307- كيف وصف سفر آدم حياة آدم وحواء بعد السقوط والطرد من الفردوس؟ وما هي المتاعب والحروب الشيطانية التي قاساها آدم وحواء، وما هي محاولاتهما المتكررة للانتحار؟ وكيف قتل قايين هابيل؟
ج: دعنا يا صديقي نتناول سفر آدم باختصار شديد، وهو يتكون من تسعة وسبعين إصحاحًا، كما جاء في الترجمة المصرية الأثيوبية:
كان شمال جنة عدن بحرًا ماءه رائق وصافي حتى أن الناظر يرى أعماق الأرض، وإذا اغتسل إنسان في هذا البحر فإنه يصير أبيضًا نقيًا، ولهذا فإن الصالحين متى قامت أرواحهم في اليوم الأخير وعادت إلى أجسادهم واغتسلوا في هذا البحر فإنهم يتوبون عن خطاياهم، ولذلك لم يضع الله آدم بعد طرده من الجنة على حافة هذا البحر لئلا يغتسل فيمسح التعدي الذي اقترفه.
وكان جنوب جنة عدن تفوح منها رائحة الأشجار الذكية، ولذلك لم يطرد الله آدم إلى هذا الاتجاه، حتى لا يتعزى بهذه الرائحة وينسى تعديه، ولكن الله طرد آدم وحواء في اتجاه الغرب ليعيش في كهف الكنوز، فعقب السقوط سار آدم وحواء في جنة عدن تجاه البوابة دون أن يعلما أنهما سائران، وما أن رأيا الأرض أمامهما ممتدة قفرة مُغطاة بالحصى والرمل حتى ارتعبا وسقطا على وجهيهما، فتراءف الله عليهما وأرسل لهما كلمته (يتحدث الكاتب عن كلمة الله مرة بالمذكر ومرات كثيرة بالمؤنث) فأقامهما، وأخبره الله أنه سيرسل كلمته بعد خمسة أيام ونصف ليخلصهما، وعندما سأل آدم عن المعنى المقصود بالخمسة أيام ونصف فأخبره الله أن كلمته سيأتي للعالم بعد خمسة آلاف وخمسمائة، وعندما رأى آدم وحواء الكاروب الغاضب العابس يمسك بسيف نار متقلب ارتعب وظن أن الكاروب سيقتلهما فسقطا مغشيًا عليهما ولكن الله طمأنهما ووعدهما بأنه سيرسل كلمته ويخلصهما (الإصحاح 1-3).
ونزل آدم وحواء بتأن إلى كهف الكنوز المُظلم، ولم يرد أن يدخله، ولكنه لئلا يُحسب متعديًا مرة أخرى دخل إلى كهف الكنوز كما أمره الله بهذا، وعندما وقف يصلي ورأى سقف الكهف الصخري يمنعه عن رؤية السموات فصرخ قارعًا صدره وسقط كميت، فجلست حواء بجواره تبكيه، ثم وقفت تصلي وتطلب من الإله أن يقيم زوجها أو يقبض روحها معه، وصرخت حواء بمرارة وسقطت كميتة بجوار زوجها آدم (الإصحاح 4، 5).
فأرسل الله كلمته فأقامهما، وعاتبهما الله على تعدياتهما برغبتهما الخاصة طمعًا في الألوهية والعظمة، فسقطا كما سقط الشيطان من قبل الذي نشد الألوهية لنفسه ولم يحفظ إيمانه، فلما سمع آدم وحواء بكيا ونشجا، وقال آدم للإله أن الحيوانات كانت تطيعه في الجنة أما الآن فإنها ستحاول التهامه، فأمر الإله الحيوانات والطيور وكل ما يتحرك على الأرض أن يكونوا أليفين مع آدم وحواء، باستثناء الحية التي لم تحضر أمام الإله لغضبه منها (الإصحاح 6، 7).
وعندما اشتكى آدم للإله أنه لم يعد يرى الملائكة كما كان في الجنة، فأخبره الله أن طبيعته المشرقة قد سحبت منه بسبب تعديه (الإصحاح 8).
وخرج آدم وحواء من كهف الكنوز واتجها إلى بوابة الجنة، فوجدا الماء الذي ينبع من تحت جذور شجرة الحياة ليروي الجنة وينقسم إلى أربعة أنهار، فعاد آدم إلى حزنه وصراخه مُوبخًا حواء:
لماذا جلبت عليَّ وعلى نفسك وعلى ذريتنا كثيرًا جدًا من الكوارث والعقوبات؟ فصرخت حواء بمرارة، وفي مرارة صراخهما سقطا آدم وحواء في الماء وأرادا أن يفقدا الحياة، ولكن الله الرحيم أرسل ملاكه وأخرجهما من الماء وحملهما إلى شاطئ البحر مثل الموتى، وصعد الملاك يخبر الله بما كان، فأرسل الله كلمته إلى آدم وحواء وأقامهما من الموت.
وعندما قام آدم من موته قال لله: عندما كنا في الجنة لم نكن نحتاج أو نهتم بهذا الماء. فقال له الله: عندما كنتما تحت وصايتي في الجنة لم تعرفوا الماء، لكن الآن لا نفع لكم بدون الماء الذي به تغسلون أجسادكم وتجعلونها تنمو.
فصرخ آدم وحواء صرخة مُرة، وتوسل آدم لله أن يرجع إلى الجنة، فقال الله له: لقد أعطيتك وعدًا، فعندما يكتمل هذا الوعد (بعد خمسة آلاف وخمسمائة عام) سوف أعيدك ثانية إلى الجنة (الإصحاح 9، 10).
وشعر آدم وحواء بأنهما يحترقان من العطش والحرارة والحزن فقال آدم لحواء: لن نشرب من هذا الماء حتى إن كنا سنموت.
ودخل الاثنان كهف الكنوز، وغشتهما الظلمة، فلم يعد يرى أحدهما الآخر، فقرع آدم صدره هو وحواء، وظلوا ينوحون طوال الليل وضرب آدم نفسه وألقى بنفسه على الأرض، وتحسست حواء طريقها بيديها حتى وصلت إلى آدم فوجدته بلا حراك فظلت بجواره خائفة ومرتعبة من الظلام فأتت كلمة الله في الظلام وأقامت آدم من موته، وعندما قال آدم لله: لماذا التف حولنا الظلام؟ لماذا ابتليتنا بهذا؟ فأوضح له الله أن الذي يتعدى وصيته يدخل في الظلام، كما حدث مع الملاك الذي سقط من السموات إلى الأرض، وقال الله لآدم: هذا الليل قد خدعك، إنه لن يدوم إلى الأبد، بل فقط لمدة اثنتي عشر ساعة، ثم يعود ضوء الصباح، فلا تقل أن هذا الظلام طويل، ولا تقل إني أبليتك به.. لقد أوصيتك وحذرتك من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر وأنت سقطت، فاللوم يقع عليك وحدك.. لقد صنعتُ الليل ليرتاح فيه البشر من عملهم، ولتخرج الحيوانات بالليل لتبحث عن طعامها (الإصحاح 11-13).
فقال آدم: يا رب خذ روحي ولا تدعني أرى هذا الظلام مرة أخرى، أو انقلني لمكان آخر لا ظلام فيه.
فقال له الله: سأنقلك من الظلام بعد اكتمال عهدي، عندما أخلصك وأعيدك ثانية إلى الجنة إلى بيت النور.. عندما أنزل من السموات وأصبح جسدًا من نسلك، وآخذ على نفسي نفس العلة التي تعاني أنت منها، حينئذ فإن الظلام الذي يغلفك في هذا الكهف سوف يُغلفني في القبر.
فصرخ آدم وحواء وندموا بسبب ما سيتحمله الإله من أجل خلاصهم، وظل الاثنان واقفان في الكهف يتضرعان ويصرخان حتى بزغ الصباح، وعندما أشرقت “الشمس ” خرج آدم من كهف الكنوز ورأى أشعة الشمس المتوهجة، فخاف وارتعب، وظن أن الشمس هي الإله الذي يريد قتله، فصرخ وقرع صدره وسقط على الأرض وقال: يا رب لا تصيبني ولا تفنيني ولا حتى تأخذ حياتي من على الأرض. فأتت إليه كلمة الله وقالت له: يا آدم.. انهض على قدميك، هذه الشمس ليست إله، لكنها خُلقت لتعطي نور النهار.. أنا الإله الذي أراحك بالليل (الإصحاح 14- 16).
ثم قصد آدم وحواء البوابة الغربية للجنة، فرأيا الحية التي أصبحت شيطانًا تزحف على بطنها وتلعق التراب، وبعد أن كان شكلها وسيمًا صار قبيحًا، حتى أن الحيوانات كانت تهرب منها، ولا تشرب من الماء الذي تشرب منه هذه الحية، وعندما رأت الحية آدم وحواء نفخت رأسها ووقفت على ذيلها ونظرت إليهما بعيون دموية حمراء، وانقضت على حواء لتقتلها، فصرخ آدم بقلب محترق من أجل حواء، وأمسك بذيل الحية التي التفتت إليه بغضب قائلة: يا آدم بسببك أنت وحواء أنا أسعى على بطني، ثم انقضت عليهما وعصرتهما تريد قتلهما، ولكن الإله الرحيم أرسل ملاكًا فألقى بالحية بعيدًا عن آدم وحواء، وأقبلت كلمة الله تقول للحية: في المرة الأولى جعلتكِ تسعين على بطنك، أما الآن فإني أُجردك من الكلام فتصيرين صامتة، وبأمر الإله هبت الرياح وحملت الحية فطوحت بها على شاطئ البحر في الهند، فقرع آدم صدره وسقط على الأرض مثل الجثة، فجاءت كلمة الله وأقامته، وتلقى آدم وعدًا بأن الحية لن تقترب إليه ثانية، ولكن آدم ظل يصرخ طالبًا من الله أن ينقلهما إلى مكان آخر لا تقدر الحية أن تأتي فيه قائلًا: لأني أخاف أن تجد الحية خادمتك حواء وحدها وتقتلها، لأن عيناها شريرة ومخيفة، فأكد الله لآدم الوعد ثانية بأنه لن يترك الحية تؤذيهما، فسجد آدم وحواء لله وشكراه وسبحاه لأنه أنقذهما من الموت (الإصحاح 17-20).
ومضى آدم وحواء يتجولان حتى وصلا إلى جبلٍ عالٍ مواجه للبوابة الغربية للجنة، فلفحتهما حرارة الشمس، فصرخا، وألقى آدم بنفسه من قمة الجبل فتمزق جسده ونزف كثيرًا حتى اقترب من الموت، فألقت حواء بنفسها خلفه فتمزق جسدها، فتراءف الله عليهما وأرسل كلمته فأقامهما قائلًا: يا آدم، كل هذه التعاسة التي جبلتها على نفسك، لن يكون لها أي تأثير عبى قراري، ولن تغير عهدي بالخمسة آلاف والخمسمائة عام، فقال آدم للإله قد يبستُ من الحرارة وخارت قواي فلا أريد أن أعيش في هذا العالم. ولا أعرف متى تأخذني حتى أستريح، عندما كنتُ في الجنة لم أُعاني من الحرارة ولا الوهن ولا التجوال ولا الخوف. فقال له الإله: طالما تحفظ وصاياي فإن نوري ونعمتي سوف تستقر عليك، ولكن إن تعديت وصاياي تأتي عليك هذه المحن.. إنني سوف أتحمل عنك كل هذه المحن حتى أخلصك. عندئذ تقوى آدم وحواء وأقاما مذبحًا وأخذا الدم الذي نزف منهما وقدماه على المذبح، وصليا الصلاة الربانية، فأتت كلمة الإله وقالت: يا آدم كما أرقت دمك لذا سأريق دمي عندما أصبح جسدًا من ذريتك. وكما متَ يا آدم سأموت أنا أيضًا، وأوصى الله آدم قائلًا: يا آدم لا تقتل نفسك مثل ذلك مرة ثانية بإلقاء نفسك من الجبل، وصنعت كلمة ميثاق عهد مع آدم وباركته وأراحته (الإصحاح 21- 25).
وعاد آدم وحواء إلى كهف الكنوز ولكن الحزن الثقيل أصابهما، فصرخا للإله ليرسل إليهما الشمس حتى تخلصهما من الظلام. فقالت كلمة الله: يا آدم إن جلبتُ لك الشمس دائمًا فإن الأيام والساعات والسنوات ستتوقف، والعهد الذي أقمته معك (وسيتحقق بعد 5500 سنة) لن يتحقق قط. وقال الإله لآدم: كن صبورًا وادخل الكهف لأن الظلام الذي تخاف منه سيمكث اثني عشر ساعة فقط، فسجد آدم وحواء لله واستراح قلباهما، ومع هذا فإنهما دخلا الكهف والدموع تنساب من عيونهما، ووقفا يصليان ويتضرعان بينما حل الظلام عليهما (الإصحاح 26).
وعندما رأى الشيطان آدم وحواء يصليان جمع جيوشه ووضع عرشه بالقرب من فتحة الكهف وأظهر نورًا عظيمًا، وبدأت جيوش الشيطان تُسبّح. فخرج آدم وحواء من الكهف وانحنيا أمام الشيطان، ولكن آدم تشكك وقال لحواء: هذا الجيش الواقف لماذا لا يريد أن يدخل كهفنا؟ ولماذا لا يقولون لنا لماذا جاءوا إلى هنا؟ ووقف آدم يتضرع للإله بقلب محترق يسأله: يا رب هل هناك إله آخر في العالم بجانبك؟ فأرسل الإله ملاكًا أخبر آدم بالحقيقة وأن الشيطان وجيوشه جاءوا ليخدعوه مرة ثانية. وأمسك الملاك بالشيطان وأحضره أمام آدم وحواء اللذان خافا جدًا عندما رأياه (الإصحاح 27).
وفي الصباح اتجه آدم وحواء صوب الجنة فظهر لهما الشيطان وجيشه على شكل سحابة، فظنا أنهم ملائكة. وأخبر الشيطان آدم بأنه ملاك، وقاده إلى البحر الرائق ليستحم هو وحواء، وعندما وصلا إلى الجبل العالي شمال الجنة أراد الشيطان أن يطرحهما من عليه. ولكن الله لعن الشيطان فهرب مع جيوشه، ووقف آدم وحواء يصرخان ويطلبان الصفح من الله.
وطلب آدم من الله أن يعطيه شيئًا مما في الجنة، فأمر الله ميخائيل فأحضر لآدم عصى ذهبية من البحر الهندي لتضيء له في الليل، وأمر جبرائيل فأحضر لآدم اثني عشر رطلًا من البخور ذو الرائحة الحلوة، وأمر الله روفائيل فأحضر له ثلاثة أرطال من المر ليريحه من حزنه. وقال الله لآدم إنه عندما يتجسد سيحضرون له ذهبًا علامة على الملك، وبخورًا علامة على الألوهية، ومُرًا علامة على المعاناة والموت (الإصحاح 28- 31).
ودعى آدم حواء للذهاب إلى البحر الذي ألقيا بأنفسهما فيه من قبل، وطلب منها أن تنزل في الماء ولا تخرج منه حتى نهاية ثلاثين يومًا وفعل هو كذلك، وأخذا يتضرعان للإله ليرجعهما للجنة أو ينقلهما إلى أرض أخرى، ولكن الشيطان ظهر لحواء على شكل ملاك وأقنع حواء بالخروج من الماء ليتوجها بالنور، فخرجت فرحة واتجهت لآدم الذي بمجرد أن رآها صرخ وغطس في الماء، فأتت كلمة الله وأنقذته من الغرق، وفهمت حواء أن الذي ظهر لها هو الشيطان وليس الملاك، وعادا إلى الكهف، وكان لهما 43 يومًا منذ طردهما من الجنة وهما لا يأكلان ولا يشربان حتى هزلت أجسادهما وجفت من العطش والجوع.
وتضرعا للإله ليعطيهما ما يأكلانه، فأمر الله الكاروبيم أن يعطيهما بعضًا من ثمار التين. فأعطاهما تينتان كلٍ منهما في حجم البطيخة الحمراء. ولكن آدم خشى أن يأكل هذه التينة، لئلا يعصي الله ثانية. فصلى للإله (الذي خلق الحيوانات في الساعة الأولى من صباح الجمعة، وخلق الإنسان في الساعة الثالثة من نفس اليوم، وقد عصاه آدم في الساعة السادسة من يوم الجمعة، وطُرد من الجنة في الساعة التاسعة من نفس اليوم) ليعطيهما من ثمار شجرة الحياة، فقالت كلمة الله: يا آدم إنك لن تأخذ من ثمار شجرة الحياة إلَّا بعد اكتمال الخمسة آلاف وخمسمائة عام، فكل من ثمرة شجرة التين.
وأراد آدم أن يأكل مع حواء من ثمرتي شجرة التين، ولكنه خشى من وقوع مكروه لهما، فصرخ آدم وتضرع للإله ليشبعه من الجوع بدون الأكل من التينة. فقال كلمة الله: يا آدم لماذا لم يكن لديك هذه الخشية وهذا الاهتمام قبل السقوط..؟ فوضع آدم التينة على العصى الذهبية، ووضعت حواء التينة الأخرى على البخور، وظلا واقفان صائمان طوال الليلة. وفي الصباح انصرف آدم وحواء للمكان الذي ينساب منه الماء إلى أربعة رؤوس وتضرعا للإله ليرويهما من ماء الحياة، فقالت كلمة الله لآدم في اليوم الذي سأنزل فيه إلى الجحيم وأكسر بوابات النحاس وممالك الحديد ويسيل دمي على رأسك في الجلجثة سيكون دمي هو ماء الحياة بالنسبة لك، فعادا آدم وحواء إلى كهف الكنوز (الإصحاح 32-42).
وعندما عاد آدم وحواء إلى كهف الكنوز وجدا الشيطان قد أشعل النيران ليحرق الكهف، ولكن الإله أرسل ملاكه لحراسة الكهف من النيران التي ظلت مشتعلة من الظهر وحتى صباح اليوم التالي، والشيطان يلقي عليها بالأشجار، حتى جاءت كلمة الله وطردت الشيطان، ولم يقدر آدم وحواء على دخول الكهف بسبب شدة الحرارة، فتضرع آدم للإله الذي أخبره بأنه بعد أن يموت (آدم) سيذهب للجحيم حيث نار الشيطان المُحرِقة، ولن ينجو منها حتى مجيء الكلمة الذي سينقله إلى موضع الراحة، وأمر الله النار فانشقت وصنعت طريقًا لآدم للعبور إلى الكهف، وما أن بدأ آدم وحواء في العبور حتى نفخ الشيطان في النار مثل الزوبعة، فاحترقت قمصان الجلد التي يرتدونها وشاط جسديهما، فصرخ آدم لله الذي أرسل ملاكه وأوقف النار وقال الإله لآدم: أنظر إلى حب الشيطان الذي دعاك للإلوهية والعظمة وهوذا يريد أن يحرقك ويفنيك، وقال الإله لحواء: أنظري إلى الشيطان الذي وعدكما بأن تتفتح أعينكما عندما تأكلان من الشجرة، وهوذا ناره تحرقكما.
ودخل آدم وحواء إلى الكهف وهما يرتجفان، ولم يقدرا أن يناما في الكهف بسبب حرارة لهيب النار فخرجا منه، وذهبا إلى قمة الهضبة التي بجوار الجنة وناما هناك، فدعى الشيطان جنوده وجعلهم يحملون صخرة ضخمة ويلقون بها على آدم وحواء ليقتلونهما ولا يرثا مع نسلهما الملكوت، بل يرجع (الشيطان) هو وجنوده لهذا الملكوت، ولكن الإله أمر الصخرة فأخذت شكل قبة، واهتزت الأرض لسقوط الصخرة، واستيقظ آدم منزعجًا مع حواء وأخذ يتضرع لله ليعرف ماذا جرى، فعلم أن الشيطان كان ينوي قتله ولكن الله خلصه، وأخبره الإله بأنه عندما يتجسد سوف يُحرّض الشيطان اليهود ليقتلوه وينزل في الصخرة (القبر) لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ يقوم بعدها من الموت، وهكذا ظل آدم وحواء داخل تجويف الصخرة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ حتى جفت أجسادهم واضطربت قلوبهم وعيونهم من الصراخ، ثم فتحت فتحة في الصخرة وخرج منها آدم وحواء (الإصحاح 43- 49).
ثم انطلق آدم وحواء إلى الكهف وتضرعا للإله طوال اليوم ليكسوهما من عريهما بعد احتراق قمصان الجل. فأشارت عليهما كلمة الله بأن يذهبا إلى شاطئ النهر فيجدان جلود أغنام بعد أن أكلت الأسود الجثث فيصنعان منها أقمصة، فأسرع الشيطان ليلقي بهذه الجلود في البحر أو يحرقها بالنار فربطته كلمة الله بجوار الجلود حتى رآه آدم وحواء بشكله المخيف، ثم أطلقه الإله من قيوده، وأرسل الإله ملاكه فحاك الأقمصة بواسطة الأشواك، ثم بأمر الإله اختفت الأشواك وصارت كخيط واحد، ولبس آدم وحواء الأقمصة، وقال آدم لحواء عندما نتغطى بجلد الحيوانات نلبس علامة الموت، فكما مات أصحاب هذه الجلود سنموت نحن ونزول.
وتمشى آدم وحواء غرب الكهف ليستكشفا المكان فكمن لهما الشيطان على شكل أسدان مفترسان وهجما على آدم وحواء فصرخا للإله، فجاءت كلمة الإله وأنقذتهما، ثم عاد آدم وحواء للكهف وظلا يصليان طوال الليل، وفي الصباح انطلقا للناحية الجنوبية للجنة، وحاولا التسلل للجنة، فهجم عليهما الكاروبيم بسيف النار المتوهج فسقطا على وجهيهما كالأموات فنزلت ملائكة من السماء وأقبلت كلمة الله وأقامتهما من موتهما فطلب آدم من الملائكة أن تسأل الإله ليرده إلى الجنة، فقالت الملائكة: يا آدم أنت أطعت الشيطان وتجاهلت كلمة الإله.. لقد أراد الشيطان من قبل أن يغرينا لكننا لم نستجب له، فجمع جيوشه وصنع معنا حربًا، فلم نقوى عليه إلَّا بقوة الإله، وقذفنا به من السموات، فصار سرور عظيم في السموات، أما هو فقد صار ظلمة.
ورفع الملائكة آدم وحواء من الجبل المجاور للجنة بالأناشيد والترانيم ووصلوا بهم إلى كهف الكنوز، فجاء الشيطان ووقف خارج الكهف وهو في خجل، ودعى آدم، فخرج إليه ظنًا أنه أحد الملائكة، وعندما سأله آدم قائلًا: من أنت؟ أعلن الشيطان عن ذاته أنه هو الذي أخفى نفسه في الجنة وأسقطهما وبذلك صار ملكًا عليهما، وأن بيته في النار المُحرِقة، وإنه سيدفعهما للنار ليعيشا فيها، فصرخ آدم وتضرع للإله مع حواء ليبعد الشيطان عنهما، ومازال يصليان ليل نهار حتى صعدت صلاتهما مثل لهب من نار. أما الشيطان فقد جمع جيوشه وهجم على آدم وحواء وضربوهما ضربًا مبرحًا حتى ماتا، فأتت كلمة الله وأقامتهما، وعاتب آدم الإله: أين كنت أنت يا إلهي حتى يعاقبونني بمثل هذه اللكمات؟ يا رب بسبب أنني تعديت قليلًا، فأنت قد عاقبتني بشدة، خلصني يا رب من بين يديه أو أخرج روحي من جسدي. فقال لهما الإله: لو كانت لكم هذه الصلوات من البداية، ما وصلتم لهذه المتاعب (الإصحاح 50- 59).
ثم ظهر الشيطان لآدم بشكل نوراني، وأقنع آدم وحواء أنه هو الإنسان الأول الذي خلقه الله قبلهما وأوقع عليه سباتًا وأخرج من جنبه آدم، وأن الإله أمره أن يأتي إليهما ليصحبهما ليأكلا من شجرة الحياة، ويشربا من ماء السلام، ويكسوهما حلة من النور، ويردهما إلى حالتهما السابقة، وانهمرت دموع الشيطان مُقنعًا إياهما أنهما أولاده، فرَّق له آدم وحواء وسمعا كلامه المعسول وذهبا معه، فجاءت كلمة الإله ولعنت الشيطان، وقال الإله لآدم: هذا هو أبو الحيل الشريرة الذي أخرجكما من جنة السرور، فسجد آدم وحواء للإله وسبحاه وظلا يصليان حتى الصباح.
فأخذ الشيطان التينتان ودفنهما خارج الكهف، ولكن الإله أنبتهما شجرتين محملتين بالثمار، فخزى الشيطان، ودعى الإله آدم وحواء للفرح بالشجرتين وأن يستظلا بظلهما، وحذرهما من الأكل من ثمارهما، فحفظ آدم الوصية، ثم حوَّل الله الشجرتان إلى تينتان كما كانتا أولًا، وسمح لهما الإله بالأكل منهما، ولأن آدم وحواء خشيا من الأكل لئلا يحترق جوفاهما ولم يعرفا كيف يأكلان، أرسل الله ملاكه الذي أقنع آدم وحواء بالأكل من التينة، فأكل آدم وحواء، وبعد الأكل عادت التينة سليمة كما كانت.
وفي الصباح ذهب آدم مع حواء لجدول المياه جنوب الجنة وشربا فانتعشت أجسادهما، وأرشدت كلمة الله آدم وحواء إلى أرض التربة السوداء حيث القمح والتين، فمضيا وجمعا كومة من القمح وإذ خارت قواهما ناما. فجاء الشيطان وأحرق القمح، وأفرغ وعاء الماء، فاستيقظ آدم وأسف لما حدث، وعادا إلى أسفل الجبل فالتقاهما الشيطان وأعوانه على شكل ملائكة يسبحون الإله، وخدعوهما ودعوهما لحقل آخر من الحنطة ونبع ماء، ولكن أولئك الشياطين أتاهوهما ثمانية أيام حتى سقط الاثنان مثل الموتى.
فأرسل الإله كلمته وأقامهما، وأمر الإله ملائكته أن يحملوا آدم وحواء إلى حقل القمح الأول فوجدا القمح كما كان قبل أن يُحرق، ودلو الماء، وشجرة عليها منَّا، وأنذر الإله الشيطان حتى لا يدمر حقل القمح ثانية، فأخذ آدم من القمح وأصعد تقدمة للإله الذي سرَّ بها وقال لآدم وحواء: حيث أنكما قد عملتما هذه التقدمة، فإني سوف أعملها بجسدي عندما أنزل على الأرض لأخلصكما، وسوف أجعلها تقدمة دائمة للمغفرة.
وأرسل الإله نارًا مضيئة على تقدمة آدم وحواء، فابتهج آدم، وقرَّر تقديم هذه التقدمة ثلاث مرات أسبوعيًا أيام الأربعاء والجمعة والأحد، فأعلمه الإله أن الأربعاء والجمعة سيمثلان يومي الألم بالنسبة له، ويوم الأحد سيمثل قيامته. وبينما كان آدم يقدم تقدمته على المذبح طعنه الشيطان بحجر حاد في جنبه فسقط على الأرض وانبثق منه دم وماء، فصرخت حواء، فأرسل الإله كلمته وأقامه وقال له: أكمل تقدمتك.. هكذا سيحدث لي على الأرض عندما أُثقب وينساب الدم والماء من جانبي، وشفى الإله آدم، فعاد مع حواء إلى كهف الكنوز (الإصحاح 60- 69).
ثم اتخذ الشيطان مع اثنان من أعوانه شكل الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل الذين أحضروا لآدم من قبل عصى الذهب والبخور والمر، وأقنع الشيطان آدم بأن يحلف ويعقد معه عهدًا، فقال آدم لا أعرف أن احلف أو أوعد، فوضع الشيطان يده على آدم ودعاه للقول: “كما يحيا الإله عاقلًا متحدثًا، الذي رفع النجوم في السموات وأسس الأرض الصلبة على المياه، وخلقني.. لن أكسر وعدي ولن أنكر كلمتي “.
عندئذ طلب الشيطان من آدم أن يتزوج بحواء لينجب أطفالًا، ولكن آدم قال: هل أرتكب الفسق مع لحمي ومع عظامي، هل أنا أُخطئ لنفسي حتى يدمرني الإله وليمحوني من على وجه الأرض؟ وعرف آدم الثلاثة الذين أمامه هم شياطين وليسوا ملائكة، فقال لهم: أغربوا عني، أنتم ملعونون من الإله، ففرَّت الشياطين، وشعر آدم بالندم فوقف يصلي لمدة أربعين يومًا وهو صائم حتى سقط على الأرض، فأرسل الإله كلمته وأقامته وعاتبته: يا آدم لماذا أقسمت باسمي ولماذا عملت اتفاقًا مع الشيطان مرة أخرى..؟ فطلب آدم المغفرة من الإله، فصفح عنه. فاستراح آدم وخرج من الكهف مع حواء، وذهبا إلى نهر المياه يستمتعا بالطبيعة.
فاتخذ الشيطان مع عشرة من أعوانه شكل العذارى اللاتي قدمنَّ لآدم وحواء التحية، وتعجب آدم لجمالهن وسألهن: هل هناك، تحتنا عالم آخر بمثل تلك المخلوقات الجميلة؟ فأقنعن العذارى آدم وحواء أنهن يعشن مع أزواجهن وينجبن الأطفال وبذلك تتزايد أعدادهم. ثم انصرف الشياطين، ولكن نار الخطيئة وقعت على آدم، فنهض يصلي ويسأل الإله المشورة قائلًا إن لم تسمح لنا بالزواج ففرق بيننا، أو خلصنا من الشهوات الحيوانية.
ولو فرَّقت حواء عني فإن الشيطان سيخدعنا ويدمر قلوبنا. فاستحسن الإله ما فكر فيه آدم، وسمح لهما بالزواج، فقدم آدم عصا الذهب كهدية زواج حواء وأعطاها البخور والمر، وظلا يصليان لمدة أربعين يومًا، ثم تزوجا بعدها. وفي ساعة ولادة حواء شارفت على الموت فحزن آدم جدًا وصرخ للإله فخلصها، وفرح آدم بخلاص حواء، وقد أنجبت توأم هما “قايين ” ومعنى اسمه “الكاره ” وأخته “لولوا ” ومعناها الجميلة، وفعلًا كانت أجمل من أمها حواء، وبعد أربعين يومًا قدم آدم تقدمة عن ابنه قايين، وبعد ثمانين يومًا قدم تقدمة أخرى عن ابنته لولوا.
وبعد أن فُطم قايين ولولوا أنجبت حواء توأم آخر هما “هابيل ” وأخته “إكليا”. وشبَّ قايين قاسي القلب، متسلط على أخيه، لا يشارك في تقديم التقدمات مع أبويه للإله، بينما كان هابيل طيب القلب يفرح بتقديم التقدمات للإله. فظهر الشيطان له وهددَّه بالقتل، كما ظهر لقايين وأقنعه أن والديه يحبان هابيل أكثر منه، وأنهما سيزوجانه من أخت قايين الجميلة “لولوا ” بينما يتركان “أكليا ” غير الجميلة له.
وقدم هابيل تقدمة من ثمار الزرع فقبلت منه لقلبه الخيِّر وجسده النقي، بينما قدم قايين أصغر خرافه، فرفض الإله تقدمته لكبريائه وأفكاره الخاطئة. فاغتاظ قايين، وحفز الشيطان قايين، فضرب أمه ولعنها لأنها تريد أن تزوج لولوا الجميلة لهابيل، فهدأته أمه وأرسلته للحقل، وحزن آدم ولم يعلق بكلمة. ثم دعى آدم ولديه لتقديم تقدمات للإله فنزلت نار إلهية والتهمت تقدمة هابيل التي قدمها من القمح بقلب متواضع، ورُفضت تقدمة قايين التي قدمها من الأغنام بكبرياء، فاغتاظ قايين واستدرج أخاه إلى الحقل بحجة أن يريه الأشجار والثمار والنباتات الخضراء ويبارك الخراف، وأخذ معه عصا بحجة الحيوانات البرية، وفي الطريق إنهال عليه ضربًا، فقال هابيل له: يا أخي ترفق بي، بالصدر الذي رضعناه.. لا تضربني حتى الموت بتلك العصا، وإن أردت قتلي فاقتلني بحجر كبير.
فحمل قايين حجرًا كبيرًا وهشم به رأس أخيه. وحاول قايين ثلاث مرات أن يحفر حفرة، ويواري أخيه التراب، ولكن الأرض لفظته. وغضب الإله من قايين، ولعن الأرض بسببه لكن لم يلعنه هو، فقد صار مرتجفًا ومرتعشًا دائمًا. ومع هذا فإنه وضع سبع عقوبات لمن يقتله، ولم يجد قايين راحة في أي مكان. وكان عمر هابيل حينذاك خمسة عشر عامًا ونصف، وقايين يكبره بسنتين(1).
تعليق:
حقيقة أن أي إنسان لديه أقل القليل من التمييز، ويقرأ هذه الخرافات وذاك الخيال الواسع يستحيل عليه أن يصدق ويؤمن أن الكلام كلام الله المعصوم من أي خطأ أو شائبة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقط قد يتلذذ الإنسان بقراءة مثل هذه المؤلفات بغرض التسلية والفكاهة والاطلاع على الأدب القديم، وهو يدرك تمامًا أن هذه ما هي إلّا أساطير جمعت من الخيال الجامح والخرافات، ولذلك لا يستحق الأمر منا التفصيل والتقييم والحكم في جزئياته.. فقط يا صديقي ألتمس صلواتك لكيما يعينني الرب إلهنا لقطع أكبر شوط ممكن في هذا المشوار الطويل.
_____
(1) راجع د. إبراهيم سالم الطرزي- أبيجرافيا وأبوكريفا العهد القديم. الكتاب الأول ص 31- 88.