سؤال وجواب

هل كان سبب الطوفان هو تجسد بعض الملائكة، وتزاوجهم من النساء، وإنجاب نسل شرير لا يعرف الصلاة؟

 406- هل كان سبب الطوفان هو تجسد بعض الملائكة، وتزاوجهم من النساء، وإنجاب نسل شرير لا يعرف الصلاة؟

ج:

سبق التعرض إلى هذا الموضع في إجابة السؤال رقم 292: هل سبب الطوفان هو تزاوج الملائكة من الناس؟ حيث تعرضنا لبعض الجوانب مثل ما ذكره ليوتاكسل عما جاء في سفر أخنوخ المنحول عن زواج الملائكة بالناس، والقول بأن ترتليان قد أشار لهذا الأمر، وأن رسالة يهوذا حوت إشارة لهذا الموضوع، وقلنا أننا لا نعترف بسفر أخنوخ نظرًا لما حواه من أخطاء وأساطير، ولا نعترف بعصمة إنسان إلاَّ في حالة تسجيله رسالة الوحي الإلهي، وأن يهوذا الرسول لم يقل عن هؤلاء الملائكة أن الله أغرقهم بالطوفان، بل قال أنه “حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم” (يه 6) أي إلى يوم الدينونة العظيم، وأن الملائكة أرواح لا تتزاوج، فالمقصود بأبناء الله هم أبناء شيث(1).

ويسرنا إضافة ما يلي للإجابات السابقة:

1- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” أبناء الله هم نسل شيث، وبنات الناس هم نسل قايين، وذلك أنه بعد مقتل هابيل البار، وُلد عوضًا عنه شيث، وشيث والد أنوش ” حينئذ ابتدئ أن يُدعى باسم الرب” (تك 4: 26) وورد في سلسلة الأنساب “ابن أنوش بن شيث بن آدم ابن الله” (لو 3: 38).

أبناء شيث دُعوا أبناء الله، لأنهم النسل المقدَّس، الذي منه يأتي نوح ثم إبراهيم، ثم داود، ثم المسيح، وفيه تباركت كل قبائل الأرض، وهم المؤمنون المنتسبون إلى الله، الذين أخذوا بركة آدم (تك 1: 28) ثم بركة نوح (تك 9: 1).

وحسنًا أن الله دعا بعض البشر أولاده قبل الطوفان.. أما أولاد قايين – فلم ينتسبوا إلى الله، لأنهم أخذوا اللعنة التي وقعت على قايين (تك 4: 11) وساروا في طريق الفساد، فدعوا أبناء الناس، وكلهم أغرقهم الطوفان”(2).

2- يقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي أن بنو الله هم أبناء شيث الابن الصالح لآدم والذي من نسله جاء السيد المسيح ” ابن شيث بن آدم ابن الله” (لو 3: 38) وأولاد شيث هم أولاد الله.. قال موسى النبي ” أنتم أولاد للرب إلهكم. لا تخمشوا أجسامكم” (تث 14: 1) وقال السيد المسيح ” طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يُدعون” (مت 5: 9) بينما بنات قايين هم بنات الناس، ويبدو أن التزاوج كان يجرى بين رجال ونساء قبيلة شيث، وأيضًا بين رجال ونساء قبيلة قايين، ولكن عندما انجذب أولاد شيث إلى بنات قايين بسبب جمالهن الجسدي، وتزاوج الخير مع الشر، فطغى الشر فغضب الله على العالم وأباده بالطوفان.. عند التزاوج أنجبوا الجبابرة (تك 6: 4) وبالعبرية “هاجبريم” Ha – Gibreem وهي لفظة تطلق على الأبطال الأقوياء الأشداء في المصارعة والحروب ومنهم نمرود الذي كان أول جبار في الأرض(3).

3- يقول القس عيد تادرس ” ليس المراد بقوله بنو الله الملائكة، فإنهم لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يراد بهم بنو الأقوياء بدليل أن اللفظة المترجمة هنا بنو الله تُرجمت في السبعينية بنو الأقوياء، وفي السامرية بنو السلاطين، وفي العربية بنو الأشراف، وهم بنو شيث، أما بنات الناس فمن نسل قايين”(4).

4- يقول ” هيربرت وولف“.. ” يميل أغلبية المفكرين إلى تفسير تعبير ” أبناء الله ” إلى أن ذلك يعني نسل شيث الورع، هؤلاء الذين عندما تناسوا ما كانوا يؤمنون به اتجهوا للزواج من غير المؤمنات من سلالة قايين، ووُلدت أجيال سارت في طريق الشر مما أحزن قلب الله الذي حكم بدينونة هذه الأجيال، وكان ذلك سببًا في جلب الطوفان الذي محا الإنسان من على وجه الأرض.. إن أبينا إبراهيم يوصي خادمه بألا يبحث لابنه إسحق عن زوجة من الكنعانيات (تك 24: 3) كما نرى كيف أن زوجات عيسو كن سبب مرارة لرفقة (تك 26: 35).. نرى أيضًا هروب يعقوب بعد خداعه لأبيه إسحق وذهابه لخاله لابان حيث تزوج من ليئة وراحيل قريباته ولم يتزوج من أجنبيات. هنا يُثار السؤال هل الزواج من غير المؤمنات هو الأمر الذي أحزن قلب الله مما أثار غضبه على الإنسان؟

والأمر الذي أثار الكثير من الجدال أيضًا هو استخدام كلمة أبناء (Sons) كإشارة عامة للإنسان. كما تجد أيضًا أن نفس كلمة ” أبناء ” تعني بني إسرائيل أو شعب الله المختار (تث 14: 2، 32: 6) كما نرى أيضًا كيف يتطلع هوشع النبي إلى اليوم الذي يدعى فيه بنو إسرائيل ” بأبناء الله الحي ” كما نجد آدم يسمى ” ابن الله ” وذلك في بيان أنساب السيد المسيح (لو 3: 38، تك 5) والذي يقدم لنا نسب الإنسان من آدم إلى نوح.

وحيث أن آدم خلق على صورة الله، لذلك فمن المحتمل استخدام تعبير ” أبناء الله ” إشارة إلى نسل شيث التقي (تك 5: 6، 7) وإذا كان هذا صحيحًا فإن تعبير ” بنات الناس ” ينطبق فعلًا على سلاسلة قايين الذي حادوا عن حياة الورع والتقوى (تك 4: 17 – 24) ونتيجة لهذا سرى الشر في الأجيال التي وُلدت نتيجة هذا التزاوج من بنات الناس.

وهكذا نجد أن حزن قلب الله ليس بسبب الملائكة الذين سقطوا فقط، ولكنه كان أيضًا بسبب الشر الذي صنعه الإنسان “ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض” (تك 6: 5) وهنا يثار سؤال هام آخر: هل كان بنات قايين كن شريرات، وهل كان كل أبناء شيث ورعين وأتقياء؟”(5)(6).

_____

(1) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 4 س292.

(2) سنوات مع أسئلة الناس – أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص 17، 18.

(3) راجع مقالات في الكتاب المقدَّس (4) ص 54 – 57.

(4) حل مشاكل العهدين طبعة 1899م ص 5.

(5) An Introduction to the Old Testament Pentateuch, P 99.

(6) ترجمة بتصرف قام بها خصيصًا الأستاذ بشرى جرجس خليل – أستاذ اللغة الإنجليزية بأكليريكية طنطا.

هل كان سبب الطوفان هو تجسد بعض الملائكة، وتزاوجهم من النساء، وإنجاب نسل شرير لا يعرف الصلاة؟