هل رأيتم أو سمعتم عن ثعبان يأكل التراب؟
376- هل رأيتم أو سمعتم عن ثعبان يأكل التراب؟ ” فقال الرب الإله للحيَّة لأنك فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك” (تك 3: 14) وكيف تَلعن البهائم ووحوش البرية الحيَّة؟ وإن كان اللعن هو الطرد من رحمة الله، فهل كانت الحيَّة من قبل تملك هذه الرحمة؟
يقول ليوتاكسل ” نبدأ في نص قرار العقوبة، لا تلتزم الأفاعي بتنفيذه، فهي لا تأكل التراب، ولم تنفذ هذه العقوبة في أي يوم من الأيام، فهل كان قرار يهوه مؤقتًا؟ وإن كان الأمر كذلك، تكون التوراة قد سهت عن التنويه إليه، وهذا أمر غريب”(1).
كما يقول ليوتاكسل ” وثمة سؤال آخر، أي حيَّة من الحيَّات لعبت دور الغواية في قصتنا هذه؟ الحِفث، البواء، الرقطاء..؟ فأنواعها كثيرة، ولكن لنفترض أن الحِفث هي التي أغوت مدام آدم، وأنها استحقت العقاب العادل هي وذريتها كلها، نوعها كله. أما الحيَّات فلم يأثم منها سوى الحِفث، ومع ذلك فإن أنواع الحيَّات كلها تنؤ تحت وطأة العقاب دون وجه حق!”(2).
ج:
1- قول الرب للحيَّة ” على بطنك تسعين وترابًا تأكلين “ فيه إشارة للمذلة والتدني، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا المعنى واضح في مواضع أخرى من الكتاب المقدَّس، فعندما تحدث إشعياء النبي عن العصر المسياني الذي تتحوَّل فيه الذئاب البشرية إلى حملان وديعة، والإنسان الشرس إلى إنسان مُسالم قال ” الذئب والحمل يرعيان معًا والأسد يأكل التبن كالبقر. أما الحيَّة فالتراب طعامها” (أش 65: 25) وقال عن الأشرار المعاندين ” يلحسون التراب كالحيَّة كزواحف الأرض يخرجون بالرعدة من حصونهم يأتون بالرعب إلى الرب إلهنا ويخافون منك..” (مي 7: 17) وقال المرنم عن خضوع الأشرار لله ” أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب” (مز 72: 9).
2- حتى لو أخذنا بالمعنى الحرفي، فإن الحيَّات وهي تزحف على التراب تصطاد فرائسها، وتحاول الفريسة التخلص منها فتثير التراب حولها، أما الحيَّة فإنها تسرع بالتهام الفريسة، بما يتناثر حولها من تراب الأرض.
3- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” وعبارة ” ترابًا تأكلين كل أيام حياتك “ فيها تعريض بالإنسان الذي قال له الرب في نفس المناسبة ” أنت تراب وإلى التراب تعود” (تك 4: 19). الإنسان البار، هو صورة الله ومثاله، أما الإنسان الخاطئ فهو تراب، أو كتراب يصير طعامًا للحيَّة، لأنها تأكل ترابًا كل أيام حياتها.. هذا هو المعنى الرمزي كما تأمله القديس أغسطينوس”(3).
4- يقول أبينا الحبيب القمص تادرس يعقوب ” هكذا كل إنسان يقبل أن يكون أداة للعدو الشرير يصير كالحيَّة، يسعى على بطنه محبًا للأرضيات، ليس له أقدام ترفعه عن التراب، ولا أجنحة تنطلق به فوق الزمنيات، يصير محبًا أن يملأ بطنه بالتراب، ويزحف بجسده لتشبع أحشاؤه بما يشتهيه. هذا ومن جانب آخر فإن من يقبل مشورة الحيَّة يشتهي الأرضيات فيصير هو نفسه أرضًا وترابًا، أي يصير مأكلًا للحيَّة التي تزحف لتلتهمه. أما من له أجنحة الروح القدس فيرتفع فوق التراب منطلقًا نحو السماء عينها فلا تقدر الحيَّة الزاحفة على الأرض أن تقترب إليه وتلتهمه”(4).
5- يقول القس أنطونيوس فخري عن الحيَّة ” وكثيرًا ما تبتلع بعض التراب مع الفريسة. وهذا موجود في عملية الهضم لبعض الحيوانات والطيور مثل الدجاج”(5).
6- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” بالطبع ليس التراب تغذية للحيَّات، ولكن الحيَّات تبتلع التراب مع طعامها بينما هي تزحف على الأرض لتصطاد فرائسها من الفئران أو ما شابه، خصوصًا وأنها تفتح فمها كثيرًا لتخرج لسانها لتستشعر به ما حولها”(10).
7- يقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” ما يأكله الثعبان في حقيقته هو تراب، بل أن الإنسان تاج الخليقة مكتوب عنه أنه تراب وإلى التراب يعود”(6).
8- يقول الدكتور ملاك شوقي اسكاروس ورد في تاريخ الطبري جـ 1 ص 107، 108 ” حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرازق قال أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهرب قال سمعت وهب بن منبه.. فلما أراد إبليس أن يستنزل آدم وحواء من الجنة دخل في جوف الحيَّة وكان للحيَّة أربعة قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى فلما دخلت الحيَّة الجنة خرج الشيطان من جوفها.. فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته فجاء بها لحواء فقال أنظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها، فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت لآدم فقالت أنظر إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها، فأكل منها آدم فبدت لهما سوأتهما فدخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه: يا آدم: أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب. قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة، حتى يتحوَّل ثمرها شوكًا.. ثم قال: يا حواء أنتِ غرَّرت عبدي فإنك لا تحملين حملًا إلاَّ حملتيه كرهًا، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارًا، وقال للحيَّة: أنتِ التي دخل الملعون في بطنكِ حتى غرَّ عبدي ملعونة أنتِ لعنة حتى تتحوَّل قوائمك في بطنك ولا يكن لكِ رزق إلاَّ التراب. أنتِ عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدًا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك”(7).
9- يقول الدكتور سيد القمني ” كذلك نجد في الإسلام حديثًا منسوبًا للإمام (علي) يقول {قلت: يا رسول الله – فتلقى آدم من ربه كلمات – فما هي الكلمات؟ قال: يا علي إن الله أهبط آدم بالهند، وأهبط حواء بجدة، والحيَّة بأصبهان، وإبليس بميسان، ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحيَّة والطاووس، وكان للحيَّة قوائم كقوائم البعير فدخل إبليس في جوفها فغرَّ آدم وخدعه، فغضب الله على الحيَّة وألقى عنها قوائمها وقال: جعلت رزقكِ التراب وجعلتكِ تمشين على بطنك، لا رحم الله من رحمك”(8)(9).
10- معنى قول الله ” ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية “ ليس معناه أن البهائم ووحوش البرية هي التي ستلعن الحيَّة، بل معناه أن الحيَّة ملعونة لوحدها دون جميع البهائم ووحوش البرية، لأنها كانت وسيلة للشيطان دون غيرها.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 34.
(2) المرجع السابق ص 34، 35.
(3) شخصيات الكتاب المقدَّس 1- آدم وحواء ص 34، 35.
(4) تفسير سفر التكوين ص 74.
(5) الكتاب المقدَّس يتحدى الشكوك ص 139.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(8) أبو محمد الحراني: تحف العقول عن الرسول، مؤسسة الأعلمي بيروت، ط 5 سنة 1974م ص 16.
(9) الأسطورة والتراث ص 59.
(10) من إجابات أسئلة سفر التكوين.