341- جاء في سفر التكوين عن الله “فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل” (تك 2: 2) وجاء في سفر الخروج “لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفي اليوم السابع استراح وتنفس” (خر 31: 17) فكيف يتعب الله ويستريح، بينما كُتب عنه في موضع آخر “إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكلُّ ولا يعيا” (أش 40: 28)؟
ويرى الدكتور أحمد حجازي السقا أن التوراة صرَّحت بأن الله استراح، لتثبت أن الإنسان الذي يحتاج للراحة قد خلق على صورته، فيقول الدكتور السقا عن كاتب التوراة ” فإنه صوَّر الله تعالى بصورة إنسان.. {فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه} (تك 1: 27) لقد بين أن الإنسان على صورة الله.. ولكي يُقرّب صورة الإنسان من الله، أثبت لله صفات هي من لوازم الإنسان التي لا يستغني عنها، وليست هي من لوازم الله أنه يقول {وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله فاستراح} (تك 2: 2) وليست الراحة من لوازم الله عز شأنه وجل ثناؤه، فهو لا يدركه الكلال، وإنما الذي يدركه الكلال هو الإنسان، وصار في تأكيد شبه الله للإنسان على هذا النحو. فقال: إن الله قال عن آدم عليه السلام {هوذا الإنسان قد صار كواحد منا. عارفًا الخير والشر} (تك 3: 22) أي أنه من فصيلة الله، ولا يختلف عنه لا في هيئة الجسم ولا في العلم. وهو يذكر أن الله يحزن كما يحزن الإنسان”(1).
ويقول أحمد ديدات ” السبت: جعلوا من يوم السبت يوم راحة لله، فيا لهم من متعبين!.. (خر 31: 17) وليقارن من يشاء جلال الله وعظمة قدرته سبحانه وتعالى إذ يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم}”(2).
1- الله روح قدير غير محدود وغير متغير منزَّه عن التعب والكلل، وقد أنجز أعمال الخلق بالكلمة بدون أي تعب ” وقال الله ليكن نور فكان نور” (تك 1: 3).. ” بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها.. لأنه قال فكان. هو أمر فصار” (مز 33: 6، 9).. ” لتسبح اسم الرب لأنه أمر فخلقت” (مز 148: 5) ولم يذكر سفر التكوين أن الله تعب من الخلق واحتاج للراحة، إنما يفترض النُقَّاد هذا، فهذا تصوُّرهم وليس تصوُّر الكتاب المقدَّس.
2- فعل ” استراح ” بالعبرية ” شابات ” ومنها اُشتقت كلمة ” سبت ” ومعناها طبقًا للقانون العبري “الوقوف والكف” فالله كفَّ عن عمل الخلقة، ولذلك قال الكتاب ” وبارك الله اليوم السابع وقدَّسه. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا” (تك 2: 3) فقوله ” خالقًا “ أي أنه توقف عن الخلق وإبداع الموجودات من العدم، ولكنه لم يكف مطلقًا عن عمل الرعاية والعناية والتدبير، وأيضًا المعنى العبري لفعل ” استراح ” يحمل معنى الرضى والسرور بما أُنجز من العمل، وهذا ما عبَّر عنه الله بعدما خلق الإنسان بـ”حسن جدًا” وليس معنى أن الله استراح أي أنه كفَّ عن العمل ككل، فالسيد المسيح يقول ” أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” (يو 5: 17) والقول أن الله تنفس، معناها الحرفي أن الله تنفس بارتياح، والمقصود أن الله أتم وأكمل العمل الذي قصد إتمامه على أحسن وجه.
3- هناك مثال توضيحي لما نحن بصدده، إذ قال صفنيا النبي ” الرب إلهك في وسطك جبار. يُخلّص. يبتهج بك فرحًا. يسكت في محبته. يبتهج بك بترنم” (صف 3: 17) فهل معنى أن الله يسكت في محبته أي يكف عن العمل؟ كلاَّ، لأنه قال في نفس الآية أن الرب يقوم بعمل الخلاص ” يُخلّص ” ولكن معنى يسكت هنا أي يستريح في محبته.
4- يقول ماكنتوش ” اللفظ العبري لا يعني الكف عن العمل بل الراحة، الاستقرار، الرضى. راحة الإنسان في جسمه، في قلبه، في روحه. ذلك أن الله ” لا يكل ولا يعيا ” حتى أنه يحتاج إلى راحة من هذا النوع. بل هي راحة المحبة، كما نقرأ القول ” يسكت “ أو ” يرتاح في محبته” (صف 3: 17) ” يفرح الرب بأعماله” (مز 104: 31).
لو وضعنا في بالنا أن ” اليوم السابع ” لا يدخل في نطاق ” يوم البشر ” بل بالحرف هو ” يوم الدهر ” حينئذ يسهل علينا أن نفهم معنى “استراح في اليوم السابع”، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ففي خلال ” يوم البشر ” لا يمكن أن يرتاح كما قال سيدنا بفمه الكريم ” أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل “ وأكثر من ذلك يقول الله ” استخدمتني بخطاياك وأتعبتني بآثامك” (أش 43: 24) وفي مشهد الخطية كيف يحدد الله راحته ..؟ ومجرد النظر إلى ما حولنا يكفي لكي نتحقق أن الله لا يستطيع أن يستريح الآن وسط الخليقة الحاضرة، فالشوك والحسك وربوات المصائب والأحزان التي تئن من جرائها الخليقة وتمثل أدوارها أمام بصرنا تؤكد لنا أن الله إلى الآن يعمل وأنه لم يسترح بهذه. إذ كيف يستريح الله وسط الحسك والشوك، وسط الدموع والزفرات، وسط البلايا، وسط المرض والموت، وسط انحطاط وتشويش وخراب العالم بواسطة الإثم ؟ وهل يتصوَّر أن الله يجلس الآن على عرشه مستريح البال مُعيدًا بالسبت (إذا جاز التعبير) وسط ظروف كهذه؟”(3).
5- الحجة التي اعتمد عليها ” أحمد ديدات ” على جلال وعظمة وقدرة الله تؤكد أن الله لا يتعب من حفظ السموات والأرض ” وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما ” فالله إن كان قد توقف عن الخلق، إلاَّ أنه لم يتوقف عن حفظ وتدبير السموات والأرض.
6- ربما يعلم كثير من الأخوة الأحباء المسلمين إن قصة خلق الإنسان على صورة الله مُعْتَرَف بها في التراث الإسلامي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقد جاء في الأحاديث أن الله خلق آدم ستون ذراعًا على صورته، وأن الإنسان خُلق على صورة الله في الوجه لذلك نهى عن ضرب الوجوه في القتال.. فليبحث الدكتور السقا ليرى ويعلم.
7- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مارمينا العامر ” القول أن الله ” استراح ” قول مستعار من لغة البشر، يقصد به أنه كفَّ عن إبداع مخلوقات جديدة، وهذا ما هو مذكور في (تك 2: 3) ” استراح من جميع عمله الذي عمل خالقًا “ ومعنى استراح أن الله أراد أن يعطينا تعليمًا، وهو أن تفرز يومًا من الأسبوع لعمل الروحيات، ومن المسلَّم به أن الله روح وليس له جسد، لذا فمن البديهي أنه لا يتعب وبالتالي لا يحتاج إلى راحة”(4).
8- يقول القس ميصائيل صادق ” تعبير الراحة لا يعني الاسترخاء، ولكنه يعني رضى الله عن خليقته، وارتياحه لها، وهذه تعبيرات تناسب عقل الإنسان، فلا يمكن أن يدرك الإنسان إلاَّ ما يناسب فكره، حتى يتخلص من ضعفه حينئذ يدرك ما لم يكن يدركه من قبل”(5).
9- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا ” هل استخدام التعبير عن الله بما يناسب الأسلوب البشري قاصر على الكتاب المقدَّس فقط، أم أن القرآن أستخدم نفس التعبيرات مثل قوله عن الله ” هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش” (سورة الحديد 4) وغيرها”(10) وفعلًا لقد نسب القرآن لله الحسرة ” حسرة على العباد” (سورة يس 3) والنسيان ” نسوا الله فنسيهم” (سورة التوبة 67) ” إنا نسيناكم” (سورة السجدة 14) والمكر ” ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين” (سورة آل عمران 54) والغضب ” وغضب الله عليهم” (سورة الفتح 6) وفي صحيح البخاري ينسب لله الضحك على آخر رجل يبقى في النار وهو يقول لله ” لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه”.
10- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا ” ليس لله جسد مثلنا فيعتب ويحتاج للراحة، ففعل ” استراح ” هنا لا يعني نهاية التعب، إنما له معان أخرى، فهو يعني سرور الله لإعطائه البركة للخليقة التي يحبها {لأن الرب قد اختار صهيون اشتهاها مسكنًا له. هذه هي فرحتي إلى الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيتها. طعامها أُبارك بركة مساكينها أشبع خبزًا} (مز 132: 13 – 15) وبارك الله اليوم السابع، وأيضًا يعني سرور الله باكتمال الخليقة {استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا} (تك 2: 3) ورأى بعض علماء الكتاب أن هذه الآية نبوءة عن السيد المسيح الإله المتجسد الذي اتخذ جسدًا بشريًا يتعب ويستريح ويأكل ويشرب وينام، وكان يوم راحته يوم قيامته من الأموات ونصرته على الشيطان والخطية والموت، وتجديد البشرية مرة أخرى، ولهذا صار يوم الراحة في العهد الجديد يوم الأحد بدلًا من السبت “(6).
11- يقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” الله منزَّه عن جميع الصفات التي تطلق على الإنسان مثل التعب والراحة، ولكن الكتاب المقدَّس استخدم الاصطلاحات التي يفهمها الإنسان، فإذا كُتب أن الرب استراح من جميع عمله، أي أن الرب انتهى من جميع عمله، فالرب منزَّه عن التعب، فهو ليس كالإنسان الذي يكل ويعيا”(7).
12- يقول الباحث الدكتور ملاك شوقي أسكاروس الخادم بالإسكندرية ” أن الله استراح في اليوم السابع، فاليوم السابع يتميز عن الأيام التي سبقته، حيث لم تكن الخليقة قد اُكتملت بعد، أما في هذا اليوم فقد أكتمل عمل الخلقة، ونعمت الخليقة بالوجود والراحة، وصار الإنسان تاجًا لهذه الخليقة الرائعة، فهوذا الكل قد أكتمل ولذلك بارك الله هذا اليوم وقدسه، وجاء في كتاب ” تاريخ الطبري”.. {أن الرسول قال: وخلق (الله) يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات ” الآجال ” من يحيا ومن يموت.. وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة. ثم قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش. قالوا أصبت، أتممت. قالوا: ثم استراح”(8)(9).
_____
(1) نقد التوراة ص 74، 75.
(2) ترجمة على الجوهري – عتاد الجهاد ص 62.
(3) شرح سفر التكوين ص 52 – 54.
(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(9) تاريخ الطبري ص 22، 23.
(10) من إجابات أسئلة سفر التكوين.