سؤال وجواب

لماذا لم يمت آدم وحواء مباشرة بمجرد صدور العقوبة من الله (موتا تموت)؟

371- قال الله لآدم “وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت” (تك 2: 17) وقال الشيطان “لن تموتا” (تك 3: 4) وعاش آدم ولم يمت إلاَّ بعد وقت طويل جدًا “فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسع مئة وثلاثين سنة ومات” (تك 5: 5).. فلماذا لم يصدق الله في وعيده بينما صدق الشيطان؟ لماذا لم يمت آدم وحواء مباشرة بمجرد صدور العقوبة من الله (موتا تموت)؟

ويعلق ” أحمد ديدات ” على هذا قائلًا ” وهذا النص قاطع الدلالة على كذب النبوءة الإلهية كما أوردتها التوراة في النص السابق، ويدل هذا النص على أن آدم أكل من الشجرة التي نهاه الله ولم يمت موتًا.. لقد كانت الحيَّة التي إتخذ الشيطان هيئتها أكثر صدقًا من الله”(1).

وقال ليوتاكسل ” والحقيقة أن يهوه نسى تحذيره السابق، وهو أن من يأكل من الثمرة المُحرَّمة يموت في اليوم نفسه، وقد منح هذا النسيان المذنبين حياة مديدة، أو عاش آدم بعد ذلك 930 سنة”(2).

ج:

1- بمجرد أن أكل آدم من الشجرة المُحرَّمة سرى عليه حكم الموت الآتي:

أ – الموت الروحي: حيث انفصلت حياته عن الله مصدر الحياة كانفصال الظلمة عن النور، فمنذ لحظة سقوطه فقد صورته المقدَّسة، وفقد غناه وافتقر، وحُرم من السرور والفرح برؤية الله، إنما صار الله بالنسبة له مخيفًا ومرعبًا. لقد مات الإنسان بالخطية موتًا روحيًا، وفي مثل الابن الضال قال الأب عن ابنه الذي ضل ثم عاد ” ابني هذا كان ميتًا فعاش” (لو 15: 24) أي أنها دعى الضلال موتًا، وقال معلمنا بولس الرسول ” أما المرأة المتنعمة فقد ماتت وهي حيَّة” (1تي 5: 6) وقال الله لملاك كنيسة ساروس ” لك إسمًا إنك حي وأنت ميت” (رؤ 3: 1) كما قال أيضًا معلمنا بولس الرسول لأهل أفسس ” إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا” (أف 2: 1) فالذنوب والخطايا تميت الإنسان موتًا روحيًا، وقال الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت         إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش شقيًا         كاسفًا باله قليل الرجاء

ب- الموت الأدبي: إذ بدأ آدم يشعر بالعري والخزي وكذلك حواء (تك 3: 11) وقال يشوع بن سيراخ ” إبكِ على الميت لأنه فقد النور وإبكِ على الأحمق لأنه فقد العقل. أقلل من البكاء على الميت فإنه في راحة. أما الأحمق فحياته أشقى من موته. النوح على الميت سبعة أيام والنوح على الأحمق والمنافق جميع أيام حياته” (ابن سيراخ 22: 10 – 13).

جـ- الموت الجسدي: فمن اللحظة التي أكل فيها آدم من الثمرة بدأت عوامل الانحلال تدب في جسده، فأصابه الوهن وأصابته الأمراض والأوجاع والآلام التي سلمته للموت الجسدي في نهاية المطاف. إن الله في رحمته أمهل الإنسان حتى يأتي منه النسل الذي سيأتي منه مخلص البشرية، ويتم الوعد الإلهي ” أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضوعها” (تك 1: 28) ففي اللحظة التي أكل فيها آدم من الثمرة المُحرَّمة صدر عليه حكم الموت، أما التنفيذ فقد تم بعد حين، وهذا ما نعايشه الآن إذ يحكم القضاء على المجرم بالإعدام، وينفذ الحكم بعد حين.

2- نقول لديدات أن الكتاب المقدَّس يوضح أن الله صادق وأمين في كل أقواله وعهوده، فيقول نحميا لله ” وقد أنجزت وعدك لأنك صادق” (نح 9: 8) وقال الكتاب ” بل ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا” (رو 3: 4) أما الشيطان فهو ” كذاب وأبو الكذاب” (يو 8: 44).

3- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” ولكن لم يكن ممكنًا أن يموت أبوانا في التو واللحظة.. وإلاَّ تكون البشرية كلها قد انتهت وزالت، ويكون الشيطان قد انتصر في المعركة انتصارًا ساحقًا، ولا يكون هناك خلاص، الخلاص الذي أعده الرب لآدم وبنيه.. لذلك تأجل هذا الموت إلى حين، ريثما تلد حواء بنين وتربيهم. لأنه فيما بعد سيأتي من نسل المرأة من يسحق رأس الحيَّة، ويطلب ويخلص ما قد هلك.

ومع تأجيل هذا الموت الجسدي، كانت هناك أنواع أخرى من الموت، تم بعضها في التو واللحظة:

هناك الموت الروحي، وكما قال القديس أوغسطينوس {موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد. أما موت الروح، فهو انفصال الروح عن الله}.. وآدم وحواء قد ماتا هذا الموت الروحي يوم أكلا من الشجرة، وماتا أيضًا موتًا آخر أدبيًا:

في هذا الموت الأدبي، ضاعت كرامة هذا الإنسان الأول، وفقد الحالة الفائقة الطبيعية التي خُلق عليها.. وأكبر تعبير على هذا الموت الأدبي، أن الله طرده من الجنة، وعبارة ” طرد ” تعني كثيرًا من جهة الموتين الأدبي والروحي..

بقى الموت الأبدي، وهو أخطر ما في حكم الموت: وهو الذي خلصنا منه المسيح بالفداء، حيث مات عنا..”(3)

4- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا ” هناك الموت الأدبي والموت الروحي، أما الموت الجسدي فقد تحقق أيضًا، ولكن ليس في التو واللحظة، وإنما بدأ الموت والفساد يدب في جسد الإنسان من وقت السقوط، وبصفة عامة فإن الله لا يحقق وعيده ودينونته في لحظة النطق بها، وإنما يعطي الإنسان مهلة، لأنه لو أمات الله الإنسان موتًا جسديًا في اللحظة التي عصى وصيته فيها فلماذا خلقه أساسًا؟ وهل الله يصنع عملًا عظيمًا كهذا ثم يسمح للشيطان بأن يتدخل ويفسده؟!”(4).

5- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” لقد نفذ الله كلامه فعلًا، ودخل الموت إلى البشرية، ومات آدم موتًا أدبيًا إذ صار ساقطًا، وعبدًا للخطية، وجرى ليغطي خزيه بورق التين، ومات موتًا روحيًا وصار يحاول أن يهرب من الله، ولكن الله تحنن على آدم وأجل موته الجسدي لكي توجد فرصة لإبقاء النسل البشري على الأرض، ولكن تحقق موت آدم فعليًا ومعنويًا وحرفيًا بعد ذلك. ولو كان الشيطان صادقًا في كلامه، فلماذا مات آدم بعد ذلك؟!!”(5).

6- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” طبعًا هذا السؤال لا يجب أن يُسأل!! لأن الله صادق، فعندما قال ” موتًا تموت “ فهذا صدق بدليل أنه قال ” لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تك 3: 19) وهكذا يرجع الجسد البشري إلى الأرض ” فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها” (جا 12: 7) وشهادة الكتاب المقدَّس واضحة جلية بأن الموت نتج عن تعدي آدم، وأنه أجرة الخطية، ولم يكن جزءًا أصيلًا في طبيعة الإنسان (تك 2: 17، 3: 19، رو 5: 12، 6: 23، 1كو 15: 22) فآدم كان سوف يحيا إلى الأبد لولا الخطية، وآدم بعد أن عاش 930 سنة مات بعد ذلك. وأيضًا ” موتًا تموت “ لأنه لم يحفظ كلام الله، فقد قال السيد المسيح ” الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد.. إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد” (يو 8: 51، 52) والمقصود بـ“لن يرى الموت”، “لن يذوق الموت “ أي الموت الروحي”(6).

7- يقول الدكتور يوسف رياض ” قال لله ” يوم تأكل منها موتًا تموت” (تك 2: 17) وهذا ما تم فعلًا، ومات الإنسان موتًا روحيًا، وموتًا أدبيًا، وموتًا جسديًا.. الموت هو البعد عن الله، والحرمان من التمتع بعشرته، وقيام حاجز بين الإنسان والله.. كان آدم مخلوقًا للخلود، ولكن الإنسان مات بفعل الخطية ” أجرة الخطية هي موت” (رو 6: 23) إذًا الشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب”(7).

8- يقول الأستاذ توفيق فرج نخلة ” لقد مات آدم موتًا روحيًا بانفصاله عن الله، وموتًا أدبيًا بفقده مركزه، كما أن طبيعته أصبحت تحت حكم الموت الجسدي أيضًا، كما أنه أصبح قابلًا للتعب والألم والأمراض (تك 3: 19) ولقد أبقى الله الأثار الجانبية لهذا الحكم بالرغم من إتمام الفداء، ولا تزال للآن سارية للتذكير والتحذير والبرهان على صدق وراثة الجنس البشري للحكم الذي حُكم به على آدم وعلى حواء (رو 5: 12)”(8).

9- يقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس ” لقد بارك الله الإنسان بعد خلقته قائلًا ” أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض” (تك 1: 28) وكان هذا الوعد الإلهي لا بُد أن يتحقق، فلو أمات الله آدم عقب أكله من الشجرة المُحرَّمة لاستحال تحقيق هذا الوعد، ومع هذا فإن نتيجة الأكل من شجرة معرفة الخير والشر هي الموت، وفعلًا عملية انحلال الجسد بدأت في (تك 3) وانتهت حياة آدم في (تك 5) والموت لا يعني الفناء، إنما هو تغيير لمكان آدم، من داخل الجنة إلى خارجها، وتغيّير لموقع آدم بالنسبة لله، من شركة مع الله إلى إقصاء عنه، وكل موت يمكن أن يفهم على هذا النحو، فالموت هو التحوُّل من حياة البركة والحيوية والحرية والشركة في الجنة إلى حياة العبودية والتعب والإقصاء عن الله خارج جنة عدن”(9).

10- أود الإشارة هنا إلى أن آدم أخطأ وسرى عليه حكم الموت، وورثت البشرية عن آدم الخطية الجدية وسرى عليها بالتبعية حكم الموت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتقول الأخت الإكليريكية ماريهام رفعت أمين(11) ” إن الفارق بين خطية آدم، وخطية البشرية، أن آدم ارتكب الخطية الفعلية بأكله من الشجرة المنهاة عنها. أما ذريته فقد وُجِدوا في حالة آدم الخاطئ، ويمكن توضيح وجهة النظر هذه، فمثلًا، لو افترضنا أن أحد السادة الكرماء منح أحد الرجال بيتًا ليسكن فيه مع أسرته، بشرط أن يحافظ عليه ويحسن نظافته، ولكن هذا الرجل أساء استخدام البيت، فطرده السيد منه هو وأولاده. فصار الجميع خارجًا، والفارق بين الرجل وأولاده في هذا الأمر، أن الرجل فقد البيت بسبب تقصيره وإهماله، أي لجرم ارتكبه فعلًا، أما الأبناء فطُرِدوا من البيت، لا لذنب ارتكبوه، إنما لذنب ارتكبه أبوهم، وهم وُجِدوا في هذا الوضع”(10).

_____

(1) ترجمة على الجوهري – عتاد الجهاد ص 59، 60.

(2) أورده السيد سلامة غنمي – التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 138.

(3) شخصيات الكتاب المقدَّس 1- آدم وحواء ص 37، 380.

(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(9) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(10) من أبحاث مادة النقد الكتابي.

(11) إكليريكية شبين الكوم.

371- قال الله لآدم “وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت” (تك 2: 17) وقال الشيطان “لن تموتا” (تك 3: 4) وعاش آدم ولم يمت إلاَّ بعد وقت طويل جدًا “فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسع مئة وثلاثين سنة ومات” (تك 5: 5).. فلماذا لم يصدق الله في وعيده بينما صدق الشيطان؟ لماذا لم يمت آدم وحواء مباشرة بمجرد صدور العقوبة من الله (موتا تموت)؟