كيف بدأت حضارة سومر؟ وكيف تقدمت؟ وكيف انتهت؟
272- كيف بدأت حضارة سومر؟ وكيف تقدمت؟ وكيف انتهت؟
ج:
لا أحد يعرف على وجه التحديد من أين جاء السومريون، فربما جاءوا من المناطق الجبلية فيما وراء إيران في منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، ولذلك يمثل السومريون أقدم أمة سكنت ما بين النهرين، وقد ذُكرت في الكتاب المقدَّس باسم شنعار (تك10: 10، 11، 14: 1، 9، أش11: 11..)
وكانت أرض شنعار تشغل شمال الخليج العربي، وجنوب بابل في أرض الرافدين (الجزء الجنوبي من العراق الحالي) ومع بداية الألف الثالثة قبل الميلاد بدأت الزراعة، بينما النظام النقدي لم يكن معروفًا، ولا التبادل التجاري بالمعنى المفهوم، وقامت الحيازة الفردية ضمن الحيازة الجماعية، فكل شيء كان يعتبر ملكًا للجماعة وليست ملكا لفرد بعينه، حتى أدوات الفلاحة والمواشي.
وقد وصلت الحضارة السومرية إلى ذروتها خلال الفترة من 2700 – 2400 ق.م، فكان للشعب السومري النظام الهندسى في المباني، فاستخدموا نظام الأعمدة والمداخل المستديرة والقباب تلك الأنظمة التي عُرفت في أروبا فيما بعد، واستخدم السومريون الذهب والفضة والأحجار الكريمة في أدوات الزينة، وزخرفة الأسلحة، بل حتى الأواني المنزلية، كما استخدموا النحاس والزجاج، وعند التنقيب في خرائب “أور ” تم اكتشاف مقبرة أمير يدعى “سكلدج ” وأُكتشف فيها قناع للرأس من الذهب المطروق شُكلت فيه الأذنين..
كما أُكتشف في نفس المقبرة مصباح من الذهب الخالص نُقش عليه اسم الأمير، وخنجر بمقبض ذهبي، وهذا يعكس أثر تقدم الحضارة السومرية التي استوردت الذهب من عيلام وأنطاكية، والمرمر من إيران، والفضة من كيليكية، والنحاس من عمان، أي أنه كان هناك تبادلًا تجاريًا مع المناطق المحيطة.
وظهرت الكتابة في سومر سنة 3300 ق.م تقريبًا، فسومر هي التي اخترعت الكتابة السومرية التي صارت مفتاحًا لنقل العلوم والمعارف والأدب والثقافة، وعندما خلَّقت الحضارة البابلية الحضارة السومرية أخذت عنها الكتابة المسمارية Cuneiform، فصارت لغة التخاطب الدولية في الشرق الأوسط ومصر وغرب آسيا، وتشهد بهذا رسائل تل العمارنة(1).
وظهرت الكتابة في سومر سنة 3300 ق.م تقريبًا، فسومر هي التي اخترعت الكتابة السومرية التي صارت مفتاحًا لنقل العلوم والمعارف والأدب والثقافة، وعندما خلَّفت الحضارة البابلية الحضارة السومرية أخذت عنها الكتابة المسمارية فصارت لغة التخاطب الدولية في الشرق الأوسط ومصر وغرب آسيا، وتشهد بهذا رسائل تل العمارنة(2).
ويقول “ول ديورانت ” عن بلاد سومر ” على هذا المسرح غير الدقيق التحديد الآهل بالسكان وبالثقافات المتبادلة نشأت الزراعة والتجارة، والخيل المتأنسة والمركبات، وسكت النقود، وكتبت خطابات الاعتماد، ونشأت الحرف والصناعات، والشرائع والحكومات، وعلوم الرياضة والطب، والحقن الشرجية، وطرق صرف المياه، والهندسة والفلك، والتقويم والساعات، وصُورت دائرة البروج، وعُرفت الحروف الهجائية والكتابة، وأُخترع الورق والحبر، وألَفت الكتب وشُيدت المكتبات والمدارس، ونشأت الآداب والموسيقى والنحت وهندسة البناء..
وصنع الخزف المطلي المصقول والأثاث الدقيق الجميل، ونشأت عقيدة التوحيد ووحدة الزواج، واستخدمت أدهان التجميل والحلى، وفُرضت ضريبة الدخل، واُستخدمت المرضعات، وشربت الخمور. عُرفت هذه الأشياء كلها واستمدت منها أوروبا وأمريكا ثقافتهما على مدى القرون”(3)(4).
وفي نحو سنة 2400 ق.م هاجر إلى سومر موجات من القبائل الأكادية، وعاشوا كوافدين من الدرجة الثانية حتى استطاع سرجون الأول أن يصل إلى العرش، وسرجون هو صاحب قصة الإلقاء في اليم، فقالوا عنه إن أمه ولدته وأخفته، ثم وضعته في سلة من البوص بعد أن طلتها بالقار، ووضعته في ماء الفرات، فحمله التيار حتى انتشله فلاح وتبناه وعلَّمه الفلاحة، وقد شملته الإلهة “عشتار ” ESHTAR برعايتها ثم تولى ملك البلاد(5).
ويقول “ول ديورانت “.. “عُثر في مدينة سومر على أثر ضخم مكوَّن من حجر واحد يمثل سرجون ذا لحية كبيرة تخلع عليه كثير من المهابة؟؟، وعليه من الثياب؟؟ ما يدل على الكبرياء وعظم السلطان. ولم يكن سرجون هذا من أبناء الملوك: فلم يعرف التاريخ له أبًا، ولم تكن والدته غير عاهرة من عاهرات المعابد، ولكن الأساطير السومرية اصطنعت له سيرة روتها على لسانه شبيهة في بدايتها بسيرة موسى، فهو يقول: وحملت بي أمي الوضيعة الشأن، وأخرجتني إلى العالم سرًا ووضعتني في قارب من الأسل كالسلة، وأغلقت على الباب بالقار. وأنجاه أحد العمال وأصبح فيما بعد ساقي الملك، فقرَّبه إليه، وزاد نفوذه وسلطانه.
ثم خرج على سيده، وخلعه وجلس على عرش أجاد، وسمى نفسه “الملك صاحب السلطان العالمي ” وإن لم يكن يحكم إلاَّ قسمًا صغيرًا من أرض الجزيرة، ويسميه المؤرخون “سرجون الأعظم ” لأنه غزا مدنًا كثيرة، وغنم مغانم عظيمة، وأهلك عددًا كبيرًا من الخلائق، وكان من بين ضحاياه لوجال – زجيزى (ملك السومريين السفاح) نفسه الذي نهب لكش وانتهك حرمة آلهتها.
فقد هزمه سرجون وساقه مقيدًا بالأغلال إلى نبور، وأخذ هذا الجندي الباسل يُخضع البلاد شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، فاستولى على عيلام وغسل أسلحته في مياه الخليج الفارسي العظيم رمزًا لانتصاراته الباهرة، ثم اجتاز غرب آسيا ووصل إلى البحر المتوسط، وأسَّس أول إمبراطورية عرفها التاريخ، وظل يحكمها خمسًا وخمسين سنة”(6)(7).
وإن شاءت نعمة الله وعشنا فلنا عودة لقصة سرجون عند دراستنا لسفر الخروج هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت، واستمرت الدولة الأكادية نحو مائتي عام (2340 -2180 ق.م) ثم انهارت، واستعاد السومريون قدرتهم وأسَّسوا دولة موحدة (العصر السومري الثاني) ثم انتهت هذه الدولة السومرية الثانية على أيدي القبائل العمورية (أو الأمورية أو الحمورية) ونشأت دولة بابل الأولى (1880 – 1595 ق.م) وكان من أشهر ملوكها حمورابي 1792 – 1750 ق.م(8).
وفي سنة 1965م تم اكتشاف عدد كبير من الألواح السومرية بالخط المسماري في “تل أبو سلابخ ” على بُعد 12 ميلًا من “تبور ” ترجع إلى سنة 2600 ق.م.
وأيضًا تم اكتشاف لوحات أخرى في عدة أماكن تُظهر براعة السومريين في استخدام قواعد الحساب والهندسة وطريقة استخراج الجذر التربيعي أو التكعيبي، ولوحات أخرى ظهر عليها طريقة حساب مساحة أرض غير متساوية الأضلاع، ولوحات تحوى قوائم الموازين والمكاييل المستخدمة حينذاك، ولوحات حوت إرشادات لبعض العمليات الجراحية الصغيرة، وفوائد الأعشاب، وبعض الوصفات الطبية، وكانت الهبات التي تقدم للآلهة توضع في المخازن، فتم اكتشاف صور إيصالات لاستلام هذه الهبات من الماشية والشعير والجبن والزبد.
وفي سومر بدأت الديانات والسياسة والعلوم والشعر والقضاء، فقد “وصلت إلينا مجموعتين غير متكاملتين من القوانين السومرية: مجموعة قوانين ” أورو – نامَو “مؤسس الأسرة الثالثة في “أور ” أي أنها ترجع إلى نحو 2050 ق.م. ثم مجموعة “ليبيت – إشتار “الملك الخامس في إسن ” والتي ترجع إلى 1850 ق.م، وتتعلق هذه القوانين بالزواج والخطايا الجنسية، والطلاق والقذف والاعتداء، والعبيد، وإهمال دفع الضرائب، والميراث، وتأجير الثيران.. إلخ وكانت هذه القوانين سابقة للقوانين الأشمل والأشهر مثل قوانين حمورابي”(9).
وعاشت النساء الشريفات في ظل الحياة السومرية حياة الترف والاهتمام بزينتهن، فيقول “ول ديوارانت “.. “غير أن نساء الطبقات العليا كن يحيين حياة مترفة..
فالأدهان والأصباغ والجواهر من أظهر العادايات في المقابر السومرية وقد كشف الأستاذ ” ولى “في قبر الملكة ” شوب – آد “عن مدهنة صغيرة من دهنج أزرق مشرَّب بالخضرة، وعلى دبابيس من الذهب رؤوسها من اللازورد، كما عُثر أيضًا على مثبنة عليها قشرة من الذهب المخَّرم، وقد وُجِدت في هذه المثبنة التي لا يزيد حجمها على حجم الخنصر ملعقة صغيرة لعلها كانت تستخدم في أخذ الصبغة الحمراء من المدهنة.
وكان فيها أيضًا عصا معدنية يستعان بها على ملوسة الجلد، وملقط لعله كان يُستخدم لتزجيج الحاجبين أو لنزع ما ليس مرغوبًا فيه من الشعر، وكانت خواتم الملكة مصنوعة من أسلاك الذهب وكان أحدهما مطعمًا بفصوص من اللازورد، وكان عقدها من الذهب المنقوش واللازورد، وما أصدق المثل القائل أنه لا جديد تحت الشمس”(10)(11).
ولم تتمكن سومر من إقامة وحدة سياسية مركزية مثل مصر لأسباب جغرافية، فسومر تقع في منطقة منبسطة ممتدة، بينما نجد في مصر الصحراء تحيط بجانبي الوادي، وكذلك صحراء سيناء، فهذه وتلك تمثل حماية طبيعية للدولة الفرعونية. ورغم الفرقة السياسية في سومر، إلاَّ أن الشعب السومري كان يشعر بأن هناك وحدة قومية تربطهم، بل اعتبروا أنفسهم أنهم مميَّزين عن بقية البشر بسبب اتصالهم الأقوى بالآلهة، وقد ظهر هذا في أسطورة إنكى وهو يبارك بلاد سومر بكلمات رفيعة.
_____
(1) راجع الأب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص 26.
(2) راجع الأب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص26.
(3) ترجمة د. زكى نجيب، ومحمد بدران.
(4) قصة الحضارة – المجلد الأول (2) طبعة 2001 ص9، 10.
(5) راجع د. عبد العزيز صالح – الشرق الأدنى القديم مصر والعراق ج1 ص76.
(6) ترجمة د.زكى نجيب، ومحمد بدران.
(7) قصة الحضارة – المجلد الأول (2) طبعة 2001ص 18، 19.
(8) راجع د. سيد القمنى – قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص81، 82.
(9) دائرة المعارف الكتابية ج4 ص476.
(10) ترجمة د.زكى نجيب محمود، ومحمد بدران.
(11) قصة الحضارة – المجلد الأول (2) طبعة2001 ص 33.