سؤال وجواب

كيف نظر الإنسان المصري القديم لخلق الآلهة والكون؟

 276- كيف نظر الإنسان المصري القديم لخلق الآلهة والكون؟

ثانيًا: أساطير الخلق المصرية:-

ج:

اعتقد الإنسان المصري القديم بأن هناك آلهة لكل شيء، للسماء وللأرض وللشمس وللقمر وللنجوم وللرياح.. إلخ وظهرت أساطير مصرية مختلفة تحكى قصة الخلق، فعندما رأى المصري القديم مياه الفيضان تغمر الأرض، ثم تعود فتنحسر عنها، وتظهر الأرض من الماء، وتظهر الجزر في مجرى النيل أيضًا، ظن أن الأرض برزت في البداية من المياه، ويقول الخورى بولس الفغالى “في مصر كانت أساطير مصر تقول بأن المياه هي أصل الكون، ففيضانات النيل تغطى الحقول كل سنة، وعندما تنحسر المياه تظهر الأرض من جديد وكأنها خارجة من داخل المياه. هكذا بدأ العالم وكأنه مولود من الماء”(1).

وعندما لاحظ المصري القديم أيضًا خروج الأوزة من البيضة، ثم لاحظ أنها تنمو وتطير محلقة في السماء وهي تفرد جناحيها مثل الشمس، ظن أن الأرض خرجت من بيضة، فالبيضة رمز الخصوبة، ويقول الدكتور سيد القمني “فقد تصوَّر المصريون الأقدمون أن الكون بدأ غمرًا ويمًّا هائلًا مظلمًا، أطلقوا عليه اسم (نون         ) وإن من (نون) خرج إله الشمس (رع) بقدرته وحده، لينشر الضياء والحرارة على الأرض، من أجل ظهور اليابس، وتكون التربة صالحة للزراعة.. جاء في الرواية التوراتية يقول {وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه} وإن التعبير “يرف” يستدعى معنى الطيران على وجه المياه، والإله الذي عرفه الشرق القديم، في المصورات طائرًا، هو (رع) المصري، الذي كان يتمثل في شكل قرص الشمس مجتمعًا، وهو الذي خرج من الغمر الأول (نون) وهو الذي أنجب إله الهواء (شو    ) الذي فتق الأرض قسمين عظيمين، بعد أن كانتا رتقًا (يشير القمني إلى ما جاء في سورة الأنبياء 30) ورفع القسم الأعلى سماء فأصبحت هي الإلهة (نوت) ثم تزوجت السماء والأرض، أو تفاعلت ظواهريًا فأنجبا أول البشر على الأرض.. وفي قصة أخرى روى المصريون إن وحشًا أول رمزوا له بالاسم (حاتحور ) أو (هاتور).. وكانت إلهة أنثى، قد انطلقت تدمر بلا تمييز، ودخل (رع) الشمس لإنقاذ البشر، وتغلَّب عليها بعد ملحمة بطولية كبرى”(2).

وهناك أسطورة “عين شمس” التي ترجع إلى سنة 2700 ق.م وتقول إنه ظهر أولًا “أتوم ” Atum إله الشمس من المحيط الأزلي أي الماء، وقد خلق أتوم نفسه بإرادته، وهو مزدوج الجنس، فهو الذكر والأنثى في وقت واحد، وقد أنجب ابنه “شو ” Shu إله الهواء، وإبنته “تفنوت ” Tefnut وذلك عن طريق البصق، فجاء في نصوص الأهرام “لقد بصقتَ ما كان شو، ولفظتَ ما كان تفنوت، ووضعت ذراعيكَ حولهما كذراعى ” ألكا “لأن ألكا الخاصة بك حلَّت فيهما”(3).

ثم تزوج “شو ” بأخته “تفنوت ” وأنجب منها الإله “جب” Geb الأرض، وأنجب أيضًا ابنته “نوت” Nut السماء. ثم تزوج “جب” من أخته “نوت ” فأنجب منها أربعة أطفال وهم إيزيس Isis وأوزيريس Osiris ونفتيس Nephtys وست Seth، وبذلك ظهر في الوجود تسعة آلهة “التاسوع ” The Enead وجميعهم على هيئة بشرية، فأول التاسوع هو “أوم ” الذي أتى إلى الوجود بنفسه، وهو “الأزلي” وهو “الأوحد المتفرد بذاته ” والثاني هو “شو ” وهو “اللانهائي ” و”اللامرئي الذي لا تحيط به الأنظار “. ثم تمضى الأسطورة فتحكى أن “شو ” إله الهواء أحب ابنته “نوت ” جدًا، وفضَّلها عن أخيها وزوجها “جب ” وفي ثورة غيرته رفعها لأعلى، فولدت النجوم(4).

ويقول فراس السواح “ففي الأسطورة المصرية نجد “جيب ” إله الأرض الذكر، و”توت ” إلهة السماء المؤنثة في حالة إتحاد، وقد تزوجا بعضهما سرًا دون إذن الإله “رع ” فلما علم كبير الآلهة بذلك أرسل إله الهواء “شو ” الذي أبعدهما عن بعض عنوة. ومنذ ذلك الوقت والإله “شو ” يطأ بقدميه “جيب ” الصريع، ويرفع بذراعيه القويتين السماء “توت “..”(5).

ونرجئ التعليق على هذه الأساطير إلى السؤال رقم (280).

_____

(1) سفر التكوين ص 78.

(2) الأسطورة والتراث ص201، 202.

(3) كارم محمود عزيز – أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص39.

(4) راجع د. كارم محمود عزيز – أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم.

(5) مغامرة العقل الأول ص129.

كيف نظر الإنسان المصري القديم لخلق الآلهة والكون؟