Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل يكمن وراء قصة السقوط معنى جنسي؟

 364- هل يكمن وراء قصة السقوط معنى جنسي؟

يقول د. كارم محمود عزيز ” لم تكن الشجرة شجرة معرفة، ومن هنا فمن المحتمل أن المسألة ليست لها علاقة بالمعرفة، وإنما يمكن القول بأنه مادامت الثمار كانت مشاركة بين المرأة والرجل، بوساطة الحيَّة التي تحمل رمزًا جنسيًا، فإن المسألة تتعلق بالعلاقة الجنسية بينهما. وربما كان إحلال المعرفة مكان العلاقة الجنسية في القصة التوراتية فهمًا خاطئًا لفكرة العلاقة بين المعرفة والجنس التي تقدمها ملحمة جلجامش في حديثها عن ” أنكيدو ” الذي اكتسب المعرفة بعد مضاجعته للبغي لمدة ستة أيام وسبع ليالٍ، أو مزجا بين المعرفة والجنس كانت تعوزه البراعة”(1).

كما ينقل الدكتور كارم عزيز رأي عباس محمود العقاد في هذا الأمر فيقول ” ويقدم ” العقاد ” إجابة على هذا التساؤل، حيث يرى أن الحيَّة اُختيرت لهذا الدور جريًا على سنن القدماء، حيث كانوا يوحدون بن الضرر الحسي وبين الخطيئة الأخلاقية. وفي إحدى مراحل تمييز الإنسان بين النفع والضرر الصادر عن الطباع الخبيثة واعتقاده في قوى الشر، لم يكن أمامه – في هذه المرحلة – مثال على الشر الخبيث الذي يضمر السوء ويتوارى عن النظر أقرب إلى الحس والخيال من الحيَّة التي تزحف على التراب وتندس في الجحور مكرًا وخديعة.. ويذهب ” العقاد ” إلى أن الحيَّة صارت – في مرحلة ما – رمزًا للشيطان حيث لوحظت المشابهة في نفث السم ونفث الشر وفقًا للأسلوب المجازي.. علاوة على هذه الرموز، فإن الزواحف – ومن بينها الحيَّة بالطبع – لها رمز جنسي، وترتبط الحيَّة في ذلك بالتنين، حيث يرمزان للشهوات الجنسية”(2).

ج:

1- ما يسوقه الدكتور كارم هو نوع من التخمين ولذلك فإنه يقول “فمن المحتمل” فهو لا يجد أي سند كتابي للإدعاء بأن شجرة المعرفة تعني المعرفة الجنسية. كما سبق لنا مناقشة أسطورة جلجامش بالتفصيل في الجزء الرابع من هذه السلسلة، ورأينا مدى بعدها عن روح الكتاب المقدَّس ونصه، فلا يمكن الاستدلال بها على أن شجرة المعرفة تخفي وراءها معنًا جنسيًا.

2- القول بأن قصة السقوط تخفي وراءها معنًا جنسيًا قول قديم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. قال به منذ القرن الثالث الميلادي العلامة أوريجانوس، ولا أجد ردًا بليغًا في هذا الأمر مثل رد قداسة البابا شنودة الثالث الذي يقول ” يقول البعض أن خطية آدم وحواء هي الزنى. ولما كان الكتاب لم يذكر هذا، فمن أين نشأ هذا الرأي؟ وما الرد عليه إن كان خطأ؟

لعله يرجع إلى أوريجانوس، الذي غالى في طريقة التفسير الرمزي. وقد حاول أن يجعل الرمز يشمل كل شيء حتى خطية آدم، حتى أشجار الجنة. فقال إن خطية آدم هي الزنى، واستدل على رأيه بالنقط الآتية:

قال إن شجرة معرفة الخير والشر، كانت في وسط الجنة، كما أن الأعضاء التناسلية في وسط جسم الإنسان. وقال بالأكل من الشجرة قيل ” وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت” (تك 4: 1) وقال إنهما بالخطية عرفا الخجل وعلما أنهما عريانان، وخاطا لأنفسهما مآزر من ورق التين (تك 3: 7) واستدل أوريجانوس على رأيه أيضًا من سيطرة الزنى على العالم.

وعن أوريجانوس نُقل هذا الرأي، حتى وصل إلى صاحب السؤال.

ولكن هذا الرأي عليه ردود كثيرة منها، فحص هذا الرمز:

1- قيل أن شجرة معرفة الخير والشر، كانت في وسط الجنة، والأعضاء التناسلية في وسط جسم الإنسان، فلو اعتبرنا هذه الأعضاء هي الشجرة، لأصبح جسم الإنسان هو الجنة.

وهنا نقف أمام جنتين (آدم وحواء)، وشجرتين (في كل منهما واحدة) هذا لو طبقنا تفاصيل التفسير الرمزي حسب مفهوم أوريجانوس. ويكون آدم يقطف من شجرة حواء، وحواء تقطف من شجرة آدم. ولا يكون الله قد وضع آدم في الجنة -حسب قول الكتاب (تك 2: 15)- وإنما يكون هو نفسه جنة حواء!! ولكن الكتاب قال إن الله وضعه في جنة عدن ” ليعملها ويحفظها” (تك 2: 15).

فحسب الرمز، ماذا تكون عدن، وما معنى يعملها ويحفظها؟

2- وماذا تكون باقي رموز كل ما في الجنة؟

ماذا يكون النهر الذي يخرج من عدن ليسقي الجنة ومن هناك ينقسم إلى أربعة رؤوس؟ وما هي تلك الأربعة أنهار وبلادها (تك 2: 10 – 14) ؟ وماذا تكون باقي أعضاء جسم الإنسان في رموزها؟ هل ترمز إلى أشجار أخرى في الجنة؟ وهل كان مصرحًا بها؟

3- ثم أن شجرة الحياة أيضًا كانت في وسط الجنة (تك 2: 9)

ولم تكن شجرة معرفة الخير والشر وحدها في وسط الجنة. فهل شجرة الحياة هي أيضًا ترمز إلى شيء إذا تمادينا مع أوريجانوس؟ وحينئذ كيف نفهم معنى أن الكاروبيم في حراسة شجرة الحياة بلهيب سيف (تك 3: 24).

4- ثم كيف نفهم طرد الإنسان من الجنة، إن كانت ترمز إلى جسمه؟

كيف فارقها، وعاش خارجها؟ وكيف فارق شجرة معرفة الخيرة والشر التي في وسط الجنة؟ إن الرمز هنا، بلا شك، يدخلنا في بلبلة لا نهاية لها.

على أن هناك سؤالًا هامًا جدًا، نضعه أمامنا إن كانت الخطية زنى.

5– إن كانت الخطية زنى، فماذا كانت الوصية إذًا؟ وهل فهمها آدم؟

هل كانت الوصية ” لا تزن ” وخالفها آدم؟ ماذا يفهم آدم، وماذا تفهم حواء عن عبارة ” لا تزن “؟! وهما بريئان بسيطان لا يعرفان من هذه الأمور شيئًا، بدليل أنهما كانا عريانين وهما لا يخجلان (تك 2: 25) هل شرح لهما الله معنى الوصية وماذا الذي يمنعهما عنه؟!

يستحيل، وإلاَّ يكون الله هو الذي فتح أعينهما..! حاشا..

أم لم تكن هناك وصية، وهذا ضد الكتاب؟

أم أنهما لم يفهما الوصية، وحينئذ لا تكون هناك عقوبة؟ ولا معنى لوصية غير مفهومة.

6- وإن كانت الخطية زنى، لارتكبها الاثنان في وقت واحد.

ما معنى أن حواء قطفت أولًا وأكلت، ثم أعطت آدم (تك 3: 6) لو كانت الخطية زنى، لقيل أنهما أكلا في وقت واحد من الشجرة، قال ” فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان” (تك 3: 7).

لو كانت الخطية زنى، لانفتحت أعينهما أولًا، وعرفا أنهما عريانان، ثم بعد ذلك يأتي ارتكاب الخطية، لأنه من غير المعقول أن يرتكبا خطية كهذه، وعيونهما مغلقة..

8- أما الخجل، ومعرفة آدم لحواء، فلم تكن هي الخطية، إنما كانت نتيجة لنزولهما إلى المستوى الجسداني في اشتهاء الأكل..

ولذلك قيل ” وعرف آدم حواء “ بعد طردهما من الجنة (تك 4: 1) ولم يكن ذلك وهما في الجنة، وعبارة الخجل وردت بعد الأكل من الشجرة، وليس أثناء ذلك ولا قبله.

كان آدم روحيًا بعيدًا عن شهوة المادة وشهوة الأكل وشهوة الحس. فلما وقع في ذلك كله بالأكل من الشجرة، هبط إلى المستوى الجسداني، وأصبح سهلًا بعد هذا أن يكمل طريق الجسد في موضوع الجنس. هذا الأمر تم نتيجة للسقوط، ولم يكن هو عملية السقوط.

9- وإذا اعتبرنا الجنس بين آدم وحواء هو خطية زنى، فما معنى إذًا قول الرب لهما ” أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض” (تك 1: 28)

وردت هذه البركة في اليوم السادس، قبل أن يقول الكتاب ” وكان مساء وكان صباح يومًا سادسًا” (تك 1: 31) ورأى الله ذلك فإذا هو حسن جدًا..

10- وإن كانت الخطية زنى، فلا داعي إذًا لإغراءات الألوهية والمعرفة.

والمعروف أن إغراء الحيَّة لحواء، لم يكن هو الزنى، إنما ” تكونان مثل الله عارفين الخير والشر” (تك 3: 5) إذًا هي خطية كبرياء، وشهوة المساواة بالله.

وفي هذه الخطية وقع الشيطان نفسه، حينما قال في قلبه ” أصير مثل العلي” (أش 14: 14) وبناء على هذا الإغراء ” شهوة التأله ” سقطت حواء، ثم سقط آدم، ولم يقل الكتاب مطلقًا إن الإغراء كان هو الزنى الذي لم تكن تفهمه حواء.

11- أما انتشار خطية الزنى، فيشبهه انتشار خطايا أخرى.. مثل محبة العظمة، ومحبة الذات، ومحبة الغنى، وشهوة الامتلاك، وشهوة الأكل، وانفعال الغضب، وخطية الكذب.. وكل هذا منتشر جدًا، حتى في السن المبكرة التي لا تعرف الزنى، وفي سن الشيخوخة التي تعجز فيها عن الزنى.

12- القول إذًا بأن خطية آدم وحواء زنى، لا يسنده الكتاب.. إنما هو التمادي في التفسير الرمزي بطريقة غير مقبولة..

إن التفسير الرمزي عمومًا، له جماله وعمقه، على أن يكون في حدود المعقول، ويكون له ما يسنده من نصوص الكتاب”(3).

_____

(1) أساطير التوراة وتراث الشرق الأدنى القديم ص 179، 180.

(2) أساطير التوراة وتراث الشرق الأدنى القديم ص 174، 175.

(3) سنوات مع أسئلة الناس – أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص 27 – 30.

هل يكمن وراء قصة السقوط معنى جنسي؟

Exit mobile version