Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل أخذ سفر التكوين الأنهار الأربعة، وشجرة الحياة، والكروبيم، واسم حواء من أساطير الأولين؟

 284- هل أخذ سفر التكوين الأنهار الأربعة، وشجرة الحياة، والكروبيم، واسم حواء من أساطير الأولين؟

ج: 1- قال الأب سهيل قاشا “إنه تم اكتشاف رسم جداري.. بالألوان في قصر الملك زمريلم في مدينة مادي (القرن الثامن عشر قبل الميلاد) فنحن نشاهد في وسط المشهد ضمن أفريز مستطيل الملك زمريلم وهو يتسلم شارات الحكم من الآلهة عشتار، ويظهر تحت ذلك أفريز آخر بالحجم نفسه يُصور إلهتين تقف كل منهما مقابل الأخرى وهي تحمل وعاء يتدفق الماء منه على شكل جداول أربعة تتشعب وتتلاقى بعضها مع البعض الآخر، وفي طرفي المنظر نشاهد نخلة وشجرة محورة عالية، وأخيرًا نشاهد أربعة حيوانات، اثنين على كل جانب وهي تقف أمام الشجرة العالية لحراستها. إن هذا المشهد الجداري بجداوله الأربعة المتدفقة، وبحيواناته الخرافية التي تحرس الشجرة العالية تدعو الباحث إلى استذكار جنة عدن في التوراة: أنهارها الأربعة أيضًا والكروبيم Cherubim التي أقامها الرب شرقي جنة عدن لحراسة شجرة الحياة. تُرى هل إن هذا التشابه مجرد صدفة، أم أنه في الواقع دليل آخر مادي في هذه المرة”(1).

والحقيقة أن وجه المقارنة هنا لا ينبغي أن يكون بين زمن هذه الجدارية في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وبين تاريخ تدوين سفر التكوين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ثم ننتهي بنتيجة خاطئة وهي أن سفر التكوين أخذ من أساطير الأولين، لا يجب أن تؤخذ الأمور هكذا، فالمقارنة يجب أن تكون بين تاريخ هذه الجدارية، وتاريخ وقوع الحدث نفسه، وبلا شك فإن الحدث نفسه هو الأقدم أقدمية مطلقة، ومنه أخذت الشعوب الكثيرة. فالحدث لحقه بعض الإضافات والتشوهات بينما احتفظت به الأمة اليهودية الدقيقة الأمينة نقيًا، وسجله موسى النبي بالوحي الإلهي مطابقًا للأصل تمامًا، والدليل على هذا ما تلاحظه يا صديقي من اختلافات بين ما ورد في سفر التكوين وما ورد في هذه الجدارية مثل:

أ-الذي خلق جنة عدن بأنهارها الأربعة هو الإله الواحد، بينما تظهر الجداول الأربعة في الجدارية نتيجة تدفق الماء من إلهتين وهذا ما يبرز تعدد الآلهة المجافي للحقيقة.

ب- لماذا لا نقول أن الجداول الأربعة تشير إلى جهات الأرض الأربع، وليس لأنهار جنة عدن؟!!

جـ- أوجد الله في جنة عدن شجرتين أحدهما شجرة المعرفة والأخرى شجرة معرفة الخير والشر، بينما رُسِم في الجدارية شجرة ونخلة، والنخلة لم تكن طرفًا في حدث السقوط قط.

د- الذي حرس شجرة الحياة بعد طرد آدم وحواء هو الكاروبيم وليس أربعة حيوانات، فهذا ملاك روحاني وتلك حيوانات مادية.

هـ- لم يظهر في الجدارية أهم ما في الموضوع، وهو آدم وحواء أثناء طردهما من جنة عدن.. إلخ.

2- يرى الأب سهيل قاشا أن أول من تصوَّر الملائكة هم البابليون، فيقول “نعرف أن التخيل عن رسل الإله أي الملائكة منشؤه بابل أيضًا، ولا يذكرهم المصريون القدامى البتة، وكذلك صور الكاروبيم والساروفيم والملائكة الحارسين الذين يرافقون الإنسان ترجع في أصلها إلى بابل”(2).

ويتساءل ليوتاكسل ساخرًا كيف يمسك الملاك الروحي سيفًا ماديًا؟ فيقول “ولكن من هو الحارس المزعوم؟ فالنص اليهودي القديم لسفر التكوين يستخدم كلمة “كيروب ” وهي تعني “ثورًا ” وقد إشتقت من كلمة “كاراب ” أي يحرث. لقد أخذ اليهود عن البابليين كثيرًا من العادات والتقاليد المتصلة بالدين، فصنعوا ثيرانًا كبيرة، وصنعوا ما يشبه أبا الهول، وحيوانات معقدة وضعوها في معابدهم. وكانت تلك الصور ذات وجهين: إنساني، ووجه ثور، وكانت لها أجنحة وأرجل بشرية، وأطراف ثور. ثم جاء اللاهوتيون المسيحيون وجعلوا الكيروب “كيروبيم “. والكيروبيمات عندهم ملائكة فتية لا جسم لها، وليس لها شيء سوى رؤوس أطفال، واضحة صغيرة.. أما إذا كيروبيمًا مسيحيًا، لا جسد له، ولا يدين، فإنه سيمسك السيف الملتهب بأسنانه، وستكون هذه هي العلامة التي تميزه”(3).

والحقيقة أن ورود الملائكة في الأساطير الأولى لا يعني على الإطلاق أن سفر التكوين أخذ من هذه الأساطير، لأننا لو أخذنا بالقياس، فمعنى هذا أن ورود اسم الجلالة في الأساطير الأولى يعني أن التوراة أخذت فكرة وجود الله من الأساطير، وهذا غير حقيقية، فالله كائن وملائكته قائمون حوله يسبحونه قبل تدوين التوراة، وقبل الأساطير، بل وقبل خلقة العالم المادي كله.

وردًا على قول ليوتاكسل بأن كلمة “كيروب” تعني ثورًا، وهي مشتقة من كلمة كاراب أي يحرث، فهو قول غير واضح، لأنه ما هو وجه الشبه بين ملاك من الملائكة وبين ثور يشد محراث يحرث الأرض؟!! ولم يوضح أصل الكلمة، بينما كلمة “كروب ” كلمة عبرية معناها “ذو الحكمة ” وجمعها كاروبيم، وهي طغمة من الطغمات الملائكية مثلهم مثل السيرافيم وسائر الملائكة، وليست المسيحية هي التي جعلت الكاروبيم ملائكة، بل هذا واضح أيضًا في العهد القديم، فالذي حرس طريق شجرة الحياة هو كاروب يحمل سيفًا ليس سيفًا عاديًا، إنما سيف يظهر منه لهب في جميع الجهات، وهو ما عبر عنه سفر التكوين “وأقام شرقي عدن الكروبيم ولهيب سيف مُتقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة” (تك 3: 24) وهم حملة العرش الإلهي (راجع سفر حزقيال الإصحاح الأول).

3- يقول الخوري بولس الفغالي أن كاتب سفر التكوين لو علم أن اسم حواء هو اسم إلهة قديمة ما كان دعاها بهذا الاسم “قال البعض أن حواء تعني الأم، دلالة على وحدة الجنس البشري، ورأى البعض الآخر تقاربًا بين الحية وحواء، لأن الحية تمثل قوة الحياة في التقاليد الكنعانية.. ولو عرف الكاتب المُلهَم أن كلمة “حواء ” هو اسم إلهة من الآلهات القديمة لأعرض عن تسمية المرأة بها”(4).

ويعترض كمال الصليبي على دعوة المرأة الأولى باسم “حواء ” ومعناها “أم كل حي ” لأنها أم للبشر فقط وليست أمًا لكل الكائنات الحية، ولذلك يرى أن حواء كانت إلهة في الجنة، وكان معها إله آخر هو الحنش، وإله المعرفة، وإله الحياة اللذان عبَّر عنهما سفر التكوين بشجرتي المعرفة والحياة، فقال “تقول القصة أن الإنسان أطلق اسم حواء على المرأة قبيل خروجه من الجنة لأنها “أم كل حي “.. ولم تكن المرأة بعد قد ولدت أي مولود للإنسان عندما أُطلق عليها هذا الاسم.. لا يكون إلَّا لإلهة الأمومة المطلقة التي تشمل جميع المخلوقات الحية بما فيها البشر.. ويستنتج من ذلك أن حواء في القصة لم تكن في الواقع زوجة الإنسان الأول، بل إلهة أمًا لجميع المخلوقات الحية.

وكان مقامها أصلًا في الجنة، ويبدو أن الحنش أيضًا كان من الآلهة الموجودين أصلًا في الجنة، وهو إله “الحكمة “.. أو “الحيلة “.. وهو إله المعرفة المتمثل في الجنة بشجرة المعرفة، وربما كانت حواء إلهة للأمومة المطلقة مساعدة لآل حياة، وهو إله الحياة المتمثل في الجنة ذاتها بشجرة الحياة.. إذًا نحن بصدد قصة لا تتحدث عن الرب يهوه والإنسان الذي خلقه فحسب، بل عن وضع الإنسان عند خلقه بين ما لا يقل عن ستة آلهة”(5).

والحقيقة أن موسى النبي كاتب سفر التكوين لم يخترع اسم حواء، إنما كتب ما تسلَّمه من التقليد محفوظًا من الخطأ بالروح القدس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والأصل في القصة أن آدم دعى زوجته بعد السقوط باسم حواء، وبعد أجيال طويلة انحرفت الشعوب، وتصوَّر أبناء آدم أن حواء اسم إلهة عاشت في الجنة مع بعض الآلهة، ومادامت القصة دخلت في تعدد الآلهة فهذا يعني أنها انحرفت عن مسارها الصحيح، فلماذا يُعاب على موسى النبي، ويُتهم بالجهل؟. وليس المقصود من تسمية المرأة بحواء ب “أم كل حي ” أنها أم للإنسان والحيوان والطيور والأسماك.. إلخ فإن آدم الإنسان الحكيم العاقل كان يدرك ما يقول، وكان يتصوَّر أن أبنائه سيدركون مثله مغزى التسمية أنها أم كل إنسان حي، فإسقاط المعلوم لا يعتبر عيبًا في أسلوب التعبير، ولم يكن آدم يتصوَّر أن من أبنائه سيخرج النقاد سيئي النية، يحاولون تصيُّد ما يتصورونه أخطاء بأي طريقة كانت.

_____

(1) أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 163، 164.

(2) أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 270.

(3) هل التوراة كتاب مقدس أن جمع من الأساطير؟ ص 39، 40 .

(4) سفر التكوين ص 74، 75.

(5) خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص 30، 31.

هل أخذ سفر التكوين الأنهار الأربعة، وشجرة الحياة، والكروبيم، واسم حواء من أساطير الأولين؟

Exit mobile version