351- هل خلق الله حواء بعد خلق كل شيء ليظهر انحطاط قدرها؟
يقول ” جيمس فريزر ” واضح أن نظام خلق الكائنات من حيث قيمتها معكوس في كلتا الحالتين، ففي الحكاية الأولى يبدأ عمل الإله بعملية خلق السمك، ثم يمضي بعد ذلك في خلق الطيور والوحوش حتى ينتهي إلى خلق الرجل والمرأة.. أما في الحكاية الثانية فهنا يبدأ بخلق الرجل، ويمضي بعد هذا إلى خلق الحيوانات الدنيا، ثم يخلق في النهاية المرأة، التي تشير بوضوح إلى أدنى أعمال الصفة الإلهية.
وليس هناك في الحكاية الثانية أدنى إشارة إلى أن كلا من الرجل والمرأة قد خُلق على صورة الإله.. أراد الله أن يخفف على الرجل وحشته.. فخلق له الطيور والوحوش، وقدمها إليه فيما يبدو لتسليته، ولكي تؤنس وحشته. وعند ذلك نظر الرجل إليها وسماها بأسمائها، ولكنه كان لا يزال غير راضٍ عن رفقتها، فخلق الله له في النهاية -وكأنه قد يئس من أمره- المرأة من جزء من جسمه لا أهمية له”(1).
كما يقول ” جيمس فريزر ” أيضًا ” ولم يستطع هذا الفنان بعد كل هذا أن يخفي احتقاره الشديد للمرأة، فأخر خلقها، فضلًا على الطريقة الشاذة غير المشرّفة التي خُلقت بها -إذ شكَّلها الإله من جزء من جسم سيدها آدم، بعد أن خُلقت صنوف الحيوان بطريقة طبيعية لائقة- كل هذا يشير إشارة كافية إلى رأيه في حقارة شأن المرأة.. وترتيبًا على هذا فإن كرهه للمرأة – كما يمكن أن نسميه بحق – يضفي على القصة لونًا قاتمًا، وذلك حين يعزو الكاتب محنة الجنس البشري وأحزانه إلى سلوك الأم الأولى الذي يتسم بالحماقة الساذجة، وإلى شهوتها التي أطلقت لها العنان..”(2).
ج:
1- كما رأينا مرارًا وتكرارًا فإن ما جاء في الإصحاح الثاني ما هو إلاَّ توضيح وتفصيل لبعض الأمور التي جاءت في الإصحاح الأول، فالأمر ليس كما يقول فريزر وبقية النُقَّاد بأن هناك روايتان متوازيتان، لأنه لو كان هنا روايتان متوازيتان فلماذا خلت الرواية الثانية (والتي جاءت في الإصحاح الثاني حسب رأي النُقَّاد) من خلق النور، والجَلد، وفصل المياه عن اليابسة، وعمل النيرين العظيمين، وخلق الزواحف والطيور؟!
2- لم يخلق الله آدم قبل النباتات والحيوانات، إنما خُلقت النباتات قبل الحيوانات لكيما تجد الحيوانات طعامها، وخُلق آدم بعد تهيئة كل شيء، ثم خلق الله حواء من ضلع منه، فليست حواء إذًا أدنى منه، لأنها لم تخلق من قدمه، ولو كانت أدنى منه ما كان جمعها الله مع آدم في الإصحاح الأول قائلًا ” ذكرًا وأنثى خلقهم” (تك 1: 27) إنما خُلقت حواء من جنب آدم، فهي مساوية له، وقد اعترف آدم بهذه المساواة عندما قال “هذه الآن عظم من عظمي ولحم من لحمي. هذه تُدعى امرأة لأنها من امرء أُخذت” (تك 2: 23) فهو امرء وهي امرأة.
3- من قال أن حواء خُلقت بعد خلق النباتات والحيوانات؟ كلآَّ.. إنما خلق الله النباتات في اليوم الثالث، وخلق الحيوانات في اليوم السادس قبل خلق آدم، وبالتالي لم تكن حواء قد خُلقت بعد.
4- إنني أعجب من آراء ” جيمس فريزر ” بأن حواء خُلقت بطريقة غير مُشرّفة لأنها أُخذت من جسم آدم، بينما صنوف الحيوانات خُلقت بطريقة لائقة، فهو بهذا يهبط بأمنا حواء إلى درجة أدنى من التراب. لقد خُلقت الحيوانات من تراب الأرض أما آدم فقد تميز عنها، بنفخة الحياة بالروح الخالدة، وبذلك سمىَ آدم فوق التراب بروحه الخالدة، وشابه الملائكة بهذه الروح البشرية. إذًا الحيوانات خُلقت من تراب لا غير، أما حواء فقد خُلقت من جسم آدم الذي هو تراب بالإضافة إلى روح خالدة.. فما بال فريزر يهبط بمستوى الإنسان إلى درجة أقل من التراب؟!! وإنني أعجب أكثر من أمر المترجمة الدكتورة نبيلة إبراهيم التي لم تبدي أي اعتراض أو ملاحظة أو تعقيب على آراء فريزر، فكيف تقبل وهي المرأة أن تكون في درجة أدنى من الحيوانات؟ وكيف توافق فريزر آراءه، وهي تعلم أن هذه الآراء تخالف عقيدتها التي تُقر بأن حواء خُلقت من ضلع آدم؟!!
_____
(1) ترجمة د. نبيلة ابراهيم – الفولكلور جـ 1 ص 107 – 109.
(2) المرجع السابق ص 110، 111.