هل كان سبب الطوفان هو تزاوج الملائكة من الناس؟
292- هل كان سبب الطوفان هو تزاوج الملائكة من الناس؟
يقول الخوري بولس الفغالى “تداولت أسفار اليهود المنحولة الحديث عن خطيئة جسدية بين الملائكة والبشر ولد على أثرها الجبابرة وتلمح رسالة يهوذا (6-8) إلى خطيئة الملائكة الجسدية دون أن تذكرها بوضوح، ونسى الجميع ما قاله الرب يسوع أن ملائكة الله لا يتزوجون (مت 22: 30) وتحدث ترتليانوس لنساء عصره {لستن في حاجة في التبرج والتزين لإرضاء الرجال إذ أن نساء أميات فظات قد وضعن البلبلة بين الملائكة}.. والقديس أمبروسيوس.. قال {هؤلاء الملائكة أبناء الله، قد أخطأوا فقيدهم الله في الظلمة وعاقبهم (سى 16: 7) عندما أهلكهم في الطوفان}..
ولكن ظهر تيار آخر عند الإباء يرفض الحديث عن خطيئة جسدية عند الملائكة (قالوا أن أبناء الله هم أبناء شيت، وبنات الناس هم بنات قايين) هذا التفسير لا يشبع رغيتنا في معرفة أساس هذه الأسطورة المنتشرة في الشرق والغرب، ولكن يبقى أن الكاتب الملهم نقلها كما عرضها”(1).
كما يقول أيضًا بولس الفغالى عن هذا الأمر “نحن هنا أمام عناصر أسطورية، وجد بها أوسابيوس(2) مصدر الأساطير اليونانية عن الجبابرة و”التيتان” (آلهة يونانية ضخمة) بينما رأى فيها آخرون اقتباسا من عناصر أسطورية يشترك فيها شعوب البحر الأبيض المتوسط”(3).
ويذكر ليوتاكسل ما ذكره سفر أخنوخ المنحول عن قصة زواج الملائكة ببنات الناس فيقول “يتألف كتاب أخنوخ من أحد عشر أصحاحًا، يروى (الأصحاح) الثاني منها قصة عشق الملائكة لبنات الناس {بما أن عدد الناس زاد كثيرًا، فقد أصبح عندهم الكثير من الفتيات الجميلات، فأغرم الملائكة بأكثرهن حسنا، واقترفوا بسبب ذلك كثيرًا من الآثام. لقد دب الحماس فيهم فقالوا: لننزل إلى الأرض ونختر لأنفسنا زوجات من بين أجمل فتيات البشر. عندئذ قال لهم سيميازس الذي جعله يهوه أميرًا على ألمع الملائكة: انه لسعى مشكور وأمنية رائعة لكنني أخشى ألا يكون بمقدوركم تحقيقها، فأجد نفسي مرغمًا على أنجب وحدي أطفالًا من بنات البشر، فأجابه جميعهم: إننا نقسم على أننا سنحقق غايتنا ولنكن ملعونين ان نحن اخلفنا، واتحدوا بهذا القسم كلهم. كان عددهم في أول الأمر مائتي ملاك، وقد وقع هذا في الزمن الذي عاش فيه يارد والد أخنوخ.
وهكذا توجه الملائكة إلى الأرض معًا، فصعدوا إلى جبل حرمون.. اخذوا لأنفسهم زوجات من بنات البشر بعد 1170 عامًا من لحظة خلق العالم. فولد العماليق في تلك الزيجات}.. إذًا الأمر يتخلص في أن عددًا من صيادي الحب نزل إلى الأرض بزعامة الأمير سيميازس، بحثًا عن الحب وحسب.. ولكن للتاريخ نقول أن يهوه اخذ يتململ ضيقًا عندما رأى انه سيبقى وحيدا إذا ما بقي سيل الملائكة العشاق يتدفق على الأرض. غير انه كظم غيطه وصبر طويلا. ويعطينا سفر التكوين وكتاب أخنوخ رويتين مختلفتين بصدد انفجار غضبه العظيم.. إن كتاب أخنوخ يعرض الأمر من رواية أخرى، فالملائكة غدوا على الأرض آباء سعداء، واخذوا يهتمون بأولادهم، وصاروا ذوي مهارات فائقة، فعلموا أبنائهم صقل الحجارة الكريمة، والسحر، وفن قراءة المستقبل بالأجرام السماوية. بل وعلموا عشيقاتهم الأسرار العظمى، وسرعان ما تفوقت عشيقات الملائكة وأولادهن العماليق على بنى البشر الآخرين.
وأخذت الأرض تنتحب وامتلأت بصيحات الآسي.. وفي الوقت عينه نشا نزاع بين السيد ازازيل -هو ملاك متزوج من فتاة إنسية- والأمير سيميازس، فتلقى هذا الأخير بضع لكمات على فكيه فقد منصبه على أثرها، وحل أزازيل زعيمًا بدلًا منه، فأرسل يهوه رافائيل ليقضى على ازازيل، وحوصر صاحبنا في أحد الكهوف الواقعة في برية دودويل.
بعد هذه الأحداث رأى يهوه أن الطوفان ضرورة لا بُد منها لتطهير الأرض من الشرور.. لكنه قبل أن ينفذ قراره الرهيب، استدعى الملائكة الذين نزلوا إلى الأرض ليتسكعوا أو يتزوجوا، وأمرهم بالرجوع عن غيهم، وبالسلوك سلوك مستقيم والكف عن ممارسة الزنى مع بنات البشر.. ولكي يتفادى السيد يهوه وقوع مزيد من العبث في المستقبل ألزمهم، على الأرجح، أن يتخلوا عن أعضائهم التناسلية إلى الأبد.. أما أزازيل التاعِس، الذي سجنه رافائيل في الكهف، فقد نسى وغرق في الطوفان!”(4).
كما يقول ليوتاكسل أيضًا عن الدافع للطوفان “يتوخى سفر التكوين الحذر الشديد في وصفه تفاصيل الجرائم والآثام التي اقترفها أحفاد آدم على الأرض في أثناء معاشرة الملائكة نساء البشر.. إن أحفاد آدم تركوا الصلاة عند الصباح والمساء، على اغلب الظن، لأنه ما من شيء يجعل يهوه غاضبًا إلى هذه الدرجة سوى الخلل بمواعيد الصلاة، وهذا ما يقوله لك كل كاهن.. فحزن الرب لأنه عمل الإنسان في الأرض.. إنه حزن يهوه! وهو ليس حزنًا عاديًا يا صاحبي! أضف إلى هذا، أن أسى يهوه كان عميقًا إلى درجة فقد فيها اتزانه الروحي والعقلي، الأمر الذي قاده إلى قرار إبادة الحيوانات أيضًا.. أثر أن يميتهم غرقًا، ويجب أن نعترف بان هذا الموقف لم يكن موقفا أبويًا”(5).
تعليق:
- نحن لا نعترف بعصمة إنسان قط إلا في حالة كتابته لكلمة الله المقدسة، ولذلك لا يمكن ان نقبل كلام أي علامة في الكنسية أو أب من آبائها يقول أن الملائكة تزوجوا بنات الناس، ولنا السند الإنجيلي القوى في هذا، وهو كلام الله المتأنس نفسه عندما قال بان ملائكة الله “لا يزوجون ولا يتزوجون” (مت 22:30).
- لم يلمح معلمنا يهوذا عن زواج الملائكة بالبشر، وإهلاك الله لهم بالطوفان، فكل ما قاله يهوذا الرسول “وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ” (أيه 6) فقول الإنجيل عن هؤلاء الملائكة الذين سقطوا في خطية الكبرياء أن الله “حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ” ضد قول البعض بان الله أهلكهم بالطوفان.
- لم يقبل شعب الله في القديم سفر أخنوخ نظرًا لما حواه من أخطاء وأساطير، وما ذكره ليوتاكسل فيما سبق خير دليل على هذا، ولا أثر في الكتاب المقدَّس لأمير يدعى “سيميازس” أو آخر يدعى “أزازيل” ، بل أن الملائكة أراوح خالدة لا جسد لها، هم أرواح سماوية نورانية “الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً” (مز 104:4) والملائكة لا جنس لها، فلا ينقسمون إلى ذكور وإناث، فهم بعيدون عن الجنس وعن الغرائز الجنسية، فكيف يتزوجون من بنات وينجبون؟! وكيف يغرقون بمياه الطوفان؟! وكيف يموتون وهم أراوح خالدة؟!!
وعمل الملائكة هو التسبيح الدائم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. “سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ” (مز 148:2) والملائكة رسل سماويون يسرعون لتنفيذ أوامر الله “بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ” (مز 103:20) والملائكة يكنون مشاعر الحب للبشر فيفرحون بخلاص ونجاه كل أحد “هكَذَا، أَقُولُ لَكُمْ: يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ” (لو 15:10).. فكيف يسعون لإسقاط الإنسان في المعصية؟!
- تصور ليوتاكسل هو تصور مريض لا يعتد به، إذ كيف يصور الله الكامل في ذاته المتكامل في صفاته، الذي هو غنى عن العالمين، على انه تململ ضيقا عندما رأى الملائكة يتركونه ويذهبون للأرض!! الله هو الأزلي الوحيد وحده الكائن قبل كل خليقة في السماء أو على الأرض، كم من أزمان مرت -إن صحَّ التعبير لان الزمن مخلوق-كان الله وحيدا لم يمل ولم يتململ حسبما تصور ليوتاكسل. كما ان ما وقع فيه ليوتاكسل من فقدان اتزانه الروحي والعقلي راح يخلعه على الله، فحديثه الغير مهذب ولسانه السليط يمكن خلفه الحقد الشيطاني الذي مل قلبه ضد الله محب البشر الصالح. إن ليوتاكسل يخترع أمورا لا وجود لها إلا في خياله المريض لذلك راح يستخدم بعض العبارات مثل “على الأرجح” و”على اغلب الظن” مما يظهر أن أقواله بلا حجة ولا سند إنما من استنتاجاته.
- أبناء الله هم أبناء شيت، ويدعى الصديقون دائمًا بأنهم أبناء الله كقول معلمنا يوحنا الإنجيلي “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ” (يو 1:12) وبنات الناس هن بنات الشرير، وقد ولدن الجبابرة أي الأقوياء، مثلما قيل عن نمرود “الَّذِي ابْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ لِذلِكَ يُقَالُ كَنِمْرُودَ جَبَّارُ صَيْدٍ أَمَامَ الرَّبِّ” (تك 10:8، 9) . وقد التقى جواسيس بني إسرائيل بالجبابرة في أرض كنعان، وعادوا يقولون “وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ” (عد 13:33).
ونقول أن هذا الفكر الخاطئ الخاص بزواج الملائكة بالنساء الآدميات، تعتقد به جماعة شهود يهوه وهي جماعة غير مسيحية(6).
_____
(1) المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 128-129.
(2) أسقف قيصرية في فلسطين ومؤرخ مسيحي 265 – 340م.
(3) المرجع السابق ص 129.
(4) هل التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير؟ ص 57-60.
(5) المرجع السابق ص 65-66.
(6) راجع كتابنا: شهود يهوه.. هوة الهلاك طبعة 1996م ص 123-126.