تابع دراسة في الذبائح (20) مفهوم الخطية في الفكر اليهودي الصحيح.
تابع / دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
للرجوع للجزء التاسع عشر أضغط هنـا.
[ثالثاً] الخطية والناموس الإلهي ، ومفهوم الخطية في الفكر اليهودي الصحيح :
1 – أننا نلاحظ أن إدراك الخطية ومعرفة خطورتها – بالنسبة للعهد القديم والفكر اليهودي الأصيل – متجه بأكثر قوة نحو الناموس، لأن جوهر الخطية كان قبل كل شيء انتهاك لنواميس الله ووصاياه، لأن إدراك الخطية مستحيل أن يكون بغير ناموس يظهرها ويفضحها لأن بدون الناموس لم تكن هناك معرفة للخطية الدفينة في داخل القلب، [ لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإنني لم أعرف الشهوة (أنها كامنه في قلبي) لو لم يقل الناموس لا تشته ] (رو7: 7)، لأن الناموس مرآة النفس الذي يظهر مدى وسخ الإنسان من الداخل ومدى تورطه في الخطية، ومدى عمل الخطية وسلطانها في داخل الإنسان ليحيا في الموت ويقع تحت الدينونة: [ فإننا نعلم أن الناموس روحي و أما أنا فجسدي مبيع تحت (سلطان) الخطية. لأني لست اعرف ما أنا افعله إذ لست افعل ما أريده بل ما ابغضه فإياه أفعل. فان كنت أفعل ما لست أريده [ كعبد ] فاني أصادق الناموس انه حسن. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة في . فاني أعلم انه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي شيء صالح، لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن افعل الحسنى فلست أجد. لأني لست افعل الصالح الذي أُريده بل الشر الذي لست أُريده فإياه أفعل [ كعبد للخطية ]. فان كنت ما لست أُريده إياه افعل فلست بعد افعله أنا بلالخطية الساكنة فيَّ. [ ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيداً للطاعة، أنتم عبيد للذي تطيعونه إما للخطية للموت او للطاعة للبر (رو 6 : 16) ] إذاً أجد الناموس لي حينما أريد أن افعل الحسنى أن الشر حاضر عندي. فاني أُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. و لكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني و يسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت. ] (رو7: 14 – 24)
وبالطبع، بما أن الأمم الذين ليسوا من شعب إسرائيل ولا يعرفون وصايا الله، فهم جميعاً خطاة، لأن ليس معنى أنهم بلا ناموس أصبحوا مبررون لأنهم لا يعلمون وصايا الله، لأن لهم الناموس الطبيعي: [ لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم ] (رو 2 : 14)، فالإنسان على كل وضع ليس له ما يبرر موقفه: [ لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر ] (رو 1 : 20)
2 – فالخطية – في مفهومها الصحيح – هي فعل يقوم به الإنسان، بل هي موقف الإنسان تجاه الله. والخطية تتمحور حول العهد، فقد دخل الله بمبادرة خاصة منه في علاقة مع البشر، وحدد لهم بنفسه الشروط التي يجب أن ينفذوها. فكانت كلمات الشريعة هي بنود عهده الخاص وشعائر طقس العهد، ومن رفض العهد هو الذي لم ينفذ شروطه، وهذه تُسمى خطية ضد العهد، وهنا يتم فسخ هذا العهد بين الإنسان والله فيُطرح بعيداً في الموت، لأن عهد الله عهد حياة وبركة وارتباط، وخارجه الظلمة والموت، وهذه هي الخطية التي فيها حدد الإنسان موقفه تجاه الله برفضه لعهده الذي أقامه بنفسه مع الإنسان !!!
وبلا شك في أن هذا المدلول للخطية يخص بالدرجة الأولى شعب إسرائيل الذي نال العهد والشريعة [ وطبعاً الكلام موجه لنا في العهد الجديد أيضاً كما سنوضحه فيما بعد ]. إذن فكل عمل بشري يُعارض شريعة الله هو خطية، والألفاظ العبرية التي تدل على هذا العمل تُظهر نشاط الإنسان الخاطئ وخطورة وضعه:
+ فالكلمة [ חטא – ح ط أ ] تُترجم في العربية [ خطئ أو إثم ]، وتُستعمل أيضاً لكي تصف العلاقة بين البشر، وتُستعمل للتعبير عن تعدٍ وإهمال وخيانة بالنسبة لله ( خيانة عهد ) وإلى القاعدة السلوكية التي وضعها .
+ والكلمة [ עון – ع و ن ] تُشير إلى الضلال الذي به ينحرف الإنسان عن الطريق المستقيم .
+ والكلمة [ פשע – ف ش ع ] تُشير إلى أن الإنسان يترفع ضد الله ويخونه كما يفعل العبد أمام سيده .
وبالإجمال، الخاطي هو الإنسان الذي فشل في علاقته مع الله بإهماله للقواعد السلوكية وخيانته للعهد الذي أقامه معه الله، باقتراف الشر والإثم، ومن ثمَّ أصبح عبداً للخطية وواقع تحت سلطانها الذي يعمل فيه وبالتالي واقع تحت حكمها أي الموت.
عموماً نقدر أن نقول أن الخطية ليست حدثاً يقع مصادفة، وكأن الإنسان صالح بطبيعته وموجه بشرائع مجتمع صالح، وبذلك يكون ضل بدون علم منه، ولكن – في الواقع العملي المُعاش – الخطية تولد من ” قلبه الشرير “: فالفرعون الذي قاوم الله [ قسى قلبه ] لئلا يخضع لما طلبه موسى ويطلق الشعب ليعبد الله في البرية !!، وأيضاً نجد هذه القساوة لشعب إسرائيل نفسه في رحلته في البرية وأظهر أنه [ شعب قاسي الرقاب]، ونجد قصة الطوفان التي جعلت الله يقول: [ لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ] !!!
فالشر نجده حاضر في التاريخ الإنساني كله ومتعلق بكل مجتمع بشري وفي كل فرد من أفراد المجتمع مهما كان وضعه أو مقامه، فالخطية تنتشر مثل الخمير في العجين كله، وطبيعة فعلها المرّ هو تذوق ثمرها من حزن واكتآب يُمرر النفس ويجعل الإنسان في حالة موت عن الحياة، أي انفصال عن الله القائم فيه وعليه وجوده الحقيقي … وهذا نجده عملياً في الحزن المصاحب للخطية عند اقترافها أو تتميمها، الذي يصل لحد الكآبة الشديدة، والتي أن استمرت تفقد الإنسان الحس أو توصله لحالة اليأس الكامل المدمر للنفس، والبعض يصل أحياناً لحد الانتحار !!! ومن هنا ندرك أن الخطية خاطئة جداً وخطيرة جداً على حياة الإنسان الذي يعيش بها وفيها !!!
وفي الجزء القادم سنتكلم عن
[رابعاً] ملخص مفهوم الخطية في العهدين