348- ما معنى جنة عدن؟ وأين تقع؟ وهل تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل؟
يقول ” ليوتاكسل ” ساخرًا ” والآن فلنسافر معًا بحثًا عن الجنة.. الجنة الأرضية والشجرة العجيبة موجودتان في مكان ما. وإذا ما بحثنا جيدًا في منطقة دجلة والفرات، ورأينا ملاكًا يحمل سيفًا ملتهبًا، ويقف حارسًا أمام بوابات ما، عندئذ نستطيع أن ننادي بأعلى صوت: ها قد وصلنا! إنها هي، الجنة التي خلقها يهوه”(1).
كما يقول ” ليوتاكسل ” أيضًا ” أما فيما يتصل بالنهر الذي يدعوه سفر التكوين جيحون، فإن خطأ المؤلِف ” المقدَّس ” يعتبر خياليًا. إن هذا النهر {يحيط بجميع أرض كوش}.. أثيوبيا بعينها. أي أن نهر جيحون هو النيل الذي من المعروف أنه يجري في أفريقيا، وفي اتجاه معاكس للاتجاه الذي يجري فيه دجلة والفرات، أي من الجنوب إلى الشمال، وإذا أخذنا نقطة انبثاقه في أفريقيا الاستوائية، من منطقة بحيرة فيكتوريا، فإن المسافة التي تفصل هذه النقطة عن المنطقة، التي تقع فيها منابع الأنهار الثلاثة الأولى، هي ثلاثة آلاف كيلو متر. أما سفر التكوين، فيعلن عن الأنهار الأربعة تروي بستانًا واحدًا هو جنة عدن”(2).
ويرى الدكتور سيد القمني أن قصة جنة عدن ربما كانت صدى لخروج أسلاف العبرانيين من أرمينيا واتجاههم جنوبًا، فيقول د. كارم محمود عزيز ” يرى ” سيد القمني ” أنه بعد البحث، فإنه لا يمكن العثور على موضع تنبع منه أربعة أنهار -وفقًا للنص التوراتي- سوى قمم أرمينيا، حيث ينبع من نفس المكان نهران آخران يصبان في بحر قزوين، هما نهر ” أراكس” و”كورا ” ومن هنا فإنه يرى أن قصة التوراة عن خروج الإنسان الأول من جنة عدن ربما كانت صدى لقصة خروج أسلاف العبرانيين من منطقة منابع الأنهار الأربعة واتجاههم جنوبًا ليستوطنوا هناك.. حيث أنه يفترض أن قمم أرمينيا هي موطن العبرانيين الأصلي”(3)(4).
ج: 1- معنى اسم ” عدن ” رضى أو مسرة، فالمنطقة تدعى عدن، والجنة هي مكان في هذه المنطقة، وعمومًا فإن الجنة هي المكان الزاخر بالأشجار المثمرة، وتصغيرها جنينة.
2- لا يوجد من يعرف مكان الجنة بالتحديد، فكما قصد الله أن يخفي قبر موسى حتى لا يتعبد له بنو إسرائيل، هكذا قصد أني يخفي جنة عدن لحكمة لا نعلمها.
3- لم يذكر الوحي الإلهي النهر الرئيسي الذي كان يروي الجنة، ولكنه ذكر رؤوسه الأربعة الني انقسم إليها، ومنهما نهران معروفان جيدًا، وما زلا قائمين للآن، وهما حداقل (دجلة) والفرات.
4- قال الدارسون أن جنة عدن تقع في بقاع أراراط شرقًا كما أشار إليها الوحي الإلهي ” وغرس الرب جنة في عدن شرقًا” (تك 2: 8).
5- قال الكتاب عن أول أنهار الجنة ” فيشون ” وهو المحيط بجميع أرض حويلة حيث الذهب” (تك 2: 11) ومعنى “فيشون” أي النهر الجاري، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وغالبًا هو قناة ” بالاكوباس ” التي تخرج غربًا من نهر الفرات لتصب في الخليج العربي شرقًا، فأرض حويلة تقع غربي الخليج العربي، وتنسب إما إلى حويلة بن كوش بن حام ” وبنو حام كوش ومصاريم وفوط وكنعان وبنو كوش سبا وحويلة..” (تك 10: 6، 7) أو قد تُنسب إلى حويلة بن يقطان من نسل سام (تك 10: 29) والنهر الثاني من أنهار الجنة ” جيحون هو المحيط بجميع أرض كوش” (تك 2: 13)(5).
6- يستبعد الأب ” سهيل قاشا “ أن يكون المقصود بنهر جيحون هو نهر النيل، وأن المقصود بأرض كوش هي أرض الحبشة، فيقول ” لا نستطيع تشخيص النهرين فيشون وجيحون، فمن المهم أن نلاحظ أن النهر الأخير كان يحيط بجميع الأرض كوش Kush على حد تعبير التوراة. إن كلمة كوش هذه يُقصد بها في الغالب بلاد الكاشيين Kassites(6) الذين أسَّسوا في العراق سلالة بابل الثالثة، واتخذوا من بابل عاصمة لهم أول الأمر، وليس بلاد ” النوبة ” التي يرد ذكرها بهذا الاسم أيضًا في الكتابات المسمارية Cuneiform والهيروغليفية”(7).
7- يقول ” أرمسترونج ” في كتابه ” الطبيعة والإعلان ” Nature & Revelation ” من أين بدأ الجنس البشري طريقه؟ إن العلماء يتفقون تماما فيما يختص بهذا الموضوع وفيما يختص بوحدة الجنس، إن الدولة المعروفة لنا جزئيًا باسم أرمينيا، وهي المنطقة العالية التي فيها رؤوس أنهار الفرات والدجلة والسد، تعتبر مهد الجنس البشري، ومن الأسباب التي تدعو إلى هذا الاعتقاد هو أن كل التراث القديم يشير إلى هذه البقعة كالموطن الأول للإنسان، فهذه هي المنطقة التي أمدت الإنسان بالطعام.. والأبحاث التي يقوم بها علماء ” علم الأجناس ” كلها تؤدي إلى هذه النتيجة”(8).
8- يقول عالِم الطبيعة ” هيجل ” في كتابه ” تاريخ الخليقة ” The History of Creation ” إن مهد الجنس البشري، بناء على أُسس علمية، لا يمكن أن نجده في أوربا أو أمريكا أو أستراليا، ولكن أغلب الظروف تشير إلى آسيا الجنوبية كموطن الجنس البشري الأصلي”(9).
9- يقول المتنيح نيافة الأسقف ايسيذورس إن ” العلماء زيادة على شهادة الآثار المذكورة سلَّموا بما حواه تقرير ” ديلتشك ” أستاذ اللغة الآشورية في كلية ” لبسك ” تحت عنوان ” أين موقع الفردوس ” نشره عام 1881م أثبت فيه أن البقعة التي فيها عدن كانت ذلك القسم الشمالي من مدينة بابل الكائن بين دجلة والفرات، يسقيها الأخير (الفرات) لأنه يحيط بها إحاطة السور بالمعصم، ثم يتفرع منها في بحار ويصب في دجلة، ويُرجح أن أحد هذه الفروع وهو الترعة المعروفة ” بالأكونياس ” كانت فيشون التي تسقي ” أور ” مسقط رأس أبينا إبراهيم وقصب في الخليج العجمي، وجيحون وهو الذي يسميه العرب شط النيل فرع آخر للفرات يبتدئ من بابل ويحيط بأرض كوش التي هي أرض الدولة العيلامية، وكانت تتاخم بابل وتُدعى كاشي، ولا شك أن هذا الوصف الجغرافي يطابق وصف موسى لمكان الفردوس ووصف النهر الذي كان يسقيه ويتفرع منه إلى أربعة رؤوس، وعليه أجمع أغلب العلماء”(10).
10- يقول نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا ” لقد حاول الكثير من الباحثين في البحث عن باقي الأنهار عبر التاريخ، وكانت آراء كثيرة في هذا الصدد، فالبعض أعلن أن المقصود بالنهرين فيشون وجيحون هو نهر النيل، وآخرون يقولون أنهما ” نهر آراس ” أو ” نهر الهندوس ” ولكن هذه التخمينات لا تتفق مع ما يذكره الكتاب المقدَّس لبعد المسافة بين هذه الأنهار وبين نهري دجلة (حداقل) والفرات.
واخترع البعض اسم نهر ” كوخا ” في جنوب إيران، حيث كان هذا النهر يصب قديمًا في الخليج العربي (الفارسي) مع نهري دجلة والفرات، إلى أن أتى العالِم والباحث الألماني (دلتش) واكتشف في بابل قائمة بأسماء الأنهار القديمة الرئيسية التي كانت معروفة وقتئذ، فوجد من بينها أسماء (فيشانو) وهو قريب من (فيشون) و(جيحانو) وهو متشابه مع (جيحون) ووجد أنهما كانا قريبين جدًا من دجلة والفرات.
ومن الملاحظ عمليًا لأي نهر أنه في بدايته يكون كثير الفروع ثم ينحصر عدد هذه الفروع تدريجيًا، وهذا واضح أيضًا بالنسبة لنهر النيل الذي يحكي لنا تاريخه أنه كان قبلًا كثير الفروع، ولازلنا نكتشف آثار لتلك الفروع القديمة للنيل. ومن هنا يتضح أن جنة عدن كانت في أرض العراق، وهذا ما تؤكده عدة نقاط منها(12):
أ – أن العراق من البلاد قديمة التاريخ جدًا.
ب – أن أراضي العراق من أخصب الأراضي في العالم.
جـ- الوثائق الأثرية تشير إلى سهول العراق الكائنة غرب بابل كانت تدعى عدن”(11).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 39.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 14.
(3) النبي إبراهيم والتاريخ المجهول ص 75.
(4) أساطير التوراة وتراث الشرق الأدنى القديم ص 163.
(5) راجع أسامة يوسف عزمي – ورأى الله ذلك أنه حسن ص 168.
(6) فاضل عبد الواحد – الطوفان ص 19، 24.
(7) أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص 161.
(8) برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 192.
(9) برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 192.
(10) المطالب النظرية في المواضيع الإلهية ص 478.
(11) الكتاب المقدَّس والعلم ص75، 76.
(12) راجع أيضًا د. جون ألدر – ترجمة د. عزت زكي – الأحجار تتكلم ص 37، 38.