ص274،122).

وفى صلاة ختام رفع البخور في صوم الميلاد يصلى الكاهن ” يا ربى يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور ” (ص93).

 

ب ـ الروح القدس مرتبط بالآب (منبثق من الآب):

في نهاية صلاة الشكر التي تبدأ بالتوجه إلى الله الآب ضابط الكل، نقول “… مع الروح القدس المحيي المساوي لله (الآب) ” (ص12) وفى أوشية بخور عشية للابن نقول ” هذا الذي أنت مبارك معه مع الروح القدس المحيي المساوي لله (الابن) وهذا بالطبع لوحدة الجوهر الإلهي للأقانيم الثلاثة (ص16،55،57،62،78،80،86).

وفى أوشية السلامة التي تبدأ بعبارة ” وأيضًا فلنسأل الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح “… يكمل الكاهن صلاته إلى الله الآب قائلاً ” فلتحيي نفوسنا بروحك القدوس ” (ص181).

وفى صلاة خضوع للآب بعد صلاة أبانا الذي يقول الكاهن “.. نشكرك إيها الرب الإله ضابط الكل… لكي نكون مملوئين من روحك القدوس” (ص218). ويكرر في صلاة التحليل ” أيها السيد الرب الإله ضابط الكل… محاللين من فمي بروحك القدس ” وأيضًا ” لا تمنع شعبك من نعمة روحك القدوس ” (ص287) ويأتي قانون الإيمان أيضًا ليثبت كل هذا فنقول ” نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب “.

 

 

2 ـ الثالوث الكامل:

لكل من الآب والابن والروح القدس أقنومه الكامل، لئلا نعتقد بأنهم طبيعة واحدة كاملة مركبة من ثلاثة غير كاملين كما سبق القول. وفى الأقانيم الثلاثة جوهر بسيط واحد غير مركب فالتركيب بدء التقسيم كما أشرنا سابقًا، وكل من الأقانيم الثلاثة هو في الآخر (وهو ما يسمى في اليونانية allhlopericwrhsh ولهذا فنحن نؤمن بعدم تركيب الأقانيم وبعدم اختلاطهم أيضًا. وبأن مشيئتهم وفعلهم وقوتهم وسلطتهم هي هى، وبأنهم إله واحد غير منقسم.

ولهذا فإننا نختم كل طلبة بالمجد والكرامة للأقانيم الثالوث معًا.

ففي ختام العظة يرد الشعب المرد المعروف والرائع:

” Je Fcmarwout ” لأنه مبارك الآب والابن والروح القدس الثالوث الكامل نسجد له ونمجده ” (ص178).

وبه أيضًا يختم المزمور 150 الذي تسبح به الكنيسة أثناء التناول..

 

* الإفخارستيا هي لقاء وخبرة حياة الثالوث القدوس:

نختم حديثنا بما سبق الإشارة إليه في بداية هذا المقال بأن الإفخارستيا هي الينبوع الحى والمحيي للمعرفة التي للكنيسة عن الثالوث القدوس. وهذه المعرفة ليست معرفة مجردة تتجسد من خلال العقيدة، بل هي تعرف مستمر، هي لقاء وخبرة وبالتالي اتحاد بالحياة الأبدية (أنظر1يو1:1ـ4).

ويتضح هذا مما يحدث عند تقديم الحمل (الخبز والخمر)، فنحن نعلم مسبقًا أن هذا الخبز مثله مثل أيّ شيء آخر في العالم مثله مثل العالم قد تقدس بتجسد ابن الله، أحد أقانيم الثالوث القدوس وتأنسه، كما نعلم أن هذا التقديس يكمن تحديدًا في أنه في المسيح أُعيد إلى الإنسان إمكان تقديم ذاته والكون معه ذبيحة لخالقه، وأيضًا نعلم أن اكتفاء الإنسان بذاته مستغنيًا عن الله هو تجربة فاشلة وبالية تجاوزتها الكنيسة منذ زمن بعيد.

فالاستغناء عن الله مثلث الأقانيم هو الخطية بعينها التي لا ترى في الخبز إلاً خبزًا وطعامًا فاسدًا بائدًا لإنسان زائل وذليل على اتحاد الإنسان بالخطيئة والموت. أما كل من يؤمن به فيعلم في المقابل أنه في المسيح لم يعد الطعام الأرضي الذي نتناوله يتحول إلى لحمنا ودما بل أيضًا إلى الغاية الأولى التي فيها يتسربل كل ما هو ماءت بعدم الموت والتي فيها تكون للحياة الغلبة على الموت (11).

ومن هنا كانت أنشودة الكنيسة كلها في دورة الحمل هي أنشودة الثالوث فيقول الكاهن أولاً ” مجدًا وإكرامًا أكرامًا ومجدًا للثالوث المقدس الآب والابن والروح القدس ” (ص110).

وخبرة الثالوث تعطى سلامًا وتبنى الكنيسة بنيانًا واحدًا بسبب الإيمان (الثالوثي) الواحد لهذا يكمل قائلاً ” سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية ” (ص110) ثم يعود الكاهن فيرشم الخبز والخمر باسم الثالوث فيقول ” باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد، مبارك الله الآب ضابط الكل آمين، مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا آمين، مبارك الروح القدس آمين ” (ص113،114).

ثم يرد الشماس مشتركًا في هذه الأنشودة الثالوثية فيقول ” واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس آمين، مبارك الرب الإله إلى الأبد.. ” (ص114).

وبعد ذلك يهتف الشعب كله تمجيدًا للثالوث ” المجد للآب والابن والروح القدوس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين ” (ص115).

وفى مشاركة الكنيسة كثالوث أيّ الكاهن والشماس والشعب، في خبرة الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس تكمن حقيقة أن الإفخارستيا هي إعلان لحياة الشركة والتى دعيت الكنيسة إلى تجسيدها في حياتها، وهو ما يعنى بدوره أن كل شخص وكل حياة الجماعة الكنسية تجد كمالها وغايتها في الإفخارستيا وفى خبرة حياة الشركة في الثالوث.

 

______________________________

* ليتورجيا كلمة يونانية الأصل مشتقة من كلمتي lhiton أو leiton بمعنى عام أو شعبي وكلمة ergon بمعنى عمل. استخدمت قبل المسيحية لوصف العمل العام الذي يقوم به الشعب كله كما وُصفت به العبادة الجماعية. في الترجمة السبعينية للعهد القديم كانت الكلمة تصف العبادة التي يقوم بها شعب الله. وفى المسيحية تدل على ما يقوم به المسيحيون من عبادات وخصوصًا الإفخارستيا أو سر الشكر الإلهي. أنظر

 Qrhskeutikh kai Hqikh Egkuklopaideia. tomoV,8. P179.

The Faith, Clark Carlton, Salisbury, AM,1997. P.53 **

(1) Dogmaatika kai Hqika I : M . Farantou. Aqhnai . 1983. s. 65.

(2) إيريناؤس أسقف ليون: ضد الهرطقات 4 ـ 18: 5

(3) الإفخارستيا، سر الملكوت: للأب ألكسندر شميمن، منشورات النورـ بيروت ـ1993 ص251

(4) أُضيف قانون الإيمان إلى النصوص الليتورجية في القرن السادس الميلادي تقريبًا.

(5) مازال هذا الطقس يُمارس إلى اليوم عند الروم الأرثوذكس وإن كان قد اقتصر على مناداة الشماس فقط بدون خروج أحد، فمن هم بالكنيسة هم مؤمنون وليسوا موعوظون.

* أنظر صلاة البركة بعد التناول ـ الخولاجي ص 311 ” كملنا في الإيمان الثالوثي إلى النفس الأخير “.

(6) النصوص المستخدمة هنا من خولاجي ” القداسات الثلاثة ” إصدار جمعية أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المركزية بشبرا ـ الطبعة الرابعة ـ 1976م.                 

(7) ص 2

(8) V. Lossky: H Mustikh qeologia thV AnatolikhV EkklhsiaV . p.49

(9) خطبة 29 فقرة 16 من خطب غريغوريوس النزينزي اللاهوتية: عن كتابه الخطب 27ـ31 اللاهوتية، سلسلة النصوص اللاهوتية، منشورات المكتبة البولسية، بيروت 1993م ص 96.

(10) علم اللاهوت العقيدي جـ 2: دكتور موريس تواضروس ص 77.

(11) الإفخارستيا سر الملكوت ص 160، 161.

عقيدة الثالوث القدوس والليتورجيا* (الإفخارستيا) – دكتور جوزيف موريس

Exit mobile version