420- من أين أتت كمية المياه المهولة التي غطت الجبال الشاهقة؟
يقول علاء أبو بكر ” من الذي أحدث طوفان نوح ؟ ومن أين أتت كل هذه المياه؟ تقول إحدى الروايات أن المتسبب في الطوفان هو المطر وحده، وتقول الأخرى أن الأمطار وينابيع الأرض هما اللذان أحدثا هذا الطوفان ” لأني بعد سبعة أيام أيضًا أمطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة” (تك 7: 4) ” في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء” (تك 7: 11)(1) وقال البعض أن الدراسات العلمية تؤكد أنه في حالة تكاثف كل السحب التي تغطي أكثر من بوصتين على وجه الأرض فلا يمكن أن تساعد على طفو قارب صغير، فكيف طفى فلك نوح العظيم بحمولته المهولة؟
ج:
1- ذكر (تك 7: 4) أن المطر هو سبب الطوفان، لكنه لم ينفي وجود أسباب أخرى، فقول علاء أبو بكر ” أن سبب الطوفان هو “المطر وحده” قول بعيد عن روح الحق، والحق هو الله، وقد أورد نص (تك 7: 4) الذي لا يوجد فيه أي إشارة من قريب أو بعيد إلى أن سبب الطوفان هو المطر وحده. وفي (تك 7: 11) أوضح الكتاب السبب الآخر للطوفان، وهو انفجار ينابيع الغمر العظيم، فما جاء هنا (تك 7: 11) يكمل ما جاء هناك (تك 7: 4) ولا يتعارض معه، ولعلام يعترض الأستاذ علاء؟ هل يعترض على كتابنا المقدَّس أم على القرآن، فكلاهما ذكر صراحة أن سبب الطوفان هو كل من المطر والمياه الجوفية..؟ ألم يقل ” ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجَّرنا الأرض عيُونًا فالتقى الماء على أمر قُدِر” (سورة القمر 11، 12)؟!!
2- جاءت مياه الطوفان من مصدرين:
أ – الأمطار الغزيرة التي استمرت أربعين يومًا وأربعين ليلة، هذه المياه كانت فوق الغلاف الجوي منذ اليوم الثاني للخلق عندما فصل الله بين الماء الذي تحت الجلد (الغلاف الجوي) والماء الذي فوقه.. لقد كان هناك كمًا ضخمًا جدًا من بخار الماء، فمنذ انتهاء الخلق وحتى الطوفان لم تكن هناك أمطارًا تهطل من السماء، ولذلك لم يصدق الناس في زمن نوح أن الأرض ستُغمر بالأمطار، فإنهم لم يختبروا هذه الأمطار من قبل. وعندما قال الكتاب المقدَّس فانفتحت طاقات السماء كان يشير لسقوط الأمطار للمرة الأولى وانهيار مظلة البخار، ورأى البعض أن السبب في هذه الأمطار هو انتشار الغبار المتولد من الانفجارات البركانية. ولعلك تلاحظ يا صديقي أنه في نهاية جميع أيام الخلق ذكر سفر التكوين عبارة ” ورأى الله ذلك أنه حسن ” أو ” حسن جدًا”، باستثناء اليوم الثاني الذي خلى من هذه العبارة.. لماذا؟ لأن الله محب البشر مزمع أن يهلك تلك البشر الخطاة بهذه المياه المحفوظة ليوم الهلاك.
ب- ينابيع الغمر العظيم التي انفجرت مما أدى إلى حدوث زلازل وبراكين، فالمياه التي كانت تحت ضغط شديد في جوف الأرض ظلت تنطلق بقوة شديدة لمدة 150 يومًا، ومما يؤكد هذه الحقيقة أن البراكين حتى اليوم وهي تلقي بحممها من الصخور البركانية، فإنك تجد 90 % من ناتج البركان هو من بخار الماء.
وقال الدكتور “جوزيف ديللو” Josoph Dillow أن كمية بخار الماء الذي يمكن أن يظل معلقًا فوق الغلاف الجوي كغطاء حول الأرض يعادل بخار ماء سائل يبلغ سمكه حوالي 12 مترًا (أو 40 قدمًا) وبحساباته رأى أن هذا الكم من الماء يكون كافيًا لإحداث أمطار غزيرة 40 يومًا و40 ليلة(2).
3- نظرة إلى الزلزال الذي ضرب شرق آسيا في الأحد الأخير من عام 2004 م.، بقوة 9 ريختر، وما نتج عنه من موجات المد العاتية (تسونامي) حيث اندفعت المياه بارتفاع عشرات الأمتار وبسرعة رهيبة، مما ترتب عليه تحرك بعض الجزر بعيدًا عن موقعها بنحو ثلاثين كيلو مترًا، وارتجت الكرة الأرضية إذ بلغت قوة الزلزال قوة تفجير مليون قنبلة ذرية، واختفت مئات القرى، وحملت الأمواج سفن الشحن العملاقة وطوحت بها على اليابس، وفي لحظات قتل أكثر من ربع مليون شخص.. إن ما حدث إثر هذا الزلزال الرهيب لهو صورة مصغرة لما حدث في الطوفان، ومن عايش الحدث عبر وسائل الإعلام يسهل عليه تصوُّر الطوفان وكيف كان.
4- يقول القس ميصائيل صادق ” واضح أن الطوفان كان بالمطر وينابيع الأرض، والله قادر على كل شيء، وما الغرابة والطوفان يتفق فيه اليهود والمسيحيون وغير المسيحيين”(3).
5- يقول “أوزولدت – ألس“.. ” وقد تكون الزلازل أو الانفجارات البركانية هي السبب في الارتفاع المفاجئ بقاع المحيط أو سقوط النيازك الهائلة في البحر، ومن المحتمل أيضًا أنه يشار هنا إلى طاقات ضخمة متنوعة من خلال هذه الكلمات البسيطة”(4).
6- حاول الجيولوجي النمساوي “E. SUESS” في نهاية القرن التاسع عشر إيجاد تفسير علمي لأسباب الطوفان، وانتهى إلى القول بأن هناك سببان للطوفان، أولهما: هو موجات عملاقة من البحر نشأت بسبب اضطراب زلزالي في إقليم الخليج العربي أو جنوبه، وثانيهما: إعصار عنيف نشأ في خليج البنغال، ثم عبر الهند متجهًا شمالًا نحو الخليج العربي، وقد صادف هذا موسم فيضان حوض دجلة والفرات، وتشققت الأرض بتأثير الزلازل واندفعت منها المياه، وهكذا نشأ الطوفان بتأثير مياه البحر الطافية بصورة رئيسية، أما المياه السفلية ومياه الفيضان فلم تكن إلاَّ عناصر مساعدة(5)(6)(7).
7- يقول نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا أن كثير من العلماء اتفقوا على أن الغلاف الجوي قبل الطوفان كان يختلف عما هو عليه الآن، فالآن الغلاف الجوي يتكون من النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى طبقة الأوزون، أما الغلاف الجوي قبل الطوفان فكان يتكون مما سبق، بالإضافة إلى طبقة سميكة منخفضة من بخار الماء، وهذه مثلت مصدرًا من مياه الطوفان، “ويؤكد د. موريس أن غطاء بخار الماء الهائل الذي كان موجودًا في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي كان يكفي كمصدر لمياه الأمطار الغزيرة التي استغرقت أربعين يومًا”(8).
غلاف الأرض ما قبل الطوفان غلاف الأرض حاليًا
كان بخار الماء قبل الطوفان = 503 أضعاف البخار الحالي، ونسبة ثاني أكسيد الكربون = 6-8 أضعاف الوضع الحالي، وكل هذا كان يساعد على حجب الإشعاعات الكونية التي تصل للأرض، فطبقة الأوزون الكثيفة كانت تمنع الإشعاعات قصيرة الموجة، وطبقة بخار الماء الكثيف كانت تمنع الإشعاعات متوسطة الموجة، وكانت تنفذ فقط الإشعاعات طويلة الموجة، وتحتفظ بها الأرض لأن الغلاف السميك كان يساعد على منع هذه الإشعاعات من التسرب ثانية إلى الفضاء الكوني، وبذلك كانت تحتفظ الأرض بحرارتها، ولأن الأرض لم تكن تفقد حرارتها ليلًا، لذلك كانت درجة حرارتها متقاربة في الليل والنهار، وقد أكد الجغرافي الدكتور ” دونالد باتن ” Patten أن مظلة بخار الماء الكثيفة أوجدت توازنًا في درجات الحرارة على كل سطح الأرض، وكانت درجات الحرارة حينذاك أعلى مما هو عليه الآن، ولعل هذا يفسر لنا كبر حجم الكائنات الحيَّة قبل الطوفان عما هو عليه الآن، فبعض الفراشات كان طول أجنحتها يصل إلى 20 بوصة، وبعض الطيور وصل طول أجنحتها إلى 20 قدمًا، وكان عمر الإنسان أكبر بكثير مما هو عليه بعد الطوفان.. لقد كانت الأرض أشبه بالبيت الزجاجي، لأنها كانت مُغطاة بمظلة مزدوجة(9):
أ – مظلة سميكة وأكثر فاعلية من الأوزون.
ب- مظلة سميكة فعالة منخفضة من بخار الماء.
فإن طبقة بخار الماء الكثيف كانت مصدرًا من مصادر مياه الطوفان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والمصدر الأخر تمثَّل في المياه الجوفية التي كانت مضغوطة تحت القشرة الأرضية، وكانت مياه ساخنة، فهذه انفجرت كقول الكتاب ” انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء” (تك 7: 11) ولكن ما سبب هذا الانفجار؟
قد يكون سبب الانفجار:
أ – عبور كوكب سيار بالقرب من الأرض، وبسبب الجاذبية أحدث دمارًا شديدًا بالأرض، أدى إلى انفجارات في القشرة الأرضية، فاندفعت المياه الجوفية الساخنة المضغوطة، كما أدى إلى سقوط الأمطار الغزيرة، وأكد الجغرافي الدكتور ” دونالد باتن ” بأن ” الجاذبية المتبادلة بين كوكب الأرض والكواكب السيارة قد تسبب في انهيار المظلة (مظلة بخار الماء السميكة) وإحداث الموجات المدية والانفجارات البركانية، وتبعًا لذلك أدى إلى ارتفاعات هائلة في قاع البحر مما أعاد تشكيل سطح الأرض بصورة جديدة”(10).
ب- وقد يكون سبب الانفجار اصطدام شهب بالأرض ” ويوكد ديف بالسيجر Dave Balsiger وتشالز سيليار Charles Sellieer في مؤلفهما {بحث عن فلك نوح} أنه نتيجة دراستهما وأبحاثهما، أمكن التوصل إلى أن اصطدام الشهب بالأرض كفيل بأن يحدث ارتجاجًا شديدًا بالقشرة الأرضية، كما أنه أوجد ظروفًا مواتية لإحداث الطوفان الشامل، نتج عنه زلازل وبراكين وارتفاعات في قاع البحار والمحيطات أدى بالأكثر إلى انهيار مظلة البخار المحيطة بالأرض”(11).
_____
(1) راجع البهريز جـ 1 س 47.
(2) راجع كِن هام – أندرو سيلينج – كار ديلاند – تعريب جاكلين جورج إسحق – نبذة عن الطوفان.
(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(4) ترجمة أديبة شكري يعقوب – الله تكلم بموسى ص 41.
(5) راجع الأب سهيل قاشا – أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص 204.
(6) فراس السواح – مغامرة العقل الأولى ص 151، 152.
(7) كارم محمود عزيز – أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 193، 194.
(8) الكتاب المقدَّس والعلم ص 114.
(9) راجع الكتاب المقدَّس والعلم ص 105 – 114.
(10) نيافة الأنبا بولا – الكتاب المقدَّس والعلم ص 118.
(11) المرجع السابق ص 118، 119.