تابع دراسة في الذبائح (19) ذبيحة الخطية ومفهومها – άμαρτία – חַטָּאת.
تابع / دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
للرجوع للجزء الثامن عشر أضغط هنا.
ذبيحة الخطية وبالعبرية חַטָּאת– hattat = خطية أو خطأ، والمقصود منها إعادة الصلة بالله بعد أن عُرضت للخطر بسبب الخطايا غير المتعمدة [ إذا أخطأت نفس سهواً في شيء من جميع مناهي الرب – لاويين 4: 2 ] أو بسبب حالة نجاسة [ ثم يعمل الكاهن ذبيحة الخطية ويُكفر عن المُتطهر من نجاسته ] (لاويين 14: 19)، وسوف نرى بالتفصيل معنى الخطية وخطورتها في هذه الذبيحة التي تخصنا جداً وبالضرورة، كوننا كلنا اختبرنا وذقنا مرارة السقوط الذي فصلنا عن الله محب البشر القدوس، وقبل أن نتلكم عن طقس هذه الذبيحة بالتفصيل، لابد أن نفهم معنى الخطية وخطورتها بالتفصيل لكي نعي هذه الذبيحة وندرك أهميتها ونتذوق عمل المسيح الرب لخلاصنا فندخل في حرية مجد أولاد الله ونتذوق حلاوة عمل الله وندخل في خبرة التحرر من الخطية وننفك من الموت الذي هو نتيجة طبيعية للخطية …
أولاً : مفهوم الخطية – άμαρτία = خطية، تعدي
- [أولاً] توضيح المعنى الشامل للكلمة
(أ) في اللغة اليونانية الكلاسيكية تأتي [ άμαρτάνω – hamartano ] بمعنى: يُخطأ الهدف، أو لا يُشارك في شيء ما، وكانت تعتبر نتيجة لبعض الجهل، والاسم المُشابه [άμαρτία – hamartia ] وتأتي على أساس روحي بمعنى خطأ أو فشل للوصول للهدف. النتيجة عموماً لمثل هذا الفعل هي [ άμαρτημα –hamartema ] وتعني فشل – خطأ – ذنب [ ارتكب في حق الأصدقاء أو النفس ]، ومن هذه الكلمات اشتقت الصفة والاسم [ άμαρτωλός، – hamartolos ] وهي تأتي بمعنى شرير كصفة، أو كاسم بمعنى خاطئ، أو باختصار تأتي بمعنى الشيء أو الشخص الذي يفشل …
(ب) وقد ساد استخدام الاسم [ άμαρτημα – hamartema ] على الفعل [ άμαρτάνω –hamartano ] وسط عالم متحدثي اللغة اليونانية. وقد استخدم هذا الاسم أرسطو من الناحية الفلسفية بين (الظلم) و (سوء الحظ)، وأظهره على أساس أنه عبارة عن مخالفة للنظام السائد، ولكن بدون نية شريرة. وبذلك أصبحت الكلمة [άμαρτία – hamartia ] كلمة شاملة بمعنى نسبي غير مُحدد، وتأتي بمعنى: إساءة ضد شعور صائب أو سليم، ومعناها يتراوح أيضاً ما بين الغباوة إلى كسر القانون، أو تأتي كوصف لأي شيء لا يتوافق مع الأخلاق السائدة، أو لا يتوافق مع الاحترام الواجب للنظام الاجتماعي والسياسي .
(ت) ونجد النظرة اليونانية للذنب تصوره التراجيديات الكلاسيكية على أساس التحامه بالجنون المحتوم للإنسان، فالذنب ليس مجرد فعل، ولكنه حقيقة متأصلة في أعماق كيان الإنسان، وهو المسبب للمُعاناة، كما أن الذنب والمصير مجدولين ومشتبكين بطريقة لا يمكن فيها فصلهم عن بعضهم البعض، وهي تعتبر نظرة سليمة وعميقة لمشكلة الإنسان الذي تذوق خبرة الخطية المُرة التي حتمت عليه مصير متعب جداً وهو الموت الذي يعمل فيه من يوم ميلاده بالفساد …
(ث) وقد شددت بعض الفلسفات الهلينية على العلاقة بين الذنب والمصير من خلال العديد من الشعائر والفكر الديني في محاولة للهروب من حتمية المصير، وأيضاً اجتهدوا على محاولة إدراك الذنب و صياغته عقلانياً في منهج دراسي، واعتقدوا أنه يُمكن التغلب عليه من خلال الفهم الأفضل والسلوك الصحيح. وتعمل نظريتهم من خلال الافتراض المُسبق بأن الإنسان في الأساس صالح …
وبالطبع هذه النظرة – للأسف – توجد عند بعض المسيحيين اليوم من جهة تعديل السلوك لتصحيح وضعه والتخلص من الشعور بالذنب ورفع ضمير الخطية، وهذه النظرة بعيدة كل البعد عن خلاص الله كما سوف نرى في تفاصيل ذبيحة المسيح الرب، لأن هذه النظرة تجعلنا ننحرف عن الطريق المرسوم من الله لخلاصنا،لأن أعمالنا لا تقدر أن ترفعنا للمستوى الإلهي مهما كانت رائعة وممتازة، والدليل كله يظهر في العهد القديم وتاريخ البشرية التي لم تستطع أن تتحرر من مصير الموت المحتوم، وعدم معرفة الله كشخص حي وحضور مُحيي، لأنه لا يرى الإنسان الله ويعيش، كما أنه لا يقدر على رؤية الشمس الطبيعية المخلوقة، لأنه لو نظر إليها يعمي تماماً لأن عيناه لم تكن مؤهله لتلك الرؤيا، وكذلك حياتنا كبشر لا تتفق مع قداسة الله، فمن يقدر أن يحتمل أن يتفرس في النور الإلهي وطبعة غير مؤهل لهذا اللقاء ولتلك الرؤيا !!!
[ثانياً] توضيح المعنى في الترجمة السبعينية والعهد القديم
(1) الخطية تصبح خطية أمه أو شعب أو جماعة، لأن ممكن لإنسان واحد عاصي ولا يحيا بالإيمان وسط الجماعة، يُكدرها ويقودها للهلاك إذ يثبت عزيمتها وينفث فيها عدم الثقة في الله بإقناع العقل ورؤية الأمور بنظرة من هو لم يعرف الله ولم يذق قدرته في حياته، أو بعض الأناس عديمي الإيمان يساعدون الشعب على التذمر وعصيان الله، كما حدث قبل عبور الشعب لأرض الميعاد حسب وعد الله لموسى والشعب [ ثم رجعوا من تجسس الأرض بعد أربعين يوما … لكن كالب أنصت الشعب إلى موسى وقال إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها، وأما الرجال الذين صعدوا معه فقالوا لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم اشد منا، فأشاعوا مذمة الأرض التي تجسسوها في بني إسرائيل قائلين الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هي أرض تأكل سكانها (وهو تصوير على أن لهم قوة عظيمة) وجميع الشعب الذي رأينا فيها أُناس طوال القامة، وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة فكنا في أعيننا كالجراد وهكذا كنا في أعينهم، فرفعت كل الجماعة صوتها و صرخت و بكى الشعب تلك الليلة، وتذمر على موسى وعلى هرون جميع بني إسرائيلوقال لهما كل الجماعة ليتنا متنا في أرض مصر أو ليتنا متنا في هذا القفر، و لماذا أتى (ولنلاحظ الشك الذي تسبب في العصيان) بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر، فقال بعضهم إلى بعض نقيم رئيساً ونرجع إلى مصر، فسقط موسى وهرون على وجهيهما أمام كل معشر جماعة بني إسرائيل، و يشوع بن نون و كالب بن يفنة من الذين تجسسوا الأرض مزقا ثيابهم. و كلما كل جماعة بني إسرائيل قائلين الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها الأرض جيدة جداً جداً، إن سر بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها أرضاً تفيض لبناً و عسلاً، إنما لا تتمردوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا قد زال عنهم ظلهم والرب معنا لا تخافوهم ، ولكن قال كل الجماعة أن يُرجما بالحجارة ثم ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل، و قال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب و حتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم ] (أنظر سفر العدد الإصحاح 13 ، الإصحاح 14)
فخطية فرد أو جماعة وسط شعب الله تؤثر غالباً وفي غالبية الأحوال، تُأثيراً سلبي على الشعب ككل لتحرمه من حضور الله وعمله [ وسطك حرام يا إسرائيل: ” قم قدس الشعب وقل تقدسوا للغد لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل في وسطك حرام يا إسرائيل فلا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم ” (يش 7 : 13) ]
(2) بالخطية ملك الموت على الإنسان [ قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي (رو 5: 14) ]، ولا يقدر أحد أن يرى الله ويتواجد في محضره [ في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع و أذياله تملأ الهيكل. السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا. فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إليَّ واحد من السيرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال أن هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكُفِرَ عن خطيتك. ] (إشعياء 6: 1 – 7)