357- لماذا نهى الله الإنسان عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ هل كان يريده أن يعيش مثل الدواب لا يعرف الفرق بين الخير والشر، أم أنه رب الجُهَّال؟ وكيف سيحاسب الله الإنسان إن لم يكن يعرف الفرق بين الخير والشر؟
يقول الدكتور سيد القمني ” تخيَّر الرب التوراتي مكانًا على يابسة الأرض، أسمته التوراة {جنة عدن} وقد اتسم الإله بصفة الخُلد، لأنه كان يتعاطى في هذه الجنة من شجرة الحياة التي تمنح الحياة الأبدية، كما اتسم بالمعرفة، لأنه كان يتغذى من شجرة أخرى هناك، هي شجرة المعرفة.
ويومًا قرَّر الرب خلق الإنسان المدعو (آدم) ثم خلق له من ضلعه أنيسًا هي (حواء) زوجته، ووضعها معه في الجنة، لكنه حرَّم عليهما ثمرة شجرة المعرفة، ففضل أن يكون رب الجاهلين لا رب العارفين.. وبرغم محاولة الرب إيهام الزوجين أن ثمرة المعرفة ثمرة سامة وقاتلة، فقد فضل الزوجان العلم بالشيء على الجهل به، فغضب عليهما الرب لفضولهما المعرفي، وخشى أن يدفعهما الفضول إلى ما هو أكثر ترويعًا، وربما يأكلان من ثمرة الخلد فيكتسبان الألوهية، مما قد يؤدي إلى منافسة غير مضمونة النتائج”(1).
ويرى ” جيمس فريزر ” أنه كان هناك روايتان لقصة السقوط، فيقول ” ومن المُسلَّم به بوجه عام، فيما يبدو، أن حكاية الشجرتين قد اعتراها بعض الخلط، وأن شجرة الحياة لم تلعب في الحكاية الأصلية هذا الدور المثير السلبي الصرف الذي لعبته في هذه الحكاية. ومن ثم فقد اعتقد البعض أن هناك في الأصل حكايتان مختلفتان عن السقوط، صُوّرت في أحديهما شجرة المعرفة على حدة، كما صُوّرت في الأخرى شجرة الحياة منفردة. وإن كاتبًا مزج بين الحكايتين من غير حزق، وجعل منهما حكاية واحدة. وعلى حين احتفظ بإحداهما في شكلها الأصلي على وجه التقريب، اختصر الحكاية الثانية وشذَّ بها حتى كادت تفقد معالمها”(2).
ويقول دكتور كارم محمود عزيز ” وتبدو صفة الأنانية التي أسبغتها الرواية على الرب في حظره على الإنسان أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، مما يوحي بأن ” يهوه ” أراد أن تبقى المعرفة قاصرة عليه وحده، دون الإنسان، ومعرفة الخير والشر ضرورية للإنسان حتى يسموا بسلوكه”(3).
ورأى “فولتير” أن الله الذي يمنح الإنسان عقلًا يفكر كان لا بُد أن يأمره بالأكل من شجرة المعرفة، فيقول “إننا نعتقد أنه كان ينبغي على السيد الرب أن يأمر الإنسان، مخلوقه، بأن يأكل من شجرة المعرفة قدر ما يستطيع، لأنه بما أن الله منحه رأسًا تفكر فقد كان من الضروري تعليمه، وكان أكثر ضرورة إرغامه على إدراك الخير والشر، كي يستطيع القيام بالتزاماته على أكمل وجه، لذلك كان ذاك التحريم غبيًا وقاسيًا، لقد كان أسوأ بألف مرة من منح الإنسان معدة لا تهضم الطعام”(4).
وينقل أيضًا السيد سلامة تصوُّر ” ليوتاكسل ” لحديث خرافي دار بين آدم والله، فيقول ليوتاكسل على لسان آدم ” إذًا أمنحني القدرة على معرفة الشر حتى أستطيع تفاديه، ثم ما هو مغزى وجود هذه الشجرة هنا، إذا كان مُحرَّمًا عليَّ أن أقترب منها وألمسها؟ ويجيبنا نيابة عن الله أولئك الذين يتسترون وراء اسمه، فيقولون: أن الله وضع الإنسان الذي وُلِد لتوه في التجربة. لقد أراد أن يرى ما إذا كان آدم سيمثُل لإرادته ويلتزم بذلك التحريم البسيط”(5).
ج:
1- ردًا على ما قاله الدكتور سيد القمني بأن الله كان يتعاطى من شجرة الحياة وشجرة المعرفة، وأنه نهى آدم عن شجرة المعرفة مفضلًا أن يكون رب الجاهلين نقول له:
أ – من قال أن الرب الإله كان يأكل من ثمار شجرتي الحياة والمعرفة، ولذلك حصل على الخلود والمعرفة..؟! أين السند الكتابي على هذا..؟! أم أنها تهيؤات تتهيأ للكاتب في منامه فيسجله في يقظته..؟! لو سألت طفلًا صغيرًا يؤمن بوجود الله لأخبرك عن الصفات الإلهية ومنها السرمدية، فالله سرمدي أي أزلي ليس له بداية كائن قبل الأكوان وهو خالق جميع المخلوقات، وأيضًا هو أبدي بلا نهاية، فالله أزلي كائن قبل كل الدهور، بينما شجرتي الحياة والمعرفة أوجدهما الله في زمن معين، فهل قبل أن يوجدهما الله كان بلا خلود ولا معرفة؟!! ومن الصفات الإلهية أيضًا العلم بكل شيء، فالله هو الوحيد العارف بخبايا القلوب والأفكار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ليس لديه ماض وحاضر ومستقبل، بل الكل حاضر أمامه، فما حاجته للأكل من شجرة.
ب- هل يليق اللفظ الذي تفوَّه به الدكتور القمني على الله على أنه ” يتعاطى “؟ أنه لفظ يخفي وراءه عدم اللياقة، بل سوء النية، بل احتقار الذات الإلهية، لأن الذي “يتعاطى” هو الإنسان المدمن المريض المسلوب الإرادة، فهل يصح أن يطلقها إنسان على الله ؟!!
جـ- كيف يستنكر الدكتور القمني تحريم الله على آدم الأكل من شجرة المعرفة، مع أن القرآن يقول له “ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاَّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما من الناصحين. فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهاكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين” (الأعراف 19 – 22) فإذًا الواقعة ثابتة في القرآن الذي يعترف به الدكتور القمني، فإن كان محل اعتراضه على اسم الشجرة، فأنني أقول له أن القرآن لم ينفي أن اسم الشجرة هو شجرة المعرفة.
د – من أين جاء الدكتور القمني بأن الرب حاول إيهام الزوجين أن ثمرة المعرفة ثمرة سامة وقاتلة؟ هل قال الله هذا..؟! هل أشار الكتاب المقدَّس بهذا من قريب أو بعيد..؟ هل شمَّمت رائحة السم أو ذقت طعمه وسط سطور التوراة..؟!! وإن كان لا.. فلماذا هذا التجني على الكتاب المقدَّس بل وعلى الله ذاته؟!!
هـ- ردًا على الدكتور سيد القمني وأيضًا الدكتور كارم محمود نقول أليس الجهل والشر أفضل من معرفته بكثير؟! وإن كان أحدهما لا يوافق على هذا، فلماذا لم يختبر الإدمان والزنا والموبقات.. إلخ ؟!
2- ردًا على ” جيمس فريزر ” الذي ادعى بأن هناك روايتان للسقوط، ضمت أحدهما شجرة المعرفة، والأخرى شجرة الحياة نقول أنه عاد واعترف أن القصة الأصلية حوت الشجرتين فقال ” يمكننا أن نفترض أن القصة الأصلية أشارت إلى شجرتين: شجرة الحياة، وشجرة الفناء، وأنه كان للإنسان الخيار في أن يأكل من الشجرة الأولى وأن يعيش خالدًا إلى الأبد، أو أن يأكل من الشجرة الثانية ويصبح إنسانًا فانيًا”(6). كما قال ” فريزر ” أيضًا ” أن الرب رحمة بمخلوقاته، نصحه أن يأكل من شجرة الحياة وحذره أن يأكل من شجرة الفناء.. ومن شأن هذا الافتراض.. أنه يقدم حلًا لضرورة وجود قصتين أصليتين متميزتين مزج بينهما كاتب سقيم التفكير فأفسدهما..”(7).
أليس هذا ما ذكره سفر التكوين، فلماذا اللف والدوران؟! ” وأوصى الرب الإله آدم قائلًا من جميع شجر الجنة (بما فيها شجرة الحياة) تأكل أكلًا. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت” (تك 2: 16، 17) لماذا لا نصدق كلام الله ونوفر على أنفسنا عناء الشك والعناء ؟!
3- ردًا على “فولتير” نقول له: ألا ترى أن مقارنتك الشر بالطعام مقارنة ظالمة انحرفت عن جادة الصواب..؟! إن الطعام ضرورة لحياة الإنسان، ولذلك منح الله الإنسان معدة تهضم هذا الطعام. أما الشر فليس ضروريًا لحياة الإنسان، بل أنه ضار ومدمر وسيء. وأيضًا نقول أن الله وهب الإنسان عقلًا يفكر، وأن يكون مجال تفكيره الأمور الصالحة، وما أكثرها..؟!! إذًا الإنسان ليس في حاجة للشر لإعمال عقله. ألم يُعِمل آدم عقله عندما أطلق على جميع الحيوانات والطيور أسمائها (تك 2: 19، 20)؟! قال الحكيم ” أنظر. هذا وجدت فقط أن الله صنع الإنسان مستقيمًا، أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة” (جا 7: 29) فقول الكتاب أن الله صنع الإنسان مستقيمًا أي لا يعرف إلاَّ الخير فقط.
4- تصوَّر ليوتاكسل الساخر أحاديث خرافية لم تحدث قط على الأرض، وليس لها أي سند كتابي.. كان آدم قبل السقوط يعرف التمييز بين الخير (في طاعة الوصية) والشر (في مخالفة الوصية) ولكن عندما أخطأ إذ أراد أن يجرب الشر، سقط تحت سلطانه، وكانت نتيجة هذا السقوط الموت والضلال، ومثال على هذا ليوتاكسل ومنطقه الفاسد ومن يسيرون على دربه، أما المغزى من وجود شجرة معرفة الخير والشر فقد ناقشناه من قبل في الإجابة على السؤال 355 ثم إن الإنسان لم ” يولد ” لكنه خُلق من التراب، ولا أحد يعرف كم عاش آدم في الجنة قبل السقوط، أما ليوتاكسل فيقول عن آدم ” الذي وُلِد لتوه”.
وإنني أعجب من السيد سلامة غنمي الذي راح ينقل ما سطره ” فولتير ” حتى لو كان سبًا وقذفًا في الذات الإلهية.. فولتير يتهم الله تبارك اسمه بالقسوة و.. ومن خلفه من يرددون تجاديفه بلا وعي، فكيف يهربون من قبضة العدل الإلهي..؟! حتى لو افترضنا جدلًا أن عقيدتنا خاطئة، فهل يحق لفولتير ولا للغنمي ولا لغيرهما أن يسخروا بهذه الصورة الفظة من إلهنا الذي نعبده؟!.
5- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” {تصيران مثل الله عارفين الخير والشر}.. {تنفتح أعينكما}.. لقد قدم الشيطان للإنسان هذا الإغراء، إغراء المعرفة.. إلى متى تظل مُفقل العينين لا تعرف؟ ليتك تأكل لكي تنفتح عيناك المغمضتان، وتذوق الدنيا وتعرفها.. إلى متى يغلق الله عليكما في هذه البساطة أو السذاجة، التي يسمونها النقاوة أو البراءة!! فتظلان هكذا لا تدريان ولا تفهمان الجمال الموجود في الدنيا، واللذة الموجودة في الثمرة؟! لماذا يحرمكما الله من هذه المعرفة..؟! أية معرفة يقصدها الشيطان؟ لقد وهبهما الله فضل معرفته، وجعلهما يعرفان الخير والبر ويذوقان ما في هذه المعرفة من لذة.
يجيب الشيطان إنهما حرما من معرفة الخير والشر. وهنا تبدو الخدعة الكبرى التي انطلت على حواء.. فما هي؟ إنهما يعرفان الخير فقط، والشيطان يريد لهما الآن {معرفة الخير والشر}، أي أن تضاف إلى معرفتهما النقية، معرفة الشر..! يا للخدعة الخبيثة.. وأكل الإنسان من شجرة المعرفة فصار جاهلًا.. لأنه أخذ معرفة الشر إلى جوار معرفة الخير.. كان الله هو المعلم الأول والوحيد للإنسان، يعطيه من المعرفة ما يفيده وما يُبقي على نقاوته. ثم بدأ الإنسان يتخذ له مرشدًا غير الله، يشير عليه بما يفعل، ويعطيه معرفة أخرى. وكان هذا المرشد للأسف، هو الشيطان الذي دخل الحيَّة، وأرشد الإنسان إلى ما فيه هلاكه..”(14).
6- يقول القس ميصائيل صادق ” نقاوة الذهن لا تعني أن الإنسان يشبه الدواب، بل أن الدواب التي تجهل الشر بالطبيعة، صارت مميزة عن الإنسان الذي عرف الشر ومارسه، فإن معرفة الشر تمثل خطورة شديدة على الإنسان، والدليل واضح جدًا، وهو الدمار الذي تعانيه البشرية الآن، ليس بسبب التميّيز بين الخير والشر، ولكن بسبب ممارسة الشر الذي عرفته البشرية”(8).
7- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر ” لم يكن يريد الله أن يعرف الإنسان الشر حتى يعيش بفكر طاهر.. كانت إرادة الله هي حفظ وصيته والخضوع له، فالله أعطاه سلطانًا على جميع المخلوقات وجعله سيدًا عليها، ولكي يعلم آدم أن له هو أيضًا سيدًا أعطاه وصية واحدة وهي أن يمتنع عن الأكل من الشجرة، ولكن للأسف لم يحافظ على حفظ هذه الوصية”(9).
8- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا ” عندما خلق الله الإنسان خلقه خيّرًا بطبيعته، ولذلك يحن ويشتاق إلى فعل الخير، والله أراد أن يبعد الإنسان عن الشر والخطية، ولذلك يقول يشوع بن سيراخ ” اهرب من الخطيئة هربك من الحيَّة فإنها إن دنوت منك لدغتك. أنيابها أنياب أسد تقتل نفوس الناس. كل إثم كسيف ذي حدين ليس من جرحه شفاء” (ابن سيراخ 21: 2 – 4)(10).
9- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” خلق الله الإنسان مملوءًا خيرًا فقط، ولم يخلق في الإنسان شرًا ولا معرفة للشر، وبرغم ذلك لم يرد أن يسلب الإنسان حريته في أن يعرف ويعمل ما يريد. فمعرفة الشر دخلت إلى العالم بحسد إبليس دون أن يكون الله مصدرًا لمعرفة الشر بل كان مصدرًا لمعرفة الخير فقط”(11).
10- يقول أبونا تيموثاوس السرياني ” معرفة الخير والشر، لا يقصد بها التميّيز بين الخير والشر، لأن هذا التميّيز منحه الله للإنسان وهذا واضح من تسميته للحيوانات وكلامه مع الحيَّة، ولكن يقصد بالمعرفة هنا المعرفة المطلقة التي لا تنفصل عن القدرة التي تترادف مع سلطان يعادل السلطان الإلهي، من هنا ورد في النص”.. تكونان كالله عارفين الخير والشر” (تك 3: 5) أي أنها محاولة الإنسان بأن يدَّعي لنفسه سلطانًا إلهيًا به يصبح قادرًا على صنع مصيره بمعزل عن الله وبالاستغناء عنه، فالأكل من شجرة معرفة الخير والشر في نظر أبونا آدم وفي اشتياقه هو أن يستحوذ بها على الألوهية، ويمتلكها في ذاته ويتصرف بها كما شاء هواه، يريد أن يكتفي بذاته، وهذا لم يرده الله لأنه سيؤدي إلى الانفصال عنه”(12).
11- يقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” كان الإنسان الأول في الجنة في صورة الكمال المُطلق والبراءة الكاملة والبساطة المتناهية، وكان خالدًا. هذه الصورة الكاملة تستلزم أن يكون الإنسان بعيدًا عن معرفة الخير والشر، كالأطفال في بساطتهم. منتهى الجهل أن يقول أحد أن هذه البساطة الكاملة مثل الدواب”(13).
_____
(1) الأسطورة والتراث ص 198، 199.
(2) ترجمة د. نبيلة إبراهيم – الفولكلور جـ 1 ص 144 – 145.
(3) أساطير التوراة وتراث الشرق الأدنى القديم ص 93.
(4) السيد سلامة غنمي – التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 126.
(5) المرجع السابق ص 126.
(6) ترجمة د. نبيلة إبراهيم – الفولكلور جـ 1 ص 146.
(7) المرجع السابق ص 146.
(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(9) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(10) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(11) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(12) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(13) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(14) شخصيات الكتاب المقدَّس 1- آدم وحواء ص 24، 25.