Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

ما هو رأي علم الآثار في قول النُقَّاد بأن شعب الحثيّين الذي جاء ذكره في سفر التكوين مجرد خرافة؟

 329- ما هو رأي علم الآثار في قول النُقَّاد بأن شعب الحثيّين الذي جاء ذكره في سفر التكوين مجرد خرافة؟

ج:

1- جاء ذكر الحثيّين في الكتاب المقدَّس، ففي سفر التكوين اشترى إبرام قطعة أرض من عفرون الحثي (تك 23: 7 – 18) واتخذ عيسو زوجة وهي ابنة بيري الحثي (تك 26: 34) وفي سفر يشوع حارب يشوع الحثيّين (يش 11: 3 – 29) وفي صموئيل الأول كان أخيمالك الحثي من جيش داود (1صم 26: 6) وتزوج داود من امرأة أوريا الحثي (2 صم 11) وتزوج سليمان من حثيات (1 مل 11: 1) وفي ملوك الثاني كان لهم ملوك (2 مل 7: 6) وقد شكك البعض في وجود هذا الشعب في التاريخ(1) ولكن الآثار المصرية والأشورية كشفت عن حقيقة هذا الشعب، فقد نشبت معركة قادش بين رمسيس الثاني والحثيّين سنة 1269 ق.م.، ويبدو أن نتيجة المعركة لم تُحسم لأي طرف من الطرفين، مع أن رمسيس الثاني نقش انتصاره على جدران معابده في طيبة، وكذلك نسب الحيثيون النصر لأنفسهم، وانتهت الأمور بتوقيع معاهدة صلح، وتزوج رمسيس الثاني من ” خيتا” (خاتوسيلي) وتسمت بالاسم المصري (ماعت – نفرو – رع)(2).

ويقول د. سليم حسن عن الحثيّين أنهم ” يُعدُّون ضمن القبائل السورية الصغيرة التي ذُكرت في التوراة، وكان كل ما يُعرف عنهم مُستقى من كتاب العهد القديم.. غير أن علم الآثار الحيثية لم يبتدي فعلًا إلاَّ في عام 1886م.. ولفظة خيتيين (حثيّين) وصلتنا من كتاب العهد القديم وقد وُجِدت في الخط المسماري بلفظة ” خاتي ” وفي المصرية ” ختي”(3)(4).

وقد وُجدت صور للحثيّين تظهر ملامحهم التي تقترب من ملامح الأرمن، حتى ظن بعض العلماء بأنهم يمثلون الجدود القدامى للجنس الأرمني، ومن أوائل الذين اكتشفوا آثار الحثيّين العالِم الأثري ” د. سايس”، والعالِم الأثري ” د. وليم رايت ” حيث نقَّبا في تركيا، وأصدر ” د. سايس ” كتابه ” الحثيون قصة إمبراطورية منسية”.

2- في سنة 1906م نقَّب ” د. هيو ونكلر ” في منطقة شرق أنقرة بنحو 90 ميلًا فاكتشف عاصمة الحثيّين، وما حوته من لوحات باللغتين البابلية والحثية ويقول ” وليم كامبل”.. ” إن ” هوجو ونكلر ” كان في عام 1906م قد أكتشف ” بوغاز كوي” (في تركيا) وهي عاصمة الحثيّين، وقد وجد ونكلر في سجلات الألواح الفخارية معاهدة حربية بين الحثيّين والمصريّين يرجع تاريخها إلى عام 1300 ق.م. تقريبًا. 

كما أنه تم اكتشاف لوح يسجل معركة حامية الوطيس بين رمسيس الثاني والحثيّين في قادش على نهر الأورنتس”(5)(6) وفي سنة 1911م أشترك العالِم الأثري سير ” ليونارد وولي ” مع ” لورنس” (الذي دُعي لورانس العرب، والذي كتب كتابه أعمدة الحكمة السبعة) في التنقيب بمنطقة كركميش حيث تم اكتشاف مدى عظمة تلك الإمبراطورية الحثية التي طواها التاريخ.

وقال زينون كوسيدوفكسي أنه مع بداية القرن العشرين اكتشف عالما الآثار الألمانيان ” وينكلر” و”بوهشتين ” أنقاض عاصمة الحيثيّين في تركيا على نهر الجرمان الحالي، وتشغل العاصمة ” حاتوشاش “170 هكتارًا، وتم اكتشاف قصر الملك ذو الأبعاد الهائلة، ومعابد وأسوار القلاع وبعض التماثيل من البازلت الأسود لرجال ذو شعور طويلة تتدلى على ظهورهم يلبسون قبعات عالية، مع ثياب قصيرة وأحذية حادة المقدمة، وقد فك العالِم التشيكي ” بي غروزني ” رموز اللغة الحثية، وهي ضمن مجموعات اللغات الهندو – أوربية، وهذا يدل على أصل الحيثيّين الهندو – أوربي، وبفضل ” بي غروزني ” مع عالِم الآثار الإنجليزي ” فولي ” تم رسم صورة شبه كاملة لتاريخ وحضارة وديانة وحياة الحيثيين(7).

وجاء في دائرة المعارف الكتابية ” لكن بالإضافة إلى معاهدة رمسيس الثاني مع ” خيتا ” والمعتقد بوجه عام -منذ وقت طويل- أن المقصود بها هم الحثيون، والإشارات إلى ” حاتي ” في خطابات تل العمارنة، ويرجع أيضًا أنها إشارة إلى ذلك الشعب نفسه، فبالإضافة إلى كل ذلك، لدينا الآن الاكتشاف العظيم ” لونكلر ” لعاصمة الحثيّين في ” بوغاز كوي ” والنسخة الحثية من المعاهدة مع رمسيس الثاني بالخط المسماري، وهكذا يظهر الحثيون كأمة عظيمة، هي الثالثة مع الأمتين المصرية والبابلية”(8).

3- في سنة 1928م عندما اُكتشفت آثار أوغاريت، تم العثور على ألواح أثرية دُوّنت بعدة لغات، جاء فيها ذكر شعب الحوويّين والحثيّين، وجاء فيها أن مدينة الحثيّين قد خُرّبت سنة 1400 ق.م.، علمًا بأن آثار ” حانوسا ” عاصمة المملكة الحثية بآسيا الصغرى قد كشفت أنها استولت على بابل في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وأنها امتدت إلى سوريا، وأجبرت المصريين على التراجع إلى بلادهم.

ويقول ” هنري م. موريس“.. ” يُعلمنا الكتاب المقدَّس أن الحثيّين كانوا من أقوى الشعوب التي كان على العبرانيّين مواجهتهم في أرض الميعاد، وقد كرَّر الكتاب المقدَّس ذلك أكثر من مرة، ولكن حتى نهاية القرن التاسع عشر لم يكن هناك أي دليل مادي على وجودهم، فلعدة أعوام استخدم غلاة الناقدين ” خرافة الحثيّين ” كما يسمونها لنقض الكتاب المقدَّس وإثبات أنه لم يُوحى به من الروح القدس. 

ولكن الآثار التي اُكتشفت حديثًا في تلك المنطقة، تثبت أن هؤلاء القوم كانوا يؤلفون واحدة من أشد الأمم قوة وأعظمها تأثيرًا في وقت من الأوقات، وبذلك تضيف دليلًا جديدًا على صحة ما ورد بالكتاب المقدَّس.. نفس القصة يمكن أن تُقال عن ” أدوم والأدوميين ” الذين ذُكروا في الكتاب المقدَّس، ولكنهم راحوا في طيات النسيان عبر التاريخ، حتى جاء القرن التاسع عشر حين عُثر على آثار مصرية وأشورية لهم، بل وفي السنوات القليلة الماضية، تم اكتشاف عاصمتهم ” بترا ” في حالة ممتازة، وكان ذلك بمثابة هزيمة جديدة للنُقَّاد الذين نظروا إلى قصة الأدوميين على أنها خرافة”(9).

4- فسَّر علم الآثار عرض عفرون الحثي على إبراهيم استلام الحقل مع مغارة المكفيلة (تك 23: 11)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقد جاء في دائرة المعارف الكتابية أن ” مجموعة قوانين الحثيّين تلقي الضوء على موضوع شراء إبراهيم للمقبرة من عفرون (إصحاح 23) ومع أن مجموعة القوانين الحثية التي اُكتشفت في ” بوغاز كوي ” عاصمة الحثيّين في آسيا الصغرى ترجع إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إلاَّ أنه من الواضح أنها كانت سائدة عند الحثيّين منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد. 

وتبين هذه القوانين الالتزامات الإقطاعية التي كانت تُتبع عند بيع قطعة أرض بكاملها، فكانت تختلف عن تلك التي كانت تُتبع عند بيع جزء منها، ومع أن إبراهيم كان يريد شراء المغارة فقط، إلاَّ أن عفرون اشترط بيع الحقل كله، وبذلك نقل جميع المسئوليات والالتزامات الإقطاعية إلى إبراهيم. كما أننا نلاحظ نقل ملكية الشجر، وهذا يطابق ما يجري في مثل هذه الحالات عند الحثيّين (تك 23: 17)”(10).

5- وحتى بعد أن محقت الآثار آراء النُقَّاد في أن الشعب الحيثي مجرد خرافة، عاد بعض النُقَّاد يدعون بأنه حتى لو كان هناك وجود فعلي للحثيين، لكن لم يكن لهم أي وجود في فلسطين إلاَّ بعد دخول بني إسرائيل أرض الموعد، وليس أيام إبراهيم، فيقول الدكتور محمد بيومي مهران ” ما ترويه التوراة من أن إبراهيم الخليل -عليه السلام- قد اشترى مغارة المكفيلة من عفرون الحثي -من بني حث- وما ترويه عن زوجات عيسو الحيثيات، فمن المعروف تاريخيًا أن الحثيّين لم يظهروا في فلسطين قبل دخول الإسرائيليّين إليها. 

صحيح أن الحثيّين كانوا على علاقة بسوريا في عصر الإمبراطورية الحيثية، وأن الجيوش الحيثية إلى عهد “شوبيلو ليوما” (1375 – 1350 ق. م.) قد وصلت إلى دمشق، ولكنها لم تدخل فلسطين نفسها على الإطلاق، ولم توجد بين الدول الحثية دولة واحدة تقع جنوب حماة، ولم تكن هذه الأخيرة ضمن أي جزء من أقاليم فلسطين، إذ كانت تفصلها عن المملكة الآرامية في دمشق، وعلى ذلك فإن وجود الحثيّين في فلسطين قبل الغزو الإسرائيلي يثير مشكلة عجيبة، لم يجد لها النُقَّاد من تعليل سوى نسبة نصوص التوراة هذه التي تتردد فيها كلمة “بني حث” و”حثيات” إلاَّ إلى الكاتب الكهنوتي في العهد التالي للنص”(11).

بينما يؤكد أ. م. هودجكن ” أن هذه الإمبراطورية (الحيثية) المجهولة قد أظهرتها الكتابات الهيروغليفية والنقوش المكتوبة بالخط المسماري، فقد كشفت لنا الصور المنقوشة على الآثار عن حقيقة الحثيّين (أو ” خيتا ” كما كان يسميهم المصريون) ذوي الوجوه القبيحة بقبعاتهم المحدودبة، وأحذيتهم الواقية من الثلوج ذات مقدم منحن إلى أعلى، وقفازاتهم التي لا أصابع لها دلالة على برودة الطقس في مواطنهم الشمالية بين جبال كبادوكية وطوروس. 

أما نقوشهم التي اُكتشفت في آسيا الصغرى وفي عدة بقاع أخرى فإنها تدل على أن المصريّين لم يخطئوا في تصويرهم بالصورة التي مثلوهم بها. هذه الأمة التي ظلت مجهولة زمنًا طويلًا كانت موجودة قبل المسيح بتسعة عشر قرنًا ودامت نحو ألف سنة، وكانت ممتدة من بحر اليونان غربًا إلى بحيرة ” فان ” شرقًا وكانت عاصمتها كركميش، وقد بسطت نفوذها جنوبًا فاكتسحت سوريا (آرام) وفلسطين ووقفت أمام مصر عدوًا خطرًا.

وفي أيام حكم رمسيس الأعظم الطويلة كانت هناك حروب مستمرة بين الأمتين مما سبب كثيرًا من التدمير لمدن كنعان إذ خربتها جيوش الأعداء. ومن هذا نستطيع أن نفهم لماذا لم يقاوم الكنعانيون شعب إسرائيل إلاَّ مقاومة ضعيفة عندما غزا بلادهم، وإذ انتهت الحرب بالصلح مع رمسيس تدل شروط الصلح على أن ملك الحثيّين العظيم على قدم المساواة مع ملك مصر العظيم، وختمت المعاهدة بزواج فرعون بابنة ملك الحثيّين”(12).

_____

(1) راجع الأب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص 17.

(2) راجع قليني نجيب – الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 23، 24.

(3) موسوعة مصر القديمة جـ 5 ص 639.

(4) أورده قليني نجيب – الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 24.

(5) Me Dowell, More Evidence, P 309 – 311.

(6) القرآن والكتاب المقدَّس في نور التاريخ والعلم – الفصل الأول – القسم الثالث.

(7) راجع الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 120، 121.

(8) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 181.

(9) ترجمة نظير عريان ميلاد – الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث ص 96،  97.

(10) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 24.

(11) مذكرة تاريخ الشرق الأدنى القديم – تاريخ اليهود – كلية الآداب – جامعة الإسكندرية ص 270، 271.

(12) تعريب حافظ داود – شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 27، 28.

 329- ما هو رأي علم الآثار في قول النُقَّاد بأن شعب الحثيّين الذي جاء ذكره في سفر التكوين مجرد خرافة؟

Exit mobile version