مصدر نبوءة يُدعى ناصريًا – أين هي في العهد القديم؟ – مينا كرم
يعرض القديس متى نبوءة من العهد القديم بخصوص الرب يسوع المسيح “وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا ” (متى 2:23)، وهي من أكثر الفقرات التي تُهاجم في إنجيل القديس متى، تكمن المُشكلة الأكبر في هذه النبوءة أننا لا نجد في العهد القديم بالكامل أي فقرة تقول إن المسيح سيُدعى ناصرياً، وهنا يأتي السؤال من أين أتى متى بهذا الاقتباس؟ هل متى يقتبس بالفعل من العهد القديم أم لا؟
ماذا قال الآباء؟
عندما بحث البعض عن هذه النبوءة في العهد القديم ولم يجدوها، تم اللجوء إلى نظرية “المصدر المفقود” وهي تقول، أن بالفعل كان يوجد سفر لأحد الأنبياء يحتوي على هذه النبوءة ولكنه فُقد، هذا مجرد افتراض قد قام نتاج صعوبة النص وليس تفسير صحيح لغياب النبوءة في العهد القديم.
القديس يوحنا ذهبي الفم هو أول من أقترح ذلك حيث يقول ” ما هو أسلوب النبي الذي قال ذلك؟ لا تنشغل بذلك ولا تكن فضوليًا، فالكثير من الكتابات النبوية قد فُقدت..” [1]
في الحقيقة قد جانب القديس يوحنا ذهبي الفم الصواب في هذا التفسير، وهذا لأسباب عدة:
- القديس متى لم يستخدم ولو لمرة واحدة نبوءة خارج أسفار العهد القديم القانونية.
- قانون العهد القديم (أقصد جزء كتابات الأنبياء) لم يكن عليه خلاف في زمن ق. متى.
- هذا افتراض غير واقعي في ظل وجود النبوة في العهد القديم بالفعل!
- إغفال تفرد صياغة القديس متى هنا.
نجد صياغة القديس متى في 2:23 تتميز عن جميع الصيغ الخاصة بتحقيق نبوءات العهد القديم، هذا التميز في الصيغة هو في حد ذاته الذي يُشير إلى وجود غموض في الحصول على مرجع النبوءة في العهد القديم، هذا التميز يجعلنا نتجه بطريقة مختلفة لتتبع ما قصده متى، هذا التميز يظهر في عدة نقاط كما سنوضح.
- وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل. (مت 1:22)
- وكان هناك الى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني (مت 2:15)
- حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل (مت 2:17)
- لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل (مت 4:14)
- لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل هو اخذ أسقامنا وحمل أمراض (مت 8:17)
- لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل. (مت 12:17)
- لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم (مت 13:35)
- فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل (مت 21 :4)
- حينئذ تم ما قيل بأرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل (مت 27:9)
نجد في كل هذه النصوص هذه الصياغة διὰ τοῦ προφήτον لكن فقط في متى 2:23 نجد διὰ τῶν προφητῶν كما نلاحظ أيضا تتابع الصيغة الأولى بــ λέγοντος وهذا غائب أيضاً عن 2:23!، ولذلك فقد أخطأ هنا يوحنا ذهبي الفم فهو أعطى سبب افتراضي فقط لمجرد صعوبة الحصول على مصدر النبوءة في العهد القديم.
يقول دونالد هاجنر ” إن الأطروحة القائلة بأن متى يقتبس من مصدر غير معروف لنا، ليست ضرورية، رغم احتماليتها” [2]
لكننا نجد القديس جيروم يقول “لو كانت هذه الفقرة موجودة في العهد القديم لما قال ” لأنه قيل بلسان الأنبياء ” بل لقال بطريقة مُباشرة ” لأنه قيل بلسان نبي “، وبهذه الطريقة العامة في الحديث عن الأنبياء قد أظهر البشير إنه لا يقتبس لفظيًا لكنه أستخدم المعنى العام للكتاب المُقدس، فكلمة “ناصري ” تُفهم بمعنى ” قدوس “، والكتاب يشهد أيضا أن الرب قدوس، ونستطيع أيضاً أن نُشير إلى ما كُتب بالعبرية في سفر إشعياء، ” يخرج فرع من جذع يسى وينمو غصن من أصوله (أش 1:11)” [3]
ويقول القديس كيرلس الكبير ” إن فُسّرت كلمة ” ناصري” بمعنى ” قدوس” أو بحسب البعض ” زهرة “، فهذه الإشارة موجودة عند الكثيرين فدانيال يُسميه ” قدوس ” أو من ” القديسين”، ونقرأ في إشعياء ” يخرج فرع من جذع يسى، وينمو غصن من أصوله (إش 1:11) [4]
ويقول خروماتيوس ” يُلقب ربنا والمخلص ” ناصريًا “، على أسم مدينة الناصرة، وكأنه على أسم الشريعة، فحسب الشريعة يُسمى الذين ينذرون عفته للرب ” ناصريين” ويُطبون النذر كما قالت الشريعة بخصوص قص الشعر، ولأن المسيح هو فاعل كل عمل مُقدس وكل تقوى هو المسيح ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس” فقد دعي المسيح ” ناصريًا” حيث قدم بحسب ما تطلبه الشريعة ذبيحة جسده نذرًا لله الآب”[5]
بعض أقوال العلماء:
تعليق NET:
بحسب اللغة اليونانية من المُمكن أن يكون الخطاب غير مباشر (كما هو الحال في هذا النص)، أو خطاب مُباشر (“سوف يُدعى ناصريًا”)، وبالحكم على صعوبة العثور على اقتباسات (وليس اقتباس، لأن متى يقول ” الأنبياء”)، من العهد القديم تُطابق صياغة القديس متى، فمن المُمكن أن متى كان يستخدم تعبير له دلالة الازدراء، قد وجد جذوره من ناحية المفهوم وليس من الناحية اللفظية في العهد القديم. [6]
روبيرت موونس:
نظرًا لعدم وجود مثل هذه النبوءة في العهد القديم، فإننا نواجه لغز يُثير الاهتمام، ونرى أن أفضل نهج في التفسير، هو أن متى لا يقتبس بطريقة مُباشرة من العهد القديم بل يُقدم ملُخص ما قيل، وهذا يتضح من استخدام تعبير ” الأنبياء ” بصيغة الجمع، فهو لا يقتبس كلام محدد. [7]
روبيرت جاميسون:
يبدو أن أفضل تفسير لأصل تعبير “ناصري” هو netzer الذي ود في (أش 1:11)، وربما سُميت الناصرة، التي لم يرد ذكرها في العهد القديم أو في كتابات يوسيفوس بهذا الاسم نتاج هامشيتها، باعتبارها غصن ضعيف، هذا يتوافق مع ما نجده في (يو 1:46) [8]
تيد كابال:
لا يتوافق اقتباس متى مع أي فقرة معروفة في العهد القديم، أفضل احتمال هو أن متى قد ألمح إلى أشعياء 11:1 بالعبرية nezer، ولكن اقترح البعض أن ” ناصري” هو لقب للمهانة وبالتالي متى يُلمح إلى النصوص الذي يظهر فيها المسيا المُحتقر (مز 6-8 :22، أش 2-3: 53)، وقد يسير التفسيران معًا. [9]
جيروم ألبريخت:
لا يُمكننا أن نُشير إلى أي نص محدد في كتابات أنبياء العهد القديم نُلقب المسيح بــ ” الناصري”، وبالرغم من ذلك، يذكر لنا متى بوضوح أن بعض الأنبياء تنبأوا عن هذا!، يبدو أن التفسير الأفضل هو أن أكثر من نبي قد تنبأ بهذا، وكان هذا التنبؤ معروف وشائع لدى اليهود أن المسيا سيكون ناصري، حتى ولو يتم تسجيل هذا بطريقة مُباشرة في أي موضع بأسفار العهد القديم. [10]
جون بتلر:
لا يوجد نص في العهد القديم يتنبأ عن المسيح بأنه سيدعى ناصري بطريقة حرفية، وتحقيق هذه النبوة في شخص يسوع المسيح ليست في دعوته بطريقة حرفية، لكن في حقيقة أن العيش في مدينة الناصرة قد أدى إلى احتقار المسيح، وهذا يتضح من يوحنا 1:46.[11]
ما بين القديس متى والتفسير.
– يسوع الغصن
إذا كان القديس متى ينقل من العهد القديم فمن الطبيعي إنه يُشير إلى فقرات مُعينة الرأي الغالب تقريباً هو متى يقتبس من إشعياء “11:1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ” اعتمد هذا التفسير على الكلمة العبرية nēṣer باعتبارها المُعادل لكلمة Ναζωραῖος، هذا ما كان يراه القديس جيروم وأيضًا بعض العلماء مثل J. Schniewind,B. Weiss,R. H. Gundry,
لكن المُشكلة هنا كيف يُمكن أن يتعادل الحرف العبري ṣādê مع اليوناني ζ؟ من المُفترض أن يكون ς وليس ζ ولذلك لا يُمكن اشتقاق إحداهما من الأخرى [12]
وأيضا نجد هُنا فقط التركيز على كلمة واحدة وليس على ما ينقله القديس متى، نجد القديس متى في كل اقتباساته الأخرى (المذكورة أعلاه) يقتبس عبارة أو مجموعة كلمات.
أيضا يستند هذا الرأي على مسيانية النص (اش 11:1) نجد في التاريخ المسيحي المُبكر أن القديس يوستينوس الشهيد [13] والقديس إيرينيئوس [14] قاموا بتفسير النص إنه يتحدث عن المسيح وأيضاً الترجوم [15]، بل والعهد الجديد ذاته (انظر: رومية 15:12، 1 بطرس 4:14، رؤيا 5:5)
صحيح إن هذا النص (اش 11:1) يتحدث عن المسيا [16]، ولكن هذا لا يُعني إن القديس متى يقتبسه في مت 2:23.
– يسوع النذير
يُعتبر هذا التفسير ايضاً مُنتشر ويراه دافيز & اليسون إنه شبه مؤكد، حيث يقتبس القديس متى من سفر القضاة 13: 5،7، 16: 17،19
قضاه 13:5
النص العبري
כי־נזיר אלהים יהיה הנער מן־הבטן
الترجمة السبعينية يحسب المخطوطة A
ὅτι ἡγιασμένον ναζιραῖον ἔσται τῷ θεῷ τὸ παιδάριον ἐκ τῆς γαστρός
الترجمة السبعينية يحسب المخطوطة B
ὅτι ναζιρ θεοῦ ἔσται τὰ παιδάριον ἀπὸ τῆς κοιλίας
قضاه 13:7
الترجمة السبعينية بحسب المخطوطة B
ὅτι ναζιραῖον θεοῦ ἔσται τὸ παιδάριον ἀπὸ τῆς γαστρός
قضاه 16:17 النص العبري:
כי־נזיר אלהים יהיה הנער מן־הבטן
الترجمة السبعينية يحسب المخطوطة A
ὅτι ναζιραῖος θεοῦ ἐγώ εἰμι ἐκ κοιλίας μητρός μου
الترجمة السبعينية بحسب المخطوطة B
ὅτι ἅγιος θεοῦ ἐγώ εἰμι ἀπὸ κοιλίας μητρός μου
نجد هنا تبادل بين ναζαραῖος θεοῦ وبين ἅγιος θεοῦ، وهذا امر هام لأن يسوع يُعرف بكلاهما، مرقس 1:24 قَائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ (Ναζαρηνέ)؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ (ὁ ἅγιος τοῦ θεοῦ) وبحسب اش 4:3 ” وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ”
بعد مُلاحظة استبدال كلمة نذير بقدوس إذا قمنا به هنا في هذا النص سيكون ” يُسمى ناصرياً ” قد قام القديس متى باللعب على الكلمات مُعتمد على استبدال كل من قدوس ونذير ومن اللافت جداً أن القديس متى استخدام في صياغته ὅτι بدلا من الطريقة المُعتادة باستخدام اسم الفاعل.
للمزيد من الاطلاع أنظر: