كيف يقرر الرب أن عمر الإنسان لا يزيد عن 120 سنة فلماذا عاش آدم 930 سنة (تك 5: 5) وأنوش 950 سنة (تك 5: 11) ونوح 950 سنة (تك 9: 29) وتارح 205 سنة (تك 11: 32) ورعوا أكثر من 207 سنة (تك 11: 21) وسروح أكثر من 200 سنة (تك 11: 23)؟
410- كيف يقرر الرب أن عمر الإنسان لا يزيد عن 120 سنة “فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغانه هو بشر وتكون أيامه مئة وعشرين سنة” (تك 6: 3) وإذا كان هذا صحيحًا، فلماذا عاش آدم 930 سنة (تك 5: 5) وأنوش 950 سنة (تك 5: 11) ونوح 950 سنة (تك 9: 29) وتارح 205 سنة (تك 11: 32) ورعوا أكثر من 207 سنة (تك 11: 21) وسروح أكثر من 200 سنة (تك 11: 23)؟(1)
ج:
1- هذا التساؤل لا يخرج عن أمر من ثلاثة أمور،
أولهما: أن السائل يجهل “أ. ب.” في الكتاب المقدَّس،
وثانيهما: أن السائل لا يكلف نفسه تحري الدقة،
وثالثهما: أنه يعلم ويتحرى الدقة ولكنه سيء النية.. لماذا؟ لأن آدم وأنوش عاشا قبل الطوفان، فلا ينطبق عليهما الحكم الإلهي الذي جاء بعد الطوفان.
2- عندما أراد الله، إهلاك العالم بسبب الشر، لم يهلك البشر حالًا، إنما تأنى عليهم 120 سنة فعلَّهم يتوبون، ولكنهم لم يتوبوا رغم تحذير وإنذار وكرازة نوح البار. إذًا المدة الباقية منذ تكلم الله بهذا وحتى الطوفان هي مدة 120 سنة، وقال الله ” لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد “ أي أن الله قرَّر أن يمنح الإنسان فرصة للتوبة، وإلاَّ لن يبقى إنسان على وجه الأرض، وإمهال الله للإنسان واضح في مواقف أخرى، فقد أمهل الأموريين 400 سنة لكيما يتوبوا ويأتي عليهم القصاص (تك 15: 15، 16) وأمهل أهل نينوى أربعين يومًا لكيما يتوبوا، وأيضًا حذر بني إسرائيل قبل سبي أشور، وحذر مملكة يهوذا قبل سبي بابل، وعبَّر الكتاب المقدَّس عن طول أناة الله عندما قال ” كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى” (1بط 3: 20) فواضح أن النص لا يقصد أن عمر الإنسان لن يتعدى 120 عامًا، ولكن يقصد أن الطوفان سيأتي لهلاك البشرية بعد 120 سنة منذ حديث الله مع نوح وجاء في دائرة المعارف ” عندما كان نوح ابن 480 سنة، أعلن الله له أن روحه {لا يدين في الإنسان إلى الأبد لزيغانه} وأنه سيمهل العالم مائة وعشرين سنة، سيهلكه بعدها بالطوفان“(2).
3- رغم أن المقصود من النص أن مدة إمهال الله للإنسان هي مائة وعشرين سنة، ولكن يجب أن نلاحظ أيضًا أن الطوفان أتى على مظلة البخار الكثيفة التي كانت تحيط بالغلاف الجوي، مما أدى إلى نفاذ كم أكبر من الأشعة الضارة، وبالتالي تناقص عمر الإنسان.
4- إن قال أحد أن المدة التي تمهل فيها الله على البشرية مئة سنة فقط وليس 120 سنة، لأن الله كلم نوح وكان عمره 500 سنة، وجاء الطوفان عندما بلغ عمر نوح 600 سنة، أي أن الفاصل 100 سنة فقط. نقول لمثل هذا أن قول الرب لنوح بأن أيام الإنسان على الأرض تكون 120 سنة (تك 6: 3) جاء قبل ذكر عمر نوح بخمسمائة سنة (تك 5: 32) وأن الذي دعى الكاتب إلى ذكر عمر نوح أولًا لأنه ذكر في الإصحاح الخامس مواليد آدم، فكان لا بُد أن يختم بمواليد نوح.
5- يقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس ” إذا اعترض أحد أنه ذُكر في (تك 5: 32) أن نوحًا كان ابن 500 سنة، ثم جاء الطوفان وعمره 600 سنة، فيكون الفرق هو 100 سنة وليس 120 سنة، فنجيب أنه لا ريب أن قول الرب عن الإنسان {وتكون أيامه مائة وعشرين سنة} كان قبل أن يبلغ عمر نوح 500 سنة، وإن كان قيل في (تك 5: 32) ” وكان نوح ابن 500 سنة “ قبل أن يحدد الرب عمر الإنسان بمائة وعشرين سنة، إلاَّ أننا نجزم أن القول الثاني قيل قبل الأول، لأن (تك 5) خُصص كله للمواليد، وكانت الضرورة تحتم أن يُختم بذكر نوح وأولاده، إلاَّ أن ما قيل في (تك 6: 3) كان قبل أن يبلغ نوح الـ500 سنة من ميلاده، لنرى الحديث من تك 6: 1 إلى تك 7: 9 يمثل تاريخ لمائة وعشرين سنة، وكل ما قيل في (تك 5: 32) من أن عمر نوح كان 500 سنة حين ابتدأ أن يلد بنين “(3).
6- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” ليس المقصود هنا هو تحديد عمر الإنسان ألا يزيد عن 120 عام، ولكن الوحي هنا يتكلم عن الفترة التي كانت متبقية وقتها حتى يأتي الطوفان على الأرض. أي أن الله أعطى مهلة للتوبة هي 120 سنة (من سنة 480 إلى سنة 600 من حياة نوح) ” حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى” (1بط 3: 20) “(4).
7- يقول أحد الأباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” عمر الإنسان 120 سنة، هذا هو الوضع العام للبشر. أما نوح والأجيال القليلة التي أتت بعده فعمروا طويلًا، بهدف تعمير الأرض بالبشر بعد الطوفان“(5).
8- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا ” عادةً الله لا ينفذ وعيده في لحظة النطق بالحكم طالما نحن هنا على الأرض، وإنما يعطي مهلة لكي يخاف الإنسان ويتوب، وحقق هذا الحكم بعد الطوفان حيث بدأ عمر الإنسان يتناقص شيئًا فشيئًا“(6).
9- يقول الدكتور يوسف رياض ” وتكون أيامه مئة وعشرين سنة.. هذه هي خطة الله في المستقبل من نحو الإنسان، وكلمة ” تكون ” أي في المستقبل، وبعد صدور هذه الخطة أرسل الله الطوفان فأهلك كل البشر ماعدا ثمانية أنفس، ثم تم التصريح لهم بأكل اللحم فتناقص عمر الإنسان بعد ذلك، والرقم 120 لا يؤخذ على جزئيته، فقد كان هذا هو متوسط الأعمار بعد ذلك“(7).
_____
(1) راجع علاء أبو بكر – البهريز جـ 1 س108.
(2) دائرة المعارف الكتابية جـ 8 ص 99.
(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.