هل نظر يعقوب للنصب الحجري (تك 31: 45-54) على أنه روح قوى أو إله؟
302- هل نظر يعقوب للنصب الحجري (تك 31: 45-54) على أنه روح قوى أو إله؟
فيعلق جيمس فريزر على رجمة الحجارة هذه أو نصب الشهادة قائلًا “إن هذا النصب كان بمثابة إجراء وثيقة في هيئة حجر وضع عليه الطوفان المتعاهدان أيديهما، حتى إذا نقض أحدهما العهد، عوقب الخائن، فالنصب الحجري لم يكن ينظر إليه بوصفه مجرد كومة من الأحجار، بل يوصفه شخصيًا، أو روحًا قويًا، أن إلهًا ينظر بعين اليقظة على الطرفين المتعاهدين ويذكرهما بوعدهما. ويتضح هذا من خلال الكلمات التي وجهها لابان إلى يعقوب عند إتمام شعائر العهد فيما بينهما، فلقد قال له[ليراقب الرب بيني ويبينك حينما نتوارى بعضنا عن بعض. إنك لا تذل بناتي ولا تأخذ نساء على بناتي. ليس إنسان معنا. أنظر. الله شاهد بينى وبينك] (تك 31: 49،50) ومن ثم فقد سمى هذا الركام ” برج المراقبة” (المصفاة بالعبرية) كما سمى ” صخرة الشهادة “لأنه كان يقوم مقام الرقيب والشاهد معًا”(1).
ويذكر جيمس فريزر عدة قصص تحكى عن انتشار عادة القسم على كومة الأحجار بين بعض الشعوب، فيقول “إذا اختلف شخصان من “البوجيين” الذين يسكنون إفريقيا الشرقية عند حدود الحبشة، فإنهما في بعض الأحيان يفضان نزاعهما عند حجر بعينه يقف فوقه أحدهما ثم يدعو عليه الشخص الآخر بأن تحل به أقسى اللعنات إذا هو حثث بيمينه، وكلما نطق بلعنته رد عليه رفيقه الذي يقف على الحجر يقوله ” آمين “.. ويقسم ” الجارويون “كذلك وهم واقفون على الأحجار الشهابية ويقولون [ليقتلني الإله جويرا (إله الإضاءة) بأحد هذه الأحجار إذا كنت أقول كذبًا] ونلاحظ أن وظيفة الحجر في هذه الحالة جزائية أكثر من كونها تأكيدًا لعهد، فالحجر موضوع في هذا المكان لا لكي يكسب القسم صلابة الحجر، بل ليطلب انتقام إله الإضاءة من الحانث باليمين”(2).
ج: 1- بعد أن ذكر جيمس فريزر عادات مختلفة، بعضها من أفريقيا، وما أبعدها عن أرض كنعان التي عاش فيها الآباء، وأخذ فريزر يحكى عن الذين نظروا للنصب الحجري على أنه شخصًا أو روحًا قويًا أو إلهًا، مما شتت أفكار القارئ بلا داع، مع إنه هو لم يصدق في قرارة نفسه أن يعقوب أبو الأسباط كان له نفس معتقدات عباد الأحجار، ولذلك أقر فريزر قائلًا “ومن ناحية أخرى فربما كان أفضل تفسير لتناول الطعام على ركام الأحجار، إن كان يمكن لهذا التفسير أن يكون سليمًا، هو إنه محاولة لإقامة علاقة ودية بين الطرفين المتعاهدين يتناولهما طعامًا واحدًا في الوقت الذي يدعم فيه عهدهما عندما يكتسب من الأحجار التي جلسا عليها صفتي القوة والصلابة”(3) ولا أدرى لماذا لم يذكر فريزر هذا التفسير المعقول في بداية الموضوع ويريح القارئ؟!
2- لقد تلامس يعقوب مع الإله الحقيقي، وبالأمس القريب حذر الله لابان من أن يمسه بسوء ” وأتى الله إلى الإيمان الآرامي في حلم الليل. وقال له احترز أن تكلم يعقوب بخير أو شر” (تك 31: 24) وقال لابان ليعقوب ” في قدرة يدي أن أصنع بكم شرًا. ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلًا أحترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر” (تك 31: 29).. فهل يمكن أن ينظر يعقوب رجل الله للنصب الحجري على إنه إله؟!!
3- كان العهد في تلك الأيام مؤسس على شاهد أو علامة، وذبيحة، وتعهدات، فكانت رجمة الحجارة هي الشاهد أو العلامة. ثم ذبح يعقوب ذبيحة أكل منها الجميع، وتعهد كل من الطرفين أن لا يسيء أحدهما للآخر.
4 – دعى لابان الرجمة ” يجر سهدوثا “وهما كلمتان آراميتان معناها “رجمة الشهادة” ودعاها يعقوب ” جلعيد “وتحمل نفس المعنى، كما دعيت ” المصفاة “أي برج المراقبة، وكان الهدف من هذه الرجمة أن تكون حدًا فاصلًا بين يعقوب ولابان، لا يتجاوزها أحد إلا لزيارة قريبه للخير وليس للشر.
_____
(1) الفلكلور في العهد القديم ج 3 ص 219، 220.
(2) الفلكلور في العهد القديم ج 2 ص 226، 227.
(3) المرجع السابق ص 229، 300.