400- هل قصد سفر التكوين إطالة عمر الآباء كنوع من المهابة والوقار؟
يستكثر د. موريس بوكاي أن يصل عمر متوشالح إلى 969 سنة، ويقول ” ليوتاكسل“.. ” لكن ما يثير الفضول في هذا الإصحاح هو طول عمر هؤلاء الأحبار.. ولما رأى علماء اللاهوت الكاثوليك أنه يصعب كثيرًا تغيير هذه الخزعبلة حاولوا إنقاذ رواية ” الكتاب المقدَّس ” من السخرية بقولهم: إن ما يقصد إليه بهذه الأعوام الكثيرة هو، دورة القمر وحسب، لأنهم كانوا في ذلك الزمان يحسبون الأشهر فقط، ولكن إذا أخذنا هذا الزعم على محمل الجد فإن متوشالح لم يعش سوى ثمانين عامًا..
فحسب سفر التكوين أن إبراهيم عاش مائة وخمسة وسبعين عامًا، وإذا حوَّلنا هذه السنوات إلى دورات قمرية، فإننا نحصل على أربعة عشر عامًا وسبعة أشهر، هي العمر الذي عاشه إبراهيم. ثم تقول التوراة أن أخنوخ وقينان ومهلليئل أنجبوا أبكارهم في سن التسعين، السبعين، الخامسة والستين. وإذا حسبنا هذه السنين وفق الدورة القمرية فإنه ينبغي علينا أن نعترف عندئذ بأن المذكورين أنجبوا أولادًا وهم في سن السابعة والنصف، الخامسة وعشرة أشهر، الخامسة وخمسة أشهر، وأخيرًا، حسب النص التوراتي، أن ناحور أنجب في سن التاسعة والعشرين، أي حسب الدورة القمرية في الثانية وخمسة أشهر فهل هذا معقول؟”(1).
ويرى الخوري بولس الفغالي أن عمر الإنسان على الأرض يبلغ نصف مليون سنة، مما جعل كاتب سفر التكوين أن يزيد من عمر الآباء فيقول ” ولن يكتشف عالم التاريخ شيئًا عندما يقابل ألفًا أو ألفي سنة (سجَّل الكتاب تاريخهما) بنصف مليون سنة أو أكثر منذ بدء الإنسان على هذه الأرض.. والكتاب المقدَّس ليس كتاب تاريخ وفيزياء، بل هو كتاب الله فقد أراد الكاتب أن يسبغ ثوبًا من الهامة والوقار على الآباء فأعطاهم العمر الطويل، ففعل كالرسام الذي تصوَّر الله، بقامة كبيرة ولحية كثَّة بيضاء، وشعر مستفيض، وهكذا أعطى الكاتب (الكهنوتي) الآباء هذا العمر الطويل ليملأ عقل معاصريه وقلبهم بالاحترام الواجب للآباء والأجداد”(3).
ج: 1- لا يبلغ عمر الإنسان على الأرض نصف مليون سنة، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل(2).
2- الذي كتب التوراة هو موسى النبي، فالقول بأن هناك كاتبًا كهنوتيًا كتب سفر التكوين أو جزءً منه، هو ترديد لنظرية المصادر التي سبق مناقشتها باستفاضة في الكتاب الأول، وأيضًا في إجابة السؤال س319 في هذا الكتاب، فيُرجى العودة إليهما.
3- لم يبالغ سفر التكوين في أعمار الآباء، إنما كان لله غاية وهدفًا من هذا، فقد أطال الله أعمار الآباء، لتعمير الأرض، ولكيما يصل التقليد المقدَّس لموسى النبي في أقل عدد ممكن من الآباء الذين عاصروا بعضهم البعض، وهذه السنين التي ذكرتها التوراة هي سنين حقيقية وليست أشهر كما اعتقد البعض.
4- يصعب تقدير عمر البشرية بإجمالي أعمار الآباء، لأن الكتاب المقدَّس تغاضى عن ذكر بعض الآباء بسبب شرهم أو لأي سبب آخر فنسب الآباء للجدود أو لجدود الجدود.
5- إذا كان دكتور موريس بوكاي يستكثر أن يصل عمر متوشالح إلى 969 عامًا، فكيف يصدق أن عمر نوح عندما أنذر قومه كان 950 سنة بحسب ما جاء في القرآن “ولقد أرسلنا نُوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عامًا” (سورة العنكبوت 29: 14).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 47 – 49.
(2) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 3 إجابة س 195.
(3) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 11 – 14.