299- هل قصة خداع يعقوب لأبيه إسحق مستمدة من الأساطير؟
يري ﭽيمس فريزر أن التمويه الذي صنعه يعقوب عندما كسي يديه بجلد الماعز يمثل بقايا طقوس قديمة تُدعي بالميلاد الجديد، فيقول كانت عادة التبني عند “الجاليين ” يُؤخذ الابن في سن ثلاث سنوات من حضن أمه، ويُحمل إلي غابة، ويتخلي الأب الشرعي عنه، معلنًا أن ابنه بالنسبة له يُعتبر ميتًا، ثم يذبح ثور، ويوضع جزء من شحم الثور علي رقبة الابن، وتغطي يداه بقطعة من جلد الثور، كما فعل يعقوب أمام أبيه إسحق الذي كلّت عيناه.
وعندما يولد طفل عند “الأكامبايين ” تُذبح نعجة ويُسلخ جلدها وتقطع منها ثلاث شرائح تلف حول معصمي الطفل، والأم كل علي حدة، ومن عادة “الأكيكيين ” الاحتفال بالطفل قبل ختانه، بذبح شاه، وأخذ شريط من جلد رجليها الأماميتين ولفه حول معصم الطفل، ويُسمي هذا الطقس بالميلاد الجديد، أو الميلاد من نعجة، ويقول ﭽيمس فريزر “يقام الاحتفال بعد ذلك في كوخ من الأكواخ حيث لا يسمح لغير النساء بالحضور، ثم تمرر قطعة ذات شكل دائري من جلد النعجة أو الشاه فوق إحدي كتفي الصبي الذي سيولد من جديد، وتحت ذراعيه من الجانب الآخر لهذا الكتف، كما تمرر أمعاء الحيوان فوق الكتف الأخرى وتحت الذراع الثاني للصبي، ثم تجلس الأم.. علي جلد الحيوان المبسوط علي الأرض، والطفل بين ركبتيها، وتمرر حولها أمعاء الحيوان.. ثم تأخذ الأم في الأنين كما لو كانت تعاني آلام الوضع، وتأتي امرأة ثانية فتقطع أمعاء الحيوان التي تمثل الحبل السري، وعند ذلك يصطنع الصبي بكاء الطفل الوليد.. وجوهر هذه الشعائر في الحقيقة هو تظاهر الأم بأنها النعجة التي يخرج من بطنها الصبي”(1).
وربط ﭽيمس فريزر بين ما فعله يعقوب وطقس الميلاد الجديد، فقال “إن حكاية يعقوب الغريبة التي تحكي عن الاحتيال والخديعة.. تحمل مظهرًا آخر أكثر وقارًا من ذلك الذي خلعه عليها كاتب القصة.. فالعمل الذي قام به يعقوب، إذا كان فرضًا سليمًا، ليس سوي عمل شرعي يحمل مغزى الميلاد الجديد في شكل عنزة، وذلك بهدف أن يُعامل يعقوب شرعيًا معاملة الابن الأكبر بدلًا من كونه الابن الأصغر”(2).
ويقول ﭽيمس فريزر أيضًا “إن حكاية الخديعة التي ارتكبها يعقوب مع أبيه إسحق تتضمن بقايا احتفال شرعي هو احتفال الميلاد الجديد من عنزة.. تمامًا كما يتظاهر الرجل الهندي في أيامنا هذه بأنه يولد من بقرة، وذلك إذا شاء أن يسمو إلي مستوي اجتماعي أعلي من مستواه، أو أن يعود إلي قومه الذين خسرهم.. وربما بُسّط هذا الاحتفال الغريب عند العبريين.. فأصبح يتمثل في ذبح عنزة، ووضع قطع من جلدها علي الشخص الذي يعتقد بذلك أنه يولد من عنزة مرة أخري، فإذا كان افتراضنًا صحيحًا فإن كاتب قصة يعقوب في سفر التكوين يكون بذلك قد دوّن هذه الشعيرة القديمة، وإن كان قد أساء فهمها في الوقت نفسه”(3).
ج: 1- لم يخرج الآباء خارج أرض كنعان إلاّ إلي مصر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فلم يذهبوا إلي الجليين، ولا إلي الركامبايين، ولا إلي الأكيكيين، ولا إلي الهند.. إلخ. حتى يكتسبوا هذه العادات، والوضع السابق ينطبق، علي موسي النبي الذي عاش في مصر ولم يخرج منها ولم يدخل حتى أرض كنعان، حتى يضع في سفر التكوين (كقول فريزر) شعائر تُقام في أماكن بعيدة، وهو يسيء فهمها.
2- لقد تخبط ﭽيمس فريزر بين الأساطير وعادات الشعوب النائية، فتارة يقول أن ما حدث مع يعقوب يمثل طقس التبني لدي الجاليين، مع أن الهدف مختلف تمامًا، فكل ما هدفت إليه رفقة وابنها يعقوب أن يحصل علي بركة البكورية، وهو هدف بعيد تمامًا عن التبني، ولم يقصد إسحق قط أن يتنازل عن ابنه يعقوب ويعتبره ميتًا، وتارة أخري يقول فريزر أنها بقايا طقس قديم يُدعي بالميلاد الجديد أو الميلاد من نعجة، حيث يكون للأم دور، فهي تمثل حالة الوضع، وهذا بعيد عما حدث مع يعقوب، فأمه رفقة لم تجلس علي جلد مبسوط علي الأرض، ولم تئن كما لو كانت تعاني آلام الوضع، ولم يكن يعقوب صبيًا صغيرًا اصطنع بكاء الطفل الوليد.
وتارة ثالثة يري فريزر أن هذه القصة من وضع المؤلف بقصد تفسير عادة تفضيل الابن الأصغر علي الابن الأكبر، فقال “إن يعقوب بوصفه الابن الأصغر لإسحق، كانت له الأولوية في ظل العادات القديمة، في المطالبة بحقه في إرث أبيه إسحق، وأن التحايل الذي قام به بقصد حرمان أخيه “عيسو” من حقه في الإرث، لم يكن سوي محاولات من جانب المؤرخ بهدف تفسير عادة تفضيل الابن الأصغر علي الابن الأكبر في الإرث، تلك العادة التي كانت قد هُجرت قبل عصره بزمن طويل، وأصبح مغزاها غير واضح علي وجه التقريب”(4).
وتارة رابعة يقول فريزر أن ما فعله يعقوب يشبه ما يفعله الهندي في هذا العصر عندما يريد أن يسمو إلي مستوي اجتماعي أعلي من مستواه أو أن يعود إلي قومه الذين خسرهم، مع أن كل ما طمع فيه يعقوب هو بركة البكورية، ولا أدري كيف يقارن فريزر بين حدثْ قد حَدَثَ في القرن السابع عشر قبل الميلاد في أرض كنعان، وبين حدثْ يحدث في الهند في القرن العشرين بعد الميلاد؟! ثم أن ما حدث قد أدي لفقدانه لأهله والبعد عنهم عشرين عامًا.
وتارة خامسة يري فريزر أن رفقة التي تُدعي “لبيبة” أرادت أن تختبر مهارتها في خداع زوجها، فقال “إن الموقف الثاني من الخديعة.. أوحت به إليه أمه “رفقة” التي كانت تسمي قبل زواجها “لبيبة ” وذلك لكي تختبر مهارتها في خداع زوجها(7) ولم يذكر فريزر سنده في هذا القول، فمَنْ الذي التقى برفقة فهمست باسمها قبل الزواج، وإنها كانت تختبر مهارتها في خِداع زوجها؟!
3- لم يثق ﭽيمس فريزر من صحة استنتاجاته، ولذلك تجده تارة يقول “إذا كان فرضنا سليمًا”(5) وتارة أخري يقول “فإذا كان افتراضنا صحيحًا”(6) فكل ما يقول به مجرد افتراضات وتخمينات.
_____
(1) الفولكلور في العهد القديم ﺠ 2ص125- 126.
(2) الفولكلور في العهد القديم ﺠ 2ص 152.
(3) المرجع السابق ص167، 168.
(4) الفولكلور في العهد القديم ﺠ 2ص 128.
(5) ص 152.
(6) ص198.
(7) الفولكلور في العهد القديم ﺠ 2ص55.