مَن مِن الاثنين نفذ الوصية الإلهية بالعمل في الأرض قايين أم هابيل؟
مَن مِن الاثنين نفذ الوصية الإلهية بالعمل في الأرض (تك 3: 23) قايين الذي عمل في الأرض "وكان قايين عاملًا في الأرض" (تك 4: 2) أم هابيل الذي رعى الأغنام؟ فلماذا حابى الله هابيل ؟ وهل عندما قبل الله قرابين هابيل ورفض قرابين قايين كان هو السبب في ارتكاب جريمة القتل الأولى في العالم؟
390- مَن مِن الاثنين نفذ الوصية الإلهية بالعمل في الأرض (تك 3: 23) قايين الذي عمل في الأرض “وكان قايين عاملًا في الأرض” (تك 4: 2) أم هابيل الذي رعى الأغنام؟ فلماذا حابى الله هابيل ؟ وهل عندما قبل الله قرابين هابيل ورفض قرابين قايين كان هو السبب في ارتكاب جريمة القتل الأولى في العالم؟
يقول ” ليوتاكسل“.. ” دعونا نعود إلى مشهد الخلق لنرى مَن مِن ولدي آدم امتثل لرغبة يهوه عند اختيار مهنة حياته؟ إنه قايين بالطبع، لأن يهوه أمر الإنسان أن يحرث الأرض، ويأكل من إنتاج الأرض خضرًا. أما هابيل، فقد امتهن الرعي وتربية الحيوانات، وإذا كان قد سرح بالغنم والماعز، فإنه لم يفعل ذلك ليمتع نظره بمرآها وهي ترعى، بينما هو يعزف على قيثارته. لقد رباها ليستفيد من لحمها في غذائه، ومع ذلك فقد غدا هو نفسه حبيب يهوه”(1).
ويقول ” زينون“.. ” عندما تفتتح القصة، يفعل قايين ما هو لائق بمزارع. من المهم أن نعترف بأن قايين لا يفعل شيئًا خاطئًا عند هذه النقطة. إنه يقدم محاصيله كقربان ويؤدي التبجيل لإلهه. إن يهوه هو الذي لا يعترف أو يقبل بقايين وتقدمته”(2).
كما يقول ” ليوتاكسل ” أيضًا إنه عندما رفض يهوه تقدمة قايين ” أدرك (قايين) أن (يهوه) يسخر منه، فأحس بطعنة عميقة أفقدته توازنه لبعض الوقت، وبدلًا من أن يغضب من هذا الإله الفظ.. انقض على أخيه وقتله”(3).
ويقول ناجح العموري ” وينطوي النص التوراتي على مغالطة وأكذوبة وهي أن الرب يسأل قايين عن هابيل، وهو العارف بالذي حصل منذ لحظاته الأولى. لا أدري ما هي أسباب وأهداف هذا السؤال الذي لا يكشف إلاَّ عن نزعة ” يهوه ” للكذب والتشجيع عليه وتربية قومه على سلوكه والتعود عليه”(4).
كما يقول ناجح العموري أيضًا ” إن الخلاف الحاصل بين الرب يهوه وقايين وحماس الرب لتقدمة هابيل، وإهماله تقدمة قايين، قاد إلى أول جريمة قتل في التاريخ، كان بإمكان الرب يهوه التحوط لها ومنعها من الوقوع. لأننا نفترض برب سماوي مثل الرب اليهودي / اليهوي معرفته بكل ما يجري وما سيقع، لذا بإمكانه أن يمنع حدوثه تمامًا من هذا، فإننا نفهم من ذلك أن الرب اليهودي / اليهوي راضٍ بالذي وقع، وكان عارفًا به قبل وقوعه، وأراد أن يكون. ويبدو لي بأن هذه الأمور جميعها، ربما تقدم لنا فرصة لقراءة (لمعرفة) ” يهوه ” ونزوعه بوقت مبكر إلى القرابين البشرية.. ويا لها من تضحية.. أن الرب يهوه مع الجريمة والقتل.. أن يهوه وهو من أكلة اللحوم، ألتهم شواء هابيل في التلذذ، وطوى أنفه اللدني عن الكرات والبصل والثوم وما بها من ألوان الخضر”(5).
ج: 1- عندما عمل قايين بالأرض لم يخالف الوصية، ولم يرتكب جرمًا، وأيضًا عندما عمل هابيل برعي الأغنام لم يخالف الوصية، ولم يرتكب جرمًا، ومن المعروف أن الإنسان عاش نباتيًا حتى فترة الطوفان، ولكن بعد أن زاد شر الإنسان، وأصبح لا يقدر أن يعيش نباتيًا صرَّح له الله بأكل اللحوم ” كل دابة حيَّة تكون لكم طعامًا. كالعشب الأخضر دفعتُ إليكم الجميع” (تك 9: 3) ومعنى هذا أن هابيل لم يأكل لحوم الأغنام التي كان يربيها، ولو تساءل ليوتاكسل عن سبب تربية هابيل للأغنام إن كان لا يأكل لحمها، فإننا قد سبق وأجبنا على هذا التساؤل في إجابة السؤال السابق 388.
2- لم يحابي الله هابيل ولم يرفض قايين، إنما سلك هابيل على ذات الدرب الذي علمه الله لأبينا آدم، إن التقدمة يجب أن تكون دموية، لأنه بدون سفك دم لا تحدث مغفرة، فاختار هابيل من سمان غنمه وأبكارها وقدمها ذبيحة مقبولة لله، وأنظر ماذا يقول الكتاب ” وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر” (تك 3: 4، 5) لقد سرَّ الله بقلب واهتمامات ومحبة هابيل، فاستحق هابيل الباران ينظر الله إليه وإلى تقدمته.
3- عندما غضب قايين وإغتاظ لم يتركه الله بل تحدث إليه قائلًا ” لماذا إغتظت ولماذا سقط وجهك.. أن أحسنت أفلا رفع وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها” (تك 4: 6، 7) فكان أمام قايين الفرصة لتحسين موقفه وقبول تقدمته ولكن لم يُحسن إستغلالها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكان هناك تحذيرًا إلهيًا لقايين من الخطية التي تنتظره، ولم يبالي قايين بهذا التحذير، فأيهما المخطئ قايين أم الله؟!!
4- لا يوجد أي مجال لقول ناجح المعموري بأن الله يجنح تجاه القرابين البشرية، لأن قايين عندما قتل هابيل كان ذلك حسدًا وغيرة، ولم يكن قط بقصد تقدمة قرابين لله، ولو كان الله يجنح للقرابين البشرية لترك أبينا إبراهيم يذبح ابنه، ولكن أرسل ملاكه ينهاه عن إتيان الدماء البشرية، وعندما رسم الله لشعبه طقس الذبائح لم يأمر قط بتقديم أي ذبائح بشرية، إنما حدث العكس إذ أدان الشعوب الوثنية على تقديمها للذبائح البشرية، وحذر شعبه من الانزلاق في هذه الهاوية، قائلًا ” لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار.. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك” (تث 18: 10 – 12) أما إن كان ناجح المعموري ينبر على ذبيحة السيد المسيح على الصليب، فهي ذبيحة فريدة في تاريخ البشرية، كانت لازمة وضرورية لفداء الإنسان في كل زمان وكل مكان، وبدونها لا خلاص على الإطلاق لأي إنسان.. فلماذا خلط الأوراق؟!
5- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” قايين وجد أن قربانه غير مقبول كأخيه، فدخله الحسد.. وكان هذا الحسد بدء الشر الذي دخل قلبه، وانتهى به إلى قتل أخيه.. إذًا قايين لم يكن يسعى إلى محبة الله، وإلى إرضاء قلب الله، إنما كان يبحث عن كرامته الشخصية ورضاه عن نفسه وعن مركزه. لو كان يبحث عن محبة الله، لكان في حالة رفض الله لقربانه، يفتش كيف يرضي الرب، ولا مانع من أن يغير قربانه، ويقدم ذبيحة كهابيل، ويحسن تصرفه. ولعل هذا ما قصده الرب بقوله له “إن أحسنت أفلا رفع” (ع 7) أي أفلا يرتفع وجهك، إن أحسنت التصرف، وإن أحسنت التقدمة، وإن أحسنت التفكير والشعور.. كانت أمامه فرصة لتحسين موقفه، ولكنه لم يستغلها، ولم يستفد من توجيه الرب، الذي تنازل وكلمه.. كان أمامه أن يتضع، ويشعر أن قربانه ” من ثمار الأرض ” ليس هو حسب مشيئة الرب، وإنما مشيئة الرب هي أن يقدم ذبيحة، محرقة سرور للرب، كما فعل أخوه البار هابيل. ولكن قايين لم يشأن أن يعترف بينه وبين نفسه أنه مخطئ في تقدمته، وأنه يجب أن يسلك كأخيه. إنما ركز على كرامته. كانت ذاته تتعبه. وليته كان يحب ذاته محبة سليمة.. وهكذا كان قايين، محبته لذاته، حطمت هذه الذات..
قايين أيضًا ركز كل تفكيره في ذاته، كيف يتفوق على أخوه ويحظى برضى الرب..؟! فرأى أن يتخلص من أخيه.. كانت كبرياء الذات، أهم عنده من نقاء الذات..
حنو من الله، أن يظهر للخاطئ، ويشرح له، ويحذره قبل أن يسقط، ويريه طريق التخلص من خطيته، ويسنده بنصائحه في وقت تجربته ومحاربة العدو له. قد يخطئ البعض، ويظن أن الله لا يظهر إلاَّ للقديسين! إن ظهوره لقايين قبل سقوطه في خطية القتل، وتحذيره له، إنما هو مثال عجيب لمحبة الله وطول أناته في العهد القديم، بل منذ بدء الخليقة.. وكأنه يقول لقايين: تعال يا حبيبي، لماذا أنت مغتاظ، ولماذا يسقط وجهك؟ أنا أريد أن أخلصك من غمك، وأعيد إليك سلامك. إن الخطية هي التي أفقدتك سلامك. تخلص منها، يرجع إليك سلامك.. لا تظن أن هابيل سبب متاعبك.. كلاَّ إن متاعبك سببها الخطية الرابضة، فأفحص نفسك جيدًا.. لو كانت في قلبك محبة، لكنت تفرح وتسر، إن رضى الرب على أخيك، فلا تغتم ولا تغتاظ. بالمحبة تفرح لفرح أخيك، ولقبول قربانه. والعجيب أن قايين، بعد أن كلمه الله، لم يستجب لكلمة الله، ولم يفتح قلبه، بل فتحه للخطية.. بعد أن نصحه الرب، لم يستفد من النصيحة، إنما تورط في الخطية، وبالأكثر، قام على أخيه فقتله”(6).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 42، 43.
(2) أورده توماس طمسن – ترجمة عدنان حسن – الماضي الخرافي والتوراة والتاريخ ص 497.
(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 44.
(4) أقنعة التوراة ص 296 – 298.
(5) أقنعة التوراة ص 296 – 298.
(6) شخصيات الكتاب المقدَّس 1- آدم وحواء ص 42 – 46.