Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل الطوفان لم يحدث على أرض الواقع، ولكنه كان مجرد قصة رمزية؟

 405- هل الطوفان لم يحدث على أرض الواقع، ولكنه كان مجرد قصة رمزية؟

قال أصحاب لاهوت التحرر أن الطوفان قد حدث في “التاريخ المقدَّس” أي أنه لم يحدث على أرض الواقع، إنما أراد الكاتب أن يُعبر عن موقف الإنسان الخاطئ المُدان أمام الله، فصوَّر موقف الطوفان ليعبر عن هذه الدينونة، بينما لم يكن هناك طوفان ولا فُلك، ولم يغرق أحد من البشر، ويقول الدكتور كارم محمود عزيز ” غير أن ” هكسلي “Hexley ناقش قصة الطوفان في مقال كتبه، وكان هدفه أن يبين أن هذه الحكاية، التي يُنظر إليها بوصفها سجلًا لحادثة الطوفان الذي أغرق العالم كله، وكل ما كان يعمره على وجه التقريب من إنسان وحيوان، تتعارض مع مبادئ الجيولوجيا البسيطة. ومن هنا فإن ” ديورانت ” يرى أن قصة الطوفان كانت هي الوسيلة الشعبية أو الطريقة المجازية التي عبر بها القدماء عن قضاء فلسفي أو موقف أخلاقي، لخصوا فيه بإيجاز تجارب طويلة مرت بالجنس البشري، وإن أهمية هذه القصص ليست فيما تقصه من قصص، بل فيما تعرضه من أحكام”(1).

ج:

1- قد تعرضنا في الكتاب السابق لسؤال مشابه لهذا السؤال وهو س291: هل يمكن أن يكون سفر التكوين قد أخذ قصة الطوفان من أساطير الأولين؟ فيرجى الرجوع إلى إجابة هذا السؤال، والأسئلة الثلاث السابقة له أيضًا أرقام 288، 289، 290 بمدارس النقد والتشكيك جـ 4 ص 172 – 212.

2- وجود هذه القصة في كثير من حضارات الشعوب المختلفة يثبت أنها حقيقة، وليست قصة مجازية، لأنها لو أعتبرها شعب مثل أهل بابل أنها مجازية، فكيف اعتقد بها أهل اليونان وفارس والهند والصين ومصر وأمريكا على أنها قصة حقيقية(2).

3- يقول نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا ” أن قصة الطوفان التي حدثت من حوالي 5000 سنة تم تسجيلها بصورة أو بأخرى من خلال 200 قصة سجلها التاريخ عن حضارات سابقة، وهذه القصص انتشرت في العالم كله فنجدها عند سكان الأسكيمو في أمريكا الشمالية وشعوب سيبيريا، وشعوب فنلندا وأيسلندا وأيضًا في الجنوب في نيوزيلندة وعند سكان أستراليا الأصليين وفي أطراف أمريكا الجنوبية.

ويوجد حاليًا 33 وثيقة قديمة تحدثت عن الطوفان:

31 منها تتفق في أن الناجين مجدوا الله وحمدوه.

30 تتفق على أن الفلك استقر على جبل عالٍ.

29 تتفق على قصة إرسال الطيور لاستطلاع الأوضاع.

وقد يدعي البعض أن الاتفاق بين هذه القصص الكثيرة ربما يرجع إلى الإرساليات المسيحية التي انتشرت في العالم، ولكن للرد على هذه المزاعم نقول:

1- إن قصة الطوفان مدوَّنة تاريخيًا على الألواح الطينية أو الحجرية ليس فقط قبل المسيحية بل حتى قبل أن يكتب موسى النبي سفر التكوين.

2- وجود بعض الاختلافات بين القصص، وخاصة الاختلافات المرتبطة بالبيئة تؤكد أنها قصص قديمة عاشت في ذاكرة الناس وتغيرت قليلًا حسب معتقداتهم وحسب بيئتهم..

والأساطير الصينية من أروع الروايات في قارة آسيا وهي تورد حدوث طوفان نحو (2300 ق.م.) ورأى آخر أنه حدث في 2297 ق.م. بالتحديد. وتقول أن الطوفان حدث بسبب فيضان الأنهار الكبيرة وتوقف بسبب ارتفاع مياه البحر وتقول أن البطل الصيني فاه – لي (Fah – Le) نجا من الهلاك مع زوجته وأبنائه الثلاثة..

ويروي الأسكيمو في آلاسكا قصة طوفان مصحوب في نفس الوقت بزلزال والذين نجوا كانوا قلة هربوا في قوارب أو لجأوا إلى أعلى قمم الجبال.

وفي أمريكا توجد 58 رواية مختلفة عن الطوفان.

وبعض القبائل الهندية تعتقد أن الطوفان كله سببه غضب تنانين الماء التي تحت الأرض، وتستمر القصة لتصف كيف أن هنديًا نجا من الطوفان بقارب بناه هذا البطل من الخشب، وأن البطل كان قد أخذ معه حيوانات.. واستقر على قمة جبل بعد أن انحسرت مياه الطوفان..

وفي الحقيقة ومن بين 200 قصة، ترتفع قصة الكتاب المقدَّس وتسمو وتبدو وكأنها رواية شاهد عيان، وكتب د. وليام دوسون William Dawson في ذلك (لقد فكرت طويلًا أن الرواية في الإصحاحين السابع والثامن من سفر التكوين يمكن فهمها وكأنها صحيفة معاصرة أو سجل شاهد عيان استخدمها كاتب سفر التكوين في كتابته)”(3).

4- كيف يردد الدكتور كارم محمود آراء أرباب النقد، ولا يعترض عليها، بينما هذه الآراء تعارض عقيدته التي يؤمن بها..؟! افترض يا دكتور كارم أن ما ذكره الكتاب المقدَّس يعبر عن مجاز وليس حقيقة، فما بالك بما ذكره كتابك الذي تؤمن أنه منزَّل من الله..؟! ألم يذكر القرآن(4) إنذار نوح لقومه، وعدم تصديقهم له، ونجاة نوح ومن معه، وغرق من كذَّبوه (سورة الأعراف 59 – 64، سورة يونس 71 – 73، سورة الأنبياء 76 – 77، سورة الفرقان 37، وسورة الصافات 73 – 82) وتهديد أهل نوح له بالرجم، ولكن الله نجاه وأغرق الباقين (سورة الشعراء 105 – 122) وظل نوح ينذر قومه 950 سنة (سورة العنكبوت 14، 15) واتهام أهل نوح له بالجنون، وتنجية الله له وغرق الباقين (سورة القمر 9 – 16) بل أن هناك سورة كاملة باسم نوح، تقص إنذار نوح لقومه نهارًا وليلًا، وعدم استجابتهم بل كانوا يضعون أصابعهم في أذانهم، رغم أن نوح كان يشجعهم على طاعة الله ليمنحهم المطر والأموال والبنين والجنات، ولكنهم مكروا، فأغرقهم الله وأدخلهم النار (سورة نوح رقم 71) كما ذكر القرآن وحي الله لنوح، وصنع الفلك، وسخرية قوم نوح منه، رغم نصحه لهم، واعترافه بأن هذا النصح بلا قيمة مادام الله يريد أن يغويهم، ودخول نوح للفلك مع نفر قليل، وإدخال زوجين من الكائنات الحية، ومجيء الطوفان، وجفاف المياه بعد الطوفان، واستقرار السفينة على جبل جودي، وهبوط نوح ومن معه في الفلك (سورة هود 36 – 48)؟!!

وبغض النظر عن اختلاف ما جاء في القرآن عما جاء في الكتاب المقدَّس في بعض الجزئيات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إلاَّ أن ما ذُكر يشابه إلى حد كبير ما جاء في الكتاب المقدَّس، وهذا يؤكد حقيقة الحدث.. فهل يستيقظ هؤلاء الكتَّاب الذي يرددون أقوال أرباب النقد دون أن يتمعنوا فيها؟!!

_____

(1) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 194.

(2) راجع الأسقف إيسيذورس – المطالب النظرية في المواضيع الإلهية ص 480 – 491.

(3) الكتاب المقدَّس والعلم ص 80 – 91.

(4) كما رأينا في الكتاب السابق.

هل الطوفان لم يحدث على أرض الواقع، ولكنه كان مجرد قصة رمزية؟

Exit mobile version