هل يمكن أن يكون سفر التكوين قد أخذ قصة الطوفان من أساطير الأولين؟
291- هل يمكن أن يكون سفر التكوين قد أخذ قصة الطوفان من أساطير الأولين؟
فقد رأى البعض أن كاتب سفر التكوين لا بُد أن يكون قد اطلع على هذه الأساطير وأخذ منها، فيقول الخوري بولس الفغالي “عرف الكاتب الملهم قصة الطوفان كما روتها بلاد الرافدين، وتناقلها البابليون الآشوريون والحثيون والحوريون.. (ثم أوضح) أن الطوفان ليس وليد تصرف الآلهة الذين تعبوا من ضجيج البشر، الذي يمنعهم من الراحة، كما قالت الأساطير (لكن) سبب الطوفان هو خطيئة البشر”(1).
ويتكرر نفس المعنى في كتاب المدخل إلى الكتاب المقدَّس(2) لنفس المؤلف، وأيضًا يقول الخوري بولس الفغالي ” ونتساءل عن أساس رواية الطوفان، فنقول أنه قد حدث فيضان في الزمن القديم فغرقت مدن عديدة بسبب الشتاء المنهمر والأنهار الجامحة، ولقد ظل خبر الطوفان هذا عالقًا في الأذهان، ومع تباعد الحدث امتزج الواقع بالأسطورة فدوَّن كتَّاب بلاد الرافدين قصصهم، ونقل إلينا الكاتب الملهم تلك القصة التي تعطينا صورة عن الله القدوس العادل وعن الإنسان الذي استحق بخطيئته الهلاك والموت”(3).
ويذهب الأب سهيل قاشا إلى أبعد من هذا، فيدعى أن قصة التكوين مأخوذة بحذافيرها من الأساطير، بل أن الأساطير تمتاز عن قصة سفر التكوين فيقول ” والصورة التي رسمها العهد القديم للطوفان مأخوذة بحذافيرها من القصص السومرية القديمة، والبابلية الحديثة، ولكن هذه القصص العراقية تمتاز عن التوراة في وصفها للظواهر الطبيعية في حين أن العهد القديم (التوراة) يمتاز عن الألواح البابلية في تصويره لفكرة الإله”(4) كما يقول أيضًا ” إن التشابه الصاعق بين النصوص البابلية والنص التوراتي (في قصة الطوفان) يدعو لكثير من التأمل والتفكير.. لقد كتب مؤلفوا التوراة نص الطوفان معتمدين بشكل واضح على أكثر من نص بابلي، مع بعض التعديل والتغيير”(5).
كما يقطع الأب سهيل قاشا بأن ” الرواية البابلية لا يمكن أن تكون مستمدة من الرواية العبرية، حيث أن الرواية البابلية أقدم من الرواية العبرية بما يقرب من أحد عشر أو أثنى عشر قرنًا”(6).
ويقول ” جيمس هنري برستيد” James Henry Breasted.. ” شقت أسطورة الطوفان البابلي طريقها متجهة غربًا شطر البحر الأبيض المتوسط حتى انتشرت في سورية وفلسطين إلى أن فتحت في النهاية طريقًا لها إلى الأدب العبري، ومن ثم وصلت إلينا عن طريق العهد القديم”(7).
ويرى “جيمس فريزر” أن الحيَّة قد لعبت دورًا هامًا في سرقة الخلود من الإنسان، ففي قصة الطوفان السقوط أكلت من شجرة الحياة فاكتسبت الخلود، وفي ملحمة جلجامش استولت على عشب الخلود(8).
ويقول د. محمد بيومي مهران “وهكذا نجد عدة مقابلات بين قصة الطوفان وبينها في الآداب البابلية، فالطوفان هنا وهناك بسبب إلهي، وبطل القصة ينال التحذير مما هو عتيد أن يكون، فيبنى فلكًا للخلاص، وهذا الفلك يطليه بالقار حتى لا ينفذ إليه الماء، ويحضر معه حيوانات ويدخلها إلى الفلك، كما أن بطل القصة السومرية ” زيوسودرا ” يُوصف بالتقوى وبأنه ملك يخاف الله، وأما نوح التوراة “فوجد نعمة في عيني الرب. وكان نوح رجلًا بارًا كاملًا في أجياله. وسار نوح مع الله” وفي القصتين ترسو السفينة على قمة جبل، فيرسل البطل طيورًا لاستكشاف حالة الجو، ففي القصة البابلية يرسل البطل الحمامة ثم السنونو beni ثم غرابًا ينقطع عن العودة، وأما في القصة التوراتية فيرسل البطل غرابًا ثم حمامة، ثم مرة ثانية حمامة تعود.. وفي القصتين يقدم البطل بعد خروجه من السفينة تقدمة تقبلها الآلهة، وتؤكد له الأمان في المستقبل، وفي القصتين ندم الآلهة على إهلاك البشر بالطوفان، ففي القصة البابلية يندم ” أنليل ” لأنه أحدث الطوفان دون روية وقاد ناس إلى التهلكة، بل أن الآلهة نفسها قد لامته على ذلك وتمنت لو أرسل أسدًا أو ذئبًا أو مجاعة، فأهلك بنى البشر الآثمين ” على الآثم وزر إثمه، وعلى المعتدى وزر اعتدائه ” وفي القصة التوراتية يندم الرب كذلك على إرسال الطوفان “وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان، لأن تصوُّر قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أيضًا أُميت كل حي كما فعلت” بل ويقطع على نفسه ميثاقًا ” لا يكون أيضًا طوفان ليُخرب الأرض ” ويضع للميثاق علامة هي “القوس في السحاب” فيذكر وعده ولا يأتي بطوفان يُغرق الأرض أبدًا”(9).
وقد أورد ” بيريل أنجر ” في كتابه ” الآثار القديمة والعهد القديم”(10) أوجه الشبه بين ما ورد في الأساطير، وما ورد في سفر التكوين في قصة الطوفان فيما يلي:
- “تقرر كل من القصتين أن الطوفان كان بتدبير إلهي.
- تتفق كل منهما على أن الله أعلن لبطل الطوفان عن كارثة وشيكة الحدوث.
- كل منهما تربط بين الطوفان وارتداد الجنس البشرى.
- كل منهما تذكر خلاص البطل وأهل بيته.
- كل منهما تقرر أن الله قد أمر البطل بأن يبنى سفينة هائلة ليحفظ حياته.
- بينت كل منهما الأسباب الحقيقية والطبيعية للطوفان.
- تحدد كل منهما مدة الفيضان ولو أنهما مختلفان في الزمن الذي انقضي.
- كل منهما تحدد المكان الذي رست عليه السفينة.
- كل منهما تحدث عن إرسال الطيور في فترات معينة لمعرفة مدى نقصان المياه.
- كل منهما تصف أعمال العبادة التي قام بها البطل بعد خلاصه.
- كل منهما تشير إلى بركات خاصة حلَّت على البطل بعد الكارثة”(12).
ويرى فراس السواح أن النص التوراتي اعتمد على النص البابلي، أو على نصوص أخرى، وقد تكون النصوص كلها رجعت إلى نص أقدم، أو رواية بقيت في أذهان شعوب المنطقة، أما من ناحية الصياغة الأدبية فإن النص البابلي يتفوق بشكل واضح على النص التوراتي(13).
ج: من اطلع على أساطير الطوفان بحياد كامل، يعلم يقينًا أن هناك تشابه بين هذه الأساطير وما ورد في القصة التوراتية، ولكن هناك أيضًا خلافات شاسعة بينهما، ويرجع التشابه كما نعلم من أن أصل القصة واحد، فقد حدث الطوفان فعلًا، والدراسات الأثرية تدل عليه في أماكن عديدة إلى هذا اليوم، والقصة حُفظت نقية في سفر التكوين، بينما تشوهت في الشعوب الوثنية التي بعدت عن الحق الإلهي أما الخلافات وما أكثرها فنطرح بعض منها هنا:-
1- جاءت القصة في سفر التكوين في بساطة بعيدة عن كل صور الملاحم الأسطورية.
2- في سفر التكوين تكلم الله مع نوح وأخبره بخبر الطوفان بسبب شر الإنسان “فقال الرب لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي لأن الأرض امتلأت ظلمًا منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض” (تك 3:6) أما في الأسطورة السومرية فإن زيوسودرا ” رأى في أحد الأيام حلمًا لم ير له مثيلًا.. (وسمع صوتًا يقول) قف قرب الجدار على يساري واسمع.. سأقول كلامًا فاتبع كلامي.. أعطِ أذانًا صاغية لوصاياي.. إنا مُرسِلون طوفانًا من المطر.. فتقضى على بنى الإنسان.. ذلك حكم وقضاء من مجمع الآلهة.. أمر آنو وإنليل.. فنضع حدًا لملكوت البشر(14) وفي الأسطورة البابلية وصل خبر الطوفان لأتراحسيس عن طريق حلم، فتوجه أتراحسيس إلى معبد “آيا” يطلب تفسير الحلم، فأخبره (آيا) بتفسير الحلم من وراء حجاب(15).. إذًا في سفر التكوين نلتقي بالله الواحد الذي أرسل الطوفان، أما في الأساطير فنجد قرار الطوفان صادر من مجمع الآلهة.
3- سبب الطوفان في سفر التكوين هو زيادة شر الإنسان (تك 3:6) ، أما في الأساطير فسبب الطوفان هو ضجيج البشر الذي أزعج الآلهة. ويقول د. محمد بيومي ” يقدم لنا الدكتور “جون إلدر” خلافات بين القصتين، ففي التكوين يحدث الطوفان كعقاب من الله الحق للأشرار، وفي القصة البابلية ينال البطل النجاة لأن له نصيرًا بين الآلهة الكثيرة، قصة التكوين تقدم لنا ديانة توحيدية، ولكن البابليين يقدمون لنا أحد درجات الديانات التي تنادى بتعدد الآلهة. وهكذا نرى الفارق العظيم بين فكر الوحي السامية في قصة التكوين، وبين الفكرة الخرافية المليئة بالخيالات والأوهام والمتناقضات في القصة البابلية، مع أنها خلاصة أرقى ما وصل إليه الفكر البشرى في دولة سامية متحضرة”(16).
4- في أسطورة أتراحسيس قال له الإله “آيا”: أهدم بيتك وابنِ لك فلكًا(17) وهذا لم يحدث مع نوح.
5- ظل نوح يبنى الفلك لمدة نحو مائة سنة (تك 5: 32، 6:7) مما يظهر طول أناة الله على البشرية، بينما في الأسطورة البابلية نجد أتراحسيس يبنى السفينة في سبعة أيام فقط(39) وهذا يُظهر الآلهة الطغاة المتسرعون لهلاك البشر.
6- عدد طوابق سفينة نوح ثلاث طوابق (تك 16:6) أما عدد الطوابق في سفينة الأساطير فهي سبعة طواب(18) والأمر العجيب أن الخورى بولس الفغالى يجعل الأصل سفينة الأساطير ذات الطوابق السبعة، وإن كاتب سفر التكوين جعلها ثلاث طوابق مثل هيكل سليمان فيقول “بنى نوح السفينة وجعلها ثلاثة طوابق، هكذا سيكون هيكل سليمان.. أما الملحمة ” أتراحسيس ” فستجعلها سبعة طوابق على مثال هيكل بلاد الرافدين.. نلاحظ أولًا كيف أن الخلاص لا يتم بسفينة سحرية، بل بفضل بركة الله الآتية من هيكله.. ونلاحظ ثانيًا كيف أن الكتاب المقدَّس نقل ما قالته الأساطير”(19). والحقيقة أن موسى النبي كتب سفر التكوين قبل بناء هيكل سليمان بمئات السنين، فلم يكن الهيكل قد بنى، ولا معالمه قد اتضحت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويقول فراس السواح أن السفينة دُعيت في الأسطورة السومرية ” ماجور ” أي السفينة العملاقة، وفي ملحمة جلجامش دُعيت ” أيليبو ” أي سفينة أو مركب، وفي أماكن متفرقة يدعوها الهيكل العظيم، أما سفر التكوين فدعاها ” يتبا ” أي صندوق أو تابوت.
7- في سفر التكوين نجد أبعاد سفينة نوح طولها 300 ذراعًا، وعرضها 50 ذراعًا، وارتفاعها 30 ذراعًا (تك 15:6) وهذه الأبعاد تطابق أحدث القياسات العالمية، وبهذه الأبعاد قاوم الفلك الأمواج العاتية دون أن ينقلب. أما سفينة أتراحسيس فهي عبارة عن مكعب طول ضلعه 120 ذراعًا(20) وبهذه الطريقة لا تثبت أمام الرياح والأمواج.
8- لسفينة نوح فتحات للإضاءة والتهوية من أعلى الجوانب الأربعة ” تصنع كوَّا للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق” (تك 16:6) وهي طريقة مثالية للتهوية، والبعد عن التيارات الشديدة، وتحاشى دخول الأمطار للفلك، فثاني أكسيد الكربون الذي يتصاعد لأعلى تطرده التيارات الهوائية خارج الفلك ويحل محله هواء نقى أما سفينة الأساطير فلم تكن هكذا.
9- في الأسطورة البابلية حمل أتراحسيس معه الذهب والفضة وأقربائه والصنَّاع، فيقول أتراحسيس ” ثم حملت فيها كل ما أملك.. كل ما كان عندي من فضة حملته فيها.. وحملت فيها كل ما كان عندي من المخلوقات الحيَّة.. أركبت في السفينة جميع أهلي وذوى القربى.. وأركبت فيها حيوان الحقل وحيوان البر وجميع الصنَّاع”(21) بل أن “آياد” أمر أتراحسيس بأن يأخذ في السفينة الكثير من الأسماك، وهذا يخالف ما جاء في سفر التكوين، ولم يحمل نوح معه ذهب ولا فضة ولا ذوى القربى غير أبنائه الثلاثة وزوجاتهم، لم يحمل معه الصنَّاع وأساتذة الفن، ولم يكن في حاجة لحمل الكثير من الأسماك في السفينة، لأن الأسماك ستعيش في الطوفان ولا خوف عليها.
10- ورد في الأسطورة البابلية أنه قبيل الطوفان بأيام كان أتراحسيس يذبح للناس عجولا، وينحر لهم خرافا، ويقدم لهم الخمر الأحمر والأبيض، وأعطى الصناع فشربوا واحتفلوا كأعياد رأس السنة(22) وهذا لا نجده في سفر التكوين.
11- في الأسطورة البابلية ابلغ الإله “شمس” أتراحسيس أن اليوم الذي سيأتي فيه الطوفان ستمطر السماء في النهار أقراصًا من الحلوى وفي المساء وابلا من القمح(23) وفي سفر التكوين لا نجد أثرًا لهذه الأساطير.
12- في الأسطورة البابلية انزلوا السفينة بصعوبة إلى الماء “تم بناء السفينة في اليوم السابع عند مغرب الشمس.. وكان إنزالها (إلى الماء) أمرا صعبا.. فكان عليهم أن يبدلوا ألواح القاع في الأعلى وفي الأسفل.. إلى أن غطس في الماء ثلثها”(24) بينما سفينة نوح ظلت مكانها حتى رفعتها مياه الطوفان..
13- في الأسطورة البابلية أغلق أتراحسيس باب السفينة، وسلم قيادتها للملاح “بوزو-امورى”.. “وفي المساء أنزل الموكل بالعاصفة مطرا مهلكا.. وتطلعت إلى الجو فكان مكفهرا مخيفا فولجت إلى السفينة وأغلقت بابي.. وأسلمت دفة السفينة إلى الملاح “بوزو-امورى”..”(25) أما في قصة التكوين فإن الله هو الذي أغلق الباب، ولم يكن للسفينة ملاحًا، لأن الله هو قبطانها، أجراها وأرساها دون أيه مخاطر.
14- في الأسطورة البابلية اشترك الإله حدد (أدد) مع الإله “نرجال” مع الإله “نينورتا” في أحداث الطوفان “باتت في الأفق غيمة سوداء.. وفي داخلها كان الإله” حدد “يرعد دون انقطاع.. وفي المقدمة كان يسير الإلهان “شلات” و”خانيس”.. ويتقدمان بين الجبال والسهول.. وكان “نرجال” يقتلع الجسور وسدود السماء.. ثم أعقبه الإله “نينورتا” يفجر سدود السماء.. رفع الأنوناكي المشاعل فاجتاز صوت حدد المخيف.. السماء وأحال إلى ظلمة كل ما كان منيرًا”(26).
15- ذكرت الأساطير أن الإلهة ارتاعوا من الطوفان، فانكمشوا كالكلاب الخائفة، وبكوا وندبوا “حتى الإلهة ذعروا وخافوا من عباب الطوفان.. فانهزموا وعرجوا إلى سما “آنو”.. لقد استكان الإلهة وربضوا كالكلاب إزاء الجدار الخارجي.. وصرخت عشتار كالمرأة في ساعة مخاضها.. وبكى إلهة الأنوناكي وهم منكسو الرؤوس.. وندبوا وقد بيست شفاهم.. ومضت ستة أيام وسبع ليال.. ولما حل اليوم السابع خفت وطأة زوابع الطوفان في شدة دفعها..”(27) ولا عجب ففي كارثة المجاعة فتح “آيا” مزلاج البجر العميق وعارضته، وعندما تعرض للمسالة أمام الإله “انليل” كذب وقال ان تراكم الأسماك هو الذي كسر مزلاج البحر العميق. وهذا التصور لا نجد له أي صدى في قصة التكوين.
16- في سفر التكوين استمر المطر أربعين يوما وأربعين ليلة (تك 7: 12) أما في الأساطير فإن الطوفان استمر سبعة أيام فقط “هبت العاصفة كلها دفعة واحدة.. ومعها انداحت سيول الطوفان فوق (وجه الأرض).. ولسبعة أيام وسبع ليال.. غمرت سيول الأمطار وجه الأرض.. ودفعت العواصف المركب العملاق فوق المياه العظيمة”(28).
17- في سفر التكوين استقرت السفينة على جبل أرارط (تك 8: 4) بينما في أسطورة أتراحسيس استقرت الفينة على جبل “نصير”(29) وفوق جبل أرارط يوجد بناء خشبي ضخم مدفون تحت الجليد بارتفاع 1400 قدم فوق مستوى سطح البحر، وتحدثت عن هذا البناء السلطات التركية في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وفي سنة 1955 م. تم تصوير هذا البناء الذي وجد على عمق 35 قدم تحت سطح الجليد، وأثبتت الاختبارات أن عمر هذا البناء يتراوح بين 1200 – 5000 سنة، وفي بداية السبعينيات من القرن العشرين استطاعت طائرات التجسس الأمريكية، وأيضًا الأقمار الصناعية من تصوير هذا البناء الضخم(30). وقد تثبت الأيام أن هذا البناء الخشبي الضخم ما هو إلا سفينة نوح.
18- في سفر التكوين أرسل نوح الغراب فخرج مترددا، ثم أرسل الحمامة فلم تجد مقرا لرجلها، وبعد سبعة أيام أرسل الحمامة للمرة الثانية فعادت له بورقة زيتون خضراء في فمها، ثم بعد سبعة أيام أرسلها للمرة الثالثة فلم تعد (تك 8: 7-12) أما في الأسطورة البابلية فقد أرسل أتراحسيس الحمامة ثم السنونو ثم الغراب(31).
19- سفر التكوين انفرد بتحديد سنة حدوث الطوفان وأرخ لأحداث الطوفان باليوم والشهر بدقة، فهو يمثل يوميات صادقة، وسجل تاريخي موثوق فيه، فقد دخل نوح والكائنات الحية إلى الفلك يوم 10\2\600 من حياة نوح، وبدا الطوفان في 17\2\600 من حياة نوح (تك 7:11) وتعاظمت المياه على الأرض “مائة وخمسين يوما” (تك 7:24) أي حتى 17\7\600 من حياة نوح حيث استقر الفلك على جبل أرارط، وفي 10\10\600 من حياة نوح ظهرت رؤوس الجبال (تك 8:5) وبعد أربعين يومًا أي في 20\11\600 من حياة نوح فتح نوح طاقة الفلك (تك 8:6) وفي 1\1\601 من حياة نوح نشفت المياه عن الأرض (تك 8:13) وفي 27\2\ 601 جفت الأرض، وكلم الله نوحا قائلا أخرج من الفلك (تك 8:14-16) أي أن نوح ظل في الفلك ما يزيد عن العام.
أما الأساطير فقد اختصرت مدة الطوفان لسبعة أيام، وهذه المدة لا تكفي لغمر قمم الجبال الشاهقة، وبلوغها سبعة عشر ألف قدما كقول الأساطير، وبعد سبعة أيام أخرى انطلق أتراحسيس ومن معه من السفينة (فراس السواح-مغامرة العقل الأولى ص 133) ، ويشهد عالم الآثار البارز “البرايت” في بداية بحثه المعرف “العصر الكتابي” بان التقليد القومي اليهودي يفوق جميع الحضارات الأخرى من حيث وضوح التسلسل التاريخي، فلم تصل حضارات مصر أو بابل أو آشور أو فينيقية أو اليونان أو الرومان أو الهند أو الصين إلى الحضارة التي سجلها الكتاب المقدَّس، فجميع هذه الحضارات تعتبر أعمال أديبة مشوهة بجوار ما جاء في العهد القديم(32).
20- ذكرت الأساطير أنه خلال اثنتي عشرة ساعة مضاعفة انبثقت قطع من الأرض(33) أي أن مياه الطوفان انحسرت في يوم واحد، بينما يقول سفر التكوين “ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا.. وبعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه” (تك 8:3).
21- في الأسطورة السامرية بعد انتهاء الطوفان كوفئ “زيوسودرا” ومعنى اسمه “الذي وضع يده على العمر المديد” بالخلود والسكنى في ارض دلمون جنة السومريين “زيوسودرا الملك.. سجد أمام آنو وانليل.. ومثل إله وهباه حياة أبدية.. ومثل إله وهباه روحًا خالدة.. عند ذلك زيوسودرا، الملك.. دعي باسم حافظ بذرة الحياة.. وفي أرض.. أرض دلمون.. حيث تشرق الشمس، أسكناه”(34) وفي الأسطورة البابلية يتكرر نفس المعنى مع أتراحسيس ومعنى اسمه “الواسع الحكمة” “ثم صعد انليل إلى السفينة ومسكني واركبني معه في السفينة واركب معي أيضًا زوجتي وجعلها تسجد بجانبي ثم وقف ما بينا ولمس ناصينا وباركنا قائلا لم يكن “أوتنابنشتم” قبل الان سوى بشر ولكن منذ الآن سيكون “أوتو-بنشتم” وزوجته مثلنا نحن الإلهة وسيعيش “أوتو-بنشتم” بعيدا عن فم الأنهار”(35) معنى اسم أوتو-بنشتم “الذي رأى الحياة” بينما عاش نوح 950 سنة ومات ولم يحصل على الخلود (تك 9:29).
22- يعترف كمال الصليبي رغم هجومه الشديد على الكتاب المقدَّس قائلًا “أما الرواية التوراتية للقصة، فالطوفان الذي نتحدث عنه هو سيل عرمرم أحدثه سقوط غزير للأمطار دام أربعين يوما بلياليها، ويسود الاعتقاد بان هذه الرواية مأخوذة من رواية عراقية أقدم منها، وهي قصة الطوفان الواردة في ملحمة جلجامش، ولكن الأرجح أن العكس هو الصحيح”(36).
23- تعتبر قصة الطوفان من أكثر القصص انتشارا في حضارات العالم المختلفة لأنها مثلت كارثة عالمية شاملة، وتوجد نحو 200 قصة للطوفان، وإن اختلفت عن بعضها البعض لكنها تؤكد حقيقة الطوفان، وقد درس العالم الكندي “Dr. Arthur Costance” “د. آرثر كوستانس” قصة الطوفان في الحضارات المختلفة، وانتهى إلى أن هناك تشابهات بين القصص المختلفة، فقال إن هناك 33 وثيقة قديمة تحدثت عن الطوفان، منها 31 تتفق على أن الناجين شكروا الإله ومجدوه، ومنها 30 وثيقة تتفق على أن الفلك استقر على قمة جبل عال، ادعى اليونانيون أنه جبل بارناسوس “Parnassus ” وادعى الهنود أنه جبل الهيمالايا “Himalayas ” وادعى الأمريكان انه استقر على قمة جبل كيدي في وادر ساكرامنتو “Keddie Peak- Sacramento” ومنها 29 وثيقة تتفق على إرسال الطيور لاستطلاع المياه، ويقول د. كونستانس “إن الاتفاق بين جميع القصص في الأجزاء الهامة منها إنما هو دليل على أن عدد الذين تعرضوا في الأصل لهذه الكارثة ونجوا منها عددًا صغيرًا جدا، وربما في الواقع أسرة واحدة. وفي الحقيقة من بين 200 قصة ترتفع قصة الكتاب المقدَّس وتسمو وتبدو وكأنها رواية شاهد عيان، وكتب د. وليام دوسون “William Duson ” في ذلك {لقد فكرت طويلًا أن الرواية في الأصحاحين السابع والثامن من سفر التكوين يمكن فهمهما وكأنها صحيفة معاصرة أو سجل لشاهد عيان استخدمها كاتب سفر التكوين في كتابه}”(37).
24- ونذكر الأخوة الكتاب المسلمين الذين يدعون بأن سفر التكوين أخذ من أساطير الأولين قصة الطوفان، بأن القرآن ذكر إنذار نوح لقومه، وعدم تصديقهم له، ونجاة نوح ومن معه، وغرق من كذبوه (سورة الأعراف 59-64، ويونس 71-73، والأنبياء 76-77، والفرقان 37، والصافات 73-82). وتهديد أهل نوح له بالرجم، ولكن الله نجاه وأغرق الباقين (سورة الشعراء 105-122) وذكر القرآن أن نوح ظل مع قومه ينذرهم 950 سنة (سورة العنكبوت 14، 15) واتهام أهل نوح له بأنه مجنون، وتنجية الله له وغرق الباقين (القمر 9-16) وهناك سورة كاملة باسم نوح تقص إنذار نوح لقومه نهارًا وليلًا، وعدم استجابتهم بل كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم، رغم أن نوح كان يشجعهم على طاعة الله ليمنحهم المطر والأموال والبنين والجنات، ولكنهم مكروا فأغرقهم الله وأخلهم النار (سورة نوح رقم 71). وذكر القرآن أيضًا وحي الله لنوح، وصنع الفلك، وسخرية قوم نوح منه، رغم نصحه لهم، واعترافه بأن هذا النصح بلا قيمة مادام الله يريد أن يغويهم، ودخول نوح للفلك مع نفر قليل، وإدخال زوجين من الكائنات الحية للفلك، ومجيء الطوفان، وجفاف المياه بعد الطوفان، واستقرار السفينة على جبل “جودي” وهبوط نوح ومن معه في الفلك (سورة هود 36-48).
25- نذكر الكتاب المسيحيين الذين يدعون أن سفر التكوين أخذ قصة الطوفان من أساطير الأولين، بأن القصة حدثت بالفعل، وهلك كل كائن حي، وقد أشار السيد المسيح لمفاجأة الحدث (مت 24: 39،38، لو 17: 27،26) وأشار بولس الرسول لوحي الله لنوح وبناء نوح الفلك لخلاص بيته (عب 11: 7) وحدد بطرس الرسول عدد الناجين بثمانية أشخاص (2بط 2: 5) فالتشكيك في حقيقة قصة الطوفان كما ذكرها سفر التكوين هو تشكيك في أقوال السيد المسيح ومعلمنا بولس الرسول وروح الكتاب.
26- لم تحصل الحية على الخلود كقول جيمس فريزر، فهذه حقيقة وواقع عملي ثابت لدى الجميع.
27- جاء ذكر عشرة أباء من آدم إلى الطوفان وهم آدم وشيت وانوش وقينان ومهلئيل ويارد وأخنوخ ومتوشالح ولامك ونوح خلال مدة 1656 سنة، وفي الأسطورة البابلية جاء ذكر عشرة ملوك من بدء الخليقة وحتى الطوفان ويمثل أوتنابشتيم الملك العاشر، وذلك خلال 345000 سنة، وفي محاولة لجعل هذه الأرقام الفلكية معقولة قالوا إن السنة الأسطورية قد تكون تساوى يومًا أو أسبوعًا(38).
_____
(1) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى ص 110.
(2) جـ 2 ص50.
(3) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 152.
(4) التوراة البابلية ص85.
(5) المرجع السابق ص147.
(6) أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص180.
(7) فجر الضمير ص361.
(8) راجع الفولكلور في العهد القديم جـ 1 ص148، 149.
(9) تاريخ الشرق الأدني والقديم – تاريخ اليهود (مذكرة كلية الآداب – جامعة الإسكندرية 1972م.) ص 302، 303.
(10) طبعة ثالثة ص 55، 56.
(11)
(12) نيافة الأنبا بولا- الكتاب المقدًّس والعلم ص186، 187.
(13) راجع مغامرة العقل الأولى ص155.
(14) التوراة البابلية ص131.
(15) خَزْعَل الماجدي- إنجيل سومر ص164- 166.
(16) تاريخ الشرق الأدنى القديم- تاريخ اليهود (مذكرة كلية الآداب- جامعة الإسكندرية 1972) ص303.
(17) سلسلة الأساطير السومرية ص 248.
(18) فراس السواح- مغامرة العقل الأولى ص130.
(19) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى الله ص111.
(20) سلسلة الأساطير السومرية ص248.
(21) الثورة البابلية ص 135.
(22) فراس السواح – مغامرة العقل الأولى ص 131.
(23) سلسة الاساطير السومرية ص 250.
(24) الثورة البابلية ص 135.
(25) المرجع السابق 136.
(26) سلسلة الأساطير السومرية – ديانات الشرق الأوسط ص 250.
(27) التوراة البابلية ص 137.
(28) التوراة البابلية ص 132.
(29) فراس السواح-مغامرة العقل الأولى ص 133.
(30) نيافة الانبا بولا – الكتاب المقدس والعلم ص 77.
(31) فراس السواح-مغامرة العقل الأولى ص 133.
(32) راجع جوش مكدويل – برهان يتطلب قرار ص 59.
(33) فراس السواح-مغامرة العقل الأولى ص 133.
(34) التوراة البابلية ص 132.
(35) التوراة البابلية ص 138.
(36) خفايا التوراة وأسرار.
(37) نيافة الأنبا بولا – الكتاب المقدس والعلم ص 90، 91.
(38) راجع الاب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص 52، 53.
(39) فراس السواح- مغامرة العقل الأولى ص 130.