309- هل الكتابة كانت قد عُرفت في زمن موسى النبي؟
ج:
1- سبق الإجابة على هذا السؤال(1) ونود إضافة الآتي:
1- في سنة 1902م تم اكتشاف شريعة حمورابي في موقع ” سوسا ” القديمة محفورة على أحجار، ويرجع تاريخها إلى الفترة من 2000 – 1700 ق.م..
ويقول ” سدني كوللت ” في كتابه(2) “من يزور المتحف البريطاني سيرى بنفسه ألواح ” تل العمارنة ” التي تحتوي على نصوص بكتابة يرجع تاريخها إلى ما قبل زمن موسى بنحو 100 سنة، وليس هذا فقط، بل في المتحف البريطاني أيضًا نسخة (أصلها موجود بمتحف اللوفر بباريس) من حجر أسود ضخم ارتفاعه ثمانية أقدام اكتشفه مستر ” مورجان ” في ” سوسا ” في ديسمبر 1901م، وهي تحتوي على القوانين المكتوبة للملك ” حمورابي ” الذي عاش قبل موسى بنحو 500 سنة، ومن المحتمل أنه كان معاصرًا لإبراهيم. ولعله ” أمرافل ” الذي كان يحكم ” شنعار” (تك 14: 1) بل وهناك أيضًا كتابة قدماء المصريين بالنقش على حجارة مقابرهم ومعابدهم، كما في الأهرامات التي يرجع تاريخها إلى ما قبل إبراهيم بمئات السنين”(3).
وبينما سخر ” فون بوهلن ” من فكرة أن الآباء البطاركة الذي يمثلون جماعة من البدو يعرفون الشرائع فإن دكتور ” درايفر ” يقول ” لا ينكر أحد أن الآباء كانوا يعرفون فن الكتابة”(4).
2- في سنة 1925م تم اكتشاف نحو 4000 لوح مكتوب عليه في منطقة ” نوزي ” بالقرب من نينوى القديمة، ويرجع تاريخ هذه الألواح إلى 1500 – 1400 ق.م.، ولنا عودة لهذه الاكتشافات في الفصل الأول من هذا الكتاب.
3- في سنة 1929م تم اكتشاف ألواح في منطقة ” أوغاريت ” في الساحل السوري الشمالي مدوَّن عليها كتابات بأسلوب شعري يشبه ما سجلته التوراة في ترنيمة مريم (خر 15) وترنيمة دبوره (قض 5) ويرجع زمن تاريخ كتابتها إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وقد عُرفت خمسة أشكال للكتابة في بلاد الرافدين، ففي مدينة ” إبلا ” التي تبعد 40 كم عن حلب استعملت الكتابة سنة 2400 ق.م.، ويقول الخوري بولس الفغالي ” أبرزت اكتشافات رأس شمرا (أوغاريت) ورأس ابن هاني على الشاطئ السوري الشمالي كتابات مدوَّنة على خمسة أشكال: المسمارية الآشورية البابلية، المسمارية الأبجدية، الهيروغليفية الحثية، الهيروغليفية المصرية، الكتابة القبرصية المينوية (أو الكريتية) وهذه الكتابات تنقل إلينا لغات: السومرية، الأكادية، الأوغاريتية، الحثية، الحورية، المصرية، القبرصية المنيوية.. تعود هذه الكتابات إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م.. والكتابة المستعملة لهذه اللغة السامية الغربية هي الأوغاريتية وهي أبجدية مسمارية Cuneiform تتضمن 30 علامة: 28 حرفًا صامتًا و2 حرف مصوَّته (أ، و، ي)”(5).
4- في سنة 1933م تم اكتشاف حفريات في منطقة ” ماري ” في سوريا حيث وجدت آلاف الألواح، مدوَّن عليها بالخط المسماري، ويرجع تاريخها إلى 1700 ق.م.، وفي سنة 1974م تم اكتشاف أكثر من 17 ألف لوح في نفس منطقة ” ماري ” يرجع تاريخها إلى سنة 220 ق.م.، ولنا عودة أيضًا لهذه الاكتشافات في الباب الأول.
5- هناك المسلة المصرية المقامة في ميدان الكونكور بباريس مدوَّن عليها كتابات باللغة الهيروغليفية، وترجع إلى عصر رمسيس الثاني.
6- جاء في جريدة الأخبار(6) نقلًا عن وكالة الأنباء (أ. ش. أ).. ” أكتشف علماء المصريات أثناء اقتفائهم أثر طريق قديم في الصحراء الواقعة غربي نهر النيل نقوشًا على حجر جيري يقولون أنها نماذج للكتابة من الألف بائية – الأبجدية، حيث كان الجنود وحملة الرسائل والتجار يسافرون من طيبة إلى أبيدوس، عبر هذا الطريق، ومن المتوقع أن يساعد الكشف في تحديد زمان ومكان أصل الأبجدية، التي تعد أول تجليات الحضارة، وقد قُدّر تاريخ الكتابة التي حُفرت في صخور غير صلدة بأحرف سامية تحمل تأثيرات مصرية بأنها فيما بين سنة 1900، 1800 ق.م. قبل الاستخدامات المعترف بها سابقًا لأبجدية وليدة بفترة تتراوح بين قرنين وثلاثة قرون، ويقول العلماء أن أول تجارب الأبجدية فيما يبدو، أُجريت على أيدي أناس ساميين يعيشون في أعماق مصر”.
7- لقد عُرفت الكتابة في مصر كما رأينا سابقًا(7) حيث استخدمت اللغة الهيروغليفية وهي لغة تصوّيرية، أي أنها تستخدم الصور للتعبير عن الحروف، وظهر منها الديموطيقية ثم الهيراطيقية، ويقول الخوري بولس الفغالي ” وعادت أول الكتابات في مصر إلى سنة 3150 ق.م. تقريبًا، ومنذ سنة 3080 – 3040 ق.م. نجد 70 نصبًا تحيط بقبر الملك ” جار ” وتشهد على نظام كتابة متطور”(8) كما يقول أيضًا ” فلنا شهادة عن وجود البرديات منذ سنة 3100 ق.م. تقريبًا، وقد استعملت لفائف البردي وأوراقه لكتابات جُمعت في الأرشيف والمكتبات، غير أن الجلد لعب دورًا هامًا، وقد أُستُعمل من أجل كتابات مدعوة إلى أن تدوم وتوضع في مكتبات الهياكل: أن تحتمس الثالث (حوالي 1468 – 1346 ق.م.) قد وضع لفيفة جلدية تروي مآثره في معبد آمون، وذلك بعد انتصاره في مجدو”(9).
8- يقول الخوري بولس الفغالي ” فالتنقيبات الأركيولوجية منذ القرن 19 قد أبرزت مكتبات هامة في بلاد الرافدين (أوروك، إيسين، لارسا، نيفور، بابل، نوزو، ماري، نينوى) وفي الأناضول (بوغازكوي، حنوسا، كوليتبي) في شمال سوريا (إيمامر، ألالخ، أوغاريت، تل مردنح، إبلا) ومصر (تل العمارنة).. وأشهر هذه المكتبات نجدها في بوغازكوي (14 – 13 ق.م.) نيفور، آشور (في أيام تجلت فلاسر الأول) نينوى (في أيام آشور بانيبال، في القرن 7) بابل (في أيام نبونيد في القرن 6) وأن وجود المكتبتين الخاصتين بآشور بانيبال ونبونيد قد وافق قرار هذين الملكين بأن يجمعا في قصريهما كل علوم عصرهما.. في المكتبات الخاصة حفظت اللويحات في جرار أو صناديق خشب أو في سلال مع لويحة تدل على مضمون ما ” في السلة ” أما في المكتبات الملكية، فقد خُصصت حجرة أو حجرات لحفظ هذه اللويحات، حجرات أقفل عليها وخُتمت بالشمع الأحمر لئلا تُسرق أو تتلف، مثلًا الأرشيف الرسمي في تل مرديح، إبلا في سوريا الشمالية (الألف الثالثة ق. م.) يتضمن 17000 لويحة وُجدت في ثلاث حجرات من الحي الإداري، توضع اللويحات بجانب الحائط أو على رفوف من خشب. وكيف نتعرف إلى مضمون اللويحة؟ جعل عليها الكاتب مدوَّنة في الآرامية (رقعة أو أتيكات) كتبها بالحبر أو حفرها بالقصبة”(10).
9- يقول ” زينون كوسيدوفسكي ” الذي طالما هاجم العهد القديم ” غير أن الاكتشاف الذي حققه ” فليندس بيتري ” عام 1905م أوجد فرضية جديدة لا تنفي أن يكون كاتبوا العهد القديم قد عرفوا نوعًا من الكتابة، فعلى جبل سيناء، وفي منجم للنحاس وجد ” بيتري ” نصًا من الحروف منقوشًا على صخرة يعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد، ولم تُفك رموز كتابته بشكل نهائي حتى الآن.. ويُعتقد أن تلك الكتابة قد نُقشت بأيدي العبيد الإسرائيليين الذين أرسلهم المصريون للعمل في المنجم، وهكذا يبدو محتملًا أن يكون سكان أرض كنعان قد بدأوا بكتابة وثائقهم في الآلف الثاني قبل الميلاد. يجب أن نذكر أن فينيقية التي ملكت حدودًا مع أرض كنعان كانت موطن الأحرف الكتابية، فقد وُجد بين وثائق القرن الرابع عشر ق.م. المكتشفة في تل العمارنة مراسلات كبيرة بين أرض كنعان ومصر، وتعطي كل هذه الحقائق أساسًا للافتراض بأن الإسرائيليين قد عرفوا الكتاب قبل عهد موسى أو في عهده على أسوأ الاحتمالات”(11).
10- يقول الأستاذ ” سايس ” Prof. Suyce ” لقد كانت بابل في عصر إبراهيم مملكة مستنيرة بالعلوم والمعارف.. فقد كان الرجال والنساء في جميع أرجاء العالم المتمدين ملمين بالقراءة والكتابة ويتخابرون بالرسائل الكتابية مع بعضهم واكتظت البلاد بالمدارس والمكتبات، ومن الغريب أن النقاد كان يصفون هذا العصر لسنوات قليلة مضت بأنه عصر الجهل والأمية”(12)(13).
11- لو لم تكن الكتابة معروفة في زمن موسى، فكيف يطلب الله من موسى النبي أن يكتب التوراة طبقًا لما جاء في نصوص التوراة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وطبقًا لما صرح به القرآن ” قال يا موسى إني أصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي.. وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء” (سورة الأعراف 144، 145).
_____
(1) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 1 ص 197 – 200 إجابة س 30.
(2) كتاب الحق ” ص 203، 204.
(3) أورده برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 11، 12.
(4) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 180.
(5) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 386، 387.
(6) يوم الثلاثاء الموافق 16/1/1999م طبعة ثانية في الصفحة الأولى.
(7) إجابة س 30.
(8) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 384، 385.
(9) المرجع السابق ص 401، 402.
(10) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 400، 401.
(11) ترجمة د. محمد مخلوف – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 53.
(12) Praf. Sayce in Monument Facts and Higher Critical Fancies PP 35 , 42.
(13) أ. م هودجكن – تعريب حافظ داود – شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 17، 18.