هل رفض الله قرابين قايين لأنه من اللواحم، ولأنه يشجع اليهود البدو والرعاة؟
391- هل رفض الله قرابين قايين لأنه من اللواحم، ولأنه يشجع اليهود البدو والرعاة؟
يقول الدكتور سيد القمني ” فقدم هابيل من لحم غنمه، وقدم قايين من زرع أرضه، وكما سيتضح فيما بعد، فإن الإله كان على ما يبدو من اللواحم، فقبِل قربان هابيل، ورفض قربان قايين (والتميُّز هنا واضح للبداوة والنظام الرعوي، ولنتذكر أن اليهود بدو رعاة) مما أوعَر صدر قايين الفلاح، على أخيه الراعي، فقتله”(1).
كما يقول الدكتور سيد القمني أيضًا ” ورغم أن هناك أمورًا غير منطقية كثيرة بالكتاب المذكور (الكتاب المقدَّس) إلاَّ أن مسألة قبول الإله للحم (هابيل) ورفضه لثمار (قايين) يصعب قبولها على علاتها، أو الافتراض أن الإله ربما كان من (اللواحم) وكفى، فلا ريب في أن في الظروف الموضوعية التي أحاطت بالشعب العبري – وهو شعب رعوي – صاحب ومؤلِف الكتاب المقدَّس أسبابًا دفعته إلى التأكيد على علاقة الرب الودية بالراعي، مقابل نفوره من المزارع، دونما سبب واضح غير أن هذا راعٍ وذاك مزارع، تلك العلاقة التي توَّجبها الموقف المأسوي المتمثل في مقتل الراعي على يد المزارع، لإبراز الشر الكامن في المزارع، مقابل طيبة الراعي.. ومن ثمَّ تقدَّس قربان (هابيل) الراعي، والذي ما كان ممكنًا قبوله أو وصوله إلى الرب دون ذبحه وحرقه لتتصاعد مادته، فيتنسمها الرب فتهدأ نفسه وتستريح. وهنا بالضبط أتصوَّر السر الكامن وراء الدم والذبح والحرق والتقرب بالخروف والتيس، كوسائل تواصل بين الراعي ورب الرعاة، وإن هنا يكمن السر في تنافس العرب واليهود (وكلاهما راعٍ) في تأكيد الفخر لنفسه بأنه كان المذبوح للرب (شخصين في إسماعيل وإسحق)”(2).
وأيضًا يقول الدكتور سيد القمني ” وهكذا وضَّح (الكاتب) أن الرب قد ميَّز الراعي على المزارع. أو ” العبراني ” على ” المصري والكنعاني والرافدي ” منذ بداية الخليقة، دونما سبب واضح سوى أن الفلاح اجتهد، وعرق، وزرع، وحصد، وقدم تومه وبصله وكراته، قربانًا مرويًا بعرق جهده البطولي فأذى أنف الرب، الذي كان دومًا يتوق إلى رائحة اللحم المحروق، ويلح دائمًا في طلبه، وهو ما قدمه له الراعي لتهدأ نفسه وتستريح. والسبب الأوضح أن قايين فلاح من أهل الخصب والزرع، ومن ثم كان لا بُد من إبراز الشر الكامن فيه، مقابل طيبة الراعي السمح الذكي، الذي لم يبذل جهدًا، إنما اكتفى بالاسترخاء إلى جوار قطعانه وهي تتلاقح، ثم أخذ من نتوجها لربه قربانًا، فيقتل المزارع أخاه الراعي الطيب غيرة وحسدًا، ولا يبقى للزارع ميزة بكل جهوده وحضارته ومنشآته وتراثه وبطولاته، إزاء التفضيل الرباني لهابيل العبراني، وما عليه إلاَّ أن يترك الأرض وتاريخه فيها للراعي الطيب، وما شاء الله قدر”(3).
ج: 1- سبق مناقشة الاتهام الموجه لله تبارك اسمه على أنه يحابي الراعي على المزارع، أو أن القصة مستمدة من أساطير الراعي والمزارع التي كانت معروفة حينذاك، أو أن القصة ليست حقيقية ولكنها وُضعت بهدف تمييز بني إسرائيل عن غيرهم(4).
2- سلَّم الله للإنسان طقس الذبيحة، وشرح الله فيما بعد لموسى النبي ذلك الطقس بالتفصيل في سفر الخروج، والإصحاحات السبعة الأولى من سفر اللاويين وغيرهما الكثير والكثير.. لماذا؟ لأنه أراد أن يُرسخ في ذهن البشرية أنه بدون سفك دم لا تحدث مغفرة، وكل ذبائح العهد القديم كانت تشير للذبيح الأعظم السيد المسيح الذي حمل عقاب خطايانا في جسده.
3- لم يخترع موسى النبي قصة قايين وهابيل، وقبول الله لقرابين هابيل، ورفضه لقرابين قايين، وقتل قايين لأخيه، إنما كل هذه حقائق سجلها موسى النبي بواسطة الوحي الإلهي الذي عصمه من أدنى خطأ ممكن وقوعه، وليس كما تصوَّر النُقَّاد بأن الكاتب سجل القصة الغير واقعية وهي ترمي إلى تفضيل العبراني على المصري والكنعاني والرافدي، وأن للعبرانيين الرعاة الحق في أراضي وميراث الكنعانيين المزارعين، فالقصة التي ذُكرت ببساطة في سفر التكوين بهدف إظهار نهاية الغيرة والحسد، أستنتج منها النُقَّاد ما هو بعيد تمامًا عن أرض الواقع.
4- إن كان الدكتور سيد القمني لا يؤمن بعصمة كتابنا المقدَّس، فليؤمن بكتابه الذي روى نفس القصة ” وأتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرَّبا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر وقال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين..” (سورة المائدة 27 – 31).
وإن كان الدكتور سيد لا يقر بقبول الله للذبائح الحيوانية، دون غيرها، فلماذا لا يضحي الدكتور العزيز في عيد الأضحى ببعض ثمار الفاكهة والخضروات والثوم والبصل والكرات، إنما يصر على تقديم ذبيحة حيوانية كل عام.. وهل إلهه الذي يتقبل هذه الأضاحي هو من اللواحم؟!!
_____
(1) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 131، 132.
(2) الأسطورة والتراث ص 122، 123.
(3) المرجع السابق ص 207.
(4) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 4 إجابة السؤال رقم 286.