سؤال وجواب

ما هي الملاحظات التي يجب مراعاتها عند التعرض للمشكلات الكتابية؟

 323- ما هي الملاحظات التي يجب مراعاتها عند التعرض للمشكلات الكتابية؟

ج:

1- كُتبت معظم أسفار العهد القديم باللغة العبرية، وبعضها بالأرامية، وكُتب العهد الجديد باللغة اليونانية، وترجم الكتاب المقدَّس إلى آلاف اللغات، فأحيانًا تظهر بعض الصعوبات في بعض الترجمات، وأحيانًا تكون الصعوبات في الأصول، ولذلك من الأفضل عند مواجهة صعوبة معينة الرجوع للأصول العبرية والترجمة اليونانية للعهد القديم لأنها من أقدم وأدق الترجمات، وأيضًا الرجوع للأصول اليونانية بالنسبة للعهد الجديد، وليكن لي ثقة كاملة بأن الكتاب معصوم تمامًا في أصوله، ولذلك يقول الشهيد يوستين في بداية القرن الثاني، وهو كان أقرب للأصول ويفهم لغاتها ” إذا بدأ أن هناك نصوصًا تتعارض مع أخرى في الكتاب المقدَّس، فالأفضل أن أعترف أنني لم أفهم جيدًا ما هو مكتوب”(1) وقال القديس أغسطينوس ” إن مؤلفات الكتب المقدَّسة هذه التي تُعرف بالقانونية هي فقط التي تعلمت أن أعطيها انتباهًا واحترامًا كاعتقادي الجازم بأنه ليس هناك أحد من كتابها قد أخطأ. فعندما ألتقي في هذه الكتب بدعوى تبدو مناقضة للحقيقة، فإنني عندئذ لا أشك في أن.. المترجم لم يترجم النص الأصلي بشكل صحيح، أو أن مقدرتي على الفهم تتسم بالضعف(2).

2- بعض الأشخاص لهم أكثر من اسم وكذلك بعض المدن والأماكن، فيجب الرجوع إلى آراء الدارسين في هذا.

3- يستخدم الكاتب أحيانًا أسلوب الماضي بالنسبة لأمور مستقبلية وذلك للتأكيد على أنها سوف تحدث، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيجب مراعاة ذلك، وقد تشير بعض النبوءات إلى أمور ستقع في الزمن القريب، وأخرى ستقع في الزمن البعيد، مثلما تحدث السيد المسيح عن علامات خراب أورشليم في نفس الإصحاح مع علامات مجيئه الثاني في إنجيل معلمنا متى الإصحاح الرابع والعشرين والخامس والعشرين.

4- يحوي الكتاب تشبيهات واستعارات ورموز ومجاز بما يستلزم الرجوع إلى قواعد اللغة والبلاغة.

5- دراسة البيئة التي كُتب فيها السفر ومجريات الأمور حينذاك وملابسات الموقف، تساعدنا على تفهم الأمور بصورة أفضل.

6- ليس معنى وجود خلافات بين الكتاب وآراء بعض النقاد أن هؤلاء النقاد على حق، والكتاب هو الخطأ، فطالما اختلف النقاد فيما بينهم، ولذلك يجب الثقة الكاملة في عصمة الكتاب المقدَّس.

7- عند الوقوف أمام صعوبة معينة يجب مراعاة الأمور الآتية:

أ – تفسير النصوص الصعبة في ضوء النصوص الواضحة المباشرة، وليس في ضوء النصوص الغامضة.

ب- يجب مراعاة أن رجال العهد الجديد كانوا يقتبسون من العهد القديم اقتباسًا حرفيًا، أو اقتباسًا ضمنيًا بالمعنى (لاسيما القديس بولس).

جـ- لم يستخدم الكتاب المقدَّس اللغة العلمية المتخصصة والمصطلحات العلمية، إنما استخدم لغة الحياة غير المتخصصة.

د – استخدم الكتاب المقدَّس الأعداد أحيانًا بصورة دقيقة، وأحيانًا بصورة تقريبية.

8- عندما نقرأ للبعض مثل أحمد ديدات في كتابه ” هل الكتاب المقدَّس كلمة الله؟ ” أو د. محمد عمارة في مقاله بجريدة المصري أكتوبر 2007 تحت عنوان ” محمد عمارة يشن هجومًا على أقباط المهجر لإثارتهم الشبهات حول القرآن ” حيث يدَّعون أن الكتاب المقدَّس يحوي 150 ألف خطأ وتناقض، لا ننزعج ولا نتضايق، بل يجب إحكام العقل، فإن كان الكتاب المقدَّس يحتوي 1345 إصحاحًا (العهد القديم كاملًا بالأسفار التي حذفها البروتستانت 1085 والعهد الجديد 260 إصحاح) فهل يوجد أكثر من 110 خطأ في كل إصحاح، وإذا كان هناك الكثير من الإصحاحات والمزامير تقل كلماتها عن هذا العدد، فهل معنى هذا أنه يُوجد أكثر من خطأ في الكلمة الواحدة؟!! يجب أن ندرك أن هناك قراءات مختلفة وليس أخطاء في الكتاب المقدَّس، فنتيجة النساخة لمئات السنين ظهرت بعض الاختلافات البسيطة التي لا تؤثر على أي عقيدة إيمانية، فمثلًا اسم ” آساف ” ورد في بعض النسخ باسم ” آسا ” ففي الطبعة البيروتية ” أبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوسافاط” (مت 1: 7، 8) فهذه تعتبر قراءة مختلفة ولا تحتسب بقراءة واحدة، إنما لأن الاسم تكرر مرتين وجاء هكذا في 1000 مخطوطة مثلًا، فعدد القراءات المختلفة هنا 2 × 1000 = 2000 قراءة مختلفة، ولذلك لا نستعجب عندما نسمع أن هناك قراءات مختلفة بالآلاف لا ننزعج، فلا واحدة منها تمس أي عقيدة إيمانية، فأي عقيدة إيمانية لا تعتمد على آية واحدة. كما أن مدرسة النقد الأدنى تعمل في هذا المجال بأسلوب علمي لكيما تصل إلى ضبط هذه القراءات المختلفة عن طريق مقارنة الأجيال المختلفة من المخطوطات، وأيضًا مقارنتها مع اقتباسات الآباء في القرون الأولى، ويتم مراعاة الأمور الآتية في ضبط هذه القراءات(3):

أ – تفضيل القراءة الأقدم، وأيضًا المنسوخة من مخطوط أقدم.

ب- تفضيل القراءة الأكثر صعوبة، حتى نضمن أن الناسخ لم يلجأ إلى اختيار ألفاظ أسهل لتسهيل القراءة والفهم.

جـ- تفضيل القراءة المختصرة، لأن الناسخ قد يضيف كلمة توضيحية، بينما لا يجرؤ على حذف حرف واحد.

د – تفضيل القراءة التي تتمشى مع أسلوب الكاتب ومع المفردات الأخرى.

هـ- تفضيل القراءة الأكثر انتشارًا جغرافيًا.

و – تفضيل القراءة التي تتوافق مع اقتباسات الآباء في القرون الأولى.

ويقول ” جون جلكرايست“.. ” نعم هناك قراءات مختلفة للكتاب المقدَّس، ونحن كمسيحيين نؤمن بالنزاهة التامة في كل وقت، ولا يسمح لنا ضميرنا أن نتحاشى الحقائق.. ونحن لا نرى أن هذه القراءات المختلفة تثبت أن الكتاب المقدَّس قد تغيَّر. إن أثرها على الكتاب قليل ويمكن تجاهلها، ويمكننا بثقة أن نؤكد أن الكتاب المقدَّس بشكل عام سليم ولم يحدث به أي تغيّير بأي طريقة“.

9- أقول لأخوتي من الكتَّاب المسلمين لماذا تتعجبون من القراءات المختلفة في الكتاب المقدَّس وتدعون أنها أخطاء، بينما قُرأ القرآن على سبعة أحرف؟ فعندما قرأ هشام بن حكيم سورة الفرقان بصورة مختلفة عما تعلَّمه عمر حدثت مشادة بينهما، واحتكما للرسول، الذي أيدَّ قراءة كل منهما رغم اختلاف القراءتين، موضحًا لهما، أن القرآن نزل بسبعة أحرف، وجاء في صحيح البخاري ” حدثنا سعد بن عفير.. أن السور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (صلعم) فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (صلعم) فكدت أُساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلَّم، فلبَّبته بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال أقرأنيها رسول الله (صلعم) فقلت كذبت فإن رسول الله (صلعم) قد أقرأنيها على غير ما قرأتَ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (صلعم) فقلتُ: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله (صلعم) أرسله، أقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله (صلعم) كذلك أُنزلت. ثم قال إقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقراني، فقال رسول الله (صلعم) كذلك أُنزلت،  إن هذا القرآن أُنزل على سبعة حروف(4).

ويقول ” وليم كامبل ” من أمثلة القراءات المختلفة في سورة الفاتحة ” في الآية 3: مَالِكِ يوم الدين، قرئت مَلك يوم الدين، وقرأ أبو حنيفة مَلَكَ يوم الدين، وقرأ أبو هريرة مالكَ.. في الآية 5 إيَّاك قرئت إياك (بتخفيف الياء) وأيَّاك، وهَيَّاك.. في الآية 6 أهدنا الصراط قرأ عبد الله أرشدنا، والصراط تُكتب بالصاد وبالسين، وصراط الذين أنعمت عليهم قرأ بن مسعود من أنعمتَ.. في الآية 7 غير المغضوب عليهم ولا الضالين قرأ عمر وعلى وغير الضالين.. وفي آخر سورة الفاتحة آمين. قال أبو حنيفة أن الواجب عدم الجهر بها، لأنها ليست من القرآن(5).

كما يقول وليم كامبل أيضًا ” لنتأمل آية 60 من سورة المائدة {قل هل أُنبئكم بشّرٍ من ذلك مُثوَبة عند الله من لعنه اللهُ وغضب عليه وجعلَ منهم القردةَ والخنازير وعَبَد الطاغوت} يبدو من القراءة السطحية أن الفاعل للفعل “عَبَدَ” هو الله، ولكن من المستحيل أن يعبد الله الصنم المعروف بالطاغوت، وهناك 19 قراءة مختلفة لهذه الآية: سبع منها لابن مسعود، وأربع لأبي بن كعب، وست لابن عباس، وواحدة لعُبيد بن عُمير، وواحدة لأنس بن مالك. وإليك قراءات ابن مسعود السبع لهذه الآية: ومن عَبَدوا الطاغوتَ. وعَبَدةَ الطاغوتِ. وعُبَدَ الطاغوتُ – وَعَبُد الطاغوتُ – وعُبُدَ الضاغوت – وعُبِدَت الطاغوتُ – عُبَّدَ الطاغوتَ.. في هذه القراءات جُعل الفعل في صيغة الجمع ليكون المعنى أن القردة والخنازير هم الذين عبدوا الطاغوت، وجُعل الفعل في صيغة المبني للمجهول ليُعبَد الطاغوت من قِبل القردة والخنازير، وجُعل عبد اسمًا ليكون المعنى أن القردة والخنازير من عَبَدة الطاغوت”(6).

_____

(1) د. جوزيف موريس فلتس – مؤتمر العقيدة السادس ص 135.

(2) أورده د. موريس بوكاي – القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 57.

(3) راجع كتابنا: أسئلة حول صحة الكتاب المقدَّس ص 188 – 191، وكذلك مدارس النقد والتشكيك جـ 1 ص 75 – 78.

(4) صحيح البخاري جـ 3 ص 226، 227.

(5) راجع القرآن والكتاب المقدَّس في نور التاريخ والعلم – الفصل الثالث – القسم الثالث.

(6) القرآن والكتاب المقدَّس في نور التاريخ والعلم – الفصل الثالث – القسم الثالث.

 323- ما هي الملاحظات التي يجب مراعاتها عند التعرض للمشكلات الكتابية؟